الإنسان الذي تمنَعُه أولادُه أو أموالُه عن طاعةِ الله تبارك وتعالى فهو من الخاسرين

نحن أتباعك يا رسول الله
نحن أتباعك يا رسول الله
2 نوفمبر 2016
أكثر الملائكة حول العرش حافون من حول العرش محيطون به
أكثر الملائكة حول العرش حافون من حول العرش محيطون به
2 نوفمبر 2016
نحن أتباعك يا رسول الله
نحن أتباعك يا رسول الله
2 نوفمبر 2016
أكثر الملائكة حول العرش حافون من حول العرش محيطون به
أكثر الملائكة حول العرش حافون من حول العرش محيطون به
2 نوفمبر 2016

الإنسان الذي تمنَعُه أولادُه أو أموالُه عن طاعةِ الله تبارك وتعالى فهو من الخاسرين

الإنسان الذي تمنَعُه أولادُه أو أموالُه عن طاعةِ الله تبارك وتعالى فهو من الخاسرين

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وبعد فقد قال الله تبارك وتعالى (يَا أيُّها الذِينَ ءامَنُوا لاَ تُلْهِكُمْ أمْوَالُكُمْ وَلاَ أوْلاَدُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللهِ) [سورة المنافقون ءاية 9].

الذكرُ معناه طاعة الله، أي لا تُلهِكُم أموالكم ولا أولادُكم عمّا فرضَ الله عَلَيكُم من أمر الدّين، فالذي تمنَعُه أولادُه أو أموالُه عن طاعةِ الله تبارك وتعالى فهو من الخاسرين، فإنّما ذكر الله تباركَ وتعالى هذين لأنَّهُمَا أعظمُ الشَّواغِل، أعظم ما يَشغَلُ الناس عن طاعة الله تبارك وتعالى الأموال والأولاد كثير من الناس يعصُون ربّهُم من أجل أموالهم، يقعون في الكبائر والصّغائر من أجل المال، ومنهم من يَعصي الله تبارك وتعالى بالكبائر والصغائر لأجل الأولاد، لأجل أولاده فكلا الفريقين من الهالكين في الآخرة.

لذلك يجب على الإنسان أن يعرف ما أحلَّ الله من المال وما حرّم، ويجبُ عليه أن يعرف ما يعامل به أولادَه، لأنّ معامَلَة الأولاد في أشياء حقٌّ دينيٌّ وأما في أشياء فهو معصيةٌ لله تباركَ وتعالى، وقد صحّ عن رسول الله أنّ العَبَدَ لا تَزُولُ قدَمَاهُ يومَ القِيامَة، أي عن الموقف، حتى يُسأل عن أربَع، عن أربعة أشياء.

قال عليه الصلاة والسلام (لا تَزُولُ قَدمَا عَبدٍ يوم القيامة حتى يُسأل عن أربع عن عُمرِهِ فيما أفناه وعن جِسمِه فيما أبلاه وعن مالِهِ من أين اكتسَبه وفِيم أنفَقَه وعن علمِهِ ماذا عَمِل به). رواه الطبراني في المعجم الكبير

هو سؤال يوم القيامة عن هذه الأشياء، فيما أفنيتَ عُمركَ فمن الناس من أفنَوا أعمَارَهُم في طاعة الله، من أوّل سرِيرتهم إلى إبَّانِ موتِهم، هؤلاء من السّابقين أي من أهل الدرجات العُلى الذين يرفُقُهُم الله تعالى فوق عبادِه درجات، ومنهم من يُفنِي كثيراً من عمره في معاصي اللهِ تباركَ وتعالى ثمّ يتوبُ قبلَ أن يموت توبةً نَصوحًا أي يتوب من جميع الذّنوب، فيأتيه الموتُ وهو تائب ليس له ذنبٌ إلاّ وقد تاب منه قبل أن يموت، وهؤلاء أيضًا من النّاجين، من السّالمين، ليس عليهم عذابٌ في قبورهم ولا في ءاخرتهم.

والصِـّنفُ الآخر من النّاس من هو على خلافِ ذلك، فمن هؤلاء من أضاع عمره في معاصي الله تعالى فهؤلاء أعظمُ النّاسِ خطراً في الآخرة.

وهناكَ صِنفٌ ءاخرون من البشر وهم الذين أضاعوا قِسمًا من أعمارهم في طاعة الله ثم خُتِمَ لهم بحالةٍ سيّئةٍ أي وهم مسترسلون في معاصي الله، كانوا قبل ذلك غيرَ مسترسلين في المعاصي ثم غَطَسُوا في المعاصي حتى ماتوا وهم على هذه الحال وهؤلاء من أسوأ الناس حالاً في الآخرة.

وقسمٌ من الناس أفنَوا كثيراً من أعمارهم في المعاصي ثم قِسمًا كبيراً في طاعةِ الله تعالى وهؤلاء أحسَنُ حالاً من كثير من غيرهم.

وأمّا الجسم فيجب على الإنسان أن لا يُصَرّفَ جسمه في معاصي الله تبارك وتعالى كهؤلاء الذين يقاتلون النّاسَ في غيرِ سبيل الله تبارك وتعالى فتصيبهُم جروح وعَطَبٌ في بعض أجسادهم وهم لا يقاتلون في سبيل الله، بل كانوا يقاتلونَ النّاس في سبيل أهوائِهم، هؤلاء كلُّهم خاسرون.

وأمّا القِسم الذين يحفَظُون أجسامَهُم عن تصريفها في معاصي الله تعالى ويقتصرون على تصريفها في طاعةِ الله وما أحلَّ الله تعالى من الأمور المُبَاحة فهؤلاء ناجُون سالمون يكونون من أهل الدّرجات العُلَى.

وأما الأموال فالأموال قِسمان مالٌ مذموم ومالٌ ممدوح، المالُ المذموم فهو المال المجلوبُ من طريقٍ حرام كالذين يكتسبون المالَ من الرّبا، الرّبا هو أن يُقرضَ الإنسانُ مالَهُ مع شرطِ الزّيادة كأن يُقرضَ الألفَ على أن يُردَّ له الألفُ مع شىءٍ من الزيادة قَلَّت أو كَثُرت هذا مالٌ محرّم، وبالٌ على صاحبه يومَ القيامة، يُعَذَّبُ على ذلك أي على جمعه المال من الطريق الذي حرَّمَهُ الله.

وكذلك الذي يستولي على مالِ يتيم قريبٍ له أو يتيم غيرِ قريبٍ له، أو يستولي على مال الوقف وليس هو من أهل الوَقفِ المستحقين هذا أيضًا مالُه حرام يكون وبالاً عليه في الآخرة، فمن جَمَعَ مالاً من حرام كانَ ذلكَ وَبالاً عليه في الآخرة لو تصدَّق به على الفقراء والمسَاكين وقضَى به حاجاتِ المحتاجين أهل الضرورات لا يقبل الله منه لأن الله لا يقبلُ صَرفَ المالِ الحرام في الصدقات أو غيرها في أي وجه كان لا يقبله الله، فمن دخل في يدِه مالٌ حرام توبتُه ان يَرُدَّ ذلكَ المالَ الحرامَ إن كان ذلك المالُ قائمًا بعينه أي لم يَتلف، لم يتصرف فيه، توبَتُه أن يَرُدَّ ذلك المال إلى اصحابِه المستحقّين له فإن مات أصحابُه المستحقّون له فإلى ورثته.

وأما إن تصرّفَ فيه استهلكه وأتلفه وصار لا يمكنُه أن يَرُدَّه إلى مستحقِـّه بعينه فإمّا أن يستسمِحَ صاحبَ الحقّ وإمّا أن يَرُدّ له بدَل ذلك المال الذي أتلَفهُ عليه، فمن فَعَل ذلك معَ النّدَم صار تائبًا لا يعذّبُه الله تعالى في الآخرة من أجل ذلك المال.

وأمّا من جَمَعَ المالَ بطريق حلال مثلاً وَرِثَ من أبيه مالاً كثير حلالاً ثم صارَ يصرِفُه في وجوه الحرام فهذا أيضًا مالُه وبالٌ عليه في الآخرة، يُعَذَّبُ بذلك المال الذي صرفَه في الحرام، كالّذي يصرفُ مالَه في الخمور وما أشبهَ ذلك.

كذلك الذي يصرف ماله للرّياء حتّى يُقال عنه فلان كريم فلان سخي يصرف للناس من ماله الحلال ليمدحَهُ الناس هذا أيضًا يستحقُّ عذابَ الله لأنَّ الذي يعمَلُ حسنَة ليمدَحَه النّاس يستحقُّ عذابَ الله، إنما السّالم النّاجي عند الله هو الذي يأخذ المالَ من طريقٍ حلالٍ ويصرفه بطريقٍ حلال، لا يصرفه في الخمور وما أشبه ذلك من المعاصي، ولا يصرف ماله من أجل أن يمدَحَهُ الناسُ، فالذي يُطعم النّاس أو يبني مسجداً أو مدرسة أو مستشفى من مال حلال حتى يمدحَهُ الناس هذا ليس له ثواب عند الله إلا العقوبة في الآخرة.

فلما كان الأمرُ كذلك أي أنه لا تزول قَدَمَا عبدٍ ذلك اليومَ العظيم عن موقِفِه حتى يُسأل عن هذه الأشياء الأربعة كان من الواجبِ أن يحفَظَ الإنسانُ نَفسَه من استعمال جوارحِه في الحرام ومن استعمال ماله في الحرام، وكثيرٌ من الناس يعصون ربّهم من أجل الأولاد مثلاً المرأة يكون لها ولدٌ من أجل ولدها تترك الصلاة صلاةً أو صلاتين أو أكثر هذه استحقّت عذابَ الله.

بعض النساء التقيّات في الحبشة يروى انها كانت تربُط الولد حتّى تُؤَدّيَ فرِيضَة الله تربطه حتى لا يتحرك هكذا وهكذا فيقع في مهلكَة، ثم بعد أن تنهيَ صلاتَها تفك عنه الرَّبط هكذا ليفعلن النساء اللاتي يتّقين الله، إذا خِفنَ على الولد من أن يقع في مهلكة لا يجوز أن تُترك الصلاةُ من أجل الولد، بل تسلُكُ طريقًا فيه حِفظٌ للولد من الهلاك وفيه حفظ للوقت عن إضاعة الصّلاة التي فرضها الله تبارك وتعالى في وقتها، هكذا تفعل النّساء الحكيمات التقيّات العارفات بالدين.

ثم بعضُ الناس يقعون في الكبائر من أجل اولادهم بعدّة طُرُق، من ذلك أن بعضَ النّاس من أجل تخريجِ أولادِهم مثقفين ثقافةً كبيرةً في علوم الدّنيا يأخذونَ المالَ بطريق الرّبا لينفقوا على أولادِهم، هؤلاء أهلكوا أنفُسَهم ثمّ لا يضمنون النّفع الدنيوي من هؤلاء الأولاد بعض هؤلاء الأولاد يأخذ الثقافة الدنيوية ثم يعود إلى بلده ثمّ لا يعتبر أباه الذي تعبَ عليه شيئاً، يحتقِرُه، يقول هذا ما عنده ثقافة، ينظر إليه كأنه بهيمة، ينظر إلى أبيه الذي تعب عليه وعصَى ربّه من أجله، جمع المال من هنا ومن هنا من حرام لينفق على هذا الولد حتّى يتخرّج طبيبًا أو مهندسًا أو غيرَ ذلك، ينظر إليه كأنه بهيمة.

هو أتعب نفسَه وعصى ربّه من أجله ثم هذا الولد يطلع عاقًّا بعدما يرجع من رحلته للدراسة، ينظر إلى أبيه كأنه بهيمة لأنّه ليس له هذه الثقافة التي هو حملَها من الأرضِ التي كان فيها، ومن الناس من يموت لهم هؤلاء الأولاد قبل أن ينالوا منهم ما كان ءاباؤهم يرجونَ من تخريجهم مثّقفين، يموتون قبل أن يعملوا ويجمعوا مالاً ويفرّحوا ءاباءهم، هؤلاء أيضًا خسروا كانوا تعبوا بخدمتهم حتى أدخلوا على أنفسهم المال الحرام من أجلهم ثم ما نالوا منهم ما كانوا يؤمِـّلُونه من النّفع في الدنيا.

ورد في الحديث (كَم مِن مُستَقبِلٍ يَومًا لا يَستَكمِلُه) أورده الحافظ ابن عساكر في تاريخ دمشق معناه أنّ الإنسان يصبح الصبّاح ثم لا يعلم أنه يكمِـّل هذا النّهار، بل يدركه الموتُ في أثناء هذا النهار، قبل أن يكمِـّلَه.

كذلك كم من الناس من مستقبل ليلَة لا يَستكمِلُها لأنّ الموتَ لا يشاور الشّخصَ بل يأتيه في الوقت الذي علم الله في الأزل أنّه يأتي، حتماً يأتيه في ذلك الوقت، ومن الناس من يموتون فجأةً هذا يموتُ وهو ماش في طريقه وهذا يموت وهو يضحَكُ مع النّاس وهذا يموت وهو ساجدٌ في الصلاة إلى غير ذلك من الأحوال التي يصادف الموتُ فيها الإنسان.

فلا ينبغي للإنسان أن يعتمد على الأولاد أو على المال لأن الله تبارك وتعالى هو الذي لا يُستَغنَى عنه.

أما المال والولد وغيرُ ذلك من أمور الدنيا فليست هي التي تضمن السّعادَةَ للإنسان إنّما طاعةُ الله تعالى هي التي تضمن السّعادة للإنسان، السعادةُ هي السعادة الأخروية اما السعادة الدّنيوية فهي معلومة، أن يكون للإنسان دَارٌ واسعةٌ وأن يكون له مركبٌ هنيءٌ إلى غير ذلك من أنواع سعادة الإنسان الدنيويّة، هذه السّعادة الدنيويّة لا تضمَنُ للإنسان السعادة الأخروية بل كثير من الناس لا حظّ لهم عند الله كبير، يكونون في الدّنيا مُترَفين بأنواع من النِـّعَم وممتّعين بالصّحة والنّشاط وهم متقلبون في معصية الله تبارك وتعالى، هؤلاء هذا دليلٌ على أنّهم في الآخرة حظُّهم قليل، إن ماتوا مسلمين حظهم في الآخرة قليل.

من كان حظّه في الآخرة كثيراً لا يكون هكذا، أكثر الصالحين الذين يحبّهم الله تعالى من عباده حَظُّهم من الدّنيا قليل، أكثَرُ الصّالحين الرّسولُ أخبَرَنَا عنهم بأنّ الله يحمِيهِم من الدُّنيا كما يحمي الإنسَانُ مَرِيضَهُ من الماء، بعض الأمراض يُحمى فيها المريضُ من الماء فكما يحمي الشخصُ مريضَهُ من الماء إذا كانَ لا يَصلُحُ له الماء، كذلك الله تعالى يحمي عبدَه الذي يحبُّه من الدّنيا، أي لا يوسِـّعُ عليه من المال، أمّا الذين يجمعون بينَ الغِنَى والصَّلاح والتّقوى فهم قِلّةٌ قليلةٌ بالنسبة للآخرين من الأغنياء.

أغلبُ الأغنياء ملتهونَ بدنياهُم عن طاعة الله تبارك وتعالى إنما القليل القليل هم الذين يجمعونَ مالاً حلالاً ويصرِفُونه في الحلال وهم محافظون على طاعة الله تبارك وتعالى، لا يفرح أحدٌ بكون الرّجُلِ متقلّباً في النعيم والصحة، هذا ليس دليلَ الرّضى عند الله، كثيرٌ من الناس لما يكونونَ بحالة بَسط ورخَاء يقولون الله يحبّني هذا كذبٌ، إنما الذي يحبُّه الله تعالى هو المؤمن التّقي الذي يؤدّي الواجبات ويجتنب المحرّمات، هذا الذي يحبُّه الله أما هؤلاء المغرورون يكونون مُعرِضين عن طاعةِ الله لا يعرفون الحلال والحرام يقولون نحن مسلمون ويتخبّطون في الحرام، وينغمسون في الحرام، ويقولون بأنّهم مترفّهون في عيشتهم والبلايا لا تكثُر عليهم، يقولون نحن الله راضٍ عنّا الله يحبُّنا والعياذ بالله، هؤلاء هلكُوا.

مَهما كان الإنسانُ في هذه الدّنيا مبتلى بالأمراض والفقر فهو على خيرٍ عند الله إن كان دينُه سَلِمَ له، أي إن كان يؤدّي الواجبات ويجتنب المحرمات فهو عند الله تعالى على خير مهما بَلغَ في مَصائب الدّنيا التي تصيبُه. اهـ

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *