معنى اليَهُوْدُ وَالنَّصَارَى وأَهْل الكِتَابِ
17 مايو 2022الِاجْتِهَادُ وَالتَّقْلِيدُ (3)
23 مايو 2022حديث (لَعَنَ اللهُ المحلِّلَ والْمُحَلَّلَ لهُ)
لا يُشتَرط للطّلاق شُهود، لو قالَ طَلّقتُ زَوجَتي فُلانةَ وهيَ في بَلدٍ بَعِيد وهوَ في أرضٍ بعِيدة، يعني كأنّه يتَكلّم مع الهواءِ ثبَتَ الطّلاق، فإذا قالَ الرّجلُ لزَوجَتِه طلَّقتُكِ بالثّلاث أو أنتِ طَالقٌ بالثّلاث حرُمَت عليه، ولا تحِلّ له حتّى تتَزوَّج رجلا غَيرَه ثم يُجامعُها ولو لم يُنْزِل، لا تحِلُّ لهُ بغَيرِ ذلكَ.
وهذَا الزّوجُ الثاني يقولونَ عنهُ التّيسُ المستَعار، هو هذَا الأمر مَكرُوهٌ وليسَ مَشكُورًا لكن بدَلَ أن يقَعَ في الحرام إذا وقَع في هذَا المكروه خَيرٌ له، لأجلِ هذَا الإمامُ أبو حنيفَة والإمامُ الشّافعيّ أحلَّا هذَا الذي يُسَمُّونَه التَجْحِيش، أحَلّاه وكذلكَ الإمامُ أحمد أمّا إمامنا مالكٌ عندَه حرَامٌ التّجحِيش، الإمام مالك سماه التَّيسَ المستَعار.
وردَ في الحديث الصَّحِيح (لَعَنَ اللهُ المحلِّلَ والْمُحَلَّلَ لهُ) رواه أبو داود وأحمد والنسائي والترمذي وابن ماجه والنسائي وغيرهم، هذَا تَفسِيرُه عندَ الحنفِيةِ والشّافعِيةِ شَخصٌ يُجرِي عَقدَ النِّكاح على امرأةٍ فيَشتَرِطُ في صُلبِ العَقدِ أنّهُ إذا جَامَعَها طلَّقَها، هذَا المحلِّلُ الذي هو مَلعُونٌ، ليسَ الذي يتّفِقُ قَبلَ العَقدِ ثم يُجرِي العَقدَ بلا شَرْطٍ، ولا يكونُ حرَامًا عندَ الشّافعِيةِ والحنفِيةِ إذَا اتّفَق قبلَ العَقدِ على أنّه يُجامِعُ هذِه المرأةَ المطَلَّقةَ بالثّلاثِ لتَحِلَّ لزوجِها الأوّل، وأمّا عندَنا معاشر المالِكية جِماعُ هَذا الرّجلِ الثّاني زنًى.
هذَا الحديثُ (لَعنَ اللهُ المحلِّلَ والمحلَّلُ لهُ) اختَلَفُوا في تفسِيرِه، الحنفيةُ والشّافعيةُ قالوا هذَا إذا شَرَطَ في صُلبِ العَقدِ أنّهُ يُطلّقُها بعدَما يُجامِعُها، وليُّها قالَ لهُ زَوّجتُكَ بنتي هذِه على أنْ تُطلّقَها إذا جامَعتَها، أي لتَرجِع للزّوج الأوّلِ، شَرَطَ ضِمْنَ العَقدِ، فقال قَبِلتُ على ذلكَ، أي على هذا الشّرطِ، هَذا الذي يكونُ مَلعُونًا بالاتّفاقِ مِنَ الأئِمّةِ الأربعةِ، أمّا إذا لم يُدخِل هَذا الشّرطَ ضِمنَ العَقدِ بل اتَّفقَ عليهِ قَبلَ العَقدِ ثم أُجرِي العَقدُ بلا شَرط ليسَ حَرامًا عندَ الحنفِيّةِ والشّافعِيةِ أمّا عندَنا المَالِكية فهوَ حَرامٌ لأنّ النّيةَ تَحلِيلُها للأوّلِ، الذي يتَزَوَّجُ المرأةَ المطلَّقَةَ بالثّلاث ليُطَلّقَها لتَحِلَّ لزَوجِها الأوَّل فتَعُودَ إليه سماهُ الإمامُ مَالك التَّيسَ المستَعار، عند مالكٍ هذا لا يصِحُّ، عندَه هذا زنًى، إلا إذَا تزَوّجَها الثاني مِن أجلِ المعاشَرةِ الزّوجيّةِ ثم بدَا لهُ أن يطَلِّقَها عندَها يجوز، أمّا أن يكونَ اتّفقَ على ذلكَ مِنَ الابتداء فلا يصحُّ عندَ مَالِك، مَالكٌ يَقول عن الذي يتّفِق مع الوليّ أي وليِّ البنتِ ليتزَوجَها ثم يطلّقَها ليتَزوجَها الآخَر الذي كانَ طَلّقَها بالثّلاثِ يَقُول هذا حَرام، يسمّيْه التَّيسَ المستَعار يذُمُّه ذمًّا شَدِيدا، أمّا عند الشافعي والأكثَرِينَ يجوز أن يتّفِقَ مع الوليّ على ذلك طَالما أنّه لم يذكُر ذلك في العَقد، ولو أعطَى وليُّ البِنتِ مَالا لِلّذي تزوّجَها وطلّقَها تَبرّعًا منه يجوز، وأمّا لو قال له بشَرطِ أن تُعطِيَني مَبلغَ كذا فلا يحِلُّ له أن يأخذَ هَذا المالَ لأنّه جعَلَه لهُ أُجرَةً.
إذَا طَلّقَ الرّجُلُ زَوجتَه بالثَّلاث ثم اتّفَق مع آخَر على أن يتَزوَّج لهُ هذه المرأةَ ثم يُطَلّقَها حتى تَعُودَ إلَيهِ فَهذا الأمرُ مَكرُوهٌ عندَ الجَمِيع إذا كانَ حصَلَ بالاتّفَاق، والمالكيّةُ يُسَمُّونَ الزّوجَ الثّاني بالتَّيس المستعَار ذَمًّا لهُ، ومَن سمّى ذلكَ تَجْحِيْشًا مَا علَيهِ ضَرر، ولو قال الرّجلُ لزَوجَتِه أُرِيدُ أن أُطَلِّقَكِ، لو قالَ كُلَّ يَوم أُريدُ أن أُطَلّقَكِ لا تَطلُق إلا أن يقولَ أنتِ طَالِقٌ أو يقولَ طَلّقتُكِ أو يقولَ أَنتِ مُطلَّقَة، وأما المرأةُ فليس لها أن تُطَلّق زَوجَها فتَقُولَ له أنتَ طَالِق، اللهُ تَعالى ما جعَلَ لها هذَا إلاّ إذا هوَ وكَّلَها، إلاّ إذا هوَ قالَ لها وكّلتُكِ لتُطَلّقِي نَفسَكِ متى شِئتِ، فهذا يجُوز، أمّا عندَ الحنفية ضِمنَ العَقد إذا قالَ لهُ أبوها زَوّجتُك بنتي فُلانَةَ على أن يكونَ أمرُها بيَدِها فقال قبِلتُ زواجَها على ذلك، عندَ الحنفية متى ما شاءَت أن تُطلِّقَ نَفسَها تُطَلِّق وتَأخُذُ مَهرَها منه، تَقُولَ لهُ طَلَّقتُ نَفسِي مِنكَ فتَطلُقُ (يكونُ أمرُها بيَدِها) لا تقولُ لهُ أنتَ طَالِقٌ لا يصحُّ، الرَّجُلُ لا يَلحَقُهُ طَلَاقٌ.
وفي الإشراف على نكت مسائل الخلاف للقاضي أبي محمد عبد الوهاب بن علي بن نصر البغدادي المالكي (422 هـ) مسألة (إذا تزوجها بقصد إحلالها للأول فالنكاح فاسد لا تحل به خلافاً لأبي حنيفة والشافعي لقوله صلى الله عليه وسلم (لعن الله المحلل والمحلل له) وروي (المستحل والمستحل له) وقوله (ألا أخبركم بالتيس المستعار هو المحلل، لعن الله المحلل والمحلل له) وروى ابن عباس قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المحلل؟ فقال (لَا إلَّا نِكَاحَ رَغْبَةٍ لَا نِكَاحَ دُلْسَةٍ وَلَا اسْتِهْزَاءٍ بِكِتَابِ اللَّهِ ثُمَّ يَذُوقُ الْعُسَيْلَةَ) ولأنه عقد محظور حظرًا استحق به عاقده والمعقود له اللعن والوعيد فوجب أن يكون باطلاً، أصله شراء الخمر).