ترتيب الفوائت من الصلوات في أنفسها وترتيبها مع الحاضرة عندنا معاشر المالكية
21 يناير 2022الصوفي الكبير قطب دهره وأعجوبة عصره الشيخ أبو يَعْزَى يِلَنُّور
21 يناير 2022سُورَةُ الإِخْلاصِ مَكِّيَّةٌ فِى قَوْلِ ابنِ مَسْعُودٍ وَغَيْرِهِ وَمَدَنِيَّةٌ فِى أَحَدِ قَوْلَىِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَقَالَهُ غَيْرُهُ وَهِىَ أَرْبَعُ ءَايَاتٍ
سُورَةُ الإِخْلاصِ مَكِّيَّةٌ فِى قَوْلِ ابنِ مَسْعُودٍ وَغَيْرِهِ وَمَدَنِيَّةٌ فِى أَحَدِ قَوْلَىِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَقَالَهُ غَيْرُهُ وَهِىَ أَرْبَعُ ءَايَاتٍ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيم
قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ (4).
رَوَى الْبُخَارِىُّ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِىُّ وَغَيْرُهُمْ أَنَّ رَجُلًا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ فَقَرَأَ ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾ السُّورَةَ يُرَدِّدُهَا لا يَزِيدُ عَلَيْهَا فَاُخْبِرَ النَّبِىُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ (وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدهِ إِنَّهَا لَتَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْءَانِ) وَرَوَى التِّرْمِذِىُّ وَالْحَاكِمُ عَنْ أُبَىِّ بنِ كَعْبٍ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ قَالُوا يَا مُحَمَّدُ انْسُبْ لَنَا رَبَّكَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ﴾ قَالَ الصَّمَدُ الَّذِى لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ لِأَنَّهُ لَيْسَ شَىْءٌ يُولَدُ إِلَّا يَمُوتُ وَلَيْسَ شَىْءٌ سَيَمُوتُ إِلَّا سَيُورَثُ وَإِنَّ اللَّهَ لا يَمُوتُ وَلا يُورَثُ ﴿وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ﴾ قَالَ لَمْ يَكُنْ لَهُ شَبِيهٌ وَلا عَدْلٌ وَلَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْءٌ، صَحَّحَهُ الْحَاكِمُ.
وَقَالَ الْحَافِظُ فِى الْفَتْحِ أَخْرَجَ الْبَيْهَقِىُّ فِى الأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ بِسَنَدٍ حَسَنٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ الْيَهُودَ أَتَوُا النَّبِىَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا صِفْ لَنَا رَبَّكَ الَّذِى تَعْبُدُهُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾ إِلَى ءَاخِرِهَا فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ (هَذِهِ صِفَةُ رَبِّى عَزَّ وَجَلَّ).
﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾ قُلْ أَىْ يَا مُحَمَّدُ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ قَالَ الْبُخَارِىُّ فِى صَحِيحِهِ أَحَدٌ أَىْ وَاحِدٌ، فَاللَّهُ تَعَالَى وَاحِدٌ لا شَرِيكَ لَهُ وَلا شَبِيهَ لَهُ وَلا وَزِيرَ لَهُ لا يُشْبِهُ شَيْئًا وَلا يُشْبِهُهُ شَىْءٌ وَهُوَ خَالِقُ كُلِّ شَىْءٍ وَفِى شَرْحِ كِتَابِ التَّوْحِيدِ مِنْ صَحِيحِ الْبُخَارِىِّ يَقُولُ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ (وَأَمَّا أَهْلُ السُّنَّةِ فَفَسَّرُوا التَّوْحِيدَ بِنَفْىِ التَّشْبِيهِ وَالتَّعْطِيلِ) وَمِنْ ثَمَّ قَالَ الْجُنَيْدُ فِيمَا حَكَاهُ أَبُو الْقَاسِمِ الْقُشَيْرِىُّ (التَّوْحِيدُ إِفْرَادُ الْقَدِيمِ مِنَ الْمُحْدَثِ) وَقَالَ أَبُو الْقَاسِمِ التَّمِيمِىُّ فِى كِتَابِ الْحُجَّة التَّوْحِيدُ مَصْدَرُ وَحَّدَ يُوَحِّدُ، وَمَعْنَى وَحَّدْتُ اللَّهَ اعْتَقَدْتُهُ مُنْفَرِدًا بِذَاتِهِ وَصِفَاتِهِ لا نَظِيرَ لَهُ وَلا شَبِيهَ وَقِيلَ مَعْنَى وَحَّدْتُهُ عَلِمْتُهُ وَاحِدًا، ثُمَّ قَالَ وَقَالَ ابْنُ بَطَّالٍ تُضَمَّنَتْ تَرْجَمَةُ الْبَابِ أَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِجِسْمٍ لِأَنَّ الْجِسْمَ مُرَكَّبٌ مِنْ أَشْيَاءَ مُؤَلَّفةٍ وَقَدِ افْتَتَحَ الْبُخَارِىُّ كِتَابَ التَّوْحِيدِ مِنْ صَحِيحِهِ بِقَوْلِهِ (بَابُ مَا جَاءَ فِى دُعَاءِ النَّبِىِّ أُمَّتَهُ إِلَى تَوْحِيدِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى) وَقَالَ فِى لِسَانِ الْعَرَبِ (وَالتَّوْحِيدُ الإِيـمَانُ بِاللَّهِ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ).
فَالنَّبِىُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَدْعُو النَّاسَ إِلَى التَّوْحِيدِ وَيُعَلِّمُهُمُ الإِيـمَانَ وَشَرَائِعَ الدِّينِ مُبَيِّنًا لَهُمْ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ، رَوَى ابْنُ مَاجَهْ فِى سُنَنِهِ عَنْ جُنْدُبِ بنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (كُنَّا مَعَ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ فِتْيَانٌ حَزَاوِرَةٌ (1) فَتَعَلَّمْنَا الإِيمَانَ قَبْلَ أَنْ نَتَعَلَّمَ الْقُرْءَانَ ثُمَّ تَعَلَّمْنَا الْقُرْءَانَ فَازْدَدْنَا بِهِ إِيمَانًا) وَإِسْنَادُ هَذَا الْحَدِيثِ صَحِيحٌ كَمَا ذَكَرَ الْحَافِظُ الْبُوصِيرِىُّ فِى مِصْبَاحِ الزُّجَاجَةِ.
وَفِى كِتَابِ الْبَيَانِ وَالتَّحْصِيلِ والشرح والتوجيه والتعليل في المسائل المستخرجة للقاضي أبي الوليد بن رشد القرطبي أَنَّ الإِمَامَ مَالِكَ بنَ أَنَسٍ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ وَسَمِعْتُ أَنَّ أَبَا مُوسَى الأَشْعَرِىَّ كَتَبَ إِلَى عُمَرَ بنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ قَدْ قَرَأَ الْقُرْءَانَ رِجَالٌ فَكَتَبَ إِلَيْهِ عُمَرُ أَنِ افْرِضْ لَهُمْ وَأَعْطِهِمْ وَزِدْهُمْ، ثُمَّ كَتَبَ إِلَيْهِ أَبُو مُوسَى الأَشْعَرِىُّ أَنَّهُ لَمَّا فَعَلْنَا ذَلِكَ أَسْرَعَ النَّاسُ فِى الْقِرَاءَةِ حَتَّى قَرَأَ سَبْعُمِائَةٍ فَكَتَبَ إِلَىَّ عُمَرُ أَنْ دَعِ النَّاسَ فَإِنِّى أَخَافُ أَنْ يَقْرَأَ النَّاسُ الْقُرْءَانَ قَبْلَ أَنْ يَتَفَقَّهُوا فِى الدِّينِ، قَالَ مَالِكٌ وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ مَخَافَةَ أَنْ يَتَأَوَّلُوهُ عَلَى غَيْرِ تَأْوِيلِهِ، قَالَ الْقَاضِى مُحَمَّدُ بنُ رُشْدٍ هَذَا بَيِّنٌ عَلَى مَا قَالَهُ لِأَنَّ التَّفَقُّهَ فِى الْقُرْءَانِ بِمَعْرِفَةِ أَحْكَامِهِ وَحُدُودِهِ وَمُفَصَّلِهِ وَمُجْمَلِهِ وَخَاصِّهِ وَعَامِّهِ وَنَاسِخِهِ وَمَنْسُوخِهِ ءَاكَدُ مِنْ حِفْظِ سَوَادِهِ فَيَكُونُ مَنْ حَفِظَ سَوَادَهُ وَلَمْ يَتَفَقَّهْ فِيهِ وَلا عَرَفَ شَيْئًا مِنْ مَعَانِيهِ كَالْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا وَقَدْ أَقَامَ عَبْدُ اللَّهِ بنُ عُمَرَ عَلَى سُورَةِ الْبَقَرَةِ ثَمَانِىَ سِنِينَ يَتَعَلَّمُهَا لِأَنَّهُ كَانَ يَتَعَلَّمُهَا بِفِقْهِهَا وَمَعْرِفَةِ مَعَانِيهَا. وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق. انتهى كلام القاضي.
قَالَ الْبَيْهَقِىُّ فِى الأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ عِنْدَ شَرْحِ أَسْمَاءِ اللَّهِ الْحُسْنَى فِى بَابِ جِمَاعِ أَبْوَابِ ذِكْرِ الأَسْمَاءِ الَّتِى تَتْبَعُ نَفْىَ التَّشْبِيهِ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى جَدُّهُ أَىْ عَظَمَتُهُ (مِنْهَا الأَحَدُ، قَالَ الْحَلِيمِىُّ وَهُوَ الَّذِى لا شَبِيهَ لَهُ وَلا نَظِيرَ كَمَا أَنَّ الْوَاحِدَ هُوَ الَّذِى لا شَرِيكَ لَهُ وَلا عَدِيدَ وَلِهَذَا سَمَّى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ نَفْسَهُ بِهَذَا الِاسْمِ لَمَّا وَصَفَ نَفْسَهُ بِأَنَّهُ ﴿لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ﴾ فَكَأَنَّ قَوْلَهُ جَلَّ وَعَلا ﴿لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ﴾ مِنْ تَفْسِيرِ قَوْلِهِ ﴿أَحَد﴾ وَالْمَعْنَى لَمْ يَتَفَرَّعْ عَنْهُ شَىْءٌ وَلَمْ يَتَفَرَّعْ هُوَ عَنْ شَىْءٍ). اهـ
وَاللَّهُ تَعَالَى مُنَزَّهٌ عَنِ الْجِسْمِيَّةِ وَالْكَيْفِيَّةِ كَمَا ذَكَرَ الإِمَامُ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِىُّ فِى أَعْلامِ الْحَدِيثِ شَرْحِ الْبُخَارِىّ (فَإِنَّ الَّذِى يَجِبُ عَلَيْنَا وَعَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ رَبَّنَا عَزَّ وَجَلَّ لَيْسَ بِذِى صُورَةٍ وَلا هَيْئَةٍ فَإِنَّ الصُّورَةَ تَقْتَضِى الْكَيْفِيَّةَ وَهِىَ عَنِ اللَّهِ وَعَنْ صِفَاتِهِ مَنْفِيَّةٌ) وَقَالَ فِى كِتَابِ شَأْنِ الدُّعَاءِ مِنْ تَصْنِيفِهِ (وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْوَاحِدِ وَالأَحَدِ أَنَّ الْوَاحِدَ هُوَ الْمُنْفَرِدُ بِالذَّاتِ لا يُضَاهِيهِ ءَاخَرُ وَالأَحَدُ هُوَ الْمُنْفَرِدُ بِالْمَعْنَى لا يُشَارِكُهُ فِيهِ أَحَدٌ).
قَالَ الإِمَامُ أَبُو حَنِيفَةَ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ (وَاللَّهُ تَعَالَى وَاحِدٌ لا مِنْ طَرِيقِ الْعَدَدِ وَلَكِنْ مِنْ طَرِيقِ أَنَّهُ لا شَرِيكَ لَهُ) فَلا شَرِيكَ لِلَّهِ فِى الذَّاتِ وَلا فِى الصِّفَاتِ فَلَيْسَ لِأَحَدٍ صِفَةٌ كَصِفَتِهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْءٌ مَهْمَا تَصَوَّرْتَ بِبَالِكَ فَاللَّهُ بِخِلافِ ذَلِكَ قَالَهَا ثَوْبَانُ بنُ إِبْرَاهِيمَ ذُو النُّونِ الْمِصْرِىُّ مِنْ كِبَارِ مَنْ رَوَى عَنْ مَالِكٍ، وَقَالَ الْحَافِظُ أَحْمَدُ بنُ سَلامَةَ الطَّحَاوِىُّ فِى عَقِيدَتِهِ الَّتِى حَكَى فِيهَا عَقِيدَةَ السَّلَفِ (تَعَالَى يَعْنِى اللَّه عَنِ الْحُدُودِ وَالْغَايَاتِ وَالأَرْكَانِ وَالأَعْضَاءِ وَالأَدَوَاتِ لا تَحْوِيهِ الْجِهَاتُ السِّتُّ كَسَائِرِ الْمُبْتَدَعَاتِ) وَقَالَ (وَمَنْ وَصَفَ اللَّهَ بِمَعْنًى مِنْ مَعَانِى الْبَشَرِ فَقَدْ كَفَرَ) وَهَذَا بَيِّنٌ ظَاهِرٌ لِمَنْ كَانَ لَهُ مُسْكَةٌ مِنَ الْعَقْلِ، وَقُرِأَتْ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ بِتَنْوِينِ أَحَد وَقُرِأَتْ أَحَدُ اللَّه بِتَرْكِ التَّنْوِينِ وَقُرِأَتْ بِإِسْكَانِ الدَّالِ أَحَد اللَّه قَالَ ابْنُ الْجَوْزِىِّ وَأَجْوَدُهَا الرَّفْعُ بِإِثْبَاتِ التَّنْوِينِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى ﴿اللَّهُ الصَّمَدُ﴾ قَالَ الْبَيْهَقِىُّ فِى الأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ (قَالَ الْحَلِيمِىُّ مَعْنَاهُ الْمَصْمُودُ بِالْحَوَائِجِ أَىِ الْمَقْصُودُ بِهَا) فَهُوَ الَّذِى تَفْتَقِرُ إِلَيْهِ جَمِيعُ الْمَخْلُوقَاتِ مَعَ اسْتِغْنَائِهِ عَنْ كُلِّ شَىْءٍ قَالَ الْبُخَارِىُّ فِى صَحِيحِهِ (قَالَ أَبُو وَائِلٍ هُوَ السَّيِّدُ الَّذِى انْتَهَى سُؤْدَدُهُ) وَأَبُو وَائِلٍ هُوَ شَقِيقُ ابْنِ سَلَمَةَ رَوَى عَنْ عُمَرَ وَعَلِىٍّ وَعَمَّارٍ وَغَيْرِهِمْ وَعَنْهُ الأَعْمَشُ وَغَيْرُهُ.
وَرَوَى الْبَيْهَقِىُّ فِى الأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ بِإِسْنَادِهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ (﴿الصَّمَدُ﴾ الَّذِى لا جَوْفَ لَهُ وَرَوَيْنَا هَذَا الْقَوْلَ عَنْ سَعِيدِ بنِ الْمُسَيَّبِ وَسَعِيدِ بنِ جُبَيْرٍ وَمُجَاهِدٍ وَالْحَسَنِ وَالسُّدِّىِّ وَالضَّحَّاكِ وَغَيْرِهِمْ) وَمَعْنَاهُ أَنَّ اللَّهَ لَيْسَ كَالإِنْسَانِ بَلْ لَيْسَ كَأَحَدٍ مِنْ مَخْلُوقَاتِهِ سُبْحَانَهُ.
﴿لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ﴾ جَاءَ فِى الْحَدِيثِ الْقُدْسِىِّ الَّذِى رَوَاهُ الْبُخَارِىُّ (كَذَّبَنِى ابْنُ ءَادَمَ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ وَشَتَمَنِى وَلَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ أَمَّا تَكْذِيبُهُ إِيَّاىَ أَنْ يَقُولَ إِنِّى لَنْ أُعِيدَهُ كَمَا بَدَأْتُهُ وَأَمَّا شَتْمُهُ إِيَّاىَ أَنْ يَقُولَ اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا وَأَنَا الصَّمَدُ الَّذِى لَمْ أَلِدْ وَلَمْ أُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لِى كُفُوًا أَحَدٌ).
قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ فِى فَتْح الْبَارِى (وَلَمَّا كَانَ الرَّبُّ سُبْحَانَهُ وَاجِبَ الْوُجُودِ لِذَاتِهِ قَدِيمًا مَوْجُودًا قَبْلَ وُجُودِ الأَشْيَاءِ وَكَانَ كُلُّ مَوْلُودٍ مُحْدَثًا انْتَفَتْ عَنْهُ الْوَالِدِيَّةُ وَلَمَّا كَانَ لا يُشْبِهُهُ أَحَدٌ مِنْ خَلْقِهِ وَلا يُجَانِسُهُ حَتَّى يَكُونَ لَهُ مِنْ جِنْسِهِ صَاحِبَةٌ فَتَتَوَالَدُ انْتَفَتْ عَنْهُ الْوَلَدِيَّةُ وَمِنْ هَذَا قَوْلُهُ تَعَالَى ﴿أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَّهُ صَاحِبَةٌ﴾ (سُورَةَ الأَنْعَام)) انْتَهَى كَلامُ ابْنِ حَجَرٍ.
فَقَوْلُهُ تَعَالَى ﴿لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ﴾ نَفْىٌ لِلْمَادِّيَّةِ وَالِانْحِلالِ وَهُوَ أَنْ يَنْحَلَّ مِنْهُ شَىْءٌ أَوْ أَنْ يَحُلَّ هُوَ فِى شَىْءٍ.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى ﴿وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ﴾ قَالَ الْحَافِظُ (وَمَعْنَى الآيَةِ أَنَّهُ لَمْ يُمَاثِلْهُ أَحَدٌ) فَاللَّهُ تَعَالَى لا نَظِيرَ لَهُ بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ وَالْكُفْءُ الْمَثِيلُ وَقَرَأَ حَمْزَةُ (كُفْؤًا) بِسُكُونِ الْفَاءِ وَبِهَمْزٍ فِى الْوَصْلِ وَيُبْدِلُهَا وَاوًا فِى الْوَقْفِ مَفْتُوحَةً.
فَائِدَةٌ:
رَوَى الْبُخَارِىُّ عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ أَنَّ رَجُلًا سَمِعَ رَجُلًا يَقْرَأُ ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾ يُرَدِّدُهَا فَلَمَّا أَصْبَحَ جَاءَ إِلَى النَّبِىِّ فَذَكَرَ لَهُ ذَلِكَ وَكَأَنَّ الرَّجُلَ يَتَقَالُّهَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِنَّهَا لَتَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْءَانِ) قَالَ الْحَافِظُ (يَتَقَالُّهَا بِتَشْدِيدِ اللَّامِ وَأَصْلُهُ يَتَقَالَلْهَا أَىْ يَعْتَقِدُ أَنَّهَا قَلِيلَةٌ وَالْمُرَادُ اسْتِقْلالُ الْعَمَلِ لا التَّنْقِيصُ) وَذَكَرَ الْبُخَارِىُّ فِى كِتَابِ الأَذَانِ فِى بَابِ الْجَمْعِ بَيْنَ السُّورَتَيْنِ فِى الرَّكْعَةِ فِى حَدِيثِ أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنِّى أُحِبُّهَا يَعْنِى ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾ السُّورَةَ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (حُبُّكَ إِيَّاهَا أَدْخَلَكَ الْجَنَّةَ) وَفِى مُسْلِمٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (أَيَعْجِزُ أَحَدُكُمْ أَنْ يَقْرَأَ فِى لَيْلَةٍ ثُلُثَ الْقُرْءَانِ) قَالُوا وَكَيْفَ يَقْرَأُ ثُلُثَ الْقُرْءَانِ قَالَ (﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾ تَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْءَانِ) وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِىُّ وَالنَّسَائِىُّ وَاللَّفْظُ لِأَبِى دَاوُدَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بنِ خُبَيْبٍ الأَنْصَارِىِّ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ خَرَجْنَا فِى لَيْلَةِ مَطَرٍ وَظُلْمَةٍ شَدِيدَةٍ نَطْلُبُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيُصَلِّىَ لَنَا فَأَدْرَكْنَاهُ فَقَالَ (قُلْ) فَلَمْ أَقُلْ شَيْئًا ثُمَّ قَالَ (قُلْ) فَلَمْ أَقُلْ شَيْئًا ثُمَّ قَالَ (قُلْ) قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَقُولُ قَالَ (﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾ وَالْمُعَوِّذَتَيْنِ حِينَ تُمْسِى وَحِينَ تُصْبِحُ تَكْفِيكَ مِنْ كُلِّ شَىْءٍ).
وَرَوَى الْبُخَارِىُّ فِى كِتَابِ الطِّبِّ فِى بَابِ النَّفْثِ فِى الرُّقْيَةِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَوَى إِلَى فِرَاشِهِ نَفَثَ فِى كَفَّيْهِ بِقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ وَبِالْمُعَوِّذَتَيْنِ جَمِيعًا ثُمَّ يَمْسَحُ بِهِمَا وَجْهَهُ وَمَا بَلَغَتْ يَدَاهُ مِنْ جَسَدِهِ قَالَتْ فَلَمَّا اشْتَكَى كَانَ يَأْمُرُنِى أَنْ أَفْعَلَ ذَلِكَ بِهِ وَفِى رِوَايَةٍ عَنْهَا ذَكَرَهَا فِى بَابِ الرَّقَى بِالْقُرْءَانِ وَالْمُعَوِّذَاتِ أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَنْفُثُ عَلَى نَفْسِهِ (بِالنَّصْبِ عَلَى الْمَفْعُولِيَّةِ أَىْ أَمْسَحُ جَسَدَهُ بِيَدِهِ وَبِالْكَسْرِ عَلَى الْبَدَلِ) فِى الْمَرَضِ الَّذِى مَاتَ فِيهِ بِالْمُعَوِّذَاتِ فَلَمَّا ثَقُلَ كُنْتُ أَنْفُثُ عَلَيْهِ بِهِنَّ وَأَمْسَحُ بِيَدِهِ نَفْسِهِ لِبَرَكَتِهَا.
فَتَأَمَّلْ أَيُّهَا الْمُطَالِعُ رَحِمَكَ اللَّهُ بِتَوْفِيقِهِ قَوْلَ عَائِشَةَ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهَا (وَأَمْسَحُ بِيَدِهِ نَفْسِهِ لِبَرَكَتِهَا) تَسْتَفِدْ أَنَّ الصَّحَابَةَ كَانُوا عَلَى اعْتِقَادِ الْبَرَكَةِ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَذَا ضِدُّ مَا عَلَيْهِ نُفَاةُ التَّوَسُّلِ نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الْفِتَنِ، واللَّهُ أَعْلَمُ.
(1) والْحَزَاوِرَةُ الأَشِدَّاءُ.