جواز التوسل بالرجل الصالح (من كتاب الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف لعلاء الدين المرداوي الدمشقي الصالحي الحنبلي المتوفى 885هـ)
25 يونيو 2019التّحذير مِن وَسْوسة الشّيطان
26 يونيو 2019قولُ الله تعالى (قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا)
قولُ الله تعالى (قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ).
الإسْلامُ فِى اللُّغَةِ مَعْناهُ الانْقِيادُ والاسْتِسْلام، هذا مَعْناهُ لُغَةً، وَمِنهُ ما جاءَ فِي القُرءَانِ، قَالَ تَعَالَى (قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ) [سورة الحجرات الآية 14] هُنا يَظْهَرُ لَنا مِنْ هذِه الآيَةِ أَنَّ مَعْنَى (وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا) أَيْ المَعْنَى اللُّغَوِيِّ لِكَلِمَةِ الإِسْلامِ التي هِيَ الانْقِيادُ والاسْتِسْلامُ مِنْ حَيثُ الظَّاهِر، لأَنَّ هؤلاءِ الأَعْرابَ كانُوا أَشَدَّ النّاسِ كُفْرًا وَنِفاقا، هؤلاءِ كانُوا جُفاةً غِلاظا، يَعِيشُونَ فِي الصَّحراءِ فَكانَ يَغْلِبُ عَلَيْهِم الغِلْظَةُ والجَفاءُ وَكانُوا فِي غالِبِيَّتِهِم كُفّارا، نَحْنُ هُنَا نَتَكَلَّمُ عَنِ الأَعراب ولا نتَكَلَّمُ عَنِ العَرَب، الأعْرابُ هُمْ سُكَّانُ البادِيَة، فِي ذلِكَ الوَقْت، زَمانَ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كانُوا أَكْثَرَ النَّاسِ غِلْظَةً وَجَفاءً وَكانُوا أَحْيانًا يُظْهِرُونَ الإِسْلام، يُظْهِرُونَ الإِيمان وَهُم فِي الحقِيقَةِ غَيْرُ مُؤْمِنِين، فادَّعَوْا عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم أَنَّهُم مُسْلِمُونَ مُؤْمِنُونَ فَنزل القُرءَانُ بِتَكْذِيبِهِم، (قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا) يَعْنِي زَعَمُوا أَنَّهُم عَلَى الإيمان (قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا) مَعناهُ لَسْتُم مُؤْمِنِينَ مُصَدِّقُينَ بِقُلُوبِكُم بِحَقِّيَّةِ هذا الدِّين، دِين الإِسْلام، (وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا) أَيِ اسْتَسْلَمْنا وانْقَدْنا مِنْ حَيثُ الظَّاهِر وَلَكِنْ لَمْ يَدْخُلِ الإِيمانُ إِلَى قُلُوبِكُم، فَمَعنْى (أَسْلَمْنَا) ههُنا، أَيِ اسْتَسْلَمْنا وَهُوَ المَعْنَى اللُّغَوِيّ لِكَلِمَةِ الإِسْلام، لا الشَّرْعِي.
أَمَّا فِي الشَّرع، فَمَعْنَى الإِسْلام الانْقِيادُ وَالاسْتِسْلام لِما جاءَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم بِحَيْثُ إِنَّ الواحِدَ مِنّا يُصَدِّقُ بِما جاءَ بِهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم بِقَلْبِهِ وَيَعْتَرِفُ بِلِسانِهِ بِما يَقْتَضِيهِ هذا التَّصْدِيقُ القَلْبِيُّ، مِثْلُ هذا يُسَمّى إِسْلامًا؛ فالإِسْلامُ هُوَ الاعْتِرافُ بالنطق بالشَّهَادَتَيْنِ بِاللِّسان، الإِنْسانُ يُصَدِّقُ بِقَلْبِهِ بِمَعْنَى الشَّهَادَتَيْنِ وَهذا أَقَلُّ الإِيمانِ وَيَعْتَرِفُ بالشَّهَادَتَيْنِ بِلِسانِهِ لِيُحَصِّلَ أَقَلَّ الإِسْلام. فَإِذًا، هُناكَ أَقَلُّ مُسَمَّى الإِسْلام وَهُناكَ أَقَلُّ مُسَمَّى الإِيمانِ، أَقَلُّ مُسَمَّى الإِيمانِ التَّصْدِيقُ القَلْبِيُّ بِمَعْنَى(لا إِلٰهَ إِلَّا الله مُحمَّدٌ رَسُولُ اللهِ) أيْ أَنْ تُصَدِّقَ بِقَلْبِكَ بِمَعْنىَ هاتيْنِ الشَّهَادَتَيْن، هذا هُوَ أَقَلُّ الإِيمانِ وَأَقَلُّ الإِسْلامِ هُوَ الاعْتِرافُ بِاللِّسان بِالشّهادَتَيْن، يَعْنِى أَنْ تَنْطِقَ بِلِسانِكَ فَتَقُولَ (أَشْهَدُ أَنْ لا إِلٰهَ إِلَّا اللهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحمَّدًا رَسُولُ اللهِ) فَالإِسْلامُ والإيمانُ مُتَلازِمان، لا يَنْفَكُّ هذا عَنْ هذا، فَلا يُقالُ مَثَلًا مِنْ حَيْثُ الحُكْمُ الشَّرْعِيّ لا يُقالُ فُلانٌ مَسْلِمٌ لَكِنَّهُ لَيسَ مُؤْمِنًا، وَلا يُقالُ فُلانٌ مُؤْمِنٌ بالمعْنَى الشَّرعِيِّ لَكِنَّهُ ليسَ مُسْلِمًا، فالمَسْلِمُ مُؤْمِنٌ والمُؤْمِنُ مُسْلِم، لا يَنْفَكَّانِ كالظَّهْرِ مَعَ البَطْن، لِذلكَ قالَ عُلَماءُ أَهْلُ السُّنَّة والجَماعَة (الإِسْلامُ والإِيمانُ مُتَلازِمانِ، لا يَنْفَكُّ أَحَدُهُما عَنِ الآخَر كالبَطْنِ مَعَ الظَّهْر) كما قال أبو حنيفة، كَما أَنَّهُ لا يَنْفَصِلُ البَطْنُ عَنِ الظَّهْرِ بَلْ هُما مُتَلازِمانِ، كَذلِكُمُ الإِيمانُ الشَّرْعِيُّ والإِسْلامُ الشّرْعِيُّ مُتُلازِمانِ لا يَنْفَكَّان، فَإِذا قُلْنا فُلانٌ مُسْلِم بالمَعْنَى الشّرْعِيِّ فَهُوَ فِي حَقِيقَةِ حالِهِ مُؤْمِنٌ وَإِذا قُلْنا فُلانٌ مُؤْمِنٌ فَهُوَ مُسْلِمٌ فِي الوَقْتِ عَيْنِهِ.
والدليل على ذلك قوله تعالى (فأخرجنا من كان فيها من المؤمنين فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين).