استنباط أيمة المالكية من حديث وادي السرر في الموطأ (الْتَّبَرُّك بِمَوَاضِعِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْصَّالِحِينَ وَمَقَامَاتِهِمْ وَمَسَاكِنِهِمْ)
28 يوليو 2023الرّد عَلَى هرطقات التَّيميَّة أدعياء السَّلفيَّة والوَهَّابيَّة فِي قَوْلِهِم لم يكن النَّووي على عقيدة الأشاعرة بل تأثَّر بهم فقط
31 يوليو 2023قول مُفْتِي الْـمَالِكِيَّةِ فِي الْـمَدِينَةِ الْـمُنَوَّرَةِ الإِمَامُ مُحَمَّد الْخِضْر الْجَكْنِي الْشَّنْقِيطِي (وَلَـمْ تَزَلْ الْـمُسْلِمُونَ مِنْ لَدُنْ عَصْرِ الْصَّحَابَةِ إِلَى الآنَ يَتَبَرَّكُونَ بِآثَارِ الْصَّالِحِينَ لَـمْ يُخَالِف فِي ذَلِكَ إِلاَّ الْخَوَارِج دَمَّرَهُم اللهُ)
تَصْحِيحُ الـمَفَاهِيمِ
قَالَ مُفْتِي الْـمَالِكِيَّةِ فِي الْـمَدِينَةِ الْـمُنَوَّرَةِ الإِمَامُ الْـمُحَدِّثُ مُحَمَّد الْخِضْر الْجَكْنِي الْشَّنْقِيطِي (ت 1354 هـ) (فَقَدْ عُرِفَ مِنْ صَنِيعِ ابْن عُمَرَ اسْتِحْبَابُ تَتَبُّعِ آثَارِ الْنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ [وَآلِهِ] وَسَلَّمَ وَالْتَّبَرُّكِ بِهَا، وَقَدْ قَالَ الْبَغَوِيُّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ إِنَّ الْمَسَاجِدَ الَّتِي ثَبَتَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ [وَآلِهِ] وَسَلَّمَ صَلَّى فِيهَا، لَوْ نَذَرَ أَحَدٌ الصَّلَاةَ فِيْهَا، تَعَيَّنَ كَمَا تَتَعَيَّنُ الْمَسَاجِد الثَّلَاثَة وَقَالَ أَشْهَبُ مِنْ الْـمَالِكِيَّة لاَ يُعْجِبُنِي ذَلِكَ إِلاَّ فِي قُبَاء، لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الْصَّلاَة وَالْسَّلاَم كَانَ يَأْتِيهِ رَاكِبًا وَمَاشِيًا، وَلَـمْ يَفْعَل ذَلِكَ فِي تِلْكَ الْأَمْكِنَة.
وَمَا فَعَلَهُ ابْن عُمَرَ مَعَ مَا عُلِـمَ مِنْ تَشَدُّدِهِ فِي الِاتِّبَاعِ، لَا يُعَارِضُ مَا ثَبَتَ عَنْ أَبِيهِ مِنْ أَنَّهُ رَأَى النَّاسَ فِي سَفَرٍ يَتَبَادَرُونَ إِلَى مَكَانٍ، فَسَأَلَ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالُوا قَدْ صَلَّى فِيهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ [وَآلِهِ] وَسَلَّمَ، فَقَالَ (مَنْ عُرِضَتْ لَهُ الصَّلَاةُ فَلْيُصَلِّ، وَإِلَّا فَلْيَمْضِ، فَإِنَّمَا أَهَلَكَ أَهْل الْكِتَابِ أَنَّهُمْ يَتَتَبَّعُونَ آثَارَ أَنْبِيَائِهِمْ، فَاتَّخَذُوهَا كَنَائِسَ وَبِيَعًا) لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ عُمَرَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ كَرِهَ زِيَارَتَهُمْ لِمِثْلِ ذَلِكَ بِغَيْرِ صَلَاةٍ، أَوْ خَشِيَ أَنْ يُشْكِلَ ذَلِكَ عَلَى مَنْ لَا يَعْرِفُ حَقِيقَةَ الْأَمْرِ فَيَظُنَّهُ وَاجِبًا، وَكِلَا الْأَمْرَيْنِ مَأْمُونٌ مِنْ ابْنِ عُمَرَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ حَدِيثُ عِتْبَانَ (1) وَسُؤَالُهُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ [وَآلِهِ] وَسَلَّمَ أَنْ يُصَلِّيَ لَهُ فِي بَيْتِهِ لِيَتَّخِذَهُ مَسْجِداً، وَإِجَابَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ [وَآلِهِ] وَسَلَّمَ إِلَى ذَلِكَ، فَهُوَ حُجَّةٌ فِي الْتَّبَرُّك بِآثَارِ الْصَّالِحينَ) (2).
ثُـمَّ قَالَ الإِمَام الْـمُحَدِّثُ مُحَمَّد الْخِضْر الْجَكْنِي الْشَّنْقِيطِي (وَلَـمْ تَزَلْ الْـمُسْلِمُونَ مِنْ لَدُنْ عَصْرِ الْصَّحَابَةِ إِلَى الآنَ يَتَبَرَّكُونَ بِآثَارِ الْصَّالِحِينَ، لَـمْ يُخَالِف فِي ذَلِكَ إِلاَّ الْخَوَارِج دَمَّرَهُم اللهُ).
وَقَدْ قَالَ الْعُلَمَاءُ إِنَّ فِعْلَ ابْن عُمَر، وَنَهْي أَبِيهِ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُمَا، فَائِدَةٌ جَلِيلَةٌ فِي الْدِّينِ، فَفِي فِعْلِ ابْن عُمَر اقْتِفَاء آثَارِهِ عَلَيْهِ الْصَّلاَة وَالْسَّلاَم وَالْتَّبَرُّك وَالْتَّعْظِيم لَهُ وَفِي نَهْيِ عُمَر الاِحْتِيَاط فِي الْسَّلامَةِ مِنْ الْاِبْتِدَاعِ لِـمَنْ يُخْشَى مِنْهُ ذَلِكَ) (3).
ثُـمَّ ذَكَّرَ الإِمَام بِمَا فَعَلَهُ الْخَلِيفَة الرَّاشِد عُمَر بن عَبْد الْعَزِيز، فَقَالَ وَقَدْ ذَكَرَ عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ فِي أَخْبَارِ الْمَدِينَةِ” الْمَسَاجِدَ وَالْأَمَاكِنَ الَّتِي صَلَّى فِيهَا الْنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ [وَآلِهِ] وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ مُسْتَوْعِبًا.
وَرَوَى عَنْ أَبِي غَسَّانَ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ إِنَّ كُلَّ مَسْجِدٍ بِالْمَدِينَةِ وَنَوَاحِيهَا مَبْنِيٌّ بِالْحِجَارَةِ الْمَنْقُوشَةِ الْمُطَابَقَةِ، فَقَدْ صَلَّى فِيهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ [وَآلِهِ] وَسَلَّمَ، وَذَلِكَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ حِينَ بَنَى مَسْجِدَ الْمَدِينَةِ سَأَلَ النَّاسَ وَهُمْ يَوْمَئِذٍ مُتَوَافِرُونَ عَنْ ذَلِكَ، ثُمَّ بَنَاهَا بِالْحِجَارَةِ الْمَنْقُوشَةِ الْمُطَابَقَةِ) (4).
ثُـمَّ عَقَّبَ الإِمَام عَلَى فِعْلِ الخَلِيفَة الرَّاشِد بِفَذْلَكَةٍ مُهِمَّةٍ حَوْلَ الْـمَسْأَلَة، فَقَالَ (قُلْتُ فِي هَذَا حُجَّة قَوِيَّة عَلَى الْتَّبَرُّكِ بِآثَارِ الْصَّالِحِينَ، لِصُدُورِهِ مِنْ خَامِس الْخُلَفَاءِ عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيز، لَـمْ يُوجَد أَحَدٌ فِي زَمَنِهِ مِثْله فِي اتِّبَاعِ الْسُّنَّةِ، كَـمَا شَهِدَ لَهُ بِذَلِكَ إِجْمَاع الْـمُسْلِمينَ وَعَدَم إِنْكَار أَحَدٍ مِنْ الْتَّابِعِينَ وَأَتْبَاعِهِم الْـمُتَوَافِرِينَ يَوْمَئِذٍ كَذَلِكَ، فَصَارَ إِجْمَاعًا، وَلاَ يُحْتَمَلُ أَنْ يَقْصِدَ بِفِعْلِهِ إِلاَّ بَقَاء الْآثَارِ مَعْلُومَة لِيُتَبَرَّكَ بِهَا) (5).
____________
(1) يَقْصِد حَدِيث البُخَاري في صَحِيحِه (425) (عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ أَخْبَرَنِي مَحْمُودُ بْنُ الرَّبِيعِ الأَنْصَارِيُّ، أَنَّ عِتْبَانَ بْنَ مَالِكٍ وَهُوَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ [وَآلِهِ] وَسَلَّمَ مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا مِنَ الأَنْصَارِ أَنَّهُ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ [وَآلِهِ] وَسَلَّمَ، فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ أَنْكَرْتُ بَصَرِي، وَأَنَا أُصَلِّي لِقَوْمِي فَإِذَا كَانَتِ الأَمْطَارُ سَالَ الوَادِي الَّذِي بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ، لَمْ أَسْتَطِعْ أَنْ آتِيَ مَسْجِدَهُمْ فَأُصَلِّيَ بِهِمْ، وَوَدِدْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنَّكَ تَأْتِينِي فَتُصَلِّيَ فِي بَيْتِي، فَأَتَّخِذَهُ مُصَلًّى، قَالَ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَأَفْعَلُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ” قَالَ عِتْبَانُ فَغَدَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ [وَآلِهِ] وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ حِينَ ارْتَفَعَ النَّهَارُ، فَاسْتَأْذَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ [وَآلِهِ] وَسَلَّمَ فَأَذِنْتُ لَهُ، فَلَمْ يَجْلِسْ حَتَّى دَخَلَ البَيْتَ، ثُمَّ قَالَ أَيْنَ تُحِبُّ أَنْ أُصَلِّيَ مِنْ بَيْتِكَ، قَالَ فَأَشَرْتُ لَهُ إِلَى نَاحِيَةٍ مِنَ البَيْتِ، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَبَّرَ، فَقُمْنَا فَصَفَّنَا فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ…). انْتَهَى
(2) كَوْثَرُ الْـمَعَانِي الْدَّرَارِي فِي كَشْفِ خَبَايَا صَحِيحِ الْبُخَارِي (7/ 358)، تَأْلِيف الإِمَامِ الْـمُحَدِّثِ الْعَلاَّمَةِ الْشَّيْخ مُحَمَّد الْخِضْر الْجَكْنِي الْشَّنْقِيطِي، مُؤَسَّسَة الْرِّسَالَة لِلْطِّبَاعَة وَالْنَّشْر وَالْتَّوْزِيع بَيْرُوت، الْطَّبْعَة الْأُوْلَى 1415هـ-1995م.
(3) الْـمَصْدَر نَفْسهُ (7 /358-359).
(4) الْـمَصْدَر نَفْسهُ (7 /359).
(5) الْـمَصْدَر نَفْسهُ (7 /359).