الصلاة شأنها عظيم فإنها أفضل الأعمال بعد الإيمان بالله ورسوله
15 أكتوبر 2018خصال الصديق الصالح
16 أكتوبر 2018الأَنْبِيَاءُ وَالرُّسُلُ
الحَمْدُ للهِ بَاعِثِ الرُّسُلِ وَالنَّبِيِّينَ رَحْمَةً لِلنَّاسِ بِالنُّورِ المُبِينِ وَالصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ أَشْرَفِ المُرْسَلِينَ وَعَلَى ءَالَهِ الطَّاهِرِينَ وَصَحَابَتِهِ الخِيرَةِ الـمُنْتَجَبِينَ، وَأَشْهَدُأَنْ لاَ إلهَ إلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ الأَحَدُ الـمُنَزَّهُ عَنْ شَبَهِ المَخْلُوقِينَوأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنا محمَّدًا رَسُولُ رَبِّ العالَمِينَ وسَيِّدُ وَلَدِ أدَمَ أَجْمَعِين.
أَمّا بَعْدُ عِبادَ اللهِ فَإِنِّي أُوصِيكُمْ ونَفْسِيَ بِتَقْوَى اللهِ العَلِيِّ القَدِيرِ فَقَدْ قالَ رَبُّنا تَبارَكَوتَعالى ﴿وَإِن تَعُدُّواْ نِعۡمَةَ ٱللَّهِ لَا تُحۡصُوهَآۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَغَفُورٞ رَّحِيمٞ ١٨﴾ (سورة النحل 18) فَإِنَّ اللهَ تَبَارَكَوَتَعَالَى أَكْرَمَ الإِنْسَانَ وَتَفَضَّلَ عَلَيْهِ بِنِعَمٍ لا يُحْصِيهَا، فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ خَلَقَهُ فَسَوَّاهُ فَعَدَلَهُ، فِي أَحْسَنِ صُورَةٍ ما شاءَ رَكَّبَه، وزادَ في كَرامَتِهِ فَوَهَبَهُ العَقْلَ ومَيَّزَهُ، لِيَعْرِفَ خالِقَهُبِصِفاتِهِ وفِعْلِهِ، فَيَعْتَقِدَ أَنَّ بارِئَهُ وبارِئَ كُلِّ شَىْءٍ واحِدٌ لا شَرِيكَ لَهُ قَدِيمٌ لا ابْتِداءَ لَهُ دائِمٌ لا انْتِهاءَ لَهُ، حَيٌّ قَدِيرٌ عالِمٌ مُخْتارٌ سَمِيعٌ بَصِيرٌ مُتَكَلِّمٌ لا شَبِيهَ لَه، ولِيَتَلَقَّى التَّكْلِيفَ عَنْ رَبِّهِ فَيَعْبُدَهُ ويَعْرِفَ نِعَمَهُ، فَيقْدِرَها قَدْرَها ويَشْكُرَها ويُثْنِيَ عَلَى اللهِ حَقَّ قَدْرِه، وأَوْجَدَهُ في الدُّنْيا حَيْثُ شَهَواتُها غَرّارَةٌ ونَوائِبُها كَرَّارَة، وابْتَلاهُ بِشَيْطانٍ يَقْعُدُ لَهُ صِراطَ اللهِ المُسْتَقِيمَ وغايَتُهُ أَنْ يُضِلَّهُ ويُغْوِيَهُ، وبِجِماعِ كَيْدِهِ يَجْلِبُ عَلَيْهِ بِخَيْلِهِ ورَجِلِهِ، فَيَقْذِفُ عَلَى قَلْبِهِ بِالشُّبُهاتِ والشَّهَواتِ ويُوالِيها حَتَّى يُصِيبَ قَلْبَهُ بِالأَمْراضِ الفَتّاكَةِ والعِلَلِ القَتّالَةِ لِيُعْرِضَ عَنْ رَبِّهِ فاطِرِهِ وبارِئِهِ ويَشْتَغِلَ عَنْهُ تَعالى بِتِلْكَ العِلَلِ والأَمْراضِ وزُخْرُفِ الدُّنْيا وما فِيها مِنَ الشَّهَواتِ.
إِخْوَةَ الإِيمانِ، إِنَّ وِقايَةَ القُلُوبِ مِنْ تِلْكَ الأَمْراضِ وطِبَّها مِنْ تِلْكَ العِلَلِ إِنَّمَا يَكُونُ بِإِرْشادِ خالِقِها العالِمِ بِها ولا سَبِيلَ إِلى حُصُولِ السَّلامَةِ والعافِيَةِ إِلاَّ مِنْ طَرِيق الرُّسُلِ صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلاَمُهُ عَلَيْهِمْ ومِنْ جِهَتِهِمْ فَإِنَّ صَلاحَ القُلُوبِ هُوَ بِأَنْ تَكُونَ عارِفَةً بِرَبِّها بِأَسْمائِهِ وصِفاتِهِ وأَفْعالِهِ وأَحْكامِهِ وأَنْ تَكُونَ مُؤْثِرَةً لِمَرْضاتِهِ تَعالى ولِمَحابّهِ، مُجْتَنِبَةً لِمَناهِيهِ ومَساخِطِه، ولا سَبِيلَ إِلى تَلَقِّي هَذا ومَعْرِفَةِ ما يُرْضِي اللهَ وما يُسْخِطُهُ وما يُنْجِي في الآخِرَةِ مِمّا يُهْلِكُ إِلاَّ مِنْ جِهَةِ الرُّسُلِ المُبَلِّغِينَ عَنِ اللهِ إِذْ لَيْسَ في العَقْلِ ما يَسْتَغْنِي بِهِ عَنْهُمْ فَإِنَّ العَقْلَ لا يُدْرِكُ ذَلِكَ اسْتِقْلالًا فَكانَتْ حاجَةُ الخَلْقِ إِلى الأَنْبِيَاءِ والرُّسُلِ حاجَةً ضَرُورِيَّةً فَأَتَمَّ اللهُ نِعْمَتَهُ عَلى الخَلْقِ بِأَنْ تَفَضَّلَ عَلَيْهِمْ بِإِرْسالِ الرُّسُلِ والأَنْبِياءِ مُبَيِّنِينَ السَّبِيلَ لِما فِيهِ عافِيَتُهُمْ وسَلامَتُهُمْ وسَعادَتُهُمْ وفَلاحُهُمْ في الدُّنْيا والآخِرَةِ.
فَالأَنْبِياءُ عَلَيْهِمُ الصَّلاةُ والسَّلامُ هُمْ صَفْوَةُ الخَلْقِ اخْتارَهُمُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلى عِلْمٍ وفَضَّلَهُمْ عَلى العالَمِينَ، فَهُمْ عَلَيْهِمُ الصَّلاةُ والسَّلامُ أَعْلَمُ النَّاسِ وأَتْقَى النَّاسِ وأَبَرُّ النَّاسِ وأَحْلَمُ النَّاسِ وأَصْبَرُ النَّاسِ وأَرْحَمُ النَّاسِ وأَحْسَنُ النَّاسِ، اخْتَصَّهُمُ اللهُ بِالنُّبُوَّةِ فَضْلًا مِنْهُ ورَحْمَةً لا كَسْبًا مِنْهُمْ واسْتِحْقاقًا فَإِنَّ رَبَّنا تَبارَكَ وتَعالى يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ ولا يَجِبُ عَلَيْهِ شَىْءٌ سُبْحانَه، بَلِ اللهُ تَعالى حَفِظَهُمْ عَمّا لا يَلِيقُ بِمَنْصِبِ مَنْ يَتَلَقَّى مِثْلَ هَذِهِ الأَمانَةِ فَهَداهُمْ لِلْخَيْراتِ وعَصَمَهُمْ مِنَ الـمُنَقِّصاتِ فَهُمُ الأَئِمَّةُ والقُدْوَةُ، قالَ اللهُ تَعالى ﴿وَجَعَلۡنَٰهُمۡ أَئِمَّةٗ يَهۡدُونَ بِأَمۡرِنَا وَأَوۡحَيۡنَآ إِلَيۡهِمۡ فِعۡلَ ٱلۡخَيۡرَٰتِ وَإِقَامَ ٱلصَّلَوٰةِ وَإِيتَآءَ ٱلزَّكَوٰةِۖ وَكَانُواْ لَنَا عَٰبِدِينَ ٧٣﴾ (سورة الأنبياء 73) والنَّبِيُّ إِخْوَةَ الإِيمانِ هُوَ رَجُلٌ أَوْحَى اللهُ إِلَيْهِ بِاتِّباعِ شَرْعٍ أَيْ جُمْلَةِ أَحْكامٍ وأُمِرَ بِتَبْلِيغِهِ قَوْمَهُ.
وأَمّا النَّبِيُّ الرَّسُولُ فَهُوَ نَبِيٌّ أَوْحَى اللهُ إِلَيْهِ بِشَرْعٍ جَدِيدٍ وأُمِرَ بِتَبْلِيغِ قَوْمِهِ ذَلِكَ.
فَكُلُّ رَسُولٍ نَبِيٌّ ولَيْسَ كُلُّ نَبِيٍّ رَسُولًا. فَكُلٌّ مِنَ الأَنْبِياءِ الرُّسُلِ والأَنْبِياءِ غَيْرِ الرُّسُلِ أُمِرَ بِتَبْلِيغِ قَوْمِهِ ما أُوحِيَ إِلَيْهِ فَقَدْ قالَ اللهُ تَبارَكَ وتَعالى ﴿كَانَ ٱلنَّاسُ أُمَّةٗ وَٰحِدَةٗ فَبَعَثَ ٱللَّهُ ٱلنَّبِيِّۧنَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ﴾ (سورة البقرة 213) فَكُلُّ الأَنْبِياءِ بُعِثُوا إِلى أَقْوامِهِمْ لِيُعَلِّمُوهُمْ أُمُورَ دِينِهِمْ وبَشَّرُوا مَنْ أمَنَ بِاللهِ ورَسُولِهِ وعَمِلَ صالِحًا بِالجَنَّةِ وأَنْذَرُوا مُكَذِّبَهُمْ بِالنّار. وأَمَّا ما يَقُولُهُ بَعْضُ النَّاسِ مِنْ أَنَّ النَّبِيَّ غَيْرَ الرَّسُولِ لَمْ يُؤْمَرْ بِالتَّبْلِيغِ فَغَيْرُ صَحِيحٍ فَإِنَّ مِنْ أَخَصِّ صِفاتِ النَّبِيِّ التَّبْلِيغَ وإِنْ أُوذُوا وحُورِبُوا كَما قالَ أَئِمَّةُ أَهْلِ العِلْمِ.
واعْلَمُوا إِخْوَةَ الإِيمانِ أَنَّ كُلَّ الأَنْبِياءِ مِنْ أدَمَ أَوَّلِهِمْ حَتَّى أخِرِهِمْ محمَّدٍ كانُوا مُسْلِمِينَ ودَعَوْا أَقْوامَهُمْ إِلى الإِسْلامِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ تَعالى ﴿وَمَن يَبۡتَغِ غَيۡرَ ٱلۡإِسۡلَٰمِ دِينٗا فَلَن يُقۡبَلَ مِنۡهُ وَهُوَ فِي ٱلۡأٓخِرَةِ مِنَ ٱلۡخَٰسِرِينَ ٨٥﴾ (سورة أل عمران 8) أَيْ كُلُّ مَنْ دانَ بِغَيْرِ الإِسْلامِ أَيِ اتَّخَذَ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا لَهُ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وهُوَ خاسِرٌ يَوْمَ القِيامَة، فَنُوحٌ عَلَيْهِ السَّلامُ كانَ مُسْلِمًا ودَعا إِلى الإِسْلامِ وإِبْراهِيمُ عَلَيْهِ السَّلامُ كانَ مُسْلِمًا ودَعا إِلى الإِسْلامِ ويَعْقُوبُ عَلَيْهِ السَّلامُ كانَ مُسْلِمًا ودَعا بَنِيهِ وقَوْمَهُ إِلى الإِسْلامِ ومُوسَى عَلَيْهِ السَّلامُ كانَ مُسْلِمًا ودَعا قَوْمَهُ إِلى الإِسْلامِ وعِيسَى عَلَيْهِ السَّلامُ كانَ مُسْلِمًا ودَعا قَوْمَهُ إِلى الإِسْلام. وأَمَّا ما جاءَ في القُرْءَانِ في شَأْنِ سَيِّدِنا محمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ﴿قُلۡ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحۡيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ ١٦٢ لَا شَرِيكَ لَهُۥۖ وَبِذَٰلِكَ أُمِرۡتُ وَأَنَا۠ أَوَّلُ ٱلۡمُسۡلِمِينَ ١٦٣﴾ (سورة الأنعام /162ـ163) أَيْ في وَقْتِ بِعْثَتِهِ فَإِنَّهُ لَمْ يَكُنْ عَلَى الأَرْضِ مُخْتَلِطًا بِالنَّاسِ في ذَلِكَ الوَقْتِ مُسْلِمٌ غَيْرُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ وقَدْ قالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ في ما رَواهُ الحاكِمُ في المُسْتَدْرَكِ (اَلأَنْبِياءُ إِخْوَةٌ لِعَلَّاتٍ أُمَّهاتُهُمْ شَتَّى ودِينُهُمْ واحِدٌ) أَيْ وهُوَ الإِسْلامُ.
أَقُولُ قَوْلِي هَذا وأَسْتَغْفِرُ اللهَ.