محطاتٌ مع العاشر من المحرّم
9 سبتمبر 2018حديث (كَلُوا الزَّيْتَ وَادَّهِنُوا بِهِ فَإِنَّهُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ)
9 سبتمبر 2018الجنة دار السلام
الحمدُ للهِ رب العالمين والصلاةُ والسلام على سيدنا محمّد طه الأمين وعلى آلهِ وصحبهِ الطيبين الطاهرين ومنِ اتبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين. وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحدهُ لاشريكَ له، وأشهدُ أن محمّدًا عبدهُ ورسوله صلى الله عليه وعلى كل رسولٍ أرسله،
أما بعد عباد الله، أوصيكم ونفسي بتقوى الله في السر والعلن، ألا فأتقوه وخافوه، يقول الله عزّ وجلّ [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ] (آل عمران 102) ويقول صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح الذي رواه البخاري (فإنَّ اللهَ حَرَّمَ على النَّارِ مَنْ قالَ لا إِلَهَ إِلاَّ الله يَبْتَغِي بذلكَ وَجْهَ الله).
أيها الأحبة، إنَّ من معرفةِ اللهِ عزّ وجلّ ومما هو واجبٌ على كل مُكَلَّفْ أنْ يعرفَ أن اللهَ سُبحانه وتعالى واحدٌ لا شريكَ له، واحدٌ لا ضِدَ ولا نِدَ له، واحِدٌ في ذاتِهِ، وفي صِفاتِهِ، وفي فِعْلِهِ سبحانه، قال الله تعالى في القرءان الكريم [اللهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الحَيُّ القَيُّومُ] (البقرة 255) وقال سبحانه وتعالى [قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ] (الاخلاص1) وقال [وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ] (البقرة 163) فاللهُ واحدٌ لا من طريقِ العدد، واللهُ واحدٌ بمعنى الذي لا شريك له أو الذي لا يقبل التَجَزُئ، لأنه ليس جِسما، ليس حجمًا، ولا يَتَصِفُ بصفات الجسم، لذلك روى الحافظ ابن عساكر عن سيدنا الحسين رضي الله عنه وأرضاه أنه قال عن الله (لا يُعْرَفُ بالحواس، ولا يُقاس بالناس، نُوَحِدُهُ ولا نُبَعِّضُهُ) ما معنى ولا نُبَعِّضُهُ، اللُه ليس جسمًا، فلا يَقبل التَجَزُئ، ولا يَتصِفُ بصفاتِ الجسم، وهو منزَّهٌ عن كل الكيفيات وعن كل الأشكال والأحجام، هذا مما يجب اعتقاده على كل مكلَّف، ويجب الاعتقاد بأنَّ الله قائم بنفسه، ومعنى ذلك أنه لا يحتاجُ إلى أحد ليس كما قال بعضُ الحلولية إن الله قائمٌ فينا، فهذا كفرٌ وضلال، فقد نقل الحافظُ السيوطي الإجماع على كُفْرِ الحلولية، وهم الذين يعتقدون أنَّ الله يحلُّ في الأشخاص أو أنَّ الله حالٌّ في العالم، هؤلاء ما عرفوا الله، إذًا القائمُ بنفسه ليس معناه أنَّ الله يَتَّصِفُ بالقيام الذي هو بعكس القُعود، لا، هذا مستحيل على الله، وليس معنى ذلك أنّهُ حالٌّ فينا قائمٌ فينا حالٌّ في أجسادنا، فهذا ضِدُ الإسلام وضِدُ القرءان، وإنِّما ربُنا قال في القرءان [وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ العَالَمِينَ] (آل عمران 97) هذا معناه.
وقال ربنا في القرءان الكريم [يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الفُقَرَاءُ إِلَى اللهِ وَاللهُ هُوَ الغَنِيُّ الحَمِيدُ] (فاطر 15) وأيضًا يجبُ الاعتقاد بأن الله مخالفٌ للحوادث وما معنى أنه مخالفٌ للحوادث؟
أي أنه لا مشابهة بينه وبين شىء من مخلوقاته، فالله تعالى ذاتُهُ لا يشبه الذوات، وصِفاته لا تشبه الصفات، وفِعله لا يشبه الأفعال، فالله لامشابهة بينه وبين شىء من مخلوقاته بالمرَّة، وقد قال الفقيه الحنفي الزاهد الصفَّار (يجب على خُطباء الجمعة أن يُبَيِّنوا على المنابر أصول العقيدة الإسلامية). اهـ ولكن أكثر خطباء اليوم ضيعوا ما لأجله عُمِلَتِ المنابر.
لذلك أيها الأحبة، من ثبتَ على الإيمان، من عرف الله وآمن برسوله واجتنب الكُفريات، هذا الذي يدخل الجنة، هذا الذي ينجُو من الخلود المؤبد في النار، أما من مات على كُفْريةٍ من الكُفريات، وكان من الـمُكلفين، فهو حَطَبُ جهنم إلى أبد الآبدين، يجب علينا أن نَثْبُتَ على الإيمان بأن نتجنب الكفريات، وما أكثرَها اليوم كم شاعات وذاعت وانتشرت وعمَّت في الفضائيات وفي كثير من الصحف وفي كثير من المجتمعات، فمن الناس من يَسْتِخِفُ بالله أو يُشبِهُهُ بخلقه، أو يَعتقِدُهُ جسمًا، وفي المدارس العصرية اليوم يقولون في كتاب ما يسمى القراءة العربية عن الله: كتاجِ نَخْلَة، ويقولون: كنخلة، ويقولون: له ولد، وهذا تكذيب للقرءان، [لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ] (الشُّورى 11)، الله لا مثيلَ له، الله لا شبيه له، لذلك نقل القاضي الفقيه المالكي الذي توفي في أوائل القرن الخامس الهجري، أبو محمد عبد الوهاب المالكي البغدادي في كتابه شرح عقيدة مالك، الإجماع على كفر من قال بما يؤدي إلى الحدوث في حق الله أو إلى الحلول في الأماكن، أو إلى التنقل، التطور أو التغير أو بما يؤول إلى التجسيم فذلك كفرٌ عند كافة أهل الإسلام. اهـ
هذا المسلم الذي ثبت على الإسلام وتجنب الكفريات، هذا الذي يدخل الجنة، قال صلى الله عليه وسلم فيما رواه البيهقي (إنَّ اللهَ لَمَّا خَلَقَ الجَنَّةَ قالَ لَها تَكَلَمي فَقالَتْ قَدْ أَفَلَحَ المُؤمِنُون) المؤمن هو الذي يدخل الجنة، وروى ابن حبان أنه صلى الله عليه وسلم قال (فإنَّ الجنَّةَ حَرامٌ عَلى غَير المُسْلِمْ) الجنَّةُ هي دار السلام وسمَّيت بذلك لأنها دار الأمان، وهي موجودة الآن، مُعدَّةٌ مُهيأةٌ، خلقها الله تعالى، وإلاّ كيف دخلها الرسولُ ليلة الإسراء والمعراج، وربُنا قال [وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ] (آل عمران 133) أعدت، هُيأت، لذلك يجب الاعتقاد بأنها موجودة الآن، وأن الله أراد لها البقاء إلى غير نهاية، فمن قال بفناء الجنة أو بفناء النار، نقل الحافظ الفقيه السبكي في كتابه [الاعتبار] الإجماع على كفره، فالجنة باقية بإبقاء الله لها، والنار باقية بإبقاء الله لها، ومن قال بفنائِهِما أو بفناء الجنة دون النار أو النار دون الجنة، فهو مُكذِّبٌ لرب العالمين.
إخوة الإيمان ويجب الاعتقاد بأن الله أعد للمؤمنين من النعيم في الجنة وأنهم يُخَلدون فيها إلى غير نهاية، فلا يموتون ولا يصيبهُم البؤس ولا المرض ولا الخرف، ولا الجنون، ولا التعب، ولا الهمّ، ولا الحُزُن، ولا الحَزَن، بل حتى النُعاس لايصيبهم فيها، لماذا؟ لأن النُعاس يأتي بعد تعبٍ جسديٍ أو بعد تعبٍ فكريٍ، والجنَّة ليس فيها ذلك، ولا سبيل إلى النُعاس إلى قلوبهم في الجنة، بل قلوبهم مليئة عامرة بالفرح والسرور، فلا مجال إلى البؤس إليهم ولا إلى النُعاس ولا إلى النوم بل نعيمٌ دائم إلى غير نهاية، ومما أعدَ الله لهم فيها كما ورد في الحديث أنه صلى الله عليه وسلم قال فيها (هي نُورٌ يَتَلألأ) هي نورٌ يتلألأ فلا يوجد ظلام في الجنة بل لا توجد بقعةٌ مظلمةٌ في الجنة، والجنة واسعة جدًا، جهنم مع عِظَمِ حجمها، مع مساحتها الواسعة الشاسعة الكبيرة، هي بُقعةٌ صغيرة بالنسبة للجنّة، هي بُقعة ضيقةٌ بالنسبة للجنّة، ومع ذلك لا يوجد في الجنّة موضعُ شبرٍ مظلم، كلها أنوار ولا يوجد فيها شمس ولا قمر، كل مافيها مُضاء، ولكنهم يعرفون مِقدار الليل والنهار بعلامةٍ جعلها الله لهم في الجنّة، وأيضًا مما أعدّ الله للمؤمنين في الجنّة كما ورد في الحديث الذي رواه الحافظ البيهقي والبزار أنك إذا نظرت إلى الطائر، إلى طيرٍ مثلاً وهو يطيرُ في الجنّة، فاشتهيته، ينزل مشويًا أمامك، فإذا أكلت، يخلقه الله ويطير من جديد، الله لا يعجزه شىء، ومما لهم فيها، ماءٌ لا يتعفّن من طول الـمـُكث، لا يَفْسُد، إنما هو ماءٌ لذيذٌ فراتٌ، ولا هو في وهادٍ عميقة، إنما يجري على أرض الجنّة، بين الأشجار، وإنما يشربون منه إذا اشتهوا لا عن عطش، لا عن ظمأ، وهم على عروشهم إذا اشتهوا الماء يصعد إليهم، وهم على عروشهم إذا اشتهوا الفاكهة، الثمارُ تدنو منهم، قال الله تعالى [قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ] (الحاقَّة 23) لا يأكلون عن جوع إنما يأكل إذا اشتهى، ويشرب إذا اشتهى، الجنّة ليس فيها جوعٌ أو عطش، الجنّة دار النعيم المقيم، لايدخلها إلا المؤمن، كما أخبرنا الله في القرءان، وكما أخبرنا الرسول عليه الصلاة والسلام، ومما لهم فيها لهم أسِّرَة ولهم عروش، يقعدون عليها ويتكإون، لا لأجل النعاس أو التعب وإنما هذا لأجل أن يتلذذوا بذلك، وهذه المجالس مرفوعة مكللة بالدر والياقوت، فإذا جاء أهلُها تواضعت لهم، فإذا جلسوا عليها ارتفعت بهم، هذا مما أعده الله للمؤمنين في الجنّة، وهناك طوبى كما ورد في الحديث الذي رواه البيهقي، وهي شجرةٌ عظيمة يسيرُ الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها تتفتقُ لهم عن ثياب أهل الجنّة فيلبسونها، وهناك الثياب لا تتسخ ولا تتهرأ ولا تخرج منها روائح منتنة، فالجنّة ليس فيها براز ولا بول ولا نجاسات ليس فيها عرقٌ منتن، ليس فيها روائح كريهة، الجنّة دار النعيم المقيم دار السعادة الأبدية، روى ابن ماجه وابن حبان أنه صلى الله عليه وسلم قال (أَلاَ هَلْ مُشَمِّرٌ لِلْجَنَّةِ؟ فَإِنَّ الْجَنَّةَ لاَخَطَرَ لَهَا هِيَ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ! نُورٌ يَتَلأْلأُ، وَرَيْحَانَةٌ تَهْتَزُّ، وَقَصْرٌ مَشِيدٌ، وَنَهَرٌ مُطَّرِدٌ، وَفَاكِهَةٌ كَثِيَرَةٌ نَضِيجَةٌ، وَزَوْجَةٌ حَسْنَاءُ جَمِيَلةٌ، وَحُلَلٌ كَثِيرَةٌ فِي مقَامٍ أَبَدًا فِي حَبْرَةٍ وَنَضْرَةٍ فِي دُورٍ عَالِيَةٍ سَلِيمَةٍ بَهِيَّةٍ) قَالُوا: نَحْنُ الْمُشَمِّرُونَ لَهَا، يَا رَسُولَ اللهِ! قَالَ (قُولُوا: إِنْ شَاءَ اللهُ).
هذا مما أعدَّه الله للمؤمنين في الجنّة.
ختم الله لي ولكم بكامل الإيمان، جعلنا وأياكم من أهل الفردوس الأعلى، هذا وأستغفر الله لي ولكم.