التبـرّك
23 يونيو 2018أهميةُ تحصيلِ العِلْمِ الشرعيِّ
26 يونيو 2018الهجرة النبوية المباركة (مواقف وعبر)
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونشكره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضلّ له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا مثيل له، ولا ضِدّ ولا نِدّ له، وأشهد أنّ سيّدنا وحبيبنا وعظيمنا وقائدنا وقرّة أعيننا محمّدًا عبده ورسوله وصفيّه وحبيبه، بلّغ الرسالة وأدّى الأمانة ونصح الأمّة فجزاه الله عنّا خير ما جزى نبيًّا من أنبيائه.
الصلاة والسلام عليك سيِّدي يا علم الهدى يا أبا الزهراء يا أبا القاسم يا محمّد ضاقت حيلتنا وأنت وسيلتنا أدركنا يا رسول الله.
أما بعد عباد الله، فإني أوصيكم ونفسي بتقوى الله العليِّ العظيم، والسير على خطى رسوله الكريم، يقول الله تعالى في محكم كتابه [إِلا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللهِ هِيَ العُلْيَا وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ] (التوبة 40).
إخوة الإيمان، دعا النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم إلى العدل والإحسان ومكارم الأخلاق ونهى عن المنكر والبغي، فهو أفضل الأوّلين والآخرين على الإطلاق، هو محمّد صلّى الله عليه وسلّم الذي عرّفه قومه قبل نزول الوحي بلقب الأمين فلم يكن سارقًا ولم يكن رذيلاً ولم يكن متعلّقَ القلب بالنساء، وكان يدور في المواسم التي يجتمع فيها الناس ويقول (أيها الناس قولوا لا إله إلا الله تُفلحوا)، وكان يتبعه رجل من المشركين ويقول (أيها الناس لا تصدّقوه).
صبر النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم على إيذاء المشركين، أليس حينما كان يصلّي عند الكعبة رمى على ظهره عقبة بن أبي معيط سلى جزور؟ وذلك المشرك أبو جهل أراد أن يخنقه بثوبه فمنعه أبو بكر وقال (أتقتلون رجلاً يقول ربيَ الله ؟).
أليس كُسرت رباعيّتُه من أسنانه؟
أليس ضُرب بالحجارة عليه الصلاة والسلام؟
ولكن هذا النبي المؤيّد بنصر الله المبين ثبت كما أمره الله، فما من نبي يتخلّى عن الدعوة إلى الله لشدّة الإيذاء، الكفار تعجّبوا لهذا الصبر فقالوا لأبي طالب (يا أبا طالب ماذا يريد ابنُ أخيك؟ إن كان يريد جاهًا أعطيناه فلن نمضي أمرًا إلا بعد مشورته، وإن كان يريد مالاً جمعنا له المال حتى يصير أغنانا، وإن كان يريد الملك توّجناه علينا).
ولكن النبيّ الذي يوحَى إليه أجاب عمَّه بقوله (والله يا عمّ لو وضعوا الشمس بيميني والقمرَ بشمالي ما تركت هذا الأمر حتى يظهرَه الله أو أهلك دونَه).
فأجمع المشركون على قتل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وجمعوا من كلِّ قبيلة رجلاً جلدًا ليضربوه ضربةَ رجلٍ واحد حتى يتفرّقَ دمُه بين القبائل، فأتى جبريلُ عليه السلام وأخبرَه بكيد المشركين وأمره بأن لا يبيت في مضجعه الذي كان يبيت فيه، فدعا رسولُ الله صلّى الله عليه وسلّم عليَّ بنَ أبي طالب رضي الله عنه وأَمَره أن يبيت على فراشه ويتسجّى بِبُردٍ له أخضرَ ففعل، ثمّ خرج صلّى الله عليه وسلّم وهم على بابه ومعه حفنة تراب فجعل يذرّها على رؤوسهم وهـو يقرأ [يس وَالْقُرْءانِ الْحَكِيمِ إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ تَنـزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ لِتُنذِرَ قَوْمًا مَّا أُنذِرَ ءابَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلاَلاً فَهِيَ إِلَى الأَذْقَانِ فَهُم مُّقْمَحُونَ وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ] (يـس).
ثمّ رسولُ الله صلّى الله عليه وسلّم يختارُ حبيبَه أبا بكر الصدِّيقَ رضي الله عنه يرافقه في الهجرة، ويدخلان إلى الغار وفي الغار ثقوب فجعل الصدّيق رضي الله عنه يسدّ الثقوب بثوبه وبقي ثقب فسدّه برجله ليحمي حبيبه وقرّة عينه محمّدا، فلدغتْه الأفعى برجله فما حرّكها وما أزاحها، فمن شدّة ألَمه بكى رضي الله عنه فنَزلت دمعته وأيقظت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقام صلّى الله عليه وسلّم ومسح له بريقه الطاهر فشفي بإذن الله تعالى.
هادينا والصديق معا *** في الغار ثقوبا وَجَدَ
وأبو بكر فيهـا وضع *** ثوبًا مزّقـه إذ وَرَدَ
ويسدّ الباقي من خوفٍ *** بالرجل لكي يحمي طه
لدغته الأفعى من جوفٍ *** ما حرّكها وما زاح
فبكى من ألَـمٍ أتعبَهُ *** والدمعة أيقظت المحبوب
بالريق الطاهر طيّبهُ *** وارتاح من الألم المكروب
وحمى الله تعالى حبيبَه بخيط العنكبوت، حمى الله تعالى حبيبه بأضعفِ البيوت وأوهنِ البيوت بيتِ العنكبوت، فأرسل الله حمامةً باضت على فمِ الغار ونسج العنكبوت خيطه، قال تعالى [يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الكَافِرُونَ] (التوبة 32).
والمؤمنون في المدينةِ المنوّرة ينتظرونَ حبّا وشوقًا، ينتظرون وصولَ الحبيب المصطفى صلّى الله عليه وسلّم، فكانوا يتوافدونَ إلى مشارفِ المدينة من ناحية طريقِ مكّة وكان بعضهم يتسلّق الأشجار وينظر إلى بعدٍ علّه يرى أثرًا لقدوم الحبيب صلّى الله عليه وسلّم، وتمضي الأيام والساعات ويعودون حزينين.
وذات يومٍ والناسُ في انتظارٍ بلهفٍ وشوقٍ وقد انتصفَ النهارُ واشتدَّ الحرُّ ورجعوا جماعةً بعد جماعة وإذ برَجُلٍ ينادي بأعلى صوته (ها قد جاء من تنتظرون يا أهل المدينة)، فتكرّ الجموع عائدة لاستقبال الحبيبِ المحبوب والحبّ يسبقها ولسان حالها يقول (طلع البدر علينا من ثنيات الوداع).
اللهمّ أعد علينا هذه الذكرى بالأمن والأمان يا ربّ العالمين.
هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم