وَاللهُ أَخْرَجَكُم مِن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئًا
1 ديسمبر 2016كم هو عظيمٌ أن نتفكّرَ في مخلوقاتِ الله
1 ديسمبر 2016لماذا سُمِّيَ هذا بهذا
إن الحمدَ للهِ نحمدُه ونستعينُه ونستهديه ونشكرُه ونستغفرُه ونتوبُ إليه، ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسِنا ومن سيّئاتِ أعمالنا، من يهدِ اللهُ فلا مُضِلَّ له ومن يُضلل فلا هاديَ له. وأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ الواحدُ الأحدُ الفردُ الصمدُ الذي لم يتَّخِذ صاحبةً ولا ولدا، جلَّ ربي لا يُشبه شيئا ولا يشبِهُهُ شىءٌ ولا يَحُلّ في شىءٍ ولا ينحلُّ منه شىءٌ، جلَّ ربي تنـزَّه عنِ الأينِ والكيفِ والشكلِ والصورةِ والحدِّ والجهةِ والمكان، ليس كمثلِهِ شىءٌ وهو السميعُ البصير. وأشهدُ أنَّ سيدَنا وحبيبَنا وعظيمَنا وقائدَنا وقرّةَ أعينِنا محمّدا عبدُه ورسولُه وصفيُّه وحبيبُه. الصلاةُ والسلامُ على سيِّدنا محمّدٍ النبيِّ الأمِّيِّ الذي علّمنا الحضارةَ وأرشدَنا إلى ما فيه خيرُنا وصلاحُنا ونجاحُنا في الدُّنيا والآخرة
أما بعدُ عبادَ الله فإني أوصيكم ونفسي بتقوى اللهِ العليِّ القديرِ القائلِ في مُحكم كتابه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ.
إخوةَ الإيمان، إنَّ خطبتَنا اليومَ مختلفةٌ عنِ الخُطبِ السابقةِ ولكنْ كما عودناكم فإنها مليئةٌ بالفوائدِ والمعلومات، خُطبتنا اليومَ عن بعضِ المفرداتِ التي يستعملُها الناسُ وأكثرُهم لا يعرفون معناها. فلماذا أيُّها الأحبةُ سُمي القلبُ قلبا والمالُ مالا والعالَمُ عالَما والعدوُّ عدوا ولماذا سُمي الأقصى بذلك والدنيا دنيا وءادمُ ءادمَ وحوّاءُ حوّاءَ.
فليُعلم إخوةَ الإيمانِ أنَّ القلبَ سميَ بذلك لكثرةِ تقلُّبِه فهو أسرعُ تقلُّبًا من الماءِ في القِدرِ عندما يَغلِي وهنا لابُدَّ منَ الإشارةِ إلى أهميةِ حفظِ قلوبِنا بالثباتِ على الإيمانِ بالله تعالى إيمانا راسخا لا يُخالطُه شكٌّ. يقول اللهُ تعالى:” إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ ءامَنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا” أي لم يشُكُّوا، والشكُّ يحصلُ بالقلب، فحفظُ القلبِ مهمٌّ جدا لأن القلبَ أميرُ الجوارحِ إذا صلَحَ صلَحت سائرُ الجوارحِ وإذا فسدَ فسَدتْ سائرُ الجوارحِ والشكُّ بالله أو رسولِه أو دينِه كفرٌ مخرجٌ منَ المِلّة.
وأما المالُ أيها الأحبةُ فسُمِّي مالا لأنَّ الإنسانَ يميلُ إليه فإيَّاكم والانجرارَ إلى المحرماتِ لأجلِ المال، فبعضُ الناسِ والعياذُ باللهِ يكفُرونَ لأجلِ المالِ فهذا قارونُ( الذي كان في زمنِ سيّدِنا موسى عليه السلام) والذي كان عندَه مالٌ كثيرٌ حتى إنَّ مفاتحَ خزائنِ مالِه كانَ يصعُبُ حملُها على العُصبةُ من الرِّجال الأقوياء، كفرَ باللهِ تعالى لأجلِ أنه استكثَرَ ما يجبُ في مالِه منَ الزكاةِ وأنكرَ نبوّةَ موسى عليه السلامُ فخسفَ اللهُ به وبمالِه الأرض. واللهُ تعالى هو خالقُ كلِّ شيءٍ وخالقُ الخيرِ والشرِّ خالقُ المَيلِ في الإنسانِ إلى الإيمانِ والطاعةِ أو إلى الكفرِ والعِصيان.
وأما العالَمُ فسُميَ عالَما لأنه علامةٌ أي دليلٌ على وجودِ الله تعالى، لأن العقلَ يقولُ إنَّ الضربةَ لا بدَّ لها مِن ضاربٍ والكتابةَ لابدّ لها من كاتبٍ والبناءَ لابدّ له مِن بنَّاءٍ، فكلُّ فِعلٍ لابدّ له من فاعلٍ فالأولى لهذا العالمِ أنْ يكونَ له خالقٌ وهو الله. قال تعالى:” أَفِى اللهِ شَكٌّ” أي لا شكَّ في وجودِ الله فمَن أنكرَ وجودَه تعالى أو شكَّ في ذلك كفرَ والعياذُ بالله، فاللهُ خالقُ العالمِ والعالَمُ مُحدَثٌ مخلوقٌ ليس أزليا لأن الأزليةَ لا تكونُ إلا للهِ فاللهُ وحدَه الأزليُّ الذي لا ابتداءَ لوجوده.
وأما العدوُّ فسُمِّيَ بذلك لِعَدْوِهِ عليك إذا ظَفِرَ بكَ، أي يظلِمُك، لأنّ من شأنِ الكافرِ الذي يعاديْكَ أنّه إنْ ظفِرَ بك يَظلِمُكَ، ولذلك سُمِّي إبليسُ في مواضعَ كثيرةٍ منَ القرءانِ عَدُوًّا قال تعالى:” إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ”، وهو كافرٌ ملعونٌ مطرودٌ من رحمةِ الله فلا يجوزُ القول( إنّ إبليسَ ما كفر) لأنَّ ذلك تكذيبٌ للقرءانِ قال تعالى في سورة البقرة: فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ.
وأما الأقصى فسُمّيَ بذلكَ لبعدِ المسافةِ بينهُ وبينَ المسجدِ الحرامِ، والأقصى مسرى النبيِّ صلى الله عليه وسلم ومن هناكَ عُرِجَ به إلى السماواتِ العُلى وهنا تجدُر الإشارةُ إلى أنّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم عُرِجَ به إلى السماءِ لتشريفِه وإعلاءِ مكانتِه وليس لِيَصِلَ إلى مكانٍ فيه الله، لأنَّ اللهَ موجودٌ بلا مكانٍ ولا يُقالُ إنَّ محمَّدا دنا من ربِّهِ تلكَ الليلةَ دُنُوًّا حسيًّا لأن ذلك صفةُ المخلوقِ واللهُ لا يُوصفُ بصفاتِ خلقِه. لا يوصفُ بالقُربِ والبعدِ بالمَسَافة سبحانه لَيسَ كمثلِه شىءٌ.
وأما الدُّنيا فسُمِّيت دنيا لِدَناوتِها وكما قال الإمامُ الرفاعيُّ الكبير: الدُّنيا خائنةٌ كذّابةٌ تَضْحَكُ على أهلِها مَن مالَ عنها سَلِمَ منها ومَنْ مالَ إليها بُلِيَ فيها، هي كالحيَّةِ ليِّنٌ لَمْسُها قاتلٌ سُمُّها لذّاتها سريعةُ الزَّوال وأيامُها تمضِي كالخيال فاشغَلْ نفسَك فيها بطاعةِ اللهِ ولا تغفُل عن محاسبَةِ نفسِك. فاعمل أخي المؤمنَ في هذه الدُّنيا الزائلةِ للآخرةِ الباقيةِ التي لا تنتهي والتي هي دارُ الجزاءِ وهنا نُحذِّرُ من كلامِ بعضِ الناسِ الذين يقولون( مين راح شاف وإجا خبّر)؟! فهذا تكذيبٌ بالآخرة وهو كفرٌ والعياذُ بالله.
وأما ءادمُ فسُمي بذلك لأنَّه خُلِقَ مِن أديمِ الأرضِ أي منْ تُرابِ الأرضِ لأنَّ الملَكَ نزلَ إلى الأرضِ بأمرِ اللهِ وأخذَ مِن تُرابِ الأرضِ مِن أبيضِها وأسودِها وما بينَ ذلك ومِن سهلِهَا وحَزْنِها وما بينَ ذلك ومِن طَيِّبِها وردِيئِها وما بينَ ذلك فجاءتْ ذُرِّيَّةُ ءادمَ على قَدْرِ ذلك أي ألوانُهم وطبائعُهم ونفوسُهم مختلفةٌ على حسَبِ اختلافِ التُّربةِ التي خُلِقَ منها سيدُنا ءادمُ عليه السلام.
وءادمُ نبيٌّ رسولٌ علّم أولادَه دينَ الإسلامِ الذي هو دينُ كلِّ الأنبياءِ وقد خلقَ اللهُ فيهِ الإيمانَ والمعرفةَ وكانَ يتكلَّمُ كلَّ اللُّغات، لم يكُنْ قِردًا ولا يُشبِهُ القُرود، هو أولُ البشَرِ وكانَ جميلَ الشكلِ ممشوقَ القَدِّ قال تعالى:” لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ” فالإنسانُ لم يكُنْ أصلُه قردا لأنّ أصلَ الإنسانِ من ءادمَ عليه السلامُ الذي كانَ هو مِن أجملِ الناس.
وأما حواءُ فسُميت بذلك لأنها خُلِقتْ مِن ضِلَعِ حيٍّ وهو ءادمُ عليه السلام وقدْ خُلِقت كبيرةً مناسِبةً لآدمَ وخلَقَ اللهُ تعالى فيها الإيمانَ فكانت على دينِ الإسلامِ لأنَّه الدينُ الذي رضِيَهُ اللهُ لعبادِه وأمرَنَا باتِّباعِه ولا يجوزُ سَبُّ جِنسِ حواءَ أو جنسِ النساءِ وهو كفرٌ لأنَّ فيهنَّ مؤمناتٍ صالحاتٍ وليّاتٍ مدَحَهُنّ اللهُ في القرءان الكريم وأفضَلُهنَّ مريمُ عليها السلام، فإيَّاك ثم إيّاك إذا غضِبْتَ مِن زوجتِك أو ابنَتِك أن تسُبَّ جنسَ حواءَ فإنّه هلاكٌ والعياذُ بالله تعالى، فسبحانَ الخالقِ العظيمِ الذي خلقَ فسوَّى والذي قدَّر فهَدَى والذي خلَقَ الإيمانَ والهُدَى وأعطَى المعرفةَ والعلمَ لمنْ شاءَ مِن عبادِه. فاعتَبِرُوا يا أُولي الأبصارِ”هذا.
هذا وأستغفر الله لي ولكم