مَا الْحِكْمَةُ مِنْ خَلْقِ الْعَرْشِ؟
2 نوفمبر 2016حديث (الطاعون رجز أرسل على طائفة من بني إسرائيل أو على من كان قبلكم….) الحديث
2 نوفمبر 2016التحذِير مِن النميمة
التحذِير مِن النميمة
الحمدُ للهِ ربِّ العالَمِينَ وصلَّى اللهُ علَى سيِّدِنا مُحمَّدٍ وعلَى ءَالِه وصَحْبِهِ الطَّيِّبِين الطَّاهِرِين، أمّا بَعْدُ، يَقُولُ اللهُ تَبَارَك وتَعالَى فِي القُرءانِ الكَريمِ ﴿هَمَّازٍ مَّشَّاءٍ بِنَمِيمٍ﴾ (سُورَةَ الْقَلَم11) أي يَمْشِي بالنَّمِيمَةِ بَيْنَ النَّاسِ لِيُفْسِدَ بَيْنَهُم، ويَقُولُ رَسُولُ اللَّهِ الأَكْرَمُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ قَتَّاتٌ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ أَيْ لَا يَدْخُلُهَا مَعَ الأَوَّلِينَ، وَالْقَتَّاتُ هُوَ النَّمَّامُ.
والنَّمِيمَةُ مِنَ الْكَبِائِرِ وَهِيَ نَقْلُ الْقَوْلِ مِنْ شَخْصٍ إِلَى شَخْصٍ أَوْ مِنْ قَوْمٍ إِلَى قَوْمٍ عَلَى إرادَةِ التَّفْرِيقُ بَيْنَهُمَا بِمَا يَتَضَمَّنُ الإِفْسَادَ وَالْقَطِيعَةَ أَوِ الْعَدَاوَةَ بَيْنَهُمَا، وَهِيَ مِنْ جُمْلَةِ مَعَاصِي اللِّسَانِ لأِنَّهَا قَوْلٌ، وَيُعَبَّرُ عَنْهَا بِعِبَارَةٍ أُخْرَى وَهِيَ نَقْلُ كَلامِ النَّاسِ بَعْضِهِمْ إِلَى بَعْضٍ عَلَى وَجْهِ الإِفْسَادِ بَيْنَهُمْ، يَقُولُ لِهَذَا فُلانٌ قَالَ فِيكَ كَذَا وَيَقُولُ لِذَاكَ فُلانٌ قَالَ فِيكَ كَذَا حَتَّى يَتَقَاتَلا أَوْ يَتَعَادَيَا أَيْ يَفْعَلُ ذَلِكَ لِلإِفْسَادِ بَيْنَهُمَا، فَقَد ذَمَّ اللهُ تَعالَى فِعْلَ النَّمَّامِ وَجَعَلَ النَّمِيمَةَ كَبِيرَةً لِمَا فِيهَا مِنَ الإِفْسَادِ وَإِثَارَةِ البُغْضِ والعَدَاوَةِ ونَشْرِ الخُصُومَةِ بَينَ النَّاسِ، وهُوَ سُبْحَانَهُ وتَعالَى قَد يُعَجِّلُ العُقُوبَةَ في الدُّنْيَا لِمَنْ يَسْعَى فِيهَا، ويُذِيقُهُ العَذَابَ الأَليمَ فِي القَبْرِ والآخِرَةِ إنْ شَاءَ، فَقَد وَرَدَ فِي حَدِيثِ القَبْرَينِ الذَينِ مَرَّ بِهِمَا النَّبِيُّ صلَّى اللهُ علَيهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُما يُعَذَّبانِ وَأَن أَحَدَهُمَا كانَ يَمْشِي بالنَّمِيمَةِ، فحرم الله النميمة وإن كانت صدقا وحقا لما فيها من إفساد القلوب وإثارة البغض والعداوة.
وَقَد رَوَى البُخارِيُّ فِي الأدَبِ المُفْرَدِ مِن حَدِيثِ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ أنَّها قَالَتْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِخِيَارِكُمْ) قَالُوا بَلَى، قَالَ (الَّذِينَ إِذَا رُؤُوا ذُكِرَ اللَّهُ، أَفَلَا أُخْبِرُكُمْ بِشِرَارِكُمْ) قَالُوا بَلَى، قَالَ (الْمَشَّاءُونَ بِالنَّمِيمَةِ الْمُفْسِدُونَ بَيْنَ الْأَحِبَّةِ الْبَاغُونَ الْبُرَءَاءَ الْعَنَتَ) أَي الذِينَ يَبْغُونَ فِي حَقِّ الأَبْرِيَاءِ مِن عِبَادِ اللهِ العَنَتَ أَيِ الهَلَكَةَ والمَشَقَّةَ والفِتْنَةَ والشَّرَّ.
فالنَّمَّامُ يَجْعَلُ بَيْنَ المُتَآخِينِ وَبَيْنَ المُتَحَابِّينَ والمُتَصَافِينَ عَنَتًا وَمَشَقَّةً وَيَزْرَعُ بَيْنَهُم شَرًّا وَفَسَادًا وَعُدْوَانًا، وَالنَّمِيمَةُ أَشَدُّ إِثْمًا مِنَ الْغِيبَةِ وهِيَ تُذْهِبُ ثَوابَ صِيَامِ فَاعِلِهَا، وفَاعِلُهَا يَسْتَحِقُّ العَذَابَ الألِيمَ، ولَا يَدْخُلُ الجَنَّةَ مَعَ الأَوَّلِينَ، بَلْ يَدْخُلُهَا بَعْدَ أَنْ يُقَاسِيَ مَا يُقَاسِي مِنْ أَهْوَالِ الآخِرَةِ، هَذَا إِنْ جَازَاهُ اللَّهُ وَلَمْ يَعْفُ عَنْهُ، فَهِيَ أَحَدُ أَكْثَرِ أَسْبَابِ عَذَابِ الْقَبْرِ أجَارَنَا اللهُ مِن ذَلِكَ، فَقَد ذَكَر السُّيُوطِيُّ فِيمَا أَخْرَجَهُ البَيْهَقِيُّ عَن أَبِي هُرَيرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى الله علَيهِ وَسَلَّم أنَّهُ قَالَ (إنَّ عَذَابَ القَبْرِ مِن ثَلاثَةٍ مِن الغِيبَةِ والنَّمِيمَةِ والبَوْلِ (أي عَدَمِ الاسْتِنْزَاهِ مِنْهُ) فَإِيَّاكُم وَذَلِكَ).
قَالَ الْحَافِظُ الْمُنْذِرِيُّ (أَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّ النَّمِيمَةَ مُحَرَّمَةٌ وَأَنَّهَا مِنْ أَعْظَمِ الذُّنُوبِ عِنْدَ اللَّهِ، فَمَنِ اسْتَحَلَّهَا مُطْلَقًا يَكْفُرُ).
وَقَالَ جَمْعٍ مِنَ السَّلَفِ (قَدْ يُفْسِدُ النَّمَّامُ وَالْكَذَّابُ فِي سَاعَةٍ مَا لَا يُفْسِدُهُ السَّاحِرُ فِي سَنَةٍ).
وَرُوِيَ عَنِ الحَسَنِ البِصْرِيِّ أنَّهُ قَالَ (مَن نَمَّ إِلَيكَ نَمَّ عَلَيكَ) وَمَعْنَى هذَا أَنَّ النَّمَّامَ يُتَجَنَّبُ وَلَا يُصَدَّقُ بِمَا يَنْقُلُ مِن دُونِ قَرائِنَ لِفِسْقِهِ وَلَا يُصَاحَبُ بَلْ يُجْتَنَبُ إلَّا إنْ كَانَ فِي مُرَافَقَتِه زَجْرٌ لَهُ عَمَّا هُوَ فِيهِ ومَنْعٌ لَهُ مِن أنْ يَتمَادَ فِي هذِه الخَصْلِة الخَبِيثَةِ، فَكَيْفَ يُؤْتَمَنُ وهُوَ فِيهِ مَا فِيهِ مِن فَسادِ القَلْبِ والخَصْلاتِ الشَّنِيعَةِ التِي تُؤَدِّي إِلَى الإفسَادِ بَيْنَ النَّاسِ، وفِعْلُهُ هذَا مِن أَخْطَرِ ءَافَاتِ اللِّسَانِ التِي يَجِبُ أَنْ يُحَذَّرَ مِنْهَا.
وَقَد رُوِيَ عَنِ أبِي الأسْوَدِ الدُؤَلِيِّ أنَّهُ قَالَ (لا تَقْبَلَنَّ نَمِيمَةً بُلِّغْتَهَا وتَحَفَّظَنَّ مِنَ الَّذِي أَنْبَاكَهَا إِنَّ الَّذِي أَهْدَى إِلَيْكَ نَمِيمَةً سَيَنِمُّ عَنْكَ بِمِثْلِهَا قَدْ حَاكَهَا).
وَقَد حَكَى بَعْضُ العُلَماءِ أنَّهُ كَانَ فِي المِائةِ الثّانِيَةِ لِلهِجرَةِ رَجُلٌ تُوُفِّيَتْ لَهُ أُختٌ فَدَفنَها وَبَعْدَ أَنْ دَفنَها تَذَكَّر أنَّهُ وَقَعَتْ مِنْهُ دَنانِيرُ فِي القَبْرِ فأَرادَ أنْ يَفْتَحَ القَبْرَ ليُخْرِجَ الدَّنَانِيرَ، فانْكَشَف علَيهِ القَبْرُ فَرأَى النَّارَ تَشْتَعِلُ فِيهِ فَفَزِعَ فَرمَى علَيهِ التُّرَابَ وَتَركَه وَذَهَب إِلَى أُمِّهِ فَسَأَلَها عَن حَالِ أُخْتِهِ، فَقَالتْ لَهُ مَا لَكَ وَلَها وقَد مَاتَت، فَأَصَرَّ عَلَيها حتَّى تُخْبِرَه، فَقَالَتْ لَهُ كَانَتْ تُخرِجُ الصَّلَاةَ عَن وَقْتِها وَكَانَتْ تَسْتَرِقُ السَّمْعَ إلى بُيُوتِ النَّاسِ تَتَجَسَّس لِتُفْسِدَ أَيْ لِتَعْمَلَ النَّمِيمَةَ بَيْنَهُم.
وَقَد رُوِيَ عَن حَمّادِ بنِ سَلَمةَ أنّه قَالَ بَاعَ رَجُلٌ غُلامًا، فَقَالَ لِلْمُشْتَرِي لَيْسَ فِيه عَيْبٌ إلَّا أنَّهُ نَمَّامٌ، فاسْتَخَفَّهُ المُشْتَرِي فاشْتَراهُ علَى ذَلِكَ العَيْبِ، فَمَكَثَ الغُلَامُ عِنْدَهُ أَيّامًا ثُمَّ قَالَ لِزَوْجَةِ مَوْلَاهُ إنَّ زَوْجَكِ لَا يُحِبُّكِ وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يَتَسَرَّى عَلَيْكِ، أَفَتُرِيدِينَ أَنْ يَعْطِفَ عَلَيْكِ؟ قَالَتْ: نَعَم، قَالَ لَهَا: خُذِي المُوسَى واحْلِقِي شَعَراتٍ مِن بَاطِنِ لِحْيَتِهِ إذَا نَامَ، ثُمَّ جَاءَ إِلَى الزَّوْجِ، وَقَالَ إنَّ امْرَأَتَكَ تَخَادَنَتْ (يَعْنِي اتَّخَذَتْ صَاحِبًا) وَهِيَ قَاتِلَتُكَ، أَتُرِيدُ أَنْ يَتَبَيَّنَ لَكَ ذَلِكَ؟ قَالَ نَعَم، قَالَ فَتَنَاوَم لَهَا، فَتَنَاوَمَ الرَّجُلُ، فَجَاءَتِ امْرَأَتُهُ بِمُوسَى لِتَحْلِقَ الشَّعَراتِ، فَظَنَّ الزَّوْجُ أَنَّهَا تُرِيدُ قَتْلَهُ، فَأَخَذَ مِنْهَا المُوسَى فَقَتَلَها، فَجَاءَ أَوْلِيَاؤُهَا فَقَتَلُوهُ، فَجَاءَ أَوْلِيَاءُ الرَّجُلِ وَوَقَعَ القِتَالُ بَيْنَ الفَرِيقَين.
فإنْ جَاءَكَ شَخْصٌ يَسْعَى بِالنَّمِيمَةِ فَلا تُعِنْهُ عَلَيْهَا بَل أعِنْهُ عَلَى نَفْسِهِ لِتَرْكِهَا والتَّخَلُّصِ مِنْهَا، فانْصَحْهُ بالرِّفْقِ واللِّيِنِ والمَحَبَّةِ أَنْ يَشْغَلَ لِسَانَه وَمَجْلِسَهُ بِذِكْرِ اللهِ وِبَمَا يَنْفَعُ وَذَكِّرْهُ بِأُمُورٍ مِنْها:
1- أنَّهُ إنْ مَشَى بالنَّمِيمَةِ كَانَ مُتَعَرِّضًا لِسَخَطِ اللهِ وَمَقْتِهِ وَعِقَابِهِ.
2- أَنْ يَسْتَشْعِرَ عَظِيمَ إِفْسَادِهِ لِلْقُلُوبِ وَخَطَرَ وِشَايَتِهِ فِي تَفَّرُّقِ الأَحِبَّةِ وَهَدْمِ البُيُوتِ.
3- أَنْ يَتَذَكَّرَ الآيَاتِ والأَحَادِيثِ الوَارِدَةِ فِي ذَلِكَ وَأَنْ يَحْبِسَ لِسَانَهُ عَمَّا لَا خَيْرَ فِيهِ.
4- أنْ يَعْمَلَ فِي النُّصْحِ وَإِشَاعَةِ المَحَبَّةِ بَيْنَ المُسْلِمِينَ.
5- أَنْ يَتَذَكَّرَ أنَّ مَن تَتَبَّعَ عَوْرَاتِ النَّاسِ قَد يَفْضَحُهُ اللهُ فِي الدُّنْيَا قَبْلَ الآخِرَةِ وَلَو كَانَ قاعِدًا فِي جَوْفِ بَيْتِهِ.
6- عَلَيْهِ بالرُّفْقَةِ الصَّالِحَةِ التِي تَدُلُّهُ علَى الخَيْرِ وَتَكُونُ مَجَالِسُهُم مَجَالِسَ خَيْرٍ وَذِكْرٍ وعِلْمٍ وتَعَاوُنٍ علَى الخَيْرِ والبِّرِّ والتَّقْوَى.
7- أَنْ يَتَذَكَّرَ المَوْتَ وَقِصَرَ الدُّنْيَا وَقُرْبَ الأَجَلِ وَسُرْعَةَ الانْتِقَالِ إِلَى الدَّارِ الآخِرَةِ وأنَّ كُلَّ مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ يَكْتُبُه مَلَكَانِ كَرِيَمانِ علَى اللهِ يُحْصُونَ علَيهِ أَعْمالَهُ وأقْوالَهُ.
هذَا ومَعَ عُظْمِ هذَا الذَّنْبِ فإنَّهُ لا يَكُونُ أَشَدَّ مِنَ الكُفْرِ ولا أَشَدَّ مِنَ قَتْلِ المُسْلِمِ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى ﴿وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ﴾ (سُورَةَ الْبَقَرَة 191) فَمَعْنَاهُ الشِرْكُ أَشَدُ مِنَ الْقَتْلِ وَلَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّ مُجَرَّدَ الإِفْسَادِ بَيْنَ اثْنَيْنِ أَشَدُّ مِنْ قَتْلِ الْمُسْلِمِ ظُلْمًا بَلِ الَّذِي يَعْتَقِدُ ذَلِكَ يَكْفُرُ وَالْعِيَاذُ بِاللَّهِ لأِنَّهُ مِنَ الْمَعْلُومِ مِنَ الدِّينِ عِنْدَ الْخَاصَّةِ وَالْعَامَّةِ أَنَّ قَتْلَ الْمُسْلِمِ أَكْبَرُ الذُّنُوبِ بَعْدَ الْكُفْرِ عَلَى الإِطْلاقِ وَمَنْ أَنْكَرَ هَذَا فَهُوَ مُرْتَدٌّ لا عُذْرَ لَهُ.
نَسْألَ اللهَ السَّلامَةَ فِي الدُّنْيَا والآخِرَةِ ونَرْجُوهُ تَباَركَ وتَعالَى أنْ يَحْفَظَ جَوارِحَنَا وأدَوَاتِنا مِن الآثَامِ وأنْ يُجَنِّبَنَا النَّمَّامِينَ ومَكَائِدَهُم وأنْ يَقِيَنَا شَرَّ مَا نَتَخَّوفُ وَيَرْزُقَنَا حُسْنَ الَحالِ، فَإِلى اللهِ المَرْجِعُ والمَآلُ، وحَسْبُنَا اللهُ ونِعْمُ الوَكِيلِ، وسُبْحَانَ اللهِ رَبِّ العَرْشِ العَظِيمِ وَصلاةُ اللهِ وسَلامُهُ علَى أنبِيائِه المُرْسَلِينَ.
والحَمْدُ اللهِ رَبِّ العَالَمِين.