الملك العادل نُوْرُ الدِّيْنِ الشهيد
13 نوفمبر 2016عيسى بنُ مريم عليه السلامُ
13 نوفمبر 2016مقدمة لقصص الأنبياء
تمهيد ومقدمة قصص الأنبياء.
النبوة والرسالة:
النبوةُ مشتقة من النَّبوة وهي الرفعة، أو من النبإِ وهو الخبر، والنبوة خاصة بالبشر فليس في الملائكة ولا في الجن نبي، وأما الرسالة فليست خاصة بالبشر قال تعالى: { اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ } (سورة الحج/75).
الفرق بين الرسول والنبي:
الرسول من البشر هو النبي الذي أوحي إليه بشرع يشتمل على حكم جديد لم يكن في شرع الرسول الذي قبله كسيدنا محمد وعيسى وموسى فإن هؤلاء كل واحد منهم أنزل عليه حكم جديد.
وأما النبيّ غير الرسول فهو من أوحي إليه باتباع شرع الرسول الذي كان قبله وأمر بتبليغ ذلك، ولم يوحَ إليه بشرع جديد، فكل رسول نبي وليس كل نبي رسولاً.
النبوة غير مكتسبة، فهي غير متعلقة بكسب للنبي كما يقول تبارك وتعالى: { يُؤتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ } (سورة البقرة/269) أي النبوة والرسالة فلا تنال بالعمل والاجتهاد في العبادة وحسن الخلق إنما تنال باصطفاء الله وموهبته. ثم إن الله ختم النبوة بمحمد صلى الله عليه وسلم فهو ءاخر الأنبياء وأمّته ءاخر أمة أرسل إليها رسول.
والرسول لا بد أن يكون أكمل من المرسلِ إليهم عقلاً وفضلاً وفطنة ومعرفة وصلاحًا وعفة وشجاعة وسخاوة وزهدًا قال تعالى: { إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ } (سورة ءال عمران/33).
ولا يجوز أن يكون الرسول امرأة، ولا أن يكون عبدًا مملوكًا، ولا أن يكون ناقص الحس لأجل الحاجة إلى كمال الحواس في أداء الرسالة وما يتعلق بها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما بعثَ اللهُ نبيًّا إلا حسن الوجهِ حسنَ الصوت، وإن نبيَّكم أحسنهم وجهًا وأحسنهم صوتًا. رواه الترمذيّ.
ما يجب للأنبياء وما يستحيل عليهم:
يجب للأنبياء الصدق، فيستحيل عليهم الكذب لأن الكذب ينافي منصب النبوة، ويجب لهم الأمانة فيستحيل عليهم الخيانة.
ويجب لهم الفطانة فيستحيل عليهم الغباوة والبلادة أي ضعف الفهم، لأن الأنبياء أرسلوا ليبلغوا الناس مصالح ءاخرتهم ودنياهم، والبلادة تنافي ذلك.
وكذلك يستحيل على الأنبياء الرذالة كسرقة حبة عنب واختلاس النظر إلى الأجنبية بشهوة، وكذلك يستحيل عليهم السفاهة كتبذير المال.
ما ورد في عدد الأنبياء والرسل والكتب المنزلة:
روى ابن حبان في صحيحه عن أبي ذر قال: قلت: يا رسول الله كم الأنبياء؟ قال :(مائة ألف وأربعة وعشرون ألفًا). قلت: يا رسول الله كم الرسل من ذلك؟ قال: (ثلائمائة وثلاثة عشر جمًّا غفيرًا). قال: قلت: يا رسول الله من كان أولهم؟ قال:(ءادم) قلت: يا رسول الله أنبيّ مرسل؟ قال: (نعم خلقه الله بيده (أي بعنايته)، ونفخ فيه من روحه، وكلمه قُبُلا).
وقد اختلف العلماء في بيان عدد الأنبياء فمنهم من احتج بحديث ابن حبان المتقدم ذكره، ومنهم من لم يعين عددًا معلومًا محتجًّا بأنه لم يرد في ذلك حديث قطعي الثبوت.
وأما الكتب المنزلة عليهم فمائة وأربعة كتب، منها خمسون أنزلت على شيث، وثلاثون على إدريس، وعشرة على إبراهيم، وعشرة على موسى قبل التوراة، وأنزل التوراة على موسى، والزبور على داود، والإنجيل على عيسى، والقرءان على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وأول الأنبياء ءادم عليه السلام فهو نبي رسول وءاخرهم محمد عليهم الصلاة والسلام. ولا يجوز الأخذ بقول من ينفي رسالة ءادم ونبوته لأنه قول باطل.
دين الأنبياء واحد وشرائعهم مختلفة:
قال الله تعالى: {كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين} (سورة البقرة/213) أي أن الناس كانوا كلهم على دين واحد وهو الإسلام ثم اختلفوا فبعث الله النبيين، وروى الشيخان وأحمد وابن حبان وغيرهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (الأنبياء إخوة لعَلاّت دينهم واحد وأمهاتهم شتى)، والمعنى أن الأنبياء كلهم على دين واحد هو دين الإسلام فكلهم دعوا إلى عبادة الله وحده وعدم الإشراك به شيئًا والتصديق بأنبيائه، ولكن شرائعهم مختلفة أي الأحكام، ومثال ذلك: أنه كان جائزًا في شرع ءادم أن يتزوج الأخ من أخته إن لم تكن توأمًا له لأن حواء رضي الله عنها ولدت أربعين بطنًا كل مرة ذكرًا وأنثى على قول بعض العلماء، وقال بعضهم: حوّاء ولدت لآدم أربعين نفسا في عشرين بطنا، وقال بعضهم: حواء كانت تلد لآدم في كل بطن غلاما وجارية إلا شيثًا فإنها وضعته مفردًا عوضًا عن هابيل، وجملة أولاد آدم تسعة وثلاثون في عشرين بطنًا. اهـ
وكان حرامًا عليه أن يتزوج الأخ بأخته التي هي توأمة له ثم نسخ الله تعالى هذا الحكم بعد موت ءادم وحرم زواج الأخ بأخته إن كانت توأمة له أو لم تكن.
أيضًا كان مفروضًا في شرائع أنبياء بني إسرائيل كموسى صلاتان في اليوم والليلة، وفي شرع نبينا محمد صلى الله عليه وسلم خمس صلوات.
وكان جائزًا في شرع سيدنا يعقوب عليه السلام أن يجمع الرجل في الزواج بين المرأة وأختها وهو محرم في شرع محمد صلى الله عليه وسلم.
عصمة الأنبياء:
اتفق المسلمون على أن الأنبياء معصومون عن الكفر قبل النبوة وبعدها، وكذلك كبائر الذنوب كالزنى وأكل الربا وغير ذلك، وأما الذنوب الصغيرة فما كان من صغائر الخسة والدناءة فهم معصومون منها قبل النبوة وبعدها. وأما الصغائر التي هي غير صغائر الخسة فقد ذهب أكثر العلماء ومنهم الإمام أبو الحسن الأشعري رضي الله عنه إلى أنه تجوز في حقّهم كالمعصية التي حصلت من ءادم عليه السلام قال تعالى { وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى } (سورة طه/121)، ولكنهم ينبَّهون فورًا فيتوبون قبل أن يقتدي بهم فيها غيرهم، وهذا هو القول الصواب. قال الله تبارك وتعالى: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ ءَادَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِن أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ قَالَ لأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (27) لَئِنم بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ (28) إِنِّي أُرِيدُ أَن تَبُوأَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَآءُ الظَّالِمِينَ (29) فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ (30) فَبَعَثَ اللهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتي أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ (31)} (سورة المائدة).
تتلخص قصة هابيل وقابيل أن حواء عليها السلام ولدت أربعين بطنًا على قول بعض العلماء وقال بعضهم ولدت عشرين بطنا، وكانت تلد في كل بطن ذكرًا وأنثى، وكان سيدنا ءادم عليه السلام يُزوج ذكر كل بطن بأنثى من بطن ءاخر، ويقال إن هابيل أراد أن يتزوج بأخت قابيل التي كانت أجمل من أخت هابيل لكن قابيل أراد أن يستأثر بها، فأمره ءادم عليه السلام أن يزوجه إياها فأبى، فأمرهما أن يقربا قربانًا وهو ما يتقرب به إلى الله تعالى وذهب ءادم إلى مكة ليحجّ، وقرّب كل واحد منهما قربانه بعد ذهاب أبيهم ءادم عليه السلام.
فقرَّب هابيل جذعة سمينة وكان صاحب غنم، وأما قابيل فقرب حزمة من زرع رديء وكان صاحب زرع، فنزلت نار فأكلت قربان هابيل وتركت قربان قابيل، فغضب قابيل غضبًا شديدًا، وقال لأخيه هابيل: لأقتلنك حتى لا تنكح أختي فقال له: إنما يتقبل الله من المتقين.
وذات ليلة أبطأ هابيل في المرعى، فبعث سيدنا ءادم عليه السلام (وكان قد رجع من الحج) أخاه قابيل لينظر ما أبطأ به، فلما ذهب إذ هو به، فقال له: تقبل منك ولم يتقبل مني، فقال له هابيل: إنما يتقبل الله من المتقين، فغضب عندئذ قابيل، ثم أتاه وهو نائم فرفع صخرة فشدخ بها رأسه، وقيل خنقه خنقًا شديدًا. وأما قول هابيل لقابيل: {لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ (28) إِنِّي أُرِيدُ أَن تَبُوأَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ (29)} (سورة المائدة) فمعناه أريد ترك مقاتلتك وإن كنت أشد منك وأقوى فتتحملُ إثم قتلي مع ما لك من الآثام المتقدمة قبل ذلك.
وقيل: لما قتل قابيل هابيل ندم على ذلك، فضمه إليه حتى تغيرت رائحته، وعكفت عليه الطير والسباع تنتظر حتى يرمي به فتأكله، وكره أن يأتي به ءادم فيحزنه، ولم يزل يحمله حتى جاء غرابان، فاقتتلا أمام قابيل فقتل أحدهما الآخر، فعمد إلى الأرض يحفر له بمنقاره فيها، ثم ألقاه ودفنه وجعل يحثي عليه التراب حتى واراه، فقال عندها قابيل: {يَا وَيْلَتَى أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءةَ أَخِي} (سورة المائدة/31) ثم أخذ يفعل به ما فعل ذاك الغراب فواراه ودفنه تحت التراب.
وليعلم أن ابن ءادم قابيل الذي قتل أخاه هابيل كان مسلمًا مؤمنًا ولم يكن كافرًا، وإنما ارتكب معصية كبيرة بقتله أخاه هابيل ظلمًا وعدوانًا.
فائدة:
روى الجماعة سوى أبي داود وأحمدُ في مسنده عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تُقتل نفس ظلمًا إلا كان على ابن ءادم الأول كفل من دمها لأنه كان أول من سن القتل) أي ظلمًا. فعلم من ذلك أن قابيل ما تاب من قتله لهابيل.
وبجبل قاسيون شمالي دمشق مغارة يقال لها مغارة الدم، ذُكر بأنها المكان الذي قتل قابيل أخاه هابيل عندها، والله أعلم بصحة ذلك.
موت سيدنا ءادم وحواء عليهما السلام:
عاش سيدنا ءادم عليه السلام ألف سنة قيل قضى منها مائة وثلاثين سنة في الجنة، وبقية الألف عاشها على هذه الأرض التي نزل إليها.
ولما مات بقيت ذريته على دين الإسلام يعبدون الله تعالى وحده ولم يشركوا به شيئًا، فعاش البشر ألف سنة أخرى على دين الإسلام. ولم يكن فيهم كفر ولا شرك، وإنما حصل الكفر والشرك بعد نبي الله إدريس عليه الصلاة والسلام فكان سيدنا نوح عليه السلام أول نبي بعث إلى الكفار.
وقد ورد في الأثر أن ءادم عليه السلام دفن في مكة أو في منى قريب مسجد الخيف حيث دفن سبعون نبيًّا، وقبورهم مخفاة ولا يوجد علامات تدل عليها، وقيل دفن عند الجبل الذي أهبط عنده في الهند، وقيل بجبل أبي قبيس بمكة، والله أعلم.