تفسير لطيف لقول الصحابي أبي ذر (أوصاني خليلي)
24 يوليو 2017متى محاسبة النفس؟! حاسب نفسك قبل الفوات وقبل أن يقال: مات!
25 يوليو 2017التحاب في الله
التحاب في الله
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله وعلى ءاله وصحبه الطيبين الطاهرين، أما بعد
الذينَ يتَحَابُّونَ في اللهِ تبَاركَ وتعَالى يومَ القِيامةِ يُظِلّهم اللهُ في ظِلِّ العَرشِ، يومَ القِيامَةِ لا يُوجَدُ إلا ظِلُّ العَرشِ، هذِه الأَرضُ تتَبدّلُ لا يَبقَى جَبلٌ ولا وهْدَةٌ،كُلُّها هكَذا، كُلُّ الأرضِ هكَذا لا يُوجَدُ عَليهَا شَجرٌ ولا كُهُوفٌ هذِه الأرضُ تُدَكُّ دَكًّا، الجِبالُ تَصِيرُ كالغُبارِ تَطِيرُ في الجَوّ، اللهُ تَعالى يَنقُلُ البَشرَ في ذلكَ الوقتِ إلى ظُلمَةٍِ في جِهةِ الصّراط، يُحمَلُونَ بقُدرةِ اللهِ تبَاركَ وتعالى، ثم بَعدَما تُبدَّلُ الأرضُ غَيرَها يَرُدُّهم اللهُ إليهَا، فلا يكونُ على الأرضِ مَكانٌ مُنخَفِضٌ ولا مكَانٌ مُرتَفِعٌ ولا أَشجَارٌ ولا مَساكِنَ، ولا يُظِلُّ الإنسانَ ذلكَ اليومَ إلا عَملُه، الذينَ أرَادَ اللهُ لهم الرّاحةَ والسّلامةَ مِن حَرّ الشّمسِ ذلكَ اليوم يكونونَ تحتَ ظِلّ العَرشِ مُنفَصِلين عن الناس، الناسُ الذينَ في الدّنيا يتَحابُّون لوجهِ الله ليسَ للمَال ولا للهَوى ولا للقَرابةِ بل حُبّا في اللهِ، اللهُ تَعالى يُسلّمهُم مِن حَرّ الشمسِ، ذلكَ الحَرُّ على الكُفّار يصِلُ عَرقُ كلِّ واحدٍ مِنهُم إلى فمِه لا يتَجاوَزُ عرَقُه إلى غيرِه يَكادُ يموتُ، لكن لا يموتُ لا يُوجَد مَوتٌ في الآخِرةِ، مَهمَا تَعذّب الإنسانُ يَبقَى وهوَ في عذَابِه في ألَمِه لا يُوجَدُ مَوتٌ، في الدُّنيا إذا إنسانٌ أَحرَقَتْهُ نارٌ يمُوتُ وإذَا قُطِعَ بحَدِيدَةٍ يموتُ وإذا ضُرِبَ برصَاصَةٍ يمُوتُ، وبعضُ المسلِمينَ العُصَاة الذينَ مَاتُوا بلا تَوبةٍ يَحصُل لهم ذلكَ لكن ليسَ إلى حَدّ عَرقِ الكَافر.
(تَحابُّوا في الله) مَعناهُ يتَعاونُونَ على الخيرِ ليسَ على الشّرّ، على المعصية، أولئكَ همُ الذينَ يَكونُونَ في ظِلِّ العَرش، وبعضُهم الله تعالى يُجلِسُهم على كُرسِيّ مِن نُور، لباسُهم نُورٌ ووجُوهُهُم نُورٌ وكَراسِيُّهم نُورٌ، هؤلاء مِن خَواصّ عِبادِ الله الأتقياء، التّحابُّ في الله فيهِ خَيرٌ عَظِيم في الآخِرة، بالمصَافاة ليسَ بالغَشّ. هذا لا يُشجّعُ أخَاه على الشّر، على المعصية وهَذا لا يُشجّعُه بل يَنهاه، هؤلاء الذينَ يتَحابُّونَ في الله الذينَ تكُون لهم هذه الدّرجةُ في الآخرة.
أمّا الذينَ تحابُّوا على معصيةِ الله والهَوى أو لأجلِ المالِ ليسَ لهم هذا الفَضلُ، الذينَ يتحَابُّونَ للمَالِ أو للهَوى أو لتَوافُقِ هَواهُم هؤلاءِ لا يجِدُونَ في الآخِرةِ ما يَسُرُّهم على تحَابّهِم في الدُّنيا، بل كانُوا يتَعاونُونَ على المعصيةِ فعَلَيهِم عذابٌ أَليمٌ، ذلكَ اليوم يفِرُّ هذَا مِن هَذا وهذَا يَفِرّ مِن هَذا، ذلكَ الأبُ إن كانَ ظَلَم ابنَه يومَ القيامةِ يَفِرّ حتى لا يؤاخَذ بحقّ ابنِه والعكسُ بالعكس، وإن كانَ الابنُ ظَلَم أبَاه هذا الابنُ يفِرّ، لكن أينَ المخلَص، أينَ المَخْلَص، لا بُدَّ أن يؤخَذ مِنه حَقُّه، والزّوجُ والزوجةُ هكذا، والأخُ معَ الأخ هكذا.
قال الله تبارك وتعالى (الأخِلاءُ يومَئذٍ بَعضُهُم لبَعضٍ عَدُوٌّ إلا المتَّقِين) معنى هذِه الآيةِ أنّ الأخلاءَ الذين يكونونَ أصدقاءَ في الدُّنيا يكونُ بعضُهم لبَعضٍ عَدُوّ إلا المتقينَ أي إلا الذينَ يتَعاونُونَ على الخير، أي إلا الذينَ يتَمسّكُونَ بشريعَةِ الله تمَامًا فلا يغُشُّ بَعضُهُم بعضًا.
سِوى هؤلاء النّاس الذينَ يتَعاونُونَ في الدنيا على المعصِية بَعضُهم لبعض عدوٌّ، مَهمَا كانت صدَاقتُهم في الدنيا قويّةً يومَ القيامةِ عَدُوٌّ، هذا عدُوٌّ لهذا وهَذا عَدُوٌّ لهذا لأنّه يَعرفُ هناك، كلُّ بعضٍ لبعضٍ عدُوّا.