حديث (إِذَا قُبِرَ الْمَيِّتُ أَوِ الإِنْسَانُ أَتَاهُ مَلَكَانِ أَسْوَدَانِ أَزْرَقَانِ يُقَالُ لِأَحَدِهِمَا مُنْكَرٌ وَلِلآخَرِ نَكِيرٌ……)

حديث (صِنْفَانِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَمْ أَرَهُمَا، قَوْمٌ مَعَهُمْ سِيَاطٌ كَأَذْنَابِ الْبَقَرِ يَضْرِبُونَ بِهَا النَّاسَ، وَنِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ مُمِيلاَتٌ مَائِلاَتٌ....)
حديث (صِنْفَانِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَمْ أَرَهُمَا، قَوْمٌ مَعَهُمْ سِيَاطٌ كَأَذْنَابِ الْبَقَرِ يَضْرِبُونَ بِهَا النَّاسَ، وَنِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ مُمِيلاَتٌ مَائِلاَتٌ….)
1 أكتوبر 2022
حديث (الدُّنْيَا سِجْنُ الْمُؤْمِنِ وَسَنَتُهُ فَإِذَا فَارَقَ الدُّنْيَا فَارَقَ السِّجْنَ وَالسَّنَةَ)
حديث (الدُّنْيَا سِجْنُ الْمُؤْمِنِ وَسَنَتُهُ فَإِذَا فَارَقَ الدُّنْيَا فَارَقَ السِّجْنَ وَالسَّنَةَ)
9 أكتوبر 2022
حديث (صِنْفَانِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَمْ أَرَهُمَا، قَوْمٌ مَعَهُمْ سِيَاطٌ كَأَذْنَابِ الْبَقَرِ يَضْرِبُونَ بِهَا النَّاسَ، وَنِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ مُمِيلاَتٌ مَائِلاَتٌ....)
حديث (صِنْفَانِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَمْ أَرَهُمَا، قَوْمٌ مَعَهُمْ سِيَاطٌ كَأَذْنَابِ الْبَقَرِ يَضْرِبُونَ بِهَا النَّاسَ، وَنِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ مُمِيلاَتٌ مَائِلاَتٌ….)
1 أكتوبر 2022
حديث (الدُّنْيَا سِجْنُ الْمُؤْمِنِ وَسَنَتُهُ فَإِذَا فَارَقَ الدُّنْيَا فَارَقَ السِّجْنَ وَالسَّنَةَ)
حديث (الدُّنْيَا سِجْنُ الْمُؤْمِنِ وَسَنَتُهُ فَإِذَا فَارَقَ الدُّنْيَا فَارَقَ السِّجْنَ وَالسَّنَةَ)
9 أكتوبر 2022

حديث (إِذَا قُبِرَ الْمَيِّتُ أَوِ الإِنْسَانُ أَتَاهُ مَلَكَانِ أَسْوَدَانِ أَزْرَقَانِ يُقَالُ لِأَحَدِهِمَا مُنْكَرٌ وَلِلآخَرِ نَكِيرٌ……)

حديث (إِذَا قُبِرَ الْمَيِّتُ أَوِ الإِنْسَانُ أَتَاهُ مَلَكَانِ أَسْوَدَانِ أَزْرَقَانِ يُقَالُ لِأَحَدِهِمَا مُنْكَرٌ وَلِلآخَرِ نَكِيرٌ......)

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِذَا قُبِرَ الْمَيِّتُ أَوِ الإِنْسَانُ أَتَاهُ مَلَكَانِ أَسْوَدَانِ أَزْرَقَانِ يُقَالُ لِأَحَدِهِمَا مُنْكَرٌ وَلِلآخَرِ نَكِيرٌ فَيَقُولانِ لَهُ مَا كُنْتَ تَقُولُ فِي هَذَا الرَّجُلِ مُحَمَّدٍ؟ فَهُوَ قَائِلٌ مَا كَانَ يَقُولُ فَإِنْ كَانَ مُؤْمِنًا قَالَ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ فَيَقُولانِ لَهُ إِنْ كُنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّكَ لَتَقُولُ ذَلِكَ، ثُمَّ يُفْسَحُ لَهُ فِي قَبْرِهِ سَبْعِينَ ذِرَاعًا فِي سَبْعِينَ ذِرَاعًا وَيُنَوَّرُ لَهُ فِيهِ، فَيُقَالُ لَهُ نَمْ، فَيَنَامُ كَنَوْمِ الْعَرُوسِ الَّذِي لا يُوقِظُهُ إِلَّا أَحَبُّ أَهْلِهِ حَتَّى يَبْعَثَهُ اللَّهُ مِنْ مَضْجَعِهِ ذَلِكَ).

بَعْدَمَا يُدْفَنُ الإِنْسَانُ يَأْتِيهِ مَلَكَانِ أَسْوَدَانِ أَزْرَقَانِ أَيْ لَوْنُهُمَا لَيْسَ مِنَ السَّوَادِ الْخَالِصِ بَلْ مِنَ الأَسْوَدِ الْمَمْزُوجِ بِالزُّرْقَةِ وَهَذَا يَكُونُ أَخْوَفَ مَا يَكُونُ مِنَ الأَلْوَانِ، حَتَّى يَفْزَعَ الْكَافِرُ مِنْهُمَا، أَمَّا الْمُؤْمِنُ التَّقِيُّ لا يَخَافُ مِنْهُمَا اللَّهُ تَعَالَى يُثَبِّتُهُ، يُلْهِمُهُ الثَّبَاتَ، وَهُمَا لا يَنْظُرَانِ إِلَيْهِ نَظْرَةَ غَضَبٍ، أَمَّا الْكَافِرُ يَرْتَاعُ مِنْهُمَا، وَقَدْ سُمِّيَا مُنْكَرًا وَنَكِيرًا لِأَنَّ الَّذِي يَرَاهُمَا يَفْزَعُ مِنْهُمَا، وَهُمَا اثْنَانِ أَوْ يَكُونُ هُنَاكَ جَمَاعَةٌ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يُسَمَّى مُنْكَرًا وَجَمَاعَةٌ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ اسْمُهُ نَكِيرٌ فَيَأْتِي إِلَى كُلِّ مَيِّتٍ اثْنَانِ مِنْهُمْ أَحَدُهُمَا مِنْ هَذَا الْفَرِيقِ وَالآخَرُ مِنْ ذَاكَ الْفَرِيقِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُعْطِيَ اللَّهُ لِهَؤُلاءِ أَشْبَاحًا فَيَحْضُرَانِ إِلَى كُلِّ مَيِّتٍ بِشَبَحَيْنِ إِمَّا بِالشَّبَحِ الأَصْلِيِّ وَإِمَّا بِالشَّبَحِ الْفَرْعِيِّ، وَكَذَلِكَ عَزْرَائِيلُ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ يَتَطَوَّرُ إِلَى أْشَبَاحٍ كَثِيرَةٍ وَيَقْبِضُ هَذِهِ الأَرْوَاحَ الْكَثِيرَةَ، وَلَوْ كَانَ فِي الْيَوْمِ الْوَاحِدِ وَفِي السَّاعَةِ الْوَاحِدَةِ أَرَادَ أَنْ يَقْبِضَ مِائَةَ أَلْفِ نَفْسٍ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَحْضُرَ وَيَقْبِضَ هَؤُلاءِ الأَرْوَاحَ، ثُمَّ يَتَنَاوَلُ مِنْهُ الْمَلائِكَةُ إِمَّا مَلائِكَةُ الرَّحْمَةِ وَإِمَّا مَلائِكَةُ الْعَذَابِ، مَلائِكَةُ الرَّحْمَةِ مَنْظَرُهُمْ جَمِيلٌ أَمَّا مَلائِكَةُ الْعَذَابِ مَنْظَرُهُمْ مُخِيفٌ، فَلا يَتْرُكُونَ الرُّوحَ فِي يَدِ عَزْرَائِيلَ بَعْدَمَا يَقْبِضُهَا طَرْفَةَ عَيْنٍ، يَذْهَبُونَ بِهَا إِلَى السَّمَاءِ إِنْ كَانَتِ الرُّوحُ مُؤْمِنَةً، وَإِنْ كَانَتْ كَافِرَةً فَإِلَى الأَرْضِ السَّابِعَةِ إِلَى سِجِّينَ.

فَفِي الْحَدِيثِ أَنَّ مُنْكَرًا وَنَكِيرًا يَقُولانِ لِلْمَقْبُورِ (مَا كُنْتَ تَقُولُ فِي هَذَا الرَّجُلِ) أَيْ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يُسَمِّيَانِ الرَّسُولَ بِاسْمِهِ وَلَيْسَ الرَّسُولُ شَاهِدًا حَاضِرًا لِلسُّؤَالِ، بَعْضُ أَهْلِ الْغُلُوِّ يَدَّعُونَ أَنَّ الرَّسُولَ بِذَاتِهِ يَحْضُرُ يَكُونُ شَاهِدًا، هَذَا لا أَسَاسَ لَهُ، إِنَّمَا هِيَ إِشَارَةٌ إِلَى الْمَعْهُودِ ذِهْنًا، فَيَقُولُ الرَّجُلُ مَا كَانَ يَقُولُهُ قَبْلَ الْمَوْتِ، الْمُسْلِمُ قَبْلَ الْمَوْتِ كَانَ يَقُولُ عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ فَيَقُولُ ذَلِكَ وَيَقْرِنُهُ بِالشَّهَادَةِ يَقُولُ أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، اللَّهُ تَعَالَى يُلْهِمُهُ وَيُقْدِرُهُ عَلَى الْجَوَابِ، كُلُّ مُسْلِمٍ يُجِيبُ بِذَلِكَ، إِنَّمَا الَّذِي لا يَسْتَطِيعُ الْجَوَابَ هُوَ الَّذِي يُنْكِرُ وَيَجْزِمُ بِنَفْيِ رِسَالَةِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، الْكَافِرُ الْمُعْلِنُ وَالْمُنَافِقُ كِلاهُمَا يَقُولانِ كُنْتُ أَقُولُ مَا يَقُولُ النَّاسُ.

ثُمَّ إِنَّ الْمُؤْمِنَ التَّقِيَّ يُوَسَّعُ قَبْرُهُ سَبْعِينَ ذِرَاعًا طُولًا فِي سَبْعِينَ ذِرَاعًا عَرْضًا وَذَلِكَ بِذِرَاعِ الْيَدِ وَهِيَ شِبْرَانِ تَقْرِيبًا، وَبَعْضُهُمْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ كَمَا حَصَلَ لِلْعَلاءِ بنِ الْحَضْرَمِيِّ الصَّحَابِيِّ الْجَلِيلِ الَّذِي كَانَ مِنْ أَكَابِرِ الأَوْلِيَاءِ، فَإِنَّهُ اتَّسَعَ قَبْرُهُ مَدَّ الْبَصَرِ شَاهَدُوا ذَلِكَ لَمَّا نَبَشُوا الْقَبْرَ لِيَدْفِنُوهُ فِي مَكَانٍ ءَاخَرَ لِأَنَّ الْمَكَانَ الَّذِي دَفَنُوهُ بِهِ كَثِيرُ السِّبَاعِ، وَيُنَوَّرُ قَبْرُهُ أَيِ الْمُؤْمِنِ التَّقِيِّ وَيُفْتَحُ لَهُ فِي قَبْرِهِ بَابٌ إِلَى الْجَنَّةِ فَيَأْتِيهِ نَسِيمُهَا، وَيُمْلَأُ عَلَيْهِ خَضِرًا أَيْ يُوضَعُ فِي قَبْرِهِ مِنْ نَبَاتِ الْجَنَّةِ الأَخْضَرِ، وَهَذَا كُلُّهُ حَقِيقِيٌّ لَيْسَ وَهْمًا لَكِنَّ اللَّهَ يَحْجُبُ ذَلِكَ عَنْ أَبْصَارِ النَّاسِ أَيْ أَكْثَرِهِمْ أَمَّا أَهْلُ الْخُصُوصِيَّةِ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ الْكَامِلِينَ فَيُشَاهِدُونَ، وَالْحِكْمَةُ فِي إِخْفَاءِ اللَّهِ حَقَائِقَ أُمُورِ الْقَبْرِ وَأُمُورِ الآخِرَةِ لِيَكُونَ إِيـمَانُ الْعِبَادِ إِيـمَانًا بِالْغَيْبِ فَيَعْظُمَ ثَوَابُهُ، ثُمَّ إِنَّ الْمُؤْمِنَ التَّقِيَّ يُقَالُ لَهُ نَمْ، فَيَنَامُ كَنَوْمِ الْعَرُوسِ الَّذِي لا يُوقِظُهُ إِلَّا أَحَبُّ أَهْلِهِ إِلَيْهِ، أَيْ لا يُحِسُّ بِقَلَقٍ وَلا وَحْشَةٍ، أَمَّا الآنَ النَّاسُ يَخَافُونَ مِنَ الْمَوْتِ، لَكِنْ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ لا يَخَافُونَ لِأَنَّ اللَّهَ ءَامَنَهُمْ مِنَ الْخَوْفِ، وَقَدْ وَرَدَ فِي الأَثَرِ أَنَّ الْمُؤْمِنَ أَيِ الْكَامِلَ يَقُولُ لَهُ الْمَلائِكَةُ السَّلامُ عَلَيْكَ يَا وَلِيَّ اللَّهِ فَلا يَبْقَى بَعْدَ ذَلِكَ فِيهِ خَوْفٌ مِنَ الْمَوْتِ وَالْقَبْرِ.

فَإِنْ كَانَ مُنَافِقًا قَالَ لا أَدْرِي، كُنْتُ أَسْمَعُ النَّاسَ يَقُولُونَ شَيْئًا فَكُنْتُ أَقُولُهُ، فَيَقُولانِ لَهُ إِنْ كُنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُولُ ذَلِكَ، ثُمَّ يُقَالُ لِلأَرْضِ الْتَئِمِي فَتَلْتَئِمُ عَلَيْهِ حَتَّى تَخْتَلِفَ أَضْلاعُهُ فَلا يَزَالُ مُعَذَّبًا حَتَّى يَبْعَثَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ مَضْجَعِهِ ذَلِكَ، فَسُؤَالُ الْمَلَكَيْنِ لِلْكَافِرِ (مَنْ رَبُّكَ«)وَهُمَا يَعْلَمَانِ أَنَّهُ سَيَقُولُ لا أَدْرِي لِأَنَّهُمَا يَعْرِفَانِ أَنَّهُ لا يَقُولُهَا عَنِ اعْتِقَادٍ إِنَّمَا يَقُولُهَا عَنْ دَهْشَةٍ، يَقُولُهَا عَنْ سَبْقِ لِسَانٍ مِنْ شِدَّةِ الْفَزَعِ مِنْ غَيْرِ ضَبْطِ لِسَانِهِ وَلا يَعْتَقِدُ ذَلِكَ إِنَّمَا يُخْبِرُ عَمَّا مَضَى لَهُ فِي الدُّنْيَا، بَعْضُ النَّاسِ يَسْتَشْكِلُونَ يَقُولُونَ إِذَا كَانَ لا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ لِلْكَافِرِ مَا دِينُكَ مَعَ الْعِلْمِ بِأَنَّهُ سَيُجِيبُ أَنَا يَهُودِيٌّ أَوْ مَجُوسِيٌّ فَكَيْفَ يَجُوزُ لِلْمَلَكَيْنِ فِي الْقَبْرِ أَنْ يَسْأَلا الْكَافِرَ وَهُمَا يَعْلَمَانِ أَنَّهُ سَيُجِيبُ لا أَدْرِي، فَالْجَوَابُ أَنَّهُ يُجِيبُ مُخْبِرًا عَمَّا كَانَ يَعْتَقِدُهُ فِي الْمَاضِي قَبْلَ الْمَوْتِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَعْتَقِدَ الآنَ أَنَّهُ حَقٌّ وَبِهَذَا زَالَ الإِشْكَالُ، وَقَوْلُهُمَا (إِنْ كُنَّا لَنَعْلَمُ) مَعْنَاهُ قَدْ كُنَّا نَعْلَمُ، (إِنْ) هَذِهِ تُسَمَّى مُخَفَّفَةً مِنَ الثَّقِيلَةِ أَيِ الْمُشَدَّدَةِ، يُقَالُ فِي اللُّغَةِ (إِنْ كُنْتُ أَعْلَمُ كَذَا وَكَذَا) أَيْ قَدْ كُنْتُ أَعْلَمُ كَذَا وَكَذَا، هَذِهِ أَصْلُهَا إِنَّ وَلَكِنْ خُفِّفَتْ بِتَرْكِ الشَّدَّةِ، وَالتَّقْدِيرُ أَنَّهُ كُنَّا نَعْلَمُ ذَلِكَ، وَهَذِهِ اللَّامُ تُسَمَّى لامَ التَّوْكِيدِ أَيْ أَنَّنَا كُنَّا قَبْلَ أَنْ تُجِيبَ أَنَّكَ كُنْتَ عَلَى هَذَا الِاعْتِقَادِ نَعْلَمُ ذَلِكَ، وَالْمُنَافِقُ هُوَ الَّذِي يُبْطِنُ الْكُفْرَ وَيَتَظَاهَرُ بِالإِسْلامِ كَعَبْدِ اللَّهِ بنِ أُبَيٍّ فَإِنَّهُ مَعَ مَا ظَهَرَ مِنْهُ مِنَ النِّفَاقِ كَانَ يَتَشَهَّدُ وَيُصَلِّي خَلْفَ الرَّسُولِ وَلَمَّا سُئِلَ أَنْتَ قُلْتَ كَذَا أَيْ لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ أَنْكَرَ قَالَ لَمْ أَقُلْ، وَمُرَادُهُ بِالأَعَزِّ نَفْسُهُ، وَبِالأَذَلِّ الرَّسُولُ، لَكِنَّ الرَّسُولَ كَانَ يُجْرِي عَلَيْهِ أَحْكَامَ الْمُسْلِمِ لِأَنَّهُ لَمْ يَعْتَرِفْ بَلْ بَقِيَ مُتَظَاهِرًا بِالإِسْلامِ فَكَانَ الرَّسُولُ يُجْرِي عَلَيْهِ فِي الظَّاهِرِ أَحْكَامَ الْمُسْلِمِ، وَعِنْدَمَا مَاتَ ظَنَّ الرَّسُولُ أَنَّهُ زَالَ عَنْهُ النِّفَاقُ وَبِنَاءً عَلَى هَذَا الظَّنِّ صَلَّى عَلَيْهِ، هَذَا هُوَ الصَّوَابُ كَمَا قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ وَغَيْرُهُ، وَأَمَّا مَنْ قَالَ إِنَّ الرَّسُولَ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّهُ بَعْدُ مُنَافِقٌ كَافِرٌ ثُمَّ صَلَّى عَلَيْهِ فَقَدْ جَعَلَ الرَّسُولَ مُتَلاعِبًا بِالدِّينِ، جَعَلَهُ كَأَنَّهُ يَقُولُ فِي صَلاتِهِ عَلَيْهِ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِمَنْ لا تَغْفِرُ لَهُ وَذَلِكَ كُفْرٌ.

ثُمَّ يُقَالُ لِلأَرْضِ الْتَئِمِي عَلَيْهِ فَيَضِيقُ عَلَيْهِ الْقَبْرُ حَتَّى تَتَشَابَكَ أَضْلاعُهُ، ثُمَّ هَذَا الْعَبْدُ لا يَزَالُ مُعَذَّبًا بِهَذَا الْعَذَابِ حَتَّى يَبْعَثَهُ اللَّهُ، ثُمَّ بَعْدَ أَنْ يُبْعَثَ يُعَذَّبُ بِأَشْيَاءَ غَيْرِ الَّتِي كَانَ يُعَذَّبُ بِهَا وَهُوَ فِي الْقَبْرِ ثُمَّ بَعْدَ دُخُولِهِ النَّارَ يَكُونُ أَشَدَّ وَأَشَدَّ.

وَالْحَدِيثَانِ رَوَاهُمَا ابْنُ حِبَّانَ وَصَحَّحَهُمَا، فَفِي الأَوَّلِ مِنْهُمَا إِثْبَاتُ عَوْدِ الرُّوحِ إِلَى الْجَسَدِ فِي الْقَبْرِ وَالإِحْسَاسِ، وَفِي الثَّانِي إِثْبَاتُ اسْتِمْرَارِ الرُّوحِ فِي الْقَبْرِ وَإِثْبَاتُ النَّوْمِ وَذَلِكَ مَا لَمْ يَبْلَ الْجَسَدُ.

وَهَذَا النَّعِيمُ لِلْمُؤْمِنِ الْقَوِيِّ وَهُوَ الَّذِي يُؤَدِّي الْفَرَائِضَ وَيَجْتَنِبُ الْمَعَاصِيَ، وَهُوَ الَّذِي قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ (الدُّنْيَا سِجْنُ الْمُؤْمِنِ وَسَنَتُهُ فَإِذَا فَارَقَ الدُّنْيَا فَارَقَ السِّجْنَ وَالسَّنَةَ)، حَدِيثٌ صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ ابْنُ حِبَّانَ، يَعْنِي الْمُؤْمِنَ الْكَامِلَ.

قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ (سِجْنُ الْمُؤْمِنِ) أَيْ بِالنِّسْبَةِ لِمَا يَلْقَاهُ مِنَ النَّعِيمِ فِي الآخِرَةِ الدُّنْيَا كَالسِّجْنِ، وَقَوْلُهُ (وَسَنَتُهُ) أَيْ دَارُ جُوعٍ وَبَلاءٍ.
وَفِي كِتَابِ أَهْوَالِ الْقُبُورِ وَفِي كِتَابِ ابْنِ أَبِي الدُّنْيَا خَرَّجَ لِأَبِي الْقَاسِمِ إِسْحَاقَ بنِ إِبْرَاهِيمَ الْخُتَلِيِّ قَالَ سَمِعْتُ عُبَيْدَ اللَّهِ ابْنَ مُحَمَّدٍ الْعَبْسِيَّ يَقُولُ حَدَّثَهُ عَمْرُو بنُ مُسْلِمٍ عَنْ رَجُلٍ حَفَّارِ الْقُبُورِ قَالَ حَفَرْتُ قَبْرَيْنِ وَكُنْتُ فِي الثَّالِثِ فَاشْتَدَّ عَلَيَّ الْحَرُّ فَأَلْقَيْتُ كِسَائِي عَلَى مَا حَفَرْتُ وَاسْتَظَلَّيْتُ فِيهِ فَبَيْنَمَا أَنَا كَذَلِكَ إِذْ رَأَيْتُ شَخْصَيْنِ عَلَى فَرَسَيْنِ أَشْهَبَيْنِ فَوَقَعَا عَلَى الْقَبْرِ الأَوَّلِ فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ اكْتُبْ، فَقَالَ مَا أَكْتُبُ، قَالَ فَرْسَخٌ فِي فَرْسَخٍ، ثُمَّ تَحَوَّلا إِلَى الآخَرِ فَقَالَ اكْتُبْ، قَالَ مَا أَكْتُبُ، قَالَ مَدُّ الْبَصَرِ، ثُمَّ تَحَوَّلا إِلَى الآخَرِ الَّذِي أَنَا فِيهِ قَالَ اكْتُبْ، قَالَ مَا أَكْتُبُ، قَالَ فِتْرٌ فِي فِتْرٍ، فَقَعَدْتُ أَنْظُرُ الْجَنَائِزَ فَجِيءَ بِرَجُلٍ مَعَهُ نَفَرٌ يَسِيرٌ فَوَقَفُوا عَلَى الْقَبْرِ الأَوَّلِ قُلْتُ مَا هَذَا الرَّجُلُ؟ قَالَ إِنْسَانٌ قَرَّابٌ يَعْنِي سَقَّاءٌ ذُو عِيَالٍ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَىْءٌ فَجَمَعْنَا لَهُ فَقُلْتُ رُدُّوا الدَّرَاهِمَ عَلَى عِيَالِهِ وَدَفَنْتُهُ، ثُمَّ أُتِيَ بِجِنَازَةٍ لَيْسَ مَعَهَا إِلَّا مَنْ يَحْمِلُهَا فَسَأَلُوا عَنِ الْقَبْرِ فَجَاؤُوا إِلَى الْقَبْرِ الَّذِي قَالُوا مَدَّ الْبَصَرِ قَالَ مَنْ هَذَا الرَّجُلُ؟ قَالُوا إِنْسَانٌ غَرِيبٌ مَاتَ عَلَى مَزْبَلَةٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ شَىْءٌ فَلَمْ ءَاخُذْ مِنْهُمْ شَيْئًا وَصَلَّيْتُ عَلَيْهِ مَعَهُمْ، وَقَعَدْتُ أَنْتَظِرُ الثَّالِثَ فَلَمْ أَزَلْ إِلَى الْعِشَاءِ فَجِيءَ بِجِنَازَةِ امْرَأَةٍ لِبَعْضِ الأُمَرَاءِ فَسَأَلْتُهُمُ الأُجْرَةَ فَضَرَبُوا رَأْسِيَ وَأَبَوْا أَنْ يُعْطُونِي وَدَفَنُوهَا فِي ذَلِكَ الْقَبْرِ. انْتَهَى مَا ذَكَرَهُ الْحَافِظُ أَبُو الْقَاسِمِ، وَالشَّخْصَانِ مَلَكَانِ مِنَ الْمَلائِكَةِ.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *