الحافظ الجليل محمد بن عبد الله بن الجد الفهري المعروف بأبي بكر بن الجد
الحافظ الجليل محمد بن عبد الله بن الجد الفهري المعروف بأبي بكر بن الجد
7 أغسطس 2022
مَتْنُ الْعَقِيدَةِ الطَّحَاوِيَّةِ
مَتْنُ الْعَقِيدَةِ الطَّحَاوِيَّةِ
9 أغسطس 2022
الحافظ الجليل محمد بن عبد الله بن الجد الفهري المعروف بأبي بكر بن الجد
الحافظ الجليل محمد بن عبد الله بن الجد الفهري المعروف بأبي بكر بن الجد
7 أغسطس 2022
مَتْنُ الْعَقِيدَةِ الطَّحَاوِيَّةِ
مَتْنُ الْعَقِيدَةِ الطَّحَاوِيَّةِ
9 أغسطس 2022

الشَّفَاعَةُ

الشَّفَاعَةُ

الشَّفَاعَةُ

الشَّفَاعَةُ حَقٌّ، وَهِيَ سُؤَالُ الْخَيْرِ مِنَ الْغَيْرِ لِلْغَيْرِ، فَيَشْفَعُ النَّبِيُّونَ وَالْعُلَمَاءُ الْعَامِلُونَ وَالشُّهَدَاءُ وَالْمَلائِكَةُ، وَيَشْفَعُ نَبِيُّنَا لِأَهْلِ الْكَبَائِرِ مِنْ أُمَّتِهِ، فَيَجِبُ الإِيـمَانُ بِالشَّفَاعَةِ الَّتِي ادَّخَرَهَا النَّبِيُّ لِأُمَّتِهِ وَمَعْنَاهَا لُغَةً سُؤَالُ الْخَيْرِ أَيْ طَلَبُ الْخَيْرِ مِنَ الْغَيْرِ لِلْغَيْرِ، وَالشَّفَاعَةُ فِي الآخِرَةِ تَكُونُ لِتَخْلِيصِ النَّاسِ مِنْ حَرِّ الشَّمْسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَهَذِهِ لِسَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، أَمَّا الْكُفَّارُ فَيَنْتَقِلُونَ مِنْ حَرِّ الشَّمْسِ إِلَى عَذَابٍ أَشَدَّ.

وَمِنَ الشَّفَاعَةِ الشَّفَاعَةُ فِي إِخْرَاجِ بَعْضِ عُصَاةِ الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ مَاتُوا بِلا تَوْبَةٍ مِنْ جَهَنَّمَ، وَهَذِهِ يَشْتَرِكُ فِيهَا الرَّسُولُ وَغَيْرُهُ فَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (يَخْرُجُ نَاسٌ مِنَ النَّارِ بِشَفَاعَةِ مُحَمَّدٍ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ وَنَحْوِهِ يُعْلَمُ أَنَّهُ لا بُدَّ أَنْ يَدْخُلَ بَعْضُ عُصَاةِ الْمُسْلِمِينَ النَّارَ، فَلا يَجُوزُ الدُّعَاءُ بِنَجَاةِ جَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ دُخُولِ النَّارِ، وَقَوْلُ بَعْضِ الْمُنْتَسِبِينَ لِلطَّرِيقَةِ الْقَادِرِيَّةِ عِنْدَ اجْتِمَاعِهِمْ لِقِرَاءَةِ الأَوْرَادِ (اللَّهُمَّ أَجِرْنَا وَأَجِرْ وَالِدِينَا وَجَمِيعَ الْمُسْلِمِينَ مِنَ النَّارِ) حَرَامٌ وَهَذَا يَحْصُلُ فِي الْجَزَائِرِ وَفِي سُورِيَا وَالْحَبَشَةِ يَجْتَمِعُونَ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ فَيَقْرَأُونَ أَوْرَادَهُمْ وَيَقُولُونَ هَذَا اللَّفْظَ سَبْعَ مَرَّاتٍ، وَهَذَا دَاءٌ مِنْ أَدْوَاءِ الْجَهْلِ فَإِنَّ أَكْثَرَ الْمُنْتَسِبِينَ إِلَى الطُّرُقِ جُهَّالٌ يَنْتَسِبُونَ لِأَخْذِ الطُّرُقِ قَبْلَ أَنْ يَتَعَلَمُّوا الْعِلْمَ الضَّرُورِيَّ. وَالْعَجَبُ مِنْ هَؤُلاءِ كَيْفَ خَفِيَ عَلَيْهِمْ فَسَادُ هَذَا الْكَلامِ مَعَ أَنَّهُمْ يَسْمَعُونَ أَنَّ الرَّسُولَ يَشْفَعُ لِبَعْضِ أُمَّتِهِ فِي إِخْرَاجِهِمْ مِنَ النَّارِ، وَلَوْ سَلَكَ هَؤُلاءِ مَسْلَكَ الصُّوفِيَّةِ الْحَقِيقِيِّينَ لَسَلِمُوا لِأَنَّ الصُّوفِيَّةَ الْحَقِيقِيَّةَ مِنْ شُرُوطِهِمُ الأَسَاسِيَّةِ تَعَلُّمُ عِلْمِ الدِّينِ الضَّرُورِيِّ الَّذِي فَرَضَهُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ، وَهَؤُلاءِ حَالُهُمْ كَحَالِ مَنْ يُرِيدُ أَنْ يَصْعَدَ إِلَى السَّطْحِ الَّذِي لا سَبِيلَ لِلْوُصُولِ إِلَيْهِ إِلَّا بِارْتِقَاءِ السُّلَّمِ بِغَيْرِ سُلَّمٍ، وَلَعَلَّ بَعْضَ هَؤُلاءِ مِنْ شِدَّةِ الْجَهْلِ يَقْرَأُونَ هَذَا اللَّفْظَ وَلا يَفْهَمُونَ مَعْنَاهُ، إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ.

أَمَّا الصُّوفِيَّةُ الْحَقِيقِيَّةُ وَهُمُ الَّذِينَ جَمَعُوا بَيْنَ الْعِلْمِ وَالْعَمَلِ بِهِ يَكُونُونَ مُحَصِّلِينَ لِلْعِلْمِ الَّذِي لا بُدَّ لِكُلِّ مُكَلَّفٍ مِنْ تَعَلُّمِهِ وَالْعَمَلِ بِهِ، وَبَعْضُهُمْ يَكُونُونَ جَمَعُوا مِنَ الْعِلْمِ زِيَادَةً عَلَى الْعِلْمِ الضَّرُورِيِّ وَهَؤُلاءِ عُلَمَاءُ صُوفِيَّةٌ هَؤُلاءِ مِنْ خِيَارِ خَلْقِ اللَّهِ وَالطَّاعِنُ فِيهِمْ جَاهِلٌ بِالدِّينِ، وَمِنْ رُءُوسِ هَؤُلاءِ وَمَشَاهِيرِهِمُ الْجُنَيْدُ بنُ مُحَمَّدٍ الْبَغْدَادِيُّ الَّذِي تُوُفِّيَ فِي أَوَاخِرِ الْقَرْنِ الثَّالِثِ الْهِجْرِيِّ، واعْلَمْ أَنَّ الصُّوفِيَّةَ بِهَذَا الْمَعْنَى يَشْمَلُ الصَّحَابَةَ الَّذِي كَانُوا بِهَذِهِ الصِّفَةِ الَّذِينَ جَمَعُوا بَيْنَ الْعِلْمِ وَالْعَمَلِ مَعَ الزُّهْدِ وَتَرْكِ التَّنَعُّمِ لِأَنَّ تَرْكَ التَّنَعُّمِ حَالُهُمْ، فَالطَّبَقَةُ الأُولَى مِنْ هَؤُلاءِ هُمُ الْخُلَفَاءُ الأَرْبَعَةُ لِأَنَّهُمْ كَانُوا عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ أَيْ عُلَمَاءَ عَامِلِينَ زُهَّادًا فِي الدُّنْيَا تَرَكُوا التَّنَعُّمَ الَّذِي أَحَلَّهُ اللَّهُ مِنْ غَيْرِ تَحْرِيمٍ عَمَلًا بِمَا أَرْشَدَ إِلَيْهِ الرَّسُولُ لِقَوْلِهِ لِمُعَاذِ بنِ جَبَلٍ (إِيَّاكَ وَالتَّنَعُّمَ فَإِنَّ عِبَادَ اللَّهِ لَيْسُوا بِالْمُتَنَعِّمِينَ) رَوَاهُ أَحْمَدُ، فَقَدْ ثَبَتَ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ كَتَبَ لِبَعْضِ النَّوَاحِي إِرْشَادَاتٍ جَاءَ فِيهَا (وَاخْشَوْشِنُوا وَتَمَعْدَدُوا وَإِيَّاكُمْ وَزِيَّ الْعَجَمِ) وَالِاخْشِيشَانُ هُوَ تَرْكُ التَّنَعُّمِ وَالْمَعْنَى خُذُوا بِسِيرَةِ مَعَدِّ بنِ عَدْنَانَ أَحَدِ أَجْدَادِ الرَّسُولِ، تَشَبَّهُوا بِهِ لِأَنَّهُ كَانَ رَجُلًا صَاحِبَ حَزْمٍ وَجَلادَةٍ مَا كَانَ يَرْكَنُ لِلْمَلَذَّاتِ مَا كَانَ يَتْبَعُ الْمَلَذَّاتِ بَلْ كَانَ يَلْتَزِمُ خُشُونَةَ الْعَيْشِ وَتَحَمُّلَ الْمَشَقَّاتِ.
وَمِنَ الْعَجَبِ الْعُجَابِ تَكْفِيرُ وَهَّابِيَّةِ الْعَصْرِ لِلصُّوفِيَّةِ بِلا تَفْصِيلٍ مَعَ أَنَّ زَعِيمَهُمْ ابْنَ تَيْمِيَةَ قَالَ فِي الْجُنَيْدِ إِنَّهُ إِمَامُ هُدًى، ذَكَرَ ذَلِكَ فِي كِتَابَيْنِ مِنْ مُؤَلَّفَاتِهِ، بَلْ قَالُوا مِنْ شِدَّةِ خَبْطِهِمْ وَخَلْطِهِمْ يَجِبُ مُحَارَبَةُ الصُّوفِيَّةِ قَبْلَ الْيَهُودِ، وَالْوَاقِعُ أَنَّهُ مُنْذُ عَصْرِ الصَّحَابَةِ إِلَى عَصْرِنَا هَذَا لا تَزَالُ صُوفِيَّةٌ صَادِقَةٌ مُتَحَقِّقَةٌ جَمَعُوا بَيْنَ الْعِلْمِ وَالْعَمَلِ.

وَالَّذِينَ يَحْتَاجُونَ لِلشَّفَاعَةِ هُمْ أَهْلُ الْكَبَائِرِ أَمَّا الأَتْقِيَاءُ فَلا يَحْتَاجُونَ لِلشَّفَاعَةِ، فَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ (شَفَاعَتِي لِأَهْلِ الْكَبَائِرِ مِنْ أُمَّتِي) رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ، أَيْ غَيْرُ أَهْلِ الْكَبَائِرِ لَيْسُوا بِحَاجَةٍ لِلشَّفَاعَةِ، وَتَكُونُ لِبَعْضِهِمْ قَبْلَ دُخُولِهِمُ النَّارَ وَلِبَعْضٍ بَعْدَ دُخُولِهِمْ قَبْلَ أَنْ تَمْضِيَ الْمُدَّةُ الَّتِي يَسْتَحِقُّونَ بِمَعَاصِيهِمْ، وَلا تَكُونُ لِلْكُفَّارِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى﴾ [سُورَةَ الأَنْبِيَاء 28]، فَمَعْنَى حَدِيثِ (شَفَاعَتِي لِأَهْلِ الْكَبَائِرِ مِنْ أُمَّتِي) أَنَّ غَيْرَ أَهْلِ الْكَبَائِرِ لا يَحْتَاجُونَ لِلشَّفَاعَةِ لِلإِنْقَاذِ مِنَ الْعَذَابِ، وَكَذَلِكَ لا يَحْتَاجُ لِلشَّفَاعَةِ الَّذِينَ مَاتُوا وَهُمْ تَائِبُونَ، وَمَعَ هَذَا يَقُولُ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ إِنَّ لِلرَّسُولِ شَفَاعَاتٍ أُخْرَى.

وَأَوَّلُ شَافِعٍ يَشْفَعُ هُوَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، النَّبِيُّ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ هُوَ أَوَّلُ مَنْ يَشْفَعُ وَأَوَّلُ مَنْ تُقْبَلُ شَفَاعَتُهُ، فَهُوَ يَخْتَصُّ بِالشَّفَاعَةِ الْعُظْمَى وَقَدْ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا لا تَخْتَصُّ بِأُمَّتِهِ فَقَطْ بَلْ يَنْتَفِعُ بِهَا غَيْرُ أُمَّتِهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، وَهِيَ لِتَخْلِيصِهِمْ مِنَ الِاسْتِمْرَارِ فِي حَرِّ الشَّمْسِ فِي الْمَوْقِفِ، فَإِنَّ النَّاسَ عِنْدَمَا يَكُونُونَ فِي ذَلِكَ الْمَوْقِفِ يَقُولُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ تَعَالَوْا لِنَذْهَبَ إِلَى أَبِينَا ءَادَمَ لِيَشْفَعَ لَنَا إِلَى رَبِّنَا، فَيَأْتُونَ إِلَى ءَادَمَ فَيَقُولُونَ يَا ءَادَمُ أَنْتَ أَبُو الْبَشَرِ خَلَقَكَ اللَّهُ بِيَدِهِ (أَيْ بِعِنَايَةٍ مِنْهُ) وَأَسْجَدَ لَكَ مَلائِكَتَهُ فَاشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّنَا، فَيَقُولُ لَهُمْ لَسْتُ فُلانًا، اذْهَبُوا إِلَى نُوحٍ، فَيَأْتُونَ نُوحًا فَيَطْلُبُونَ مِنْهُ، ثُمَّ يَقُولُ لَهُمْ ايِتُوا إِبْرَاهِيمَ، فَيَأْتُونَ إِبْرَاهِيمَ، ثُمَّ إِبْرَاهِيمُ يَقُولُ لَهُمْ لَسْتُ فُلانًا، مَعْنَاهُ أَنَا لَسْتُ صَاحِبَ هَذِهِ الشَّفَاعَةِ، فَيَأْتُونَ مُوسَى فَيَقُولُ لَهُمْ لَسْتُ فُلانًا، فَيَقُولُ لَهُمْ ايِتُوا عِيسَى، فَيَأْتُونَ عِيسَى فَيَقُولُ لَهُمْ لَسْتُ فُلانًا وَلَكِنِ اذْهَبُوا إِلَى مُحَمَّدٍ، فَيَأْتُونَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَيَسْجُدُ النَّبِيُّ لِرَبِّهِ فَيُقَالُ لَهُ ارْفَعْ رَأْسَكَ وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ وَسَلْ تُعْطَ، هَذِهِ تُسَمَّى الشَّفَاعَةَ الْعُظْمَى لِأَنَّهَا عَامَّةٌ، وَأَمَّا الْكُفَّارُ فَلا يَنْتَفِعُونَ بِهَا لِأَنَّهُمْ يُنْقَلُونَ مِنْ هَذَا الْمَوْقِفِ إِلَى مَوْقِفٍ أَشَدَّ لا يَسْتَفِيدُونَ تَخْفِيفَ مَشَقَّةٍ وَلا نَيْلَ رَاحَةٍ، وَلا تَكُونُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا لِمَنْ ءَامَنَ بِمُحَمَّدٍ، وَلِذَلِكَ قَالَ لِابْنَتِهِ فَاطِمَةَ أَوَّلَ مَا نَزَلَ عَلَيْهِ الْقُرْءَانُ (يَا فَاطِمَةُ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَلِينِي مَا شِئْتِ مِنْ مَالِي لا أُغْنِي عَنْكِ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَمَعْنَاهُ لا أَسْتَطِيعُ أَنْ أُنْقِذَكِ مِنَ النَّارِ إِذَا لَمْ تُؤْمِنِي، أَمَّا فِي الدُّنْيَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَنْفَعَكِ بِمَالِي، أَمَّا فِي الآخِرَةِ لا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَنْفَعَكِ إِنْ لَمْ تَدْخُلِي فِي دَعْوَةِ الإِسْلامِ.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *