جَرَادٌ مِنْ ذَهَبٍ لِسَيِّدِنَا أَيُّوبَ عَلَيْهِ السَّلامُ
8 ديسمبر 2017كانَ مسلـم لـما يَدخُل على البخاري يقول دَعْني أُقَبّلُ رِجْلَيْكَ يا طبِيب الحديثِ في عِلَلِه ويا أُستاذَ الأستَاذِين ويا سيّدَ الـمحدّثين
11 ديسمبر 2017من أعلام أهل السنة والجماعة الإمام البُخاريُّ شيخ المحدثين وإمام المصنفين في الحديث
من أعلام أهل السنة والجماعة الإمام البُخاريُّ شيخ المحدثين وإمام المصنفين في الحديث
هو أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن بَرْدِزْبَة، الجُعفي البخاري، ولد في مدينة بخارى يوم الجمعة بعد الصلاة لثلاث عشرة ليلة خلت من شوال سنة مائة وأربع وتسعين للهجرة، ونشأ يتيمًا في حجر أمه.
يذكر المزي في تهذيب الكمال أنه قبل أن يغادر بلده سمع جميع مروياتها من محمد بن سلام البيكندي وعبد الله بن محمد المسندي وإبراهيم بن الأشعث، وغيرهم، ثم قصد مكة مع أمه وأخيه راغبًا في التلقي والرواية، فبقي في الحجاز ستة أعوام يتلقى فيها الحديث، وتنقل في البلاد فدخل الشام ومصر والجزيرة مرتين، والبصرة أربع مرات، والكوفة وبغداد مرات عديدة، فتلقى الحديث من محدثي كل بلد دخل إليه، حتى بلغ عدد الرجال الذين روى عنهم ألفًا وثمانين رجلاً كلهم مُحدثون.
كان البخاري منذ صغره شديد الحافظة بحيث يحفظ الأحاديث وأسانيدها سماعًا، ويقول ابن حجر في لسان الميزان إنه قد كثر عدد مشايخه نذكر منهم: أبا نعيم الفضل بن دكين، وأبا الوليد الطيالسي، وأبا معمر المنقري، وأبا بكر الحميدي، وأحمد بن حنبل، وإسماعيل بن أبي أويس المديني، ويحيى بن معين، وغيرهم الكثير.
ومما قاله الإمام المجتهد أحمد بن حنبل رضي الله عنه في مدحه وبيان مرتبته (انتهى الحفظ إلى أربعة من أهل خراسان أبو زرعة الرازي، ومحمد بن إسماعيل البخاري، وعبد الله بن عبد الرحمن السمرقندي، والحسين بن شجاع البلخي).
وجاء أيضًا في طبقات السبكي عن أحمد بن حمدون قوله (جاء مسلم بن الحجاج إلى البخاري فقبَّله بين عينيه وقال: أقبِّل رجليك يا أستاذ الأستاذين ويا سيد المحدثين، ويا طبيب الحديث في علله).
وعن عبد الله بن أحمد بن حنبل أنه قال (قلت لأبي: يا أبت ما الحفاظ قال: يا بُنيّ شباب عندنا من أهل خراسان وقد تفرقوا، قلت: من هم يا أبت؟ قال: منهم محمد بن إسماعيل ذاك البخاري).
يُروَى أنّ البُخاري كانَ في صِغره ضَريرًا وكانت أمُّه مجَابةَ الدَّعْوة فصارَت تَدعُو اللهَ كثيرًا أن يُعافيَه فرأت إبراهيمَ الخَليل في الـمنام فقال لها قَد استَجابَ الله دعَاءك فأصبَح البخاري بصِيرًا.
أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ إِسْـمَاعِيل بنِ إِبْرَاهِيمَ بنِ الـمغِيرَةَ بنِ بَرْدِزْبَة (فارسي) البُخَارِيُّ الجُعْفِيُّ (مِنْ بَابِ الوَلاءِ، أَيْ الجَدُّ رَبَطَ نفسَهُ مَع هذِهِ القَبيلَةِ مِن بابِ الوَلاءِ)، قَدِمَ بَغدادَ سَـمِعَ به أصحابُ الحديثِ فَاجتَمَعُوا وَأرادُوا امتِحانَ حِفظه فعَمَدوا إلى مائَةِ حَديث فقَلَبُوا مُتونَها وأسانيدِها وجَعَلوا مَتنَ هذا الإسناد لإسنادٍ آخَر وإسناد هذا الـمتنِ لـمتنٍ آخَر ودَفعوها إلى عَشرَة أنفُس لِكُلِّ رَجُلٍ عَشَرَة أحادِيث وأمَرُّوهُم اذا حَضَروا الـمجلِسَ أن يُلقُوا ذلكَ على البخارِيِّ، وأخَذوا عليهِ الـموعِد للـمجلِسِ فحَضَروا وحَضَرَ جماعَة مِنَ الغُرباءِ مِن أهلِ خُراسانَ وغَيرِهِم مِنَ البَغدادِيينَ فلـما اطمَأَنَّ الـمجلِس باهَلَهُ انتَدَب مِنَ العَشَرَة فَسَأَلهُ عَن حَديثٍ مِن تلكَ الأحادِيث، فقالَ البُخارِيُّ: لا أعرِفُهُ، فما زالَ يُلقِي عليهِ واحِدًا بعدَ واحِدٍ حَتى فَرَغَ والبُخارِيُّ يقولُ لا أعرِفُهُ، وكانَ العُلـماءُ مـمَن حَضَرَ الـمجلِس يلتَفِت بعضُهُم إلى بعضٍ ويقولونَ فَهِمَ الرجلُ، ومَن كان لا يدري القِصَّةَ يَقضي عَلى البُخارِيِّ بالعَجزِ والتقصيرِ وقِلَّةِ الحفظِ.
ثم انتَدَبَ رَجلٌ مِنَ العشرَةِ أيضًا فسأَلَهُ عَن حديثٍ مِن تِلكَ الأحاديثِ الـمقلوبَةِ فقالَ: لا أعرِفُهُ فسَألهُ عَن الآخَرَ، فقال: لا أعرِفُهُ فَلـم يَزلْ يُلقِي عليهِ واحِدًا بعدَ واحدٍ حتى فرَغَ من عَشرَتِهِ والبُخارِيُّ يقولُ: لا أعِرُفُه.
ثم انتَدَبَ الثالِثُ والرابِع إلى تـمامِ العَشَرَة حَتى فَرَغوا كُلّهم مِنْ إلقاءِ تلكَ الأحادِيث الـمقلوبة وَالبخارِيُّ لا يزيدهم على (لا أعرِفُهُ) فَلَما عَلِمَ أنَّهم قَد فَرَغوا التَفَتَ إلى الأولِ فقالَ: أما حَديثُكَ الأوَّل فقُلتَ كذا وصوابُهُ كذا، وحديثُكَ الثاني، كذا وَصوابه كذا، والثالث والرابع على الولاءِ حتى أتى على تـمامِ العَشرة، فرَدَّ كُل متنٍ إلى اسنادِهِ وَكُل اسنادٍ الى متنِهِ وفَعَلَ بِالآخَرينَ مِثلَ ذلكَ فأمَرَّ الناسُ له بالحفظِ واذعَنُوا له بالفَضْلِ. اهـ رواها الخطيبُ في تاريخهِ.
توفي رحمه الله يوم السبت ليلة عيد الفطر من سنة ست وخمسين ومائتين للهجرة، عن عمر يناهز اثنتين وستين سنة إلا ثلاثة عشر يومًا، ودفن يوم الفطر بعد صلاة الظهر بقرية خَرْتَنْك، وهي قرية من قرى سمرقند.
رحم الله إمامنا البخاري وجزاه الله عنّا خيرًا وأسكنه فسيح جناته.