عَبْدُ اللهِ بنُ الزُّبَيْرِ بنِ العَوَّامِ
نسبه:
عَبْدُ اللهِ بنُ الزُّبَيْرِ بنِ العَوَّامِ بنِ خُوَيْلِدٍ الأَسَدِيُّ بْنِ أَسَدِ بنِ عَبْدِ العُزَّى بنِ قُصَيِّ بنِ كِلاَبِ بنِ مُرَّةَ، المَكِّيُّ، ثُمَّ المَدَنِيُّ، أَحَدُ الأَعْلاَمِ، وَلَدُ الحَوَارِيِّ الإِمَامِ أَبِي عَبْدِ اللهِ الزبير، ابْنِ عَمِّةِ رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحَوَارِيِّهِ.
مُسْنَدُهُ نَحْوٌ مِنْ ثَلاَثَةٍ وَثَلاَثِيْنَ حَدِيْثًا، وَقَدْ رَوَى أَيْضًا عَنْ أَبِيْهِ، وَجَدِّهِ لأُمِّهِ الصِّدِّيْقِ، وَأُمِّهِ أَسْمَاءَ، وَخَالَتِهِ عَائِشَةَ، وَعَنْ عُمَرَ، وَعُثْمَانَ، وَغَيْرِهِم، حَدَّثَ عَنْهُ أَخُوْهُ عُرْوَةُ الفَقِيْهُ، وَابْنَاهُ عَامِرٌ وَعَبَّادٌ، وَثَابِتٌ البُنَانِيُّ، وَآخَرُوْنَ.
مولده:
كَانَ عَبْدُ اللهِ أَوَّلَ مَولُودٍ لِلْمُهَاجِرِينَ بِالمَدِيْنَةِ وُلِدَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ، عِدَادُه فِي صِغَارِ الصَّحَابَةِ، وَإِنْ كَانَ كَبِيْرًا فِي العِلْمِ، وَالشَّرَفِ، وَالعِبَادَةِ، وَكَانَ فَارِسَ قُرَيْشٍ فِي زَمَانِهِ وَلَهُ مَوَاقِفُ مَشهُودَةٌ، قِيْلَ إِنَّهُ شَهِدَ اليَرْمُوْكَ وَهُوَ مُرَاهِقٌ، وَفَتْحَ المَغْرِبِ وَغَزْوَ القُسْطَنْطِيْنِيَّةِ، وروي أن ابْن الزُّبَيْرِ أَدْركَ مِنْ حَيَاةِ رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَمَانِيَةَ أَعْوَامٍ وَأَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ، وَكَانَ مُلاَزِماً لِلوُلُوجِ عَلَى رَسُوْلِ اللهِ، لِكَوْنِهِ مِنْ آلِهِ، فَكَانَ يَتَرَدَّدُ إِلَى بَيْتِ خَالَتِهِ عَائِشَةَ.
وعَنْ هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيْهِ وَزَوْجَتِهِ فَاطِمَةَ، قَالاَ خَرَجَتْ أَسْمَاءُ حِيْنَ هَاجَرَتْ حُبْلَى، فَنُفِسَتْ بِعَبْدِ اللهِ بِقُبَاءَ فَكَانَ أَوَّلَ مَولُودٍ ابْنُ الزُّبَيْرِ، فَكَبَّرَ المُسْلِمُوْنَ تَكْبِيرَةً وَاحِدَةً حَتَّى ارْتَجَّتِ المَدِيْنَةُ، وَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا بَكْرٍ، فَأَذَّنَ فِي أُذُنَيْهِ بِالصَّلاَةِ، قَالَتْ أَسْمَاءُ فَجَاءَ عَبْدُ اللهِ بَعْدَ سَبْعِ سِنِيْنَ لِيُبَايِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَهُ بِذَلِكَ أَبُوْهُ الزُّبَيْرُ، فَتَبَسَّمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِيْنَ رَآهُ مُقْبِلاً، ثُمَّ بَايَعَهُ.
بعض ما قيل عنه:
عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، قَالَ: ذُكِرَ ابْنُ الزُّبَيْرِ عِنْدَ ابْنِ عَبَّاسٍ، فَقَالَ قَارِئٌ لِكِتَابِ اللهِ، عَفِيْفٌ فِي الإِسْلاَمِ، أَبُوْهُ الزُّبَيْرُ، وَأُمُّهُ أَسْمَاءُ، وَجَدُّهُ أَبُو بَكْرٍ، وَعَمَّتُهُ خَدِيْجَةُ، وَخَالَتُهُ عَائِشَةُ، وَجَدَّتُهُ صَفِيَّةُ، وَاللهِ إِنِّيْ لأُحَاسِبُ لَهُ نَفْسِي مُحَاسَبَةً لَمْ أُحَاسِبْ بِهَا لأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ.
مُسْلِمٌ الزَّنْجِيُّ سَمِعْتُ عَمْرَو بنَ دِيْنَارٍ يَقُوْلُ مَا رَأَيتُ مُصَلِّيًا قَطُّ أَحسَنَ صَلاَةً مِنْ عَبْدِ اللهِ بنِ الزُّبَيْرِ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ كَانَ ابْنُ الزُّبَيْرِ إِذَا قَامَ إِلَى الصَّلاَةِ، كَأَنَّهُ عُوْدٌ.
قَالَ ثَابِتٌ البُنَانِيُّ كُنْتُ أَمُرُّ بِابْنِ الزُّبَيْرِ وَهُوَ خَلْفَ المَقَامِ يُصَلِّي كَأَنَّهُ خَشَبَةٌ مَنْصُوْبَةٌ لاَ تَتَحَرَّكُ.
كثرة حبه للعبادة:
حَدَّثَتْ أُمُّ جَعْفَرٍ بِنْتُ النُّعْمَانِ أَنَّهَا سَلَّمَتْ عَلَى أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ، وَعِنْدَهَا ابْنُ الزُّبَيْرِ، فَقَالَتْ قَوَّامٌ اللَّيْلَ، صَوَّامٌ النَّهَارَ، وَكَانَ يُسَمَّى حَمَامَةَ المَسْجدِ.
عَنْ عُمَرَ بنِ قَيْسٍ، قَالَ كَانَ لابْنِ الزُّبَيْرِ مائَةُ غُلاَمٍ، يُكَلِّمُ كُلَّ غُلاَمٍ مِنْهُم بِلُغَةٍ أُخْرَى.
شجاعته:
وعَنْ عُمَرَ بنِ قَيْسٍ، عَنْ أُمِّهِ أَنَّهَا دَخَلتْ عَلَى ابْنِ الزُّبَيْرِ بَيْتَهُ، فَإِذَا هُوَ يُصَلِّي، فَسَقطَتْ حَيَّةٌ عَلَى ابْنِهِ هَاشِمٍ، فَصَاحُوا الحَيَّةَ الحَيَّةَ ثُمَّ رَمَوْهَا، فَمَا قَطَعَ صَلاَتَهُ.
وَعَنْ عُثْمَانَ بنِ طَلْحَةَ، قَالَ كَانَ ابْنُ الزُّبَيْرِ لاَ يُنَازَعُ فِي ثَلاَثَةٍ شَجَاعَةٍ، وَلاَ عِبَادَةٍ، وَلاَ بَلاغَةٍ، قَدْ كَانَ يُضْرَبُ بِشَجَاعَتِهِ المَثَلُ.
وَعَنْ عُرْوَةَ، قَالَ لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ أَحبَّ إِلَى عَائِشَةَ بَعْدَ رَسُوْلِ اللهِ مِنْ أَبِي بَكْرٍ، وَبَعْدَهُ ابْنُ الزُّبَيْرِ.
من مناقبه:
قَالَ هِشَامُ بنُ عُرْوَةَ أَوَّلُ مَنْ كَسَا الكَعْبَةَ الدِّيبَاجَ ابْنُ الزُّبَيْرِ، وَكَانَ يُطَيِّبُهَا حَتَّى يُوجَدَ رِيْحُهَا مِنْ طَرَفِ الحَرَمِ، وَكَانَتْ كِسْوَتُهَا قَبْلَهُ الأَنْطَاعَ.
وعَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ عُثْمَانَ أَمَرَ زَيْدًا، وَابْنَ الزُّبَيْرِ، وَسَعِيْدَ بنَ العَاصِ، وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ الحَارِثِ بنِ هِشَامٍ، فَنَسَخُوا المَصَاحِفَ، وَقَالَ إِذَا اخْتَلَفْتُم أَنْتُم وَزَيْدٌ فِي شَيْءٍ، فَاكْتُبُوْهُ بِلِسَانِ قُرَيْشٍ فَإِنَّمَا نَزَلَ بِلِسَانِهم.
وفاته:
عَنْ إِسْحَاقَ بنِ أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ حَضَرْتُ قَتْلَ ابْنِ الزُّبَيْرِ جَعَلَتِ الجُيُوْشُ تَدْخُلُ عَلَيْهِ مِنْ أَبْوَابِ المَسْجدِ، فَكُلَّمَا دَخَلَ قَوْمٌ مِنْ بَابٍ، حَمَلَ عَلَيْهِم وَحْدَهُ حَتَّى يُخْرِجَهُم، فَبَيْنَا هُوَ عَلَى تِلْكَ الحَالِ، إِذْ وَقَعَتْ شُرْفَةٌ مِنْ شُرُفَاتِ المَسْجدِ عَلَى رَأْسِهِ، فَصَرَعَتْهُ، وَهُوَ يَتَمَثَّلُ:
أَسْمَاءُ يَا أَسْمَاءُ لاَ تَبْكِينِي *** لَمْ يَبْقَ إِلاَّ حَسَبِي وَدِيْنِي *** وَصَارِمٌ لاَثَتْ بِهِ يَمِينِي
قَالَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا فِي كِتَابِ الخُلَفَاءِ (صَلَبُوا ابْنَ الزُّبَيْرِ مُنَكَّساً، وَكَانَ آدَمَ، نَحِيْفاً، لَيْسَ بِالطَّوِيْلِ، بَيْنَ عَيْنَيْهِ أَثَرُ السُّجُودِ، قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ وَعِدَّةٌ قُتِلَ فِي جُمَادَى الآخِرَةِ، سَنَةَ ثَلاَثٍ وَسَبْعِيْنَ).
قَالَ جُوَيْرِيَةُ بنُ أَسْمَاءَ عَنْ جَدَّتِهِ إِنَّ أَسْمَاءَ بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ غَسَّلَتِ ابْنَ الزُّبَيْرِ بَعْد مَا تَقَطَّعَتْ أَوْصَالُهُ، وَجَاءَ الإِذْنُ مِنْ عَبْدِ المَلِكِ بنِ مَرْوَانَ عِنْدَمَا أَبَى الحَجَّاجُ أَنْ يَأْذَنَ لَهَا، فَحَنَّطَتْهُ، وَكَفَّنَتْهُ، وَصَلَّتْ عَلَيْهِ، وَجَعَلَتْ فِيْهِ شَيْئاً حِيْنَ رَأَتْهُ يَتَفَسَّخُ إِذَا مَسَّتْهُ.
وَقَالَ مُصْعَبُ بنُ عَبْدِ اللهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ، فَدَفَنَتْهُ بِالمَدِيْنَةِ فِي دَارِ صَفِيَّةَ أُمِّ المُؤْمِنِيْنَ.
عَاشَ نَيِّفًا وَسَبْعِيْنَ سَنَةً رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، وَمَاتَتْ أُمُّهُ بَعْدَهُ بِشَهْرَيْنِ، أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ، وَلَهَا قَرِيبٌ مِنْ مائَةِ عَامٍ، رحمه الله تعالى وأسكنه فسيح جناته ءامين.