صِفَةُ الْجَنَّةِ
29 أغسطس 2022حديث (أمّا السّلامُ علَيكَ فقَدْ عرَفْنا، فكيفَ الصّلاةُ علَيكَ)؟
30 أغسطس 2022حديث (هَلْ مُشَمِّرٌ لِلْجَنَّةِ فَإِنَّ الْجَنَّةَ لا خَطَرَ لَهَا)
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي وَصْفِ الجَنّةِ (هِيَ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ نُورٌ يَتَلَأْلَأُ وَرَيْحَانَةٌ تَهْتَزُّ، وَقَصْرٌ مَشِيدٌ وَنَهْرٌ مُطَّرِدٌ، وَفَاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ نَضِيجَةٌ، وَزَوْجَةٌ حَسْنَاءُ جَمِيلَةٌ، وَحُلَلٌ كَثِيرَةٌ فِي مُقَامٍ أَبَدِيٍّ فِي حُبْرَةٍ وَنَضْرَةٍ) رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ، فِي بِدَايَةِ الْحَدِيثِ يَقُولُ النَّبِيُّ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ لِأَصْحَابِهِ (هَلْ مُشَمِّرٌ لِلْجَنَّةِ، فَإِنَّ الْجَنَّةَ لا خَطَرَ لَهَا) أَيْ لا مِثْلَ لَهَا، وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ (هِيَ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ) أَيْ أُقْسِمُ بِرَبِّ الْكَعْبَةِ عَلَى أَنَّهَا نُورٌ يَتَلَأْلَأُ أَيْ فَلا تَحْتَاجُ الْجَنَّةُ إِلَى شَمْسٍ وَلا قَمَرٍ، لا ظَلامَ فِيهَا هُنَاكَ كَمَا فِي الدُّنْيَا، لَكِنَّ مِقْدَارَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ يُعْرَفُ بِعَلامَةٍ جَعَلَهَا اللَّهُ فِيهَا، إِذَا كَانَتِ الْمَرْأَةُ مِنْ نِسَاءِ الْجَنَّةِ كَمَا نَعَتَهَا رَسُولُ اللَّهِ وَوَصَفَهَا بِحَيْثُ لَوِ اطَّلَعَتْ عَلَى هَذِهِ الدُّنْيَا لَأَضَاءَتْ مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ فَمِنْ أَيْنَ يَكُونُ فِيهَا ظَلامٌ، وَلَوْ كَانَتْ أَعْيُنُ أَهْلِ الْجَنَّةِ بِنِسْبَةِ قُوَّتِهَا الْيَوْمَ لَعَمِيَ أَهْلُ الْجَنَّةِ مِنْ عُظْمِ نُورِ الْجَنَّةِ، لَكِنَّ اللَّهَ يُعْطِيهِمْ قُوَّةً أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً إِلَى حَدٍّ يَعْلَمُهُ اللَّهُ، اللَّهُ أَعْطَى أَبْصَارَهُمْ قُوَّةً بِحَيْثُ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَرَى مَسَافَةَ أَلْفِ سَنَةٍ كَأَنَّهَا كَفٌّ، يَرَوْنَهَا رُؤْيَةً لَيْسَ فِيهَا اشْتِبَاهٌ.
وَوَصَفَهَا بِأَنَّهَا (رَيْحَانَهٌ تَهْتَزُّ) أَيْ ذَاتُ خُضْرَةٍ كَثِيرَةٍ يَانِعَةٍ أَيْ مُعْجِبَةِ الْمَنْظَرِ، وَلَيْسَ هُنَاكَ مَوَاسِمُ لِلثِّمَارِ بَلْ فِي أَيِّ وَقْتٍ مَا تَشْتَهِيهِ تَجِدُهُ فَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿لا مَقْطُوعَةٍ وَلا مَمْنُوعَةٍ﴾ سُورَةَ الْوَاقِعَة 33، فَإِذَا كَانَ الْمُؤْمِنُ جَالِسًا أَوْ مُسْتَلْقِيًا فَاشْتَهَى أَنْ يَأْكُلَ مِنْ شَجَرَةٍ مِنْ أَشْجَارِ الْجَنَّةِ مَالَتْ إِلَيْهِ لِيَأْخُذَ مِنْهَا مَا يُرِيدُ ثُمَّ تَعُودُ كَمَا كَانَتْ وَقَدْ أَنْبَتَ اللَّهُ فِيهَا بَدَلَ الَّذِي أُخِذَ مِنْهَا، ثُمَّ إِنَّ كُلَّ شَجَرَةٍ فِي الْجَنَّةِ سَاقُهَا مِنْ ذَهَبٍ، وَأَشْجَارُ الْجَنَّةِ لَمَّا تَتَحَرَّكُ يَصْدُرُ لَهَا صَوْتٌ جَمِيلٌ جِدًّا تَمِيلُ إِلَيْهِ النُّفُوسُ، وَرَوَى الْبُخَارِيُّ أَنَّهُ يُوجَدُ فِي الْجَنَّةِ شَجَرَةٌ اسْمُهَا طُوبَى يَسِيرُ الرَّاكِبُ فِي ظِلِّهَا مِائَةَ عَامٍ لا يَقْطَعُهَا تَتَفَتَّقُ بِثِيَابِ أَهْلِ الْجَنَّةِ أَيْ يَخْرُجُ مِنْهَا ثِيَابٌ لِأَهْلِ الْجَنَّةِ يَلْبَسُونَهَا، فَثِيَابُهُمْ مِنْهَا الْحَرِيرُ وَالسُّنْدُسُ وَالِاسْتَبْرَقُ، وَمَجَامِرُهُمُ الأَلُوَّةُ أَيِ الْعُودُ وَأَمْشَاطُهُمُ الذَّهَبُ، وَكَلامُ أَهْلِ الْجَنَّةِ عَرَبِيٌّ، يَذْكُرُونَ اللَّهَ وَيُسَبِّحُونَهُ وَيَقْرَأُونَ الْقُرْءَانَ أَمَّا الصَّلاةُ فَلَمْ يَرِدْ لَهَا ذِكْرٌ.
وَفِي الْحَدِيثِ الْمَارِّ أَنَّ الرَّسُولَ وَصَفَ الْجَنَّةَ بِأَنَّهَا قَصْرٌ مَشِيدٌ أَيْ فِيهَا قُصُورٌ عَالِيَةٌ مُرْتَفِعَةٌ فِي الْهَوَاءِ، وَقَدْ صَحَّ فِي الْحَدِيثِ أَنَّ لِلْمُؤْمِنِ فِي الْجَنَّةِ خَيْمَةً مِنْ لُؤْلُؤَةٍ مُجَوَّفَةٍ وَاحِدَةٍ طُولُهَا فِي السَّمَاءِ سِتُّونَ مِيلًا. وَفِي الْجَنَّةِ جَنَّتَانِ ءَانِيَتُهُمَا وَمَا فِيهِمَا مِنْ ذَهَبٍ، يَسْكُنُهُمَا الْمُقَرَّبُونَ، وَهُنَاكَ أَيْضًا جَنَّتَانِ مِنْ فِضَّةٍ ءَانِيَتُهُمَا وَمَا فِيهِمَا. وَقَدْ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ أَنَّ الْجَنَّةَ مِنْهَا مَا بَنَاؤُهُ لَبِنُ ذَهَبٍ وَلَبِنُ فِضَّةٍ، وَهِيَ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (جِنَانٌ كَثِيرَةٌ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَكَذَلِكَ يُوجَدُ فِي الْجَنَّةِ غُرَفٌ يُرَى ظَاهِرُهَا مِنْ بَاطِنِهَا وَبَاطِنُهَا مِنْ ظَاهِرِهَا.
وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلامُ فِي الْحَدِيثِ الْمَارِّ (نَهْرٌ مُطَّرِدٌ) أَيْ أَنْهَارٌ جَارِيَةٌ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِّنْ مَّاءٍ غَيْرِ ءَاسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِّنْ لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِّنْ عَسَلٍ مُّصَفًّى﴾ سُورَةَ مُحَمَّد 15، اللَّبَنُ الْمَذْكُورُ فِي الآيَةِ الْمُرَادُ بِهِ الْحَلِيبُ، وَالْخَمْرُ الَّذِي هُنَاكَ لا يُسْكِرُ وَلا يُغَيِّبُ الْعَقْلَ وَلا يُصْدِعُ الرَّأْسَ وَلَيْسَ مُرَّ الطَّعْمِ بَلْ هُوَ لَذِيذُ الطَّعْمِ جِدًّا، وَالْعَسَلُ الَّذِي هُنَاكَ غَيْرُ الْعَسَلِ الَّذِي تُخْرِجُهُ النَّحْلُ.
وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلامُ فِي الْحَدِيثِ الْمَارِّ (وَفَاكِهَةٌ نَضِيجَةٌ) أَيْ أَنَّ فِيهَا مِنَ الْفَوَاكِهِ كُلَّ مَا تَشْتَهِيهِ النَّفْسُ، وَكُلُّ مَا فِيهَا مِنَ الْفَوَاكِهِ نَضِيجٌ، وَفِي الْجَنَّةِ أَيْضًا طُيُورٌ وَغَنَمٌ، وَقَدْ وَرَدَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ(إِنَّكَ لَتَنْظُرُ إِلَى الطَّيْرِ فِي الْجَنَّةِ فَتَشْتَهِيهِ فَيَخِرُّ بَيْنَ يَدَيْكَ مَشْوِيًّا) ثُمَّ بَعْدَمَا يَأْكُلُهُ الْمُؤْمِنُ يُعِيدُهُ اللَّهُ كَمَا كَانَ فَيَطِيرُ.
وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلامُ فِي الْحَدِيثِ الْمَارِّ (وَزَوْجَةٌ حَسْنَاءُ جَمِيلَةٌ) فَقَدْ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ (لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ زَوْجَتَانِ مِنَ الْحُورِ الْعِينِ) وَهَذَا الْحَدِيثُ صَحِيحٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَوَرَدَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ أَيْضًا الَّذِي رَوَاهُ الضِّيَاءُ الْمَقْدِسِيُّ فِي الْمُخْتَارَةِ أَنَّ الرَّجُلَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ لَيَطُوفُ فِي الْغَدَاةِ الْوَاحِدَةِ عَلَى مِائَةِ عَذْرَاءَ وَجَاءَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ أَنَّ الشَّهِيدَ لَهُ اثْنَتَانِ وَسَبْعُونَ زَوْجَةً، ثُمَّ سَائِرُ أَهْلِ الْجَنَّةِ عَلَى مَرَاتِبَ مِنْهُمْ مَنْ عِنْدَهُ مِائَةٌ مِنَ النِّسَاءِ، فِي الْجَنَّةِ اللَّهُ يُعْطِي الْوَاحِدَ مِنَ الرِّجَالِ قُوَّةَ مِائَةِ رَجُلٍ فِي الشَّهْوَةِ، وَكَذَلِكَ فِي الأَكْلِ وَالشُّرْبِ، وَلا يُصِيبُ الْمُؤْمِنَ فُتُورٌ عَقِبَ الْجِمَاعِ وَلا يَنْزِلُ مِنْهُ مَنِيٌّ لِأَنَّ الْجَنَّةَ لَيْسَ فِيهَا ذَلِكَ وَلَكِنْ يُحِسُّ بِاللَّذَّةِ دُونَ نُزُولِ الْمَنِيِّ، وَقَدْ ثَبَتَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّ نِسَاءَ أَهْلِ الْجَنَّةِ عَلَى رُءُوسِهِنَّ خُمُرٌ، الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا لا تُسَاوِي الْخِمَارَ الَّذِي يَلْبَسْنَهُ نِسَاءُ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَهُنَّ يَلْبَسْنَ الْخِمَارَ تَجَمُّلًا زِيَادَةً فِي الْحُسْنِ، وَالْخِمَارُ مَا تُغَطِّي النِّسَاءُ بِهِ رُءُوسَهُنَّ. وَنِسَاءُ الْجَنَّةِ أَبْكَارٌ أَيْ كُلَّمَا أَتَى الْمُؤْمِنُ زَوْجَتَهُ وَجَدَهَا بِكْرًا، ثُمَّ مَعَ كَثْرَةِ أَزْوَاجِ أَهْلِ الْجَنَّةِ لا يَحْصُلُ بَيْنَ نِسَائِهِمْ تَبَاغُضٌ وَغَيْرَةٌ وَتَحَاسُدٌ لِأَنَّ اللَّهَ يُطَهِّرُ قُلُوبَ أَهْلِ الْجَنَّةِ مِنْ ذَلِكَ، وَالْمُؤْمِنَةُ التَّقِيَّةُ مِنْ بَنَاتِ ءَادَمَ أَفْضَلُ عِنْدَ اللَّهِ مِنَ الْحُورِ الْعِينِ مَقَامًا.
وَالْحُورُ الْعِينُ نِسَاءُ أَهْلِ الْجَنَّةِ مِنْ غَيْرِ الإِنْسِ خُلِقْنَ خَلْقًا مِنْ غَيْرِ تَوَالُدٍ إِكْرَامًا لِلْمُؤْمِنِينَ، وَالْحُورُ جَمْعُ حَوْرَاءَ وَالْعِينُ جَمْعُ عَيْنَاءَ، وَالْحُورُ مِنَ الْحَوَرِ وَهُوَ شِدَّةُ بَيَاضِ الْعَيْنِ وَشِدَّةُ سَوَادِهَا، وَأَمَّا الْعِينُ فَمَعْنَاهُ وَاسِعَاتُ الْعُيُونِ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي وَصْفِهِنَّ ﴿كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ﴾ سُورَةَ الرَّحْمٰنِ 58، وَهُنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ أَزْوَاجُ قَوْمٍ كِرَامٍ، وَالْوَاحِدَةُ مِنْهُنَّ مِنْ شِدَّةِ صَفَاءِ عَظْمِهَا يُرَى مُخُّ سَاقِهَا مِنْ خَلالِ الْجِلْدِ، وَلَيْسَ فِي الْجَنَّةِ عَزَبٌ وَلا عَزَبَةٌ بَلْ كُلُّهُمْ يَتَزَوَّجُونَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَا فِي الْجَنَّةِ أَعْزَبُ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلامُ فِي الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ (فِي مُقَامٍ أَبَدِيٍّ) أَيْ فِي حَيَاةٍ دَائِمَةٍ لا نِهَايَةَ لَهَا.
وَقَوْلُهُ (فِي حُبْرَةٍ) أَيْ سُرُورٍ دَائِمٍ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ (نَضْرَةٍ) فَمَعْنَاهُ أَنَّ وُجُوهَ أَهْلِهَا نَاضِرَةٌ أَيْ جَمِيلَةٌ لِأَنَّهُمْ لَيْسَ عَلَيْهِمْ فِيهَا كَآبَةٌ.
وَلْيُعْلَمْ أَنَّ أَعْظَمَ نَعِيمِ أَهْلِ الْجَنَّةِ هُوَ رُؤْيَتُهُمْ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَلَيْسَ شَىْءٌ أَحَبَّ إِلَى أَهْلِ الْجَنَّةِ مِنْ رُؤْيَةِ اللَّهِ، يَرَوْنَهُ بِلا كَيْفٍ وَلا مَكَانٍ وَلا جِهَةٍ، الأَوْلِيَاءُ يَرَوْنَهُ كُلَّ يَوْمٍ مَرَّتَيْنِ أَمَّا سَائِرُ الْمُؤْمِنِينَ فَفِي الأُسْبُوعِ مَرَّةً.
وَفِي نِهَايَةِ هَذَا الْحَدِيثِ قَالَ الصَّحَابَةُ لِرَسُولِ اللَّهِ (نَحْنُ الْمُشَمِّرُونَ يَا رَسُولَ اللَّهِ) فَقَالَ (قُولُوا إِنْ شَاءَ اللَّهُ) وَذَلِكَ لِيُعَلِّمَهُمُ التَّفْوِيضَ إِلَى اللَّهِ فِي أُمُورِهِمْ كُلِّهَا، فَهَنِيئًا لِمَنْ عَمِلَ لِآخِرَتِهِ فَإِنَّ نَعِيمَ الدُّنْيَا بِالنِّسْبَةِ لِنَعِيمِ الآخِرَةِ كَلا شَىْءٍ، فَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَا الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلَّا مِثْلُ مَا يَجْعَلُ أَحَدُكُمْ إِصْبَعَهُ فِي الْيَمِّ فَلْيَنْظُرْ بِمَ يَرْجِعُ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَمَعْنَاهُ هَذَا الْبَلَلُ الَّذِي يَعْلَقُ بِالإِصْبَعِ مَاذَا يَكُونُ بِالنِّسْبَةِ لِعُظْمِ الْبَحْرِ.
وَقَدْ ثَبَتَ حَدِيثُ (مَوْضِعُ سَوْطِ أَحَدِكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْهَا) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، والسَّوْطُ هُوَ الآلَةُ الَّتِي تُسْتَعْمَلُ لِلضَّرْبِ تَكُونُ غَالِبًا مِنَ الْجِلْدِ أَيْ أَنَّ الْمِسَاحَةَ الَّتِي يَأْخُذُهَا السَّوْطُ إِذَا وُضِعَ عَلَى الأَرْضِ مِنَ الْجَنَّةِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا.
وَمِنْ خَصَائِصِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ هُوَ أَوَّلُ مَنْ يَأْخُذُ بِحَلْقَةِ بَابِ الْجَنَّةِ يَسْتَفْتِحُ فَيَقُولُ الْمَلَكُ خَازِنُ الْجَنَّةِ الْمُوَكَّلُ بِبَابِهَا مَنْ، فَيَقُولُ (مُحَمَّدٌ) فَيَقُولُ الْمَلَكُ بِكَ أُمِرْتُ لا أَفْتَحُ لِأَحَدٍ قَبْلَكَ، رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وَأُمَّةُ مُحَمَّدٍ فِيهِمْ سَبْعُونَ أَلْفًا مِنْهُمْ وُجُوهُهُمْ كَالْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ دَفْعَةً وَاحِدَةً بِلا حِسَابٍ وَلا عِقَابٍ وَهَؤُلاءِ هُمُ الأَوْلِيَاءُ الصَّالِحُونَ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ، وَيَلِيهِمْ أُنَاسٌ وُجُوهُهُمْ كَأَشَدِّ كَوْكَبٍ دُرِّيٍّ مَعَ كُلِّ أَلْفٍ مِنَ السَّبْعِينَ أَلْفًا سَبْعُونَ أَلْفًا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِلا حِسَابٍ وَمَعَهُمْ زِيَادَةٌ عَلَيْهِمْ لا يَعْلَمُ مِقْدَارَهُمْ إِلَّا اللَّهُ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ أَيْضًا بِلا حِسَابٍ وَأُمَّةُ مُحَمَّدٍ خَيْرُ الأُمَمِ وَأَكْرَمُهُمْ عَلَى اللَّهِ.
وَمِنْ خَصَائِصِ هَذِهِ الأُمَّةِ مَا وَرَدَ فِي الصَّحِيحِ مِنْ قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلامُ (نَحْنُ الآخِرُونَ السَّابِقُونَ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، أَيِ الآخِرُونَ وُجُودًا السَّابِقُونَ دُخُولًا الْجَنَّةَ.