صلاة الاستسقاء
22 فبراير 2021حديث (إذَا صَلَّت المَرأةُ خَمسَها وصَامَت شَهرَهَا وأَحْصَنَتْ فَرجَهَا وأَطَاعَتْ بَعْلَها دَخَلَت مِن أَيّ أَبوابِ الجَنّةِ شَاءَت)
25 فبراير 2021حديث (إنَّ اللهَ يُبْغِضُ كُلَّ جَعْظَريٍّ جَوَّاظٍ سَخَّابٍ بالأسواقِ جِيفَةٍ بالليلِ حِمارٍ بالنهارِ عارِفٍ بأمرِ الدُّنيا جاهِلٍ بأمرِ الآخرةِ)
الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ والصلاةُ والسلامُ على سيدنا محمدٍ وعلى ءالهِ وأصحابهِ الطيبينَ الطاهرينَ، أما بعد ففي صحيحِ ابنِ حبانَ رحِمَهُ اللهُ أنَّ نبيَّ اللهِ صلى الله عليه وسلم قالَ (إنَّ اللهَ يُبْغِضُ كُلَّ جَعْظَريٍّ جَوَّاظٍ سَخَّابٍ بالأسواقِ جِيفَةٍ بالليلِ حِمارٍ بالنهارِ عارِفٍ بأمرِ الدُّنيا جاهِلٍ بأمرِ الآخرةِ) (1) سمَّى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديثِ أناسًا وصَفَهُم بهذهِ الصفاتِ، الصفةُ الأولى أن يكونَ المرءُ جَعْظَريًّا وهُوَ الرجلُ الـمُسْتَكبرُ، وأمَّا الجَوَّاظُ فهُوَ الجَمُوعُ المَنُوعُ أي الذي يحرصُ على جمعِ المالِ بنيةٍ فاسدةٍ وهيَ أن يكونَ جَمْعُهُ للمالِ حُبًّا بالمالِ منْ حيثُ ذاتُهُ ليَتَوَصَّلَ لإشباعِ شَهَواتِهِ الـمُحرَّمةِ ولِيَفْخَرَ ويتكبَّرَ على عبادِ اللهِ، ليسَ يجمعُ المالَ من طريقِ الحلالِ ليصْرِفَهُ فيما أحلَّ اللهُ لأنَّ الذي يجمعُ المالَ ليصرِفَهُ بالحلالِ لا لِيَفخَرَ بهِ على الناسِ ولا ليَبْطَرَ بهِ بطَرًا ولا ليَتَوصَّلَ بهِ إلى الشهواتِ الـمُحرَّمةِ فإنَّ ذلكَ ليسَ بمذمومٍ لأنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم لـم يَذُمَّ المالَ ذمًّا مُطلَقًا ولا مَدَحَهُ مَدْحًا مُطلَقًا، المالُ منهُ ما يُذَمُّ ومنهُ ما يُمدَحُ فالمالُ المذمومُ هوَ المالُ الذي يجمَعُهُ المرءُ منْ حرامٍ فلا يُبالي جامعُهُ مِنْ حلالٍ أخذَهُ أمْ منْ حرامٍ أو يجمَعُ المالَ ليَقضيَ بهِ شَهواتِهِ الـمُحرَّمةَ أيْ ليُشبِعَ نفسَهُ مِنْ شهواتِهِ المحرمةِ أو ليفْخَرَ بهِ على الناسِ أو ليَتَكبَّرَ فهذا هوَ المالُ المذمومُ، وأما المالُ الذي يجمَعُهُ المرءُ المسلمُ مِنْ حلالٍ بنيةِ أنْ يستُرَ بهِ نفسَهُ أو ينفعَ بهِ نفسَهُ أو غيرَهُ أو يُنفِقَهُ على أولادِهِ وعلى أبوَيهِ وغيرِهِما مِنْ أقارِبِهِ بغيرِ نيةِ التوصُّلِ إلى الفخرِ والتكبُّرِ على الناسِ فإنَّ ذلكَ المالَ ليسَ بمذمومٍ ودليلُنا على ذلكَ ما رواهُ الإمامُ أحمدُ وابنُ حبانَ بالإسنادِ الصحيحِ أنهُ صلى الله عليه وسلم قالَ لعَمْرِو بنِ العاصِ (نِعْمَ المالُ الصالحُ للرجُلِ الصالحِ) (2) والمالُ الصالحُ هوَ المالُ الذي يجمَعُهُ المرءُ ويكتسِبُهُ بطريقٍ حلالٍ، وأما الرجلُ الصالحُ فهوَ الإنسانُ المؤمنُ الذي يقومُ بحُقوقِ اللهِ تعالى وحقوقِ العِبادِ، يعرفُ ما افترَضَ اللهُ عليهِ ويُؤَدِّيهِ ويعرفُ ما حرَّمَ اللهُ عليهِ ويجتَنبُهُ، يُصلّي كما أمرَ اللهُ ويصومُ كما أمرَ اللهُ ويُزَكي كما أمرَ اللهُ ويأمرُ بالمعروفِ وينهَى عنِ المنكرِ فإنَّ الأمرَ بالمعروفِ والنهيَ عنِ المنكرِ مِنْ جملةِ الفُروضِ التي افتَرَضها اللهُ على عبادِهِ وذلكَ شأنُ مَنْ مَدَحَهُمُ اللهُ تعالى بقولهِ في سورةِ ءالِ عمران ﴿كُنتُمْ خَيْرَ أمَّةٍ أُخْرِجَتْ للناسِ تأمُرونَ بالمَعروفِ وتَنْهَونَ عنِ الـمُنكرِ وتُؤمِنونَ باللهِ﴾ أمةُ محمدٍ صلى الله عليه وسلم هُم أفضلُ أمَمِ الأنبياءِ هُم أكثرُ أولياءَ وعُلماءَ وفُقهاءَ حتى إنَّ المسيحَ عليه الصلاةُ والسلامُ قالَ عنْ أمةِ سيدنا مُحمدٍ صلى الله عليه وسلم (عُلماءُ حُلَماءُ بَرَرَةٌ أتقياءُ كأنَّـهُم مِنَ الفقهِ أنبياء) رواهُ أبو نُعَيمٍ في الحِليةِ (3) واللهُ تبارك وتعالى وصفَ هذهِ الأمةَ المحمَّديةَ بأنَّ من شأنِهِم أنهم يأمُرونَ بالمعروفِ وينْهَونَ عنِ الـمُنكرِ، كانَ فيما مضى منَ الزمانِ أناسٌ مُحَقِّقُونَ لهذهِ الصفةِ وأمَّا اليومَ فقدْ قَلُّوا، ومعَ ذلكَ لا تَخلُو الأمةُ منهُم لأنَّ اللهَ تعالى وصفَ هذهِ الأمةَ بذلكَ، ورَوَينا في صحيحِ ابن حبانَ أيضًا أنهُ صلى الله عليه وسلم قال (ليسَ مِنَّا مَنْ لـم يُوَقِّرْ كبيرنا ويرحَمْ صغيرَنا ويَأْمُرْ بالمعروفِ ويَنْهَ عنِ الـمُنكرِ) (4) فما لـم تتحقَّقْ لهُ هذهِ الصفاتُ الأربعةُ لا يكونُ المسلمُ كاملاً في الدينِ.
فقولهُ صلى الله عليه وسلم (إنَّ اللهَ يُبغِضُ كلَّ جَعظَريٍّ) فيهِ ذمٌّ للمُتكبرِ فإذا جمعَ معَ صفةِ الجعظَريِّ أنْ يكونَ جَوَّاظًا وهوَ مَنْ جمعَ المالَ لا يُبالي إنْ جَمَعهُ منْ حلالٍ أو حرامٍ ويَبخلُ عنْ دفعِ المالِ في ما أمرَ اللهُ تعالى بالإنفاقِ فيهِ فقدِ ارتفعَ في الشرِّ والفسادِ، ثمَّ إنْ زادَ على ذلكَ أن يكونَ سَخَّابًا بالأسواقِ أيْ أنهُ مِنْ شدةِ حِرْصِهِ على المالِ يُكثِرُ الكلامَ في سبيلِ جمعِ المالِ وأنْ يكونَ جيفةً بالليلِ أي يستغرِقُ ليلَهُ بالنومِ ولا يهتمُّ بأنْ يكسِبَ في ليلِهِ منَ الصلواتِ وحِمارًا بالنهارِ أيْ أنَّ همَّهُ التَّفَنُّنُ بالأكلِ والإكثارِ منَ الملذاتِ وينشغلُ بذلكَ عنِ القيامِ بما افتَرَضَهُ اللهُ عليهِ. ثمَّ إذا انضافَ إلى ذلكَ الوصفُ الأخيرُ وهوَ أن يكونَ عارفًا بأمرِ الدنيا جَاهِلاً بأمرِ الآخرةِ فقدْ تزايَدَ شرُّهُ. فمِنْ هنا يُعلَمُ أنَّ مَنْ ءاتاهُ اللهُ المالَ وكانَ عارفًا بطرُقِ جمعِ المالِ وهوَ جاهلٌ بأمورِ الدينِ أيْ بما افترَضَ اللهُ عليهِ معرِفَتَهُ من علمِ الدينِ فهوَ مِنْ شرِّ خَلْقِ اللهِ.
ثمَّ لا سبيلَ إلى أداءِ ما افترضَ اللهُ واجتِنابِ ما حرَّمَ اللهُ إلا بمعرفةِ العلمِ الضروريِّ من علمِ الدينِ الذي قالَ فيهِ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم (طلبُ العلمِ فريضةٌ على كلِّ مسلمٍ) (5) فمَنْ أعرضَ عنِ التعلُّمِ يهلِكُ وهو لا يشعرُ فإنّا للهِ إنَّا إليهِ راجِعُون، ثمَّ الفقهاءُ مِنْ أهلِ المذاهبِ الأربعةِ لـم يُغْفِلُوا بيانَ هذهِ الأشياءِ فلْيَتَّقِ اللهَ امرُؤٌ ءامَنَ بالآخرةِ.
وفي صحيحِ البخاريِّ مِنْ قولِ عليِّ بنِ أبي طالبٍ رضي الله عنهُ قالَ (ارتَحَلَتِ الدنيا وهيَ مُدْبِرَةٌ وارْتَحَلتِ الآخرةُ وهيَ مُقبِلةٌ فكُونوا منْ أبناءِ الآخرةِ ولا تكونوا من أبناءِ الدنيا اليومَ العملُ ولا حسابَ وغدًا الجزاءُ ولا عمل) (6) وسبحانَ اللهِ وتعالى عمَّا يَصِفون.
واللهُ تعالى أعلم.
1- رواه ابن حبان في صحيحه باب ذكر الزجر عن العلم بأمر الدنيا مع الانهماك فيها والجهل بأمر الآخرةِ ومجانبة أسبابها.
2- رواه أحمد في مسنده باب حديث عمرو بن العاص عن النبي صلى الله عليه وسلم وابن حبان في صحيحه باب ذكر الإباحة للرجل الذي يجمع المال من حله إذا قام بحقوقه فيه.
3- رواه أبو نعيم في الحلية باب مالك بن أنس بلفظ علماء حكماء كأنهم من الفقه أنبياء.
4- رواه البيهقي في شعب الإيمان باب الجود والسخاء.
5- رواه ابن ماجه في سننه باب فضل العلماء والحث على طلب العلم والبيهقي في شعب الإيمان باب في طلب العلم.
6- رواه البخاري في صحيحه باب في الأمل وطوله.