سُورَةُ الشَّمْسِ مَكِّيَّةٌ بِاتِّفَاقٍ وَهِىَ خَمْسَ عَشْرَةَ ءَايَةً
28 أغسطس 2021سُورَةُ الضُّحَى مَكِّيَّةٌ إِجْمَاعًا وَهِىَ إِحْدَى عَشْرَةَ ءَايَةً
6 سبتمبر 2021سُورَةُ اللَّيْلِ مَكِّيَّةٌ كُلُّهَا بِإِجْمَاعِهِمْ وَهِىَ إِحْدَى وَعِشْرُونَ ءَايَةً
سُورَةُ اللَّيْلِ مَكِّيَّةٌ كُلُّهَا بِإِجْمَاعِهِمْ وَهِىَ إِحْدَى وَعِشْرُونَ ءَايَةً
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ
وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى (1) وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى (2) وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالأُنْثَى (3) إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى (4) فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (6) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى (7) وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى (8) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى (9) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى (10) وَمَا يُغْنِى عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى (11) إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى (12) وَإِنَّ لَنَا لَلآخِرَةَ وَالأُولَى (13) فَأَنْذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى (14) لا يَصْلاهَا إِلَّا الأَشْقَى (15) الَّذِى كَذَّبَ وَتَوَلَّى (16) وَسَيُجَنَّبُهَا الأَتْقَى (17) الَّذِى يُؤْتِى مَالَهُ يَتَزَكَّى (18) وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِّعْمَةٍ تُجْزَى (19) إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الأَعْلَى (20) وَلَسَوْفَ يَرْضَى (21)
﴿وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى﴾ أَىْ يُغَطِّى كُلَّ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ فَيَسْتُرُهُ بِظُلْمَتِهِ.
﴿وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى﴾ أَىِ انْكَشَفَ وَظَهَرَ وَبَانَ بِضَوْئِهِ عَنْ ظُلْمَةِ اللَّيْلِ.
﴿وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالأُنْثَى﴾ أَىْ وَالَّذِى خَلَقَ الذَّكَرَ وَالأُنْثَى فَيَكُونُ اللَّهُ قَدْ أَقْسَمَ بِنَفْسِهِ عَزَّ وَجَلَّ وَقِيلَ الْمُرَادُ بِالذَّكَرِ ءَادَمُ وَبِالأُنْثَى حَوَّاءُ وَقِيلَ إِنَّهُ عَامٌّ.
﴿إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى﴾ هَذَا جَوَابُ الْقَسَمِ وَالسَّعْىُ الْعَمَلُ أَىْ أَنَّ أَعْمَالَ الْعِبَادِ مُخْتَلِفَةٌ فَسَاعٍ فِى فِكَاكِ نَفْسِهِ وَسَاعٍ فِى عَطَبِهَا أَىْ هَلاكِهَا وَفِى الْحَدِيثِ (النَّاسُ غَادِيَانِ فَغَادٍ فِى فِكَاكِ نَفْسِهِ فَمُعْتِقُهَا وَغَادٍ فَمُوبِقُهَا) رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالتِّرْمِذِىُّ.
﴿فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى﴾ أَىْ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى حَقَّ اللَّهِ وَاتَّقَى اللَّهَ تَعَالَى، قَالَ الْجُمْهُورُ يَعْنِى أَبَا بَكْرٍ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ وَهُوَ عَبْدُ اللَّهِ بنُ أَبِى قُحَافَةَ وَقِيلَ الْمُرَادُ أَبُو الدَّحْدَاحِ الأَنْصَارِىُّ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ.
﴿وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى﴾ أَىْ بِلا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَقِيلَ بِالْجَنَّةِ.
﴿فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى﴾ أَىْ نُرْشِدُهُ لِأَسْبَابِ الْخَيْرِ وَالصَّلاحِ وَنُهَيِّئُهُ لِلْجَنَّةِ، قَالَ الْفَرَّاءُ فِى مَعَانِى الْقُرْءَانِ ﴿فَسَنُيَسِّرُهُ﴾ سَنُهَيِّئُهُ وَهَذِهِ الآيَةُ دَلِيلٌ وَاضِحٌ عَلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى هُوَ الَّذِى يُعِينُ الْعَبْدَ عَلَى فِعْلِ الْخَيْرِ أَىْ يَخْلُقُ فِيهِ الْقُدْرَةَ عَلَى ذَلِكَ لِأَنَّهُ تَعَالَى خَالِقُ كُلَّ شَىْءٍ.
﴿وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى﴾ أَىْ وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ بِحَقِّ اللَّهِ وَلَمْ يَرْغَبْ فِى ثَوَابِ اللَّهِ.
﴿وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى﴾ أَىْ كَذَّبَ بِلا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ أَوْ كَذَّبَ بِالْجَنَّةِ.
﴿فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى﴾ أَىْ نُهَيِّئُهُ لِلنَّارِ وَفِيهَا وَفِى قَوْلِ اللَّهِ ﴿فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى﴾ دِلالَةٌ عَلَى أَنَّ اللَّهَ هُوَ مُعِينُ الْمُؤْمِنِ عَلَى إِيمَانِهِ وَالْكَافِرِ عَلَى كُفْرِهِ كَمَا قَالَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ الْجُوَيْنِىُّ فِى الإِرْشَادِ وَغَيْرُهُ وَالإِعَانَةُ عَلَى الإِيمَانِ مَعْنَاهَا خَلْقُ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ وَكَذَا الإِعَانَةُ عَلَى الْكُفْرِ مَعْنَاهَا خَلْقُ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالإِعَانَةِ هُنَا الرِّضَا وَالْمَحَبَّةَ وَإِنَّمَا مَعْنَى الإِعَانَةِ هُنَا التَّمْكِينُ وَالإِقْدَارُ فَاللَّهُ تَعَالَى هُوَ الَّذِى يُمَكِّنُ الْعَبْدَ مِنْ عَمَلِ الْخَيْرِ وَعَمَلِ الشَّرِّ لِأَنَّهُ تَعَالَى هُوَ الَّذِى خَلَقَ لِسَانَ وَفُؤَادَ وَجَوَارِحَ الْمُؤْمِنِ وَالْكَافِرِ فَلَوْلا أَنَّهُ أَعْطَى الْمُؤْمِنَ الْقُدْرَةَ عَلَى الإِيمَانِ لَمْ يُؤْمِنْ وَلَوْلا أَنَّهُ أَعْطَى الْكَافِرَ الْقُدْرَةَ عَلَى الْكُفْرِ لَمْ يَكْفُرْ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى ﴿وَيَمُدُّهُمْ فِى طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ﴾ (سُورَةَ الْبَقَرَة 15) قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِيهَا قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ ﴿وَيَمُدُّهُمْ﴾ أَىْ يُمَكِّنُ لَهُمْ وَقَالَ مُجَاهِدٌ يَزِيدُهُمْ، وَطُغْيَانُهُمْ كُفْرُهُمْ وَفِى حَدِيثِ التِّرْمِذِىِّ (ربِّ أَعِنِّى وَلا تُعِنْ عَلَىَّ) وَفِى الْبُخَارِىِّ عَنْ عَلِىٍّ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ كَانَ النَّبِىُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِى جِنَازَةٍ فَأَخَذَ شَيْئًا فَجَعَلَ يَنْكُتُ بِهِ الأَرْضَ أَىْ يَضْرِبُهَا بِطَرَفِهِ فَقَالَ «مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا وَقَدْ كُتِبَ مَقْعَدُهُ مِنَ النَّارِ وَمَقْعَدُهُ مِنَ الْجَنَّةِ» قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَلا نَتَّكِلُ عَلَى كِتَابِنَا وَنَدَعُ الْعَمَلَ قَالَ (اعْمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ أَمَّا مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ السَّعَادَةِ فَيُيَسَّرُ لِعَمَلِ أَهْلِ السَّعَادَةِ وَأَمَّا مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الشَّقَاءِ فَيُيَسَّرُ لِعَمَلِ أَهْلِ الشَّقَاوَةِ) ثُمَّ قَرَأَ ﴿فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى﴾ وَضَمَّ أَبُو جَعْفَرٍ سِينَ الْيُسْرَى وَسِينَ الْعُسْرَى.
﴿وَمَا يُغْنِى عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى﴾ أَىْ أَنَّ مَالَهُ الَّذِى بَخِلَ بِهِ عَنْ فِعْلِ الْخَيْرِ لا يَنْفَعُهُ إِذَا تَرَدَّى فِى جَهَنَّمَ وَسَقَطَ فِيهَا.
﴿إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى﴾ أَىْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ بَيَّنَ طَرِيقَ الْهُدَى مِنْ طَرِيقِ الضَّلالَةِ.
﴿وَإِنَّ لَنَا لَلآخِرَةَ وَالأُولَى﴾ أَىْ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَهُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿مَنْ كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ ثَوَابُ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا بَصِيرًا﴾ (سُورَةَ النِّسَاء 134) أَىْ فَمَنْ طَلَبَهُمَا مِنْ غَيْرِ مَالِكِهِمَا فَقَدْ أَخْطَأَ الطَّرِيقَ.
﴿فَأَنْذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى﴾ أَىْ حَذَّرْتُكُمْ وَخَوَّفْتُكُمْ يَا أَهْلَ مَكَّةَ نَارًا تَتَوَقَدُ وَتَتَوَهَّجُ.
﴿لا يَصْلاهَا إِلَّا الأَشْقَى﴾ أَىْ لا يَدْخُلُهَا إِلَّا الشَّقِىُّ وَالْمُرَادُ الصَّلْىُّ الْمُؤَبَّدُ.
﴿الَّذِى كَذَّبَ وَتَوَلَّى﴾ أَىْ كَذَّبَ النَّبِىَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَوَلَّى أَىْ أَعْرَضَ عَنِ الإِيمَانِ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
﴿وَسَيُجَنَّبُهَا الأَتْقَى﴾ أَىْ يُبْعَدُ عَنْهَا التَّقِىُّ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ هُوَ أَبُو بَكْرٍ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ يُزَحْزَحُ عَنِ دُخُولِ النَّارِ.
﴿الَّذِى يُؤْتِى مَالَهُ يَتَزَكَّى﴾ أَىْ يَطْلُبُ أَنْ يَكُونَ مَالُهُ عِنْدَ اللَّهِ زَاكِيًا أَىْ نَامِيًا يَتَصَدَّقُ بِهِ مُبْتَغِيًا بِهِ وَجْهَ اللَّهِ وَلا يَطْلُبُ الرِّيَاءَ وَلا السُّمْعَةَ وَهَذَا نَزَلَ فِى الصِّدِّيقِ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ لَمَّا اشْتَرَى بِلالًا الْمُعَذَّبَ عَلَى إِيمَانِهِ وَأَعْتَقَهُ فَقَالَ الْكُفَّارُ إِنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ لِيَدٍ كَانَتْ لِبِلالٍ عِنْدَهُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِّعْمَةٍ تُجْزَى﴾ أَىْ لَمْ يَفْعَلَ ذَلِكَ مُجَازَاةً لِيَدٍ أُسْدِيَتْ إِلَيْهِ ﴿إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الأَعْلَى﴾ أَىْ لَكِنْ فَعَلَ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ الثَّوَابِ مِنَ اللَّهِ، قَالَ الْفَرَّاءُ وَإِلَّا بِمَعْنَى لَكِنْ ﴿وَلَسَوْفَ يَرْضَى﴾ أَىْ بِمَا يُعْطَاهُ مِنَ الثَّوَابِ فِى الْجَنَّةِ.