سُورَةُ الْفَلَقِ مَكِّيَّةٌ فِى قَوْلِ جَابِرٍ وَعَطَاءٍ وَغَيْرِهِمَا وَمَدَنِيَّةٌ فِى أَحَدِ قَوْلَىِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَهِىَ خَمْسُ ءَايَاتٍ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ
قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (1) مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ (2) وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ (3) وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِى الْعُقَدِ (4) وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ (5).
رَوَى مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِىُّ وَالنَّسَائِىُّ وَأَحْمَدُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (أُنْزِلَتْ عَلَىَّ ءَايَاتٌ لَمْ أَرَى مِثْلَهُنَّ الْمُعَوِّذَتَيْنِ).
قَوْلُهُ تَعَالَى ﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ﴾ قَالَ الْبُخَارِىُّ (وَقَالَ مُجَاهِدٌ الْفَلَقُ الصُّبْحُ) وَ﴿قُلْ﴾ أَىْ يَا مُحَمَّدُ وَ﴿أَعُوذُ﴾ أَسْتَجِيرُ.
﴿مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ﴾ قال الْقُرْطُبِىِّ (هُوَ عَامٌّ أَىْ مِنْ شَرِّ كُلِّ ذِى شَرٍّ خَلَقَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ) وَقَدْ ذَكَرَ الْبُخَارِىُّ قَوْلَهُ تَعَالَى ﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ﴾ فِى كِتَابِ الْقَدَرِ مِنْ صَحِيحِهِ، قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ (يُشِيرُ أَىِ الْبُخَارِىُّ بِذِكْرِ الآيَةِ إِلَى الرَّدِّ عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّ الْعَبْدَ يَخْلُقُ فِعْلَ نَفْسِهِ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ السُّوءُ الْمَأْمُورُ بِالِاسْتِعَاذَةِ بِاللَّهِ مِنْهُ مُخْتَرَعًا لِفَاعِلِهِ لَمَا كَانَ لِلِاسْتِعَاذَةِ بِاللَّهِ مِنْهُ مَعْنًى لِأَنَّهُ لا يَصِحُّ التَّعَوُّذُ إِلَّا بِمَنْ قَدَرَ عَلَى إِزَالَةِ مَا اسْتُعِيذَ بِهِ مِنْهُ).
وَقَرَأَ ابْنُ يَعْمَر خُلِقَ بِضَمِّ الْخَاءِ وَكَسْرِ اللَّامِ.
﴿وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ﴾ قَالَ الْبُخَارِىُّ (وَقَالَ مُجَاهِدٌ غَاسِقٌ اللَّيْلُ إِذَا وَقَبَ غُرُوبُ الشَّمْسِ) قَالَ الرَّاغِبُ فِى الْمُفْرَدَاتِ (وَذَلِكَ عِبَارَةٌ عَنِ النَّائِبَةِ بِاللَّيْلِ كَالطَّارِقِ) وَقَالَ الْقُرْطُبِىُّ (فِى اللَّيْلِ تَخْرُجُ السِّبَاعُ مِنْ ءَاجَامِهَا وَالْهَوَامُّ مِنْ أَمَاكِنِهَا وَيَنْبَعِثُ أَهْلُ الشَّرِّ عَلَى الْعَبَثِ وَالْفَسَادِ).
وَرَوَى التِّرْمِذِىُّ وَالنَّسَائِىُّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَظَرَ إِلَى الْقَمَرِ فَقَالَ لِعَائِشَةَ (اسْتَعِيذِى بِاللَّهِ مِنْ شَرِّهِ فَإِنَّهُ الْغَاسِقُ إِذَا وَقَبَ) قَالَ التِّرْمِذِىُّ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
﴿وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِى الْعُقَدِ﴾ هُنَّ السَّوَاحِرُ، وَالنَّفَّاثَاتُ جَمْعُ نَفَّاثَةٍ مِثَالُ مُبَالَغَةٍ قَالَهُ السَّمِينُ الْحَلَبِىُّ وَفِى الْمُفْرَدَاتِ (النَّفْثُ قَذْفُ الرِّيقِ الْقَلِيلِ وَهُوَ أَقَلُّ مِنَ التَّفْلِ) وَمَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى ﴿وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِى الْعُقَدِ﴾ أَىِ السَّاحِرَاتِ اللَّاتِى يَنْفُثْنَ فِى عُقَدِ الْخَيْطِ حِينَ يَقْرَأْنَ عَلَيْهَا.
﴿وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ﴾ يَعْنِى الْحَاسِدَ إِذَا أَظْهَرَ حَسَدَهُ وَهُوَ كَرَاهِيَةُ النِّعْمَةِ لِلْمُسْلِمِ وَتَمَنِّى زَوَالِهَا وَاسْتِثْقَالُهَا لَهُ وَعَمَلٌ بِمُقْتَضَاهَا دِينِيَّةً كَانَتِ النِّعْمَةُ أَوْ دُنْيَوِيَّةً فَالْحَاسِدُ لا يُؤَثِّرُ حَسَدُهُ إِلَّا إِذَا أَظْهَرَهُ بِأَنْ يَحْتَالَ لِلْمَحْسُودِ فِيمَا يُؤْذِيهِ أَمَّا إِذَا لَمْ يُظْهِرِ الْحَسَدَ فَمَا يَتَأَذَى بِهِ إِلَّا الْحَاسِدُ لِاغْتِمَامِهِ بِنِعْمَةِ غَيْرِهِ وَقِيلَ الْحَسَدُ أَوَّلُ مَعْصِيَةٍ عُصِىَ بِهَا اللَّهُ فِى الْجَنَّةِ أَىْ حَسَدُ إِبْلِيسَ لِنَبِىِّ اللَّهِ ءَادَمَ عَلَيْهِ السَّلامُ وَأَوَّلُ مَعْصِيَةٍ عُصِىَ بِهَا فِى الأَرْضِ أَىْ حَسَدُ قَابِيلَ هَابِيلَ ثُمَّ قَتْلُ قَابِيلَ لِهَابِيلَ.
1 Comment
قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (1) مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ (2) وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ (3) وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِى الْعُقَدِ (4) وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ (5).