حديث (إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ مِنْ طَيِّبٍ وَلا يَقْبَلُ اللَّهُ إِلَّا الطَّيِّبَ…)
10 يناير 2018سُورَةُ عَبَسَ مَكِّيَّةٌ كُلُّهَا بِإِجْمَاعِهِمْ وَهِىَ اثْنَانِ وَأَرْبَعُونَ ءَايَةً
10 يناير 2018حديث (لَفِقِيهٌ وَاحِدٌ أَشَدُّ عَلَى الشَّيْطَانِ مِنْ أَلْفِ عَابِدٍ)
رَوَى ابْنُ عَبْدِ البَرِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (لَفِقِيهٌ وَاحِدٌ أَشَدُّ عَلَى الشَّيْطَانِ مِنْ أَلْفِ عَابِدٍ) مَعنَاهُ إِنْسَانٌ تَعَلَّمَ العَقِيدَةَ وَعَلِمَ الأَحْكَامَ هَذَا أَشَدُّ عَلَى الشَّيطَانِ مِنْ أَلْفِ عَابِدٍ يَعنِى مِنْ أَلْفِ إِنْسَانٍ تَجَرَّدَ لِلْعِبَادَةِ يَصُومُ رَمَضَانَ وَغَيْرَهُ وَيَقُومُ اللَّيَالِىَ وَالنَّاسُ نَائِمُونَ لَكنَّهُ لَمْ يَتَفَقَّهْ فِى الدِّينِ إِنَّمَا هَمُّهُ أَنْ يُكْثِرَ مِنَ الصَّلاةِ وَالصِّيَامِ وَيُكْثِرَ التَّرَدُّدَ إِلَى الْمَسَاجِدِ أَهْمَلَ التَّعَلُّمَ مِنْ أَهْلِ الْمَعرِفَةِ وَتَرَكَهُ.
فَيُفْهَمُ مِن هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ الفَقِيهَ أَىِ العَالِمَ يَسُدُّ عَلَى نَفسِهِ مَدَاخِلَ الشَّيْطَانِ لِإِفْسَادِ عِبَادَتِهِ عَلَيْهِ أَمَّا الْجَاهِلُ يُمَشِّى عَلَيهِ الشَّيطَانُ دَسَائِسَهُ فَيَفْعَلُ الْعِبَادَةَ وَقَدْ أَدْخَلَ عَلَيْهِ الشَّيْطَانُ مَا يُفْسِدُ عِبَادَتَهُ وَهُوَ لا يَدْرِى.
فالذِي لَمْ يَتَعَلَّمْ عِلْمَ الدِّينِ فَهُوَ عَلَى خَطَرٍ عَظِيمٍ لِأَنَّ مَنْ لَمْ يَتَعَلَّمْ عِلْمَ الدِّينِ كَيْفَ يَضْمَنُ صِحَّةَ إِيمَانِهِ وَعِبَادَاتِهِ، إِنْ لَمْ يَتَعَلَّمْ مَا هُوَ الْكُفْرُ كَيْفَ يَضْمَنُ بَقَاءَهُ عَلَى الإِسْلامِ، إِنْ لَمْ يَتَعَلَّمْ مَا هِىَ الْمُحَرَّمَاتُ كَيْفَ يَجْتَنِبُهَا وَإِذَا وَقَعَ فِيهَا كَيْفَ يَتُوبُ مِنْهَا، فَهَذَا سَيِّدُنا عَبْدُ القَادِرِ الْجِيلانِىّ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ يَعبُدُ اللَّهَ فِى خَلْوَةٍ فَجَاءَهُ الشَّيطانُ عَلَى هَيْئَةِ نُورٍ عَظِيمٍ وَقَالَ لَهُ يَا عَبدِى يَا عَبْدَ القَادِر قَدْ أَسْقَطْتُ عَنْكَ الفَرَائِضَ وَأَحْلَلْتُ لَكَ الْمُحَرَّمَاتِ فَقَالَ لَهُ سَيِّدُنَا عَبْدُ القَادِرِ خَسِئْتَ يَا لَعِين أَىْ فَشِلْتَ وَخَابَ سَعْيُكَ أَىْ مَا تَسْعَى إِلَيْهِ فَاخْتَفَى الضَّوْءُ وَبَقِىَ الصَّوْتُ وَقَالَ لَهُ الشَّيطَانُ لَقَدْ غَلَبْتَنِى بِعِلْمِكَ يَا عَبْدَ الْقَادِرِ وَإِنِّى قَدْ أَغْوَيْتُ أَرْبَعِينَ عَابِدًا بِهَذِهِ الطَّرِيقَة.
سَيِّدُنَا الْعَارِفُ بِاللَّهِ عَبْدُ الْقَادِرِ الْجِيلانِىّ عَرَفَ بِعِلْمِهِ أَنَّهُ الشَّيْطَان لِأَنَّهُ كَانَ تَعَلَّمَ أَنَّ اللَّهَ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْء فَاللَّهُ تَعَالَى لَيْسَ نُورًا بِمَعْنَى الضَّوْءِ بَلْ هُوَ خَالِقُ النُّورِ قَالَ تَعَالَى ﴿وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّور﴾ أَىْ خَلَقَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّور، وَالَّذِى كَلَّمَهُ كَلَّمَهُ بِصَوْتٍ واللَّهُ تَعَالَى كَلامُهُ لَيْسَ حَرْفًا وَلا صَوْتًا وَلا لُغَةً لا يُبْتَدَأُ وَلا يُخْتَتَمُ لا يَطْرَأُ عَلَيْهِ سُكُوتٌ أَوْ تَقَطُّعٌ لَيْسَ شَيْئًا يَسْبِقُ بَعْضُهُ بَعْضًا وَيَتَأَخَّرُ بَعْضُهُ عَنْ بَعْضٍ.
وقد جاء في كتاب المرقبة العليا فيمن يستحق القضاء والفتيا أو تاريخ قضاة الأندلس أنّه من غَرِيب مَا حكى عَن فقيه المغرب أبي ميسرة أحمد بن نزار القيرواني المالكي وكان من العلماء العاملين أَنه بَينا هُوَ يتهجد لَيْلَة من اللَّيَالِي ويبكي وَيَدْعُو إِذا بِنور عَظِيم خرج لَهُ من حَائِط الْمِحْرَاب وَوجه كَأَنَّهُ الْبَدْر، فَقَالَ تملّأ يَا أَبَا ميسرَة من وَجْهي فَإِنِّي رَبك الْأَعْلَى، فبصق أبو ميسرة فِي وَجهه وَقَالَ لَهُ اذْهَبْ يَا مَلْعُون يَا شَيْطَان، لعنك الله.