الفقيه المالكي أبو بكر بن اللباد القيرواني
31 مايو 2020أصبغ بن الفرج من أفقه أهل مصر
3 يونيو 2020حديث (لاَ يَحِلُّ لاِمْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخَرِ تُسَافِرُ مَسِيرَةَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ إِلاَّ مَعَ ذِي مَحْرَمٍ مِنْهَا)
جاء في موطأ الإمام مالك رضي الله تعالى عنه (باب مَا جَاءَ فِي الْوِحْدَةِ فِي السَّفَرِ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ) (وَحَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال (لاَ يَحِلُّ لاِمْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخَرِ تُسَافِرُ مَسِيرَةَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ إِلاَّ مَعَ ذِي مَحْرَمٍ مِنْهَا).
قال أبو الوليد سليمان بن خلف القرطبي الباجي الأندلسي (المتوفى 474 هـ) في المنتقى شرح الموطأ، مَا جَاءَ فِي الْوَحْدَةِ فِي السَّفَرِ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ (ص) (مَالِكٌ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ تُسَافِرَ مَسِيرَةَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ إلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ مِنْهَا).
(ش) قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) بِمَعْنَى التَّغْلِيظِ يُرِيدُ أَنَّ مُخَالَفَةَ هَذَا لَيْسَتْ مِنْ أَفْعَالِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَيَخَافُ عُقُوبَتَهُ فِي الْآخِرَةِ، وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَنْ تُسَافِرَ مَسِيرَةَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ إلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ) يُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ فِتْنَةٌ وَانْفِرَادَهَا سَبَبٌ لِلْمَحْظُورِ لِأَنَّ الشَّيْطَانَ يَجِدُ السَّبِيلَ بِانْفِرَادِهَا فَيُغْرِي بِهَا وَيَدْعُو إلَيْهَا وَيَحْتَمِلُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ مَعْنَيَيْنِ:
أَحَدُهُمَا أَنْ لَا تُسَافِرَ هَذِهِ الْمَسَافَةَ مَعَ إنْسَانٍ وَاحِدٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ ذَا مَحْرَمٍ مِنْهَا لِأَنَّهُ مَأْمُونٌ عَلَيْهَا وَالْمَعْنَى الثَّانِي أَنْ لَا تَنْفَرِدَ فِي مِثْلِ هَذَا السَّفَرِ دُونَ ذِي مَحْرَمٍ مِنْهَا لِأَنَّهُ يَحْفَظُهَا وَيَجْرِي إلَى صِيَانَتِهَا لِمَا رُكِّبَ فِي طِبَاعِ أَكْثَرِ النَّاسِ مِنْ الْغَيْرَةِ عَلَى ذَوِي مَحَارِمِهِمْ وَالْحِمَايَةِ لَهُمْ، وَقَدْ رَخَّصَ مَالِكٌ لَهَا أَنْ تُسَافِرَ فِي الرُّفْقَةِ الْعَظِيمَةِ يَكُونُ فِيهَا النِّسَاءُ وَالرِّجَالُ إلَى الْحَجِّ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَرْأَةِ الْمُتَجَالَّةِ تَخْرُجُ إلَى مَكَّةَ مَعَ غَيْرِ وَلِيٍّ إنْ كَانَتْ فِي جَمَاعَةٍ وَنَاسٍ مَأْمُونِينَ لَا تَخَافُهُمْ عَلَى نَفْسِهَا، قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ يُرِيدُ إنَّمَا الْمَنْهِيُّ عَنْهُ سَفَرُهَا فِي غَيْرِ الْفَرِيضَةِ مَعَ غَيْرِ ذِي مَحْرَمٍ.
(فَصْلٌ) وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَسِيرَةَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، وَقَدْ رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَيْسَرَةَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَرُوِيَ مَسِيرَةُ يَوْمَيْنِ، وَقَدْ تُعُلِّقَ بِهَذَا وَجُعِلَ حَدًّا فِي سَفَرِ الْقَصْرِ وَلَا يَمْنَعُ أَنْ يُمْنَعَ مِنْ ذَلِكَ فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ثُمَّ فِي يَوْمَيْنِ ثُمَّ فِي يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَلَيْسَ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ عَلَى هَذَا اخْتِلَافٌ، وَلَوْ بَدَا فَمُنِعَ مِنْ ذَلِكَ فِي يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ لَاقْتَضَى ذَلِكَ مَنْعَهُ فِي يَوْمَيْنِ وَفِي ثَلَاثَةٍ فَإِذَا وَرَدَ بَعْدَ ذَلِكَ مَنْعُهُ فِي يَوْمَيْنِ وَفِي ثَلَاثَةٍ فَلَيْسَ بِخِلَافٍ لِمَا تَقَدَّمَ بَلْ هِيَ تَأْكِيدٌ لَهُ، وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ.
وفي صحيح البخاري، باب فِي كَمْ يَقْصُرُ الصَّلاَةَ (حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ، قَالَ قُلْتُ لأَبِي أُسَامَةَ حَدَّثَكُمْ عُبَيْدُ اللَّهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضى الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قال (لاَ تُسَافِرِ الْمَرْأَةُ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ إِلاَّ مَعَ ذِي مَحْرَمٍ).
وفي صحيح مسلم، باب سَفَرِ الْمَرْأَةِ مَعَ مَحْرَمٍ إِلَى حَجٍّ وَغَيْرِهِ (حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالاَ حَدَّثَنَا يَحْيَى (وَهُوَ الْقَطَّانُ) عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ أَخْبَرَنِي نَافِعٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال (لاَ تُسَافِرِ الْمَرْأَةُ ثَلاَثًا إِلاَّ وَمَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ).
وحديث (لا تُسَافرُ المَرأةُ ثَلاثةَ أيّام إلا ومَعها ذُو مَحرَم) رواه أحمد والبخاري ومسلم وغيرهم، وفي روايةٍ (لا تُسَافرُ المرأةُ بَريدًا إلا ومعَها مَحرَم) رواه البيهقي وابن حبان، والبَريدُ نِصفُ النّهار فيُحمَلُ هذا الحديثُ وهذا الحديث أنّ كُلّ ما يُسَمَّى سَفَرا لا يَحِلُّ لها إلا ومعَها مَحرم إن كانَ مَسَافةَ نِصف نَهار أو ربع نهار.
فمن المعاصي معاصي البدن أن تسافر المرأة من غير محرم معها أو نحو محرم، من هو المحرم؟
القريب الذي لا يجوز لها أن تتزوجه بأي حال من الأحوال، مثل أبيها، أخيها، عمها، خالها، ابنها، جدها، لا يجوز أن تسافر المرأة من غير محرم معها أي سفر طويلا كان السفر أو قصيرا، ثمانين كيلومترا أو عشرين كيلومترا أو مائتي كيلومترا أو خمسين كيلومترا أو خمسة آلاف كيلومتر، لا يجوز لها أن تسافر إلا ومعها محرم لها أو نحو محرم.
من يعني نحو المحرم؟ كزوجها، لا يجوز لها أن تسافر إلا ومعها محرم أو نحوه، قريب من هؤلاء الأقارب أو زوجها على خلاف ما تفعل كثير من النساء في هذه الأيام، لم؟ لأن كثير من النساء في هذه الأيام لا يتعلمن علم الدين، ولا أزواجهن يتعلمون علم الدين، ولا أمهاتهن يتعلمن علم الدين، ولا آبائهن يتعلمون علم الدين، تفعل الشىء ولا تعرف أنه حرام، تقع في المعصية ولا تعرف أنه حرام، كما أن أخاها أو أباها يقع في المعصية ولا يعرف أن هذا حرام، ومنشأ هذا ماذا؟ الجهل بعلم الدين، الذي لا يتعلم علم الدين يضيع ولا يعرف أنه ضائع، يتوه ولا يعرف أنه تائه، الله يسلّمنا.
مرة سئل النبي عليه الصلاة والسلام عن سفر المرأة ثلاثة أيام وحدها فقال لا يجوز، مسيرة ثلاثة أيام قال لا يجوز، ومرة سئل عن سفرها مسيرة يومين وحدها فقال لا يجوز، ومرة سئل عن سفرها يوم مسيرة يوم وحدها فقال لا يجوز، ومرة سئل عن سفرها مسافة نصف يوم وحدها فقال لا يجوز، نصف يوم مشيا يعني، المسافة التي تقطع في نصف يوم مشيا يعني نحو ثلاثين كيلومتر أو نحو ذلك أو خمسة وعشرين كيلومتر مثل هذا، النبي عليه الصلاة والسلام قال لا يجوز.
لما سئل عليه الصلاة والسلام عن ثلاثة أيام قال لا يجوز، عن يومين قال لا يجوز، عن يوم قال لا يجوز، عن نصف يوم قال لا يجوز، فإذا أي سفر لا يجوز للمرأة أن تسافره إلا ومعها زوج أو محرم لها، إلا أن تكون معذورة، أحيانا يكون هناك عذر، واحدة تعيش في بلد ضاقت بها الأحوال ما تجد ما تأكل هذا البلد ليس فيه عمل ما عندها مال ما عندها شىء يغل لها، ما عندها مال في ملكها تعيش منه تريد أن تأكل تريد أن تستر عورتها تريد أن تسكن في مكان ما تجد مالا لأجل ذلك، هذه إذا أرادت أن تسافر إلى مكان آخر تجد فيه عملا يغل لها كفايتها ولم تجد محرما يسافر معها يجوز لها أن تذهب إلى ذلك المكان وحدها، كذلك واحدة في بلد لا يوجد فيه من يعلمها أمور الدين الفرض العيني من علم الدين، القدر الذي يجب عليها أن تتعلمه فرضا عينيا، لابد أن تتعلم أحكام الطهارة التي تحتاج إليها أحكام الأشياء التي تحتاج إليها، لا يوجد في هذا البلد من يعلمها ولا يوجد محرما يرافقها إلى بلد آخر لتتعلم، يجوز أن تسافر لأجل ذلك، إن كان لها عذر يجوز لها أن تسافر وحدها أما من غير عذر فلا يجوز.
فيفهم من ذلك أن سَفَر المَرْأَةِ بِلَا مَحْرَمٍ بِلَا ضَرُورَةٍ وَحْدَهَا إذَا كَانَ لِمَسافَةِ أَكْثَرَ مِن يَوْمٍ لا يَجُوزُ بالإِجْمَاعِ، وَيَجُوزُ أَقَلَّ مِن مَسَافَةِ يَومٍ عِندَ أَبِي حَنِيفَةَ، عِنْدَهُم اليَومُ مِن الفَجْرِ إلى الزَّوَالِ مَسَافَةُ سِتِّ سَاعَاتٍ التِي تُقْطَعُ بالمَشْيِ يَجُوزُ للمَرْأَةِ أنْ تَقْطَعَها وَحْدَهَا أمَّا مَسِيرَةُ سَبْعِ سَاعَاتٍ فَلا، ما كانَ أقلَّ مما بَينَ الفَجر إلى الزّوال يجُوز للمرأة أن تُسافِرَه مِن غَيرِ مَحرَم عندَ الحنَفِيّة، أمّا الشّافعيّة قَدّروا بالفَراسخ، والفَرسَخ ثلاثةُ أميال والميلُ اختَلفوا فيه، ما كانَ سِتّ سَاعاتٍ أو أقَلّ بسَير الأثقال هذا يجُوز عند الحنفيّة أمّا سبع ساعاتٍ لا يجُوز، والحسابُ يكونُ مِن حيثُ مُنقَطع الأبنيَة مع حِساب الاستراحاتِ في الطّريق، ومَن أرادَت السّفَر مع النّسوَة الثّقات عمَلا بمذهَب أحمد لا بُدَّ أن تَعرفَ حَالهن، أربع أو خمس متَديّنات يَكفي، وعند المالكية يحرم سفرُ المرأةِ لأقلَّ ما يقعُ عليهِ اسمُ السَّفَرِ بغيرِ نحوِ مَحْرَمٍ كأبٍ وأخٍ وزوجٍ وولدٍ وسواءٌ كان المحرمُ بنسبٍ أو رَضاعٍ أو مُصاهرةٍ ولا يُشترطُ فيه البلوغُ بل يكفِى التمييزُ والكفايةُ.
ففي مواهب الجليل في شرح مختصر خليل لأبي عبد الله المغربي المعروف بالحطاب الرُّعيني المالكي (المتوفى 954 هـ) باب الحج، فائدة أحكام الحج، تنبيهات ركوب البحر على ثلاثة أقسام:
ص (وَزِيَادَةُ مَحْرَمٍ أَوْ زَوْجٍ كَرُفْقَةٍ أُمِنَتْ بِفَرْضٍ) (التَّاسِعُ) هَلْ يُشْتَرَطُ فِي الْمَحْرَمِ الْبُلُوغُ أَوْ يَكْفِي فِيهِ التَّمْيِيزُ وَوُجُودُ الْكِفَايَةِ لَمْ أَرَ فِيهِ نَصًّا وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَكْفِي فِي ذَلِكَ وُجُودُ الْكِفَايَةِ وَلِلشَّافِعِيَّةِ فِي ذَلِكَ خِلَافٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وجاء في لوامع الدرر في هتك أستار المختصر في المجلّد الرابع للشيخ محمد بن محمد سالم المجلسي الشنقيطي (ولا يشترط في المحرم البلوغ بل يكفي التمييز ووجود الكفاية، هذا هو الظاهر قاله الحطاب، قال ولم أر في ذلك نصا وللشافعية فيه خلاف).