الشّحاذة المحَرّمة
24 ديسمبر 2019مُقَارَنَةٌ عِلْمِيَّةٌ فيهَا بَيَانُ أَنَّ أَدْعِيَاء السَّلَفِيَّةِ نُفَاةَ التَّوَسُّلِ انْتِسَابُهُمْ لِمَذْهَبِ أَحْمَدَ زُورٌ وَبُهْتَانٌ (2)
26 ديسمبر 2019مُقَارَنَةٌ عِلْمِيَّةٌ فيهَا بَيَانُ أَنَّ أَدْعِيَاء السَّلَفِيَّةِ نُفَاةَ التَّوَسُّلِ انْتِسَابُهُمْ لِمَذْهَبِ أَحْمَدَ زُورٌ وَبُهْتَانٌ (1)
مُقَارَنَةٌ عِلْمِيَّةٌ فيهَا بَيَانُ أَنَّ أَدْعِيَاء السَّلَفِيَّةِ نُفَاةَ التَّوَسُّلِ انْتِسَابُهُمْ لِمَذْهَبِ أَحْمَدَ زُورٌ وَبُهْتَانٌ (1)
ثَبَتَ بالإسْنَادِ أَنَّ أَبَا أَيُّوبَ الأَنْصَارِيَّ رَضيَ الله عَنْهُ، وضَعَ وَجْهَهُ على قَبرِ الرَّسولِ ، بَعْدَ موتِهِ، أَحَدُ الْمُجَسِّمَةِ مِنْ أَدْعِيَاءِ السَّلْفِيَّةِ مِن مدينةِ الزَّرقاءِ بالأردُنِّ لما سمع هذا قال (لَقَدْ فَعَلَ شِرْكًا)، فقالَ لَهُ الأُستَاذ الَّذي هُوَ مِنْ أهْلِ السُّنَّةِ (أَقولُ لَكَ أَبو أيوبَ الأَنصاريُّ وتقولُ فَعَلَ شِرْكًا)، فقالَ لَهُ الْمُجَسِّمُ (لَوْ كَانَ مُحَمَّدُ بنُ عَبدِ اللهِ فَعَلَ شِرْكًا)، هَذَا وَارِدٌ عَنْ أَبي أَيُّوبَ، أَنَّهُ وضَعَ وَجْهَهُ على قبرِ النبي ، روى عَنهُ ذلكَ الإمامُ الحافِظُ أحمدُ ابنُ حنبلٍ في مُسنَدِهِ، والْمُجَسِّمَةُ أَدْعِيَاءُ السَّلَفِيَّةِ يَزْعُمُونَ أَنَّهُم حَنابِلَةٌ، أَيْنَ هُمْ منَ الحنابلةِ؟ وأَينَ هُمْ مِنْ أحمد؟ ما انْتِسابُهُمْ إلى أَحمدَ إِلاَّ كانْتِسابِ النَّصارى إِلى عيسى، يَنتِسِبونَ إِليهِ وَهوَ برئٌ مِنْهُم، يَنْتَسِبونَ إِلى أحمد وأحمدُ برئٌ مِنهم، في القولِ برئٌ مِنهم، وفي العَمَلِ برئٌ منهم، وفي السُّلوكِ برئٌ منهم، وفي االمُعْتَقَدِ برئٌ منهُم ، وَإِلَيْكُمْ بَعْضَ ما يُخَالِفُونَ فيهِ الإمَامَ أحْمَدَ بْنَ حَنْبلٍ رضي الله عنه:
1- أَحْمَدُ بْنُ حَنْبلٍ يُكَفِّرُ مَنْ قَالَ بِالتَّجْسِيمِ في حَقِّ اللهِ تَعَالى، رَوَى الزَّركشيُّ في كِتَابِهِ تَشْنِيفُ الْمَسَامِعِ عَنْ صَاحِبِ الْخِصَالِ أَنَّهُ قَالَ قَالَ أَحْمَدُ (مَنْ قَالَ إِنَّ اللهَ جِسْمٌ لاَ كَالأَجْسَامِ كَفَرَ)، وَقَدْ رَوى الإمامُ البَيْهَقِيُّ في كِتَابِهِ مَنَاقِبُ أَحَمَدَ (مَخْطُوطٌ) نَقْلاً عَن الإمَامِ أَبي الفَضْلِ التَّمِيميِّ رَئِيسِ الْحَنَابِلَةِ بِبَغْدَادَ وَابْنِ رَئيسِهَا (أَنْكَرَ أَحَمَدُ عَلى مَنْ قَالَ بِالْجِسْمِ، وَقَالَ إِنَّ الأَسْمَاءَ مَأْخُوذَةٌ مِنَ الشَّرِيعَةِ وَاللُّغَةِ، وَأَهْلُ اللُّغَةِ وَضَعُوا هَذَا الاسْمَ (أَيِ الْجِسْمَ) عَلَى ذِي طِولٍ وَعَرْضٍ وَسَمْكٍ وَتَرْكِيبٍ وَصُورَةٍ وَتَأْلِيفٍ، وَاللهُ خَارِجٌ عَنْ ذَلِكَ كُلِّهِ (أي مُنزَّهٌ عَنْه) فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُسمَّى جِسْمًا لِخروجِهِ عَنْ مَعْنَى الْجِسْمِيّةِ، وَلَمْ يَجِىءْ في الشَّرِيعَةِ ذَلِكَ فَبَطلَ). اهـ
والْمُجَسِّمَةُ أَدْعِياءُ السَّلَفِيَّةِ يقولُونَ عَنِ اللهِ (جِسْمٌ كَثِيفٌ) بِدَلِيلِ قَوْلِهِم إِنَّهُ في الآخرةِ عِنْدَمَا يُقَالُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلأتِ فَتَقُولُ هَلْ مِن مَزِيدٍ إِنَّ اللهَ تعالى يَضَعُ قَدَمهُ فيها وَلا تَحْتَرِقُ، فَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهم مُجَسِّمةٌ، هَؤُلاءِ لا فِقِهُوا في الدِّينِ وَلا في اللُّغَةِ، يُقَالُ في لُغَةِ الْعَرَبِ (رِجْلٌ مِنْ جَرَادٍ) أَيْ فَوْجٌ مِنْ جَرَادٍ، فَالْحَديثُ الَّذِي وَرَدَ فِيهِ ذِكْرُ الْرِّجْلِ مُضَافًا إِلى اللهِ هُوَ حَدِيثُ (إِنَّ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالى يَمْلأُ يوْمَ الْقِيَامَةِ جَهَنَّمَ بِفَوْجٍ مِن خَلْقِهِ)، كَانُوُا مِنْ أَهْلِها في عِلْمِ اللهِ تعالى، لَيْسَ أَهْلُ الْنَّارِ يَدْخُلونَ الْنَّارَ دَفْعَةً وَاحِدَةً كُلُّهُم، لا، بَلْ يَدْخُلُ فَوْجٌ، ثُمَّ بَعْدَ ذِلِكَ فَوْجٌ، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ فَوْجٌ، فَالْفَوْجُ الأَخِيرُ هُوَ الَّذِي وَرَدَ في الْحَدِيثِ (فَيَضَعُ رِجْلَهُ فِيهَا)، رِجْلَهُ مَعْنَاهُ الْفَوْجُ الأَخِيرُ مِنْ خَلْقِهِ الَّذِينَ هُمْ حِصَّةُ جَهَنَّمَ. وَمِمَّا يَدُلُّ أَيْضًا على أَنَّ الْمُشَبِّهَةَ أَدْعِيَاءَ السَّلَفِيَّةِ في هَذَا الزَّمَانِ مُجسِّمَةٌ مَا وَرَدَ في كِتَابِ أَحَدِ زُعَمَائِهِمْ الَّذِي ألَّفَ كِتَابًا أَسْمَاهُ (تنبيهاتٌ هامَّةٌ) (صحيفةِ اثْنَتَيْنِ وعِشرينَ 22) يقولُ فيه (ثُمَّ ذَكَرَ الصَّابوني هَدَاهُ اللهُ تَنْزِيهَ اللهِ سُبْحَانَهُ عَنِ الجِسْمِ والحَدَقَةِ والصِّماخِ واللِّسَانِ وَالْحَنْجَرَةِ وَهَذَا لَيْسَ بِمَذْهَبِ أَهْلِ السُّنَّةِ بلْ هوَ مِنْ أَقْوَالِ أَهْلِ الكَلامِ المذْمُومِ وَتَكَلُّفِهِم) انتهى بحروفِهِ. وَلا شَكَّ أَنَّ اللهَ تعالى مُنَزَّهٌ عَمَّا ذُكِرَ كُلِّهِ، وَذَلِكَ مَفْهُومٌ مِنْ قَوْلِهِ تعالى (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْءٌ) وَهَذَا وَلا شَكَّ مَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ كَمَا قَالَ الإمَامُ السَّلَفِيُّ أَبُو جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيُّ عَنِ اللهِ (تَعالى عَنِ الْحُدُودِ وَالْغَاياتِ وَالأَرْكَانِ وَالأَعْضَاءِ وَالأَدَوَاتِ لا تَحْويِهِ الْجِهَاتُ السِّتُّ كَسَائِرِ الْمُبْتَدَعَات) وَقَالَ (وَمَنْ وَصَفَ اللهَ بِمَعْنًى مِنْ مَعَاني الْبَشَرِ فَقَدْ كَفَرَ) وَالْجِسْمُ وَالْحَدَقَةُ وَالصِّمَاخُ وَاللِّسَانُ وَالْحَنْجَرَةُ مِنْ أَوْصَافِ الْبَشَر،ِ وَهَذَا النَّفْيُ التَّفْصِيليُّ مَفْهُومٌ مِنْ قَوْلِهِ تعالى (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىءٌ) وَمِنْ قَوْلِهِ (فَلا تَضْرِبُوا للهِ الأَمْثَال) وَمِنْ قَوْلِهِ (وَكُلُّ شَىءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَار) وَذَلِكَ في فَهْمِ مَنْ ءاتَاهُ اللهُ الْفَهْمَ، فَلا يَحْتَاجُ هَذَا النَّفْيُ أَنْ يَكُونَ وَرَدَ النَّصُّ بِعَيْنِ الأَلْفَاظِ الْمَنْفِيَّةِ لإثْبَاتِه.
وَأَمَّا قَوْلُهُمْ بأَنَّنَا لا نَنْفِي وَلا نُثْبِتُ ذَلِكَ لأَنَّهُ لَمْ يأَتِ النَّصُّ بِنَفْيِهَا أَوْ إِثْبَاتِهَا فَهُمْ بِذَلِكَ فَتَحُوا الْبَابَ لِلْمَلاحِدَةِ عَلَى مِصْرَاعَيْهِ لِيَنْسُبُوا إِلى اللهِ مَا لا يَجُوزُ عَلَيْهِ حَتَّى وَصَلَ الأَمْرُ بِهِمْ أَنْ قَالَ أَحَدُ كِبَارِ الْمُشَبِّهَةِ عَنِ اللهِ (أَلْزِمُوني كُلَّ شَىْءٍ إِلا اللِّحْيَةَ وَالْعَوْرَةَ) فَمَا أَشْنَعَ كُفْرَهُ، جَعَلَ للهِ جِسْمًا وَأَعْضَاءً وَجَوَارِحَ وَأَدَوَاتٍ وَظَهْرًا وَبَطْنًا وَرَأسًا وَشَعَرًا وَعُنُقًا وَغَيْرَ ذَلِكَ، فَأَيُّ عَاقِلٍ يَدَّعي الإسْلامَ يَسْتَجِيزُ مِثْلَ هَذَا عَلَى اللهِ تعالى.