ثَبَتَ أَنَّ الله تَعَالَى مُنَزَّهٌ عَنِ الْحَيِّزِ وَالْمَكَانِ أَزَلًا وَأَبَدًا
12 يوليو 2018الإسلامُ دِينٌ يُنَزّه اللهَ تعالى عن الحَجْم والكَيفِيّة والشّكْل
12 يوليو 2018التحذير من المشبهة المجسمة الوهابية أدعياء السّلفية
التحذير من المشبهة المجسمة الوهابية أدعياء السّلفية
السّلَف كانوا يُنَزهون الله عن الحركة والسكون، الإمام أحمد الذي كان في القرن الثاني الهجري قال في قول الله (وَجَاءَ رَبُّكَ) إنما جاءَت قُدرَتُه، معناه لا يجوزُ على الله الحركة والسكون، الذي جاء قُدرته أي ءاثارُ قُدرتِه العظِيمة التي تَظهَر يومَ القِيامة.
فلو كانَ يَجوز عليه المجيء بمعنى التّحَرّك مِن عُلْو إلى سُفْل ما أوّلَ الآيةَ بل كانَ تَركَها على الظّاهِر، لكن لا يجُوز تَركها على الظّاهِر لذلك عدَل عن ذلك ففَسّرَها بمَجِيء قُدرَتِه.
ويوجَدُ الآنَ واحِدٌ يُقالُ لهُ حسَن قَاطِرجِي يُنكِرُ تأَوُّلَ السّلَف للآيات المتشَابهة وهو قال هذا لأنّه دَرس عندَ الوهّابيّة الذينَ يقُولون بأنّ اللهَ يتحَرّك يَنزل إلى السّماء الدُّنيا فيَقضِي ثلُثَ اللّيل ثم يعُودُ إلى فَوق.
الحاصِلُ أنّ الإسلامَ دِينٌ يُنَزّه اللهَ عن الحَجْم والكَيفِيّة والشّكْل ولما صحّ أنّه لا يُشبِهُ شَيئًا وليسَ لهُ كمّيّةٌ ومِقدارٌ صَحّ وجُودُه بلا مكان، هذا معنى الآية (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىءٌ).
فمَن اعتقَد أنّ اللهَ حَجمٌ كثِيف كالشّمس والحجَر أو حَجمٌ لَطيف كالنّور والرّيح هؤلاء ما عرَفوا الله.
الأجسامُ اللّطيفةُ والأجسامُ الكثِيفَةُ كلُّها لم تكن في الأزل، كلُّها اللهُ خلقَها، فاللهُ مَوجُودٌ لا يُشبِهُ شَيئًا مِن خَلقِه فما خالَف هذا لا يكونُ مَعرفةً لله بل جَهلٌ بالخالق.
مِن أسماء الله النُّور ومعناهُ مُنِير السَّموات والأرض بنُور خَلقِه، قال تعالى (وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ) ففي الأزل لم يكن شَىءٌ غَيرُ الله، ثم أوّل ما خَلَق الله الماء ثم العرش، في ذلك الوقت لم يكن نُورٌ ولا ظلام بعدَ ذلكَ بزَمانٍ يَعلَمُه الله خلَق اللهُ النّور والظلام، فمَن شَبَّه الله بالضّوء فهو كافر، كلّ هذا الشّرح يفهَمُه أهلُ الحقّ مِن قَولِ الله (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىءٌ).
الجِنُّ والملائكةُ أجسَامُهم لطيفةٌ ألطَف مِنَ الهواء لذلكَ الملَك الموكَّل بالأرحام يستطيعُ أن يَدخُلَ لوَظِيفَتِه، يَسأَل الله ذَكَرٌ أم أُنثى، ثم على حسَب ما يؤمَر يُصَوّرُه للجَنين، ويستَطيعُ الملَك أن يتصَوَّر بصُورة تُرَى وتُلمَسُ باليَد، وكذلكَ الجِنّي يَستطيع أن يَدخُلَ في بَعضَ الأجساد منَ النّاس ويَستَطِيعُ التّشَكُّل بصُورَة تُرَى وتُحَسّ.
في القرءان يُوجَدُ ءايات متَشابهاتٌ بعضُ الناس يَفهَمُونَها على وَجهها وهم أهلُ السّنّة والجماعة وبعضُ النّاس وهم الوهابية يَفهمونها على غَيرِ وَجهها، قال الله تعالى (ذَلِكَ الكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ) ما قالَ هُدًى لِكُلّ الخَلق، لذلك بعضُ النّاس يَقرؤون القرءانَ فيَضِلُّون ويَهلِكُون.
ومِنَ الآياتِ التي حملَها الوهّابيّةُ على غَيرِ وَجهِها قولُ الله (الرَّحْمَنُ عَلَى العَرْشِ اسْتَوَى) فقالوا استَوى أي جلَس فضَلُّوا وكفَروا، فهذه الآيةُ فَهِم منها أهلُ الحَقّ أنّ اللهَ قاهرٌ للعَرش غالبٌ لهُ، أساسُ الدّين معرفةُ الله على الوجه الذي يفهَمُه أهلُ السُّنّة والجماعة وكذلك معرفةُ الرّسول أي أنّه صادقٌ في كلّ ما جاءَ به ثم تجنُّب سائر الكفريّات، فمن كان مؤمنا وماتَ ولو كان عليه ذنوبٌ مثل الجبال فهذا إن شاءَ اللهُ عذّبَه وإن شاءَ عَفا عنه، لأنّ العُصاةَ على قسمين.
أما المشَبّهة مهما قاموا بصُوَر الصّلاة والصيام فمآلهم الخلودُ في النار لا يَخرجُون منها أبَدا لأنهم ليسَ لهم ذَرّةٌ مِن الحسنَاتِ ليسَ لهم إلا النار.
قال الإمام الحافظ أبو العباس أحمد بن عمر القرطبي المالكي (1) (توفي 656 هـ) في سياق ردِّه على المُجسمة المُمثِّلة، وهم يشاركون التَّيمية في إثبات الحجمية لربهم، قال (اعتقدوا في الله تعالى أنَّه جسم يشبه أجسامنا، ذو وجه وعينين، وجَنب ويد ورِجل وهكذا، وهذا ارتكاب جهالة خالفوا بها العقول وأدلة الشرع المنقول، وما كان سلف هذه الأمَّة عليه من التَّنزيه عن المُماثلة والتَّشبيه، وكيف يستقِرُّ هذا المذهب الفاسد في قلب من له أدنى فكرة، ومن العقل أقل مسكة، فإنَّ الأجسام من حيث هي كذلك مُتساوِيَة في الأحكام العقليَّة، وما ثَبت للشيء ثَبت لمثله، وقد ثبت لهذه الأجسام الحُدوث، فيلزم عليه أن يكون الله تعالى حادثا، وهو مُحال باتِّفاق العُقلاء والشرائع، ثمَّ انظر غفلتهم وجهلهم بكلام الله تعالى وبمعانيه، فكأنَّهم لم يسمعوا قوله تعالى (لَيسَ كَمِثلِهِ شَيءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ) (الشورى 11) ويلزم على قولهم أن يكون كل واحدٍ منَّا مِثلًا له تعالى من جِهة الجِسميَّة، والحيوانيَّة، والجوارح…وكل ذلك جهالات وضلالات، ولله سرٌّ في إبعاد بعض العباد (وَمَن يُضلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن هَادٍ) (الزمر 36) المُفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم (194/7)، ألفه أبو العباس القرطبي على كتابه الآخر تلخيص صحيح مسلم يبين ويوضح بعض ما قد يشكل على الناس في صحيح مسلم.
(1) أبو العباس القرطبي صاحب زجر المفتري على أبي الحسن الأشعري وهو شيخ القرطبي المفسّر صاحب الجامع لأحكام القرآن وكلاهما من المالكية.