التحذير من المعتزلة والجبرية
فِي الْحَدِيثِ الْمَشْهُورِ أَنَّ ءَادَمَ احْتَجَّ عَلَى مُوسَى فِي الْمُخَاطَبَةِ الَّتِي حَصَلَتْ بَيْنَهُمَا فِي الْبَرْزَخِ، أَيْ بَعْدَ أَنْ مَاتَا، فَقَالَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلامُ (أَنْتَ ءَادَمُ الَّذِي أَخْرَجْتَنَا مِنَ الْجَنَّةِ)، أَيْ أَنْتَ تَسَبَّبْتَ، فَأَجَابَهُ ءَادَمُ بِقَوْلِهِ (أَنْتَ وَجَدْتَ فِي التَّوْرَاةِ بِأَنَّ هَذَا شَىْءٌ قَدَّرَهُ اللَّهُ عَلَيَّ)، فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحُجَّةَ لآدَمَ فِي هَذِهِ الْمُحَاوَرَةِ، قَالَ (فَحَجَّ ءَادَمُ مُوسَى)، أَيْ غَلَبَهُ بِالْحُجَّةِ.
[وَقَوْلُ مُوسَى لآدَمَ (خَيَّبْتَنَا) عَلَى وَجْهِ الْمُبَاسَطَةِ لَيْسَ عَلَى وَجْهِ التَّأْنِيبِ].
وَمِمَّا يُحَجُّ بِهِ الْمُعْتَزِلَةُ أَنْ يُقَالَ لَهُمْ: هَلِ اللَّهُ كَانَ عَالِمًا قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ إِبْلِيسَ بِأَنَّهُ سَيَكُونُ غَاوِِيًا مُغْوِيًا أَمْ لا؟ فَإِنْ قالُوا: كَانَ عَالِمًا، فَقَدْ شَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِأَنَّ قَوْلَهُمْ (إِرَادَةُ القَبِيحِ قَبِيحٌ مِنَ اللَّهِ) بَاطِلُ، وَإِنْ قَالُوا: لَمْ يَكُنْ عَالِمًا، فَقَدْ نَسَبُوا الْجَهْلَ إِلَى اللَّهِ، وَذَلِكَ كُفْرٌ.
وَمِمَّنْ نَقَلَ تَكْفيرَ الْمُعْتَزِلِيِّ القَائِلِ بِأَنَّ العَبْدَ يَخْلُقُ أَفْعَالَهُ الإِمَامُ شَيْخُ الإِسْلامِ البُلْقِيْنِيُّ، وَأَمَّا مَا رُوِيَ مِمَّا يُوهِمُ عَدَمَ كُفْرِهِمْ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الصِّنْفِ الآخَرِ مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ، كَالَّذِينَ يَقْتَصِرُونَ عَلَى قَوْلِ إِنَّ اللَّهَ لا يُرَى فِي الآخِرَةِ، وَإِنَّ القُرْءَانَ مَخْلُوقٌ وَيَعْنُونَ بِالقُرْءَانِ اللَّفْظَ الْمُنَزَّلَ، وَالقَوْلِ بِأَنَّ صَاحِبَ الكَبِيرَةِ إِذَا مَاتَ بِغَيْرِ تَوْبَةٍ مُخَلَّدٌ فِي النَّارِ كَسَائِرِ الْكُفَّارِ.
وَقَدْ قِيلَ لِسَيِّدِنَا عَلِيٍّ إِنَّ فُلانًا يَنْسُبُ القَدَرَ لِنَفْسِهِ، أَيْ يَجْعَلُ نَفْسَهُ مُسْتَقِلاًّ لِمَشيئَةِ أَفْعَالِهِ عَنِ اللَّهِ، فَكَلَّمَهُ سَيِّدُنَا عَلِيٌّ وَكَسَرَهُ بِالْحُجَّةِ، ثُمَّ قَالَ لَهُ (إِنْ عُدْتَ إِلَى هَذَا لأَقْطَعَنَّ الَّذِي فِيهِ عَيْنَاكَ) مَعنَاهُ أَقْطَعُ رَأْسَكَ، فَتَابَ ذَلِكَ الرَّجُلُ.
وَمِمَّنْ حَذَّرَ مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ عُمَرُ بنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَقَدْ رُفِعَ إِلَيْهِ أَمْرُ رَجُلٍ مِنْ رُؤُوسِهِمْ يُقَالُ لَهُ غَيْلانُ أَبُو مَرْوَانَ، فَاسْتَدْعَاهُ وَاسْتَتَابَهُ، فَأَظْهَرَ التَّوْبَةَ، لَكِنَّهُ عَادَ بَعْدَمَا مَاتَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ العَزِيزِ إِلَى غَيِّهِ وَضَلالِهِ.
وَكَذَلِكَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ كَانَا يُنْكِرَانِ عَلَى الْمُعْتَزِلَةِ عَقِيدَتَهُمُ الفَاسِدَةَ.
وَكَذَلِكَ عَبْدُ اللَّهِ بنُ الْمُبَارَكِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الإِمَامُ الْجَلِيلُ الْمُجْتَهِدُ حَذَّرَ مِنْ ثَوْرِ بنِ يَزِيدَ وَعَمْرِو بْنِ عُبَيْدٍ الَّذِي هُوَ مِنْ رُؤُوسِ الْمُعْتَزِلَةِ كَذَلِكَ، فَقَالَ فِي التَّحْذيرِ مِنهُمَا وَمِنْ أَمْثَالِهِمَا:
أَيُّهَا الطَّالِبُ عِلْمًا *** إِيْتِ حَمَّادَ بْنَ زَيْدِ
فَاطْلُبَـنَّ العِلْمَ مِنْهُ *** ثُمَّ قَـيِّـدْهُ بِقَيْـدِ
لاَ كَثَوْرٍ لاَ كَجَهْمٍ *** لا كَعَمْرِو بْنِ عُبَيْدِ
وَحَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ مِنَ الأَئِمَّةِ الْمُجْتَهِدِينَ.
مَعنَاهُ يَا طَالِبَ الْعِلْمِ اعْتَنِ بِتَحْصِيلِ الْعِلْمِ مِنْهُ وَاحْذَرْ أُوْلَئِكَ.
جَهْمُ بْنُ صَفْوانَ أَتْباعُهُ يُقَالُ لَهُمُ الْجَهْمِيَّةُ وَالْجَبْرِيَّةُ، وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ قَالَ بِأَنَّ اللََّهَ مَوْجُودٌ فِي كُلِّ مَكَانٍ، وَمِنْ ضَلالاتِ الْجَهْمِيَّةِ قَوْلُهُمْ بِأَنَّ الْعَبْدَ لا فِعْلَ لَهُ ألْبَتَّةَ وَلا اخْتِيَارَ، جَعَلُوهُ كَالْمَاءِ الَّذِي يَسِيلُ فِي الوَادِي، هَذَا الْمَاءُ لَيْسَ بِاخْتِيَارِهِ وَفِعْلِهِ يَحْصُلُ مِنْهُ هَذَا السَّيْلُ، إِنَّما يُقَالُ سَالَ الوَادِي لأَنَّه مَظْهَرُ السَّيَلانِ لَيْسَ لأَنَّه يُحْدِثُ هَذَا السَّيْلَ، وَجَهْمُ بنُ صَفْوَانَ التِّرْمِذِيُّ قَتَلَهُ سَلْمُ بْنُ أَحْوَزَ عِنْدَمَا عَلِمَ بِفِتْنَتِهِ فَخَفَّتْ فِتْنَتُهُ. اهـ
رحم الله من كتبه ومن نشره