الرّد على شبهة الوهابية في إيرادهم للحديث الذي في سنده ابن لهيعة (راو ضعيف عند أهل الحديث) لتحريم الاستغاثة

التَّوَكُّلُ عَلَى اللَّهِ
التَّوَكُّلُ عَلَى اللَّهِ
18 مارس 2018
أين في توسّل عمر بالعباس التحريم الذي ادعته الوهابية خَلَفُ اليهود في المعتقد
أين في توسّل عمر بالعباس التحريم الذي ادعته الوهابية خَلَفُ اليهود في المعتقد
19 مارس 2018
التَّوَكُّلُ عَلَى اللَّهِ
التَّوَكُّلُ عَلَى اللَّهِ
18 مارس 2018
أين في توسّل عمر بالعباس التحريم الذي ادعته الوهابية خَلَفُ اليهود في المعتقد
أين في توسّل عمر بالعباس التحريم الذي ادعته الوهابية خَلَفُ اليهود في المعتقد
19 مارس 2018

الرّد على شبهة الوهابية في إيرادهم للحديث الذي في سنده ابن لهيعة (راو ضعيف عند أهل الحديث) لتحريم الاستغاثة

الرّد على شبهة الوهابية في إيرادهم للحديث الذي في سنده ابن لهيعة (راو ضعيف عند أهل الحديث) لتحريم الاستغاثة

الرّد على شبهة الوهابية في إيرادهم للحديث الذي في سنده ابن لهيعة (راو ضعيف عند أهل الحديث) لتحريم الاستغاثة

هناك حديث ضعيف يتشبـث به الوهابية لتحريم الاستغاثة وتكفير المستغيث برسول الله وبسائر الأنبياء والأولياء، هذا الحديث رواه الإمام أحمد في مسنده بإسناد فيه راو ضعيف عند أهل الحديث يقال له عبد الله بن لهيعة، قال الذهبي العمل على تضعيف حديثه وكان يحي بن سعيد لا يراه شيئا وقال عبد الرحمن بن مهدي لا أحمل عن ابن لهيعة قليلا ولا كثيرا، وقال البخاري تركه يحي بن سعيد وقال عبد الغني بن سعيد الازدي إذا روى العبادلة عن ابن لهيعة فهو صحيح ابن المبارك وابن وهب والمقرئ وذكر الساجي وغيره مثله.

وقال ابن خزيمة في صحيحه وابن لهيعة لست ممن أخرج حديثه في هذا الكتاب إذا انفرد، وانما اخرجته لان معه جابر بن إسماعيل، وقال ابن معين كان ضعيفا لا يحتج بحديثه وقال ابن ابي حاتم سألت أبي وأبا زرعة عن الافريقي وابن لهيعة أيهما أحب اليك؟ فقالا جميعا ضعيفان، وابن لهيعة أمره مضطرب وقال أبو حاتم وابنه لا يحتج به وقال أبو زرعة لا يضبط وقال مسلم في الكنى تركه ابن مهدي ويحي بن سعيد ووكيع، وقال أبو أحمد الحاكم ذاهب الحديث، وضعفه ابن حبان، وقال أبو جعفر الطبري في تهذيب الآثار اختلط عقله في آخر عمره، كما في تهذيب التهذيب وتهذيب الكمال.

فكيف يصح هذا الحديث والراوي عنه سعيد بن زيد عفير ثنا ابن لهيعة عن الحارث بن يزيد.
ونصه: قال حَدثَنَا موسَى ابنُ داودَ حدَّثنا ابـنُ لـهِيعـةَ عن الحارثِ بنِ يزيد عن عليِّ بن رباح أَن رجلا سَمع عُبادة بنَ الصَّامت يقول: خرج علينا رسولُ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم فقال أبو بكر رضي اللَّه عنه قوموا نستغيث برسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلَّم من هذا المنافقِ فقال رسُول اللَّهِ صلَّى اللَّه عليه وسلم: لا يُقامُ لي إِنَّمَا يُقامُ لِلَّـهِ تباركَ وتعالى. وأخرجه السيوطي في جامع الأحاديث قسم الأقوال وعزاه إلى الطبراني من طريق عبادة بن الصامت بلفظ: لا يستغاث بي إنما يستغاث بالله عز وجل.

الـجــواب:

هذا الحديث هم يتمسكون به لتكفير من يستغيث بالرسول أو بغيره من الأنبياء أو بولي من أولياء الله أي يُكفرون من يقول يا رسول الله أغثني أو يا عبد القادر الجيلاني أغثني ونحو ذلك من العبارات، يوردون هذا الحديث الضعيف الذي لا يُحتج به لتكفير المستغيث، فإياكم أن تصدقوهم، إن أوردوا لكم حديثا فإما أن يكون ذلك الحديث ضعيفا وإما أن يكون الحديث صحيحا لكن هم يحرفون معناه فكونوا على حذر منهم ومن تدليساتهم وتلبيسهم.

قال الحافظ تقي الدين السبكي في شفاء السقام عقب هذا الحديث الضعيف الذي يتشبث به الوهابية الخارجون عن جادة الحق والصواب الغرقى في التقليد الباطل ما نصه:
فإن صح الحديث فيحتمل معاني أحدها:
أن يكون ذلك من باب قوله ما أنا حملتكم ولكن الله حملكم أي أنا وإن اسـتُـغيثَ بي فالمستغاث به في الحقيقة هو الله تعالى وكثيرا ما تجئ السنة بنحو هذا من بيان حقيقة الأمر ويجئ القرءان بإضافة الفعل إلى مكتسبه كقوله صلى الله عليه وسلم (لن يُدخل أحدا منكم الجنة عمله) مع قوله تعالى {ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون} وقال صلى الله عليه وسلم لعلي (لأن يهدي الله بك رجلا واحد)، فسلك الأدب في نسبة الهداية إلى الله تعالى وقد قال تعالى {وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا} فنسب الهداية إليهم وذلك على سبيل الكسب ومن هذا قوله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم {وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم} وبالجملة إطلاق لفظ الاستغاثة بالنسبة لمن يحصل منه غوث إما خَلْقا وإيجادا وإما تسببا وكسبا أمر معلوم لا شك فيه لغة وشرعا ولا فرق بينه وبين السؤال فتعين تأويل الحديث المذكور وقد قيل إن في البخاري حديث الشفاعة يوم القيامة (فبينا هم كذلك استغاثوا بآدم ثم بموسى ثم بمحمد صلى الله عليه وسلم) وهو حجة في إطلاق لفظ الاستغاثة. اهـ

وقال أيضا في كتابه شفاء السقام في زيارة خير الأنام في تعريف الاستغاثة ما نصه:
وأما الاستغاثة فهي طلب الغوث وتارة يطلب الغوث من خالقه وهو الله تعالى وحده كقوله تعالى {إذ تستغيثون ربكم} وتارة يطلب ممن يصح إسناده إليه على سبيل الكسب ومن هذا النوع الاستغاثة بالنبي صلى الله عليه وسلم وفي هذين القسمين تعدى الفعل تارة بنفسه كقوله تعالى {إذ تستغيثون ربكم} {فاستغاثه الذي من شيعته} وتارة بـحرف الجر كما في كلام النحاة في المستغاث به وفي كتاب سيبويه رحمه الله تعالى فاستغاث بهم ليشتروا له كليبا، فيصح أن يقال استغثت النبي صلى الله عليه وسلم وأستغيث بالنبي صلى الله عليه وسلم بمعنى واحد وهو طلب الغوث منه بالدعاء ونحوه على النوعين السابقين في التوسل من غير فرق وذلك في حياته وبعد موته ويقول استغثت الله وأستغيث بالله بمعنى طلب خلق الغوث منه فالله تعالى مستغاث فالغوث منه خَلْقًا وإيجادًا، والنبي صلى الله عليه وسلم مستغاث والغوث منه تسببًا وكَسْـبَـًا ولا فرق في هذا المعنى بين أن يستعمل الفعل متعديا بنفسه أو لازما أو تعدى بالباء، وقد تكون الاستغاثة بالنبي صلى الله عليه وسلم على وجه ءاخر وهو أن يقال أستغيث الله بالنبي صلى الله عليه وسلم كما تقول سألت الله بالنبي صلى الله عليه وسلم فيرجع إلى النوع الأول من أنواع التوسل ويصح قبل وجوده وبعد وجوده وقد يحذف المفعول به ويقال استغثت بالنبي صلى الله عليه وسلم بهذا المعنى فصار لفظ الاستغاثة بالنبي صلى الله عليه وسلم له معنيان أحدهما أن يكون مستغاثا والثاني أن يكون مستغاثا به، والباء للاستعانة فقد ظهر جواز إطلاق الاستغاثة والتوسل جميعا وهذا أمر لا يشك فيه فإن الاستغاثة في اللغة طلب الغوث وهذا جائز لغة وشرعا من كل من يقدر عليه بأي لفظ عبر عنه كما قالت أم إسماعيل: أغث إن كان عندك غواث. اهـ
قلت وقد ذكر علماء اللغة والنحو فصل في الاستغاثة في كتبهم كما في الالفية وشراحها وقطر الندى وغير ذلك من مؤلفاتهم.

قال جمال الدين بن هشام الانصاري المتوفى في سنة 761 من الهجرة فصل، ويقول المستغيث يا لله للمسلمين بفتح لام المستغاث به الا في لام المعطوف الذي لم يتكرر معه يا نحو يا زيداً لعمرو الشرح من أقسام المنادى المستغاث به وهو كل اسم نودي ليخلِّص من شدة أو يعين على دفع مشقة ولا يستعمل له من حروف النداء إلا يا خاصة والغالب استعماله مجروراً بلام مفتوحة وهي متعلقة بيا عند ابن جني لما فيها من معنى الفعل وعند ابن الصائغ وابن عصفور بالفعل المحذوف وينسب ذلك الى سيبويه وقال ابن خروف هي زائدة فلا تتعلق بشيء وذكر المستغاث له بعده مجرورا بلام مكسورة دائما على الاصل وهي حرف تعليل وتعلقها بفعل محذوف وتقديره أدعوك لكذا وذلك كقول عمر رضي الله عنه (يا لله للمسلمين) بفتح اللاّم الاولى وكسر الثانية واذا عطفت عليه مستغاثا اخر فان أعدت (يا) مع المعطوف فتحت اللام قال الشاعر يا لَقَومي ويا لأمثال قومي لأناس عتوهم في ازدياد وان لم تعد يا كسرت لام المعطوف كقوله يبكيك ناءَ بعيد الدار مغترب يا للكهولِ وللشبانِ للعجب.

(قال الشيخ محمد محي الدين عبد الحميد، المعنى إني أستغيث بقومي وبأقوام يماثلون قومي في العديد والعدة وفي الاستجابة لمن يدعوهم ونجدة من يستغيث بهم ليدفعوا عني قوما ما يزال طغيانهم يتزايد وشرهم يتفاقم. يا حرف نداء، واستغاثة لقومي، الللام حرف جر، قوم مجرور باللام، قال ويا لامثال قومي يا حرف نداء واستغاثة) ثم قال ابن هشام وللمستغاث به استعمالان اخران أحدهما أن تلحق اخره ألفا فلا تلحقه حينئذ اللام من أوله وذلك كقوله يا يزيدا لامل نيل عز وغنى بعد فاقة وهوان.

(قال محي الدين: يا حرف نداء، واستغاثة يزيدا منادى مستغاث به مبني على ضم مقدر على اخره منع من ظهوره اشتغال المحل بحركة المناسبة المأتي بها لاجل الألف في محل نصب.

قال ابن هشام: والثاني أن لا تدخل عليه اللّام من أوله ولا تلحقه الالف من اخره وحينئذ يجري عليه حكم المنادى فتقول على ذلك (يا زيد لعمرو بضم زيد، ويا عبدَ الله لزيد، بنصب عبد الله قال الشاعر ألا يا قومِ للعجب العجيب وللغفلات تعرض للأريب قال محي الدين الشاهد فيه قوله يا قوم حيث استعمل المستغاث به استعمال المنادى فلم يلحق به اللام في أوله ولا الالف في اخره. انتهى كلامه، وهذا المذكور لحرف النداء (يا) متفق عليه عند علماء اللغة، فهو هاهنا حرف نداء واستغاثة ولم يذكر احد من علماء اللغة تكفير من استدل في هذه الشواهد التي فيها نداء غير الله لمجرد استعمال النداء والاستغاثة لغير الله.

فالاستغاثة هي نداء من يساعد على دفع أمر مكروه من بلاء أو شدة مثل يا للعقلاء للقوم من السفهاء ولا يستعمل من أحرف النداء في الاستغاثة إلا يا، وأركان الاستغاثة هي المستغيث والمستغاث به المستغاث له المستغاث عليه، مثاله يا يزيداَ للغريق، يا حرف نداء الاستغاثة يزيدا منادى مستغاث محذوف اللام مبني على ضم مقدر على اخره منع من ظهوره اشتغال محله بالفتحة العارضة لمناسبة الالف الزائدة عوضا عن اللّام المحذوفة للغريق اللام المكسورة لام المستغاث له حرف جر أصلي متعلق بفعل النداء المحذوف الغريق مستغاث له مجرور لفظا باللام.

وفي فتاوى شمس الدين الرملي بهامش الفتاوى الكبر لابن حجر الهيتمي ما نصه: سئل عما يقع من العامة من قولهم عند الشدائد: يا شيخ فلان، يا رسول الله، ونحو ذلك من الاستغاثة بالأنبياء والمرسلين والأولياء والعلماء والصالحين فهل ذلك جائز أم لا؟ وهل للرسل والأنبياء والأولياء والصالحين والمشايخ إغاثة بعد موتهم؟ وماذا يُرجح ذلك؟

فـأجـاب: بأن الاستغاثة بالأنبياء والمرسلين والأولياء والعلماء والصالحين جائزة وللرسل والأنبياء والأولياء والصالحين إغاثة بعد موتهم لأن معجزة الأنبياء وكرامات الأولياء لا تنقطع بموتهم، أما الأنبياء فلأنهم أحياء في قبورهم يصلون كما وردت به الأخبار وتكون الإغاثة منهم معجزة لهم، وأما الأولياء فهي كرامة لهم فإن أهل الحق على أنه يقع من الأولياء بقصد وبغير قصد أمور خارقة للعادة يـجـريـها الله تعالى بسببهم. اهـ

وفي فتاوى ابن الصلاح ما نصه: وذلك أن كرامات الأولياء من أمته وإجابات المتوسلين به في حوائـجـهم ومـغـوثـاتـهم عقيب توسلهم به في شدائدهم براهين له قواطع ومعجزات لـه سواطع ولا يعدها عد أعاذنا الله من الزيغ عن ملته وجعلنا من المهتدين الهادين بهديه وسنته. اهـ

وقد صح في الحديث الذي رواه البخاري في صحيحه كتاب الجهاد والسير ومسلم في صحيحه كتاب الإمارة عن أبي هريرة قال: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم فذكرَ الغلول فـعـظَّـمه وعظَّم أمره ثم قال: لا ألـفِيـنَّ أحدَكم يجيءُ يومَ القيامة على رقبته بعيرٌ له رُغَاءٌ، يقولُ يا رسول الله أغثني، فأقولُ لا أمـلِـكُ لكَ شيئا قد أبلغتكَ.

الشاهد في الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقل إن الاستغاثة بي شرك وإنه لا يُستغاث بي ولا بأحد من الصالحين كما تدعي الفرقة الشاذة عن جادة الحق ولم يقل أحد من السلف ذلك بل كان السلف على أن الاستغاثة بغير الله جائزة بدليل ما رواه الترمذي في جامعه كتاب الجمعة قال: حَدثنا هَنادُ بن السَّريِّ حدثنا عبدة بن سليمان عن عُبـيد اللَّه بن عمر عن نافع عن ابن عمر أَنَّه أسـتُـغيثَ على بعض أَهله فجد به السَّيْرُ. الحديث قَالَ أبو عيسى وهذَا حديثٌ حَسنٌ صحيحٌ وحديث الليث عن يزيد بن أَبِي حَبِيبٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.

وقد ثبت في صحيح البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قص على صحابته ما حدث لسيدتنا هاجر هي وابنها في مكة قبل أن تبنى الكعبة بعد أن تركهما سيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام فجعلت تسعى بين الصفا والمروة سبع مرات تبحث فيها عن ماء فلم تجد فإذا هي بصوت فقالت أغث إن كان عندك خيرٌ فإذا هو جبريل فغمز الأرض بعقبه فانبـثـق الماء. فلم يقل النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه إنها كفرت لأنها استغاثت بغير الله كما يدعي الألباني وغيره ممن شذ عن عن الطريق القويم والمستقيم.

والذي يدل أيضا على أن الاستغاثة بغير الله أمر أجازه الشرع ما رواه البخاري في الصحيح عن عبدِ اللَّـه بنِ عمر رضي اللَّه عنهما قال: قال النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ما يزالُ الرَّجل يسأَلُ النَّاسَ حتى يأتيَ يومَ القيامة ليس في وجهه مُزْعَةُ لحم وقال إن الشمس تدنو يوم القيامة حتى يبلغ العرق نصف الأذن فبينا هم كذلك استغاثوا بآدم ثم بموسى ثم بمحمد صلَّى اللَّهُ عليه وَسلَّم وزاد عبدُ اللَّه بـنُ صَالح حدثني اللَّيثُ حدثني ابن أبي جعفر: فَيشفع لـيُـقضى بين الخلق فيمشي حتى يأخذ بـحـلـقـة الباب فيومئذ يـبعثه اللَّهُ مقاما محمودًا يحمده أهلُ الجمع كلهم.

فإن قال قائل إن التوسل في الدنيا شرك وفي الآخرة ليس شركا، قلنا إن الكفر كفر سواء في الدنيا أم في الآخرة ومن ادعى الفرق في ذلك لا بد له من دليل والدليل قائم على خلافه، بل يحاول الكافر ان ينكر معاصيه وضلاله فتشهد عليهم ايديهم وارجلهم بما كانوا يعملون.

قال الحافظ تقي الدين السبكي في شفاء السقام ما نصه:
فإن قال المخالف أنا لا أمنع التوسل والتشفع لما قدمتم من الآثار والأدلة وإنما أمنع إطلاق التجوه والاستغاثة لأن فيها إيهام أن المتجوه به والمستغاث به أعلى من المتجوه عليه والمستغاث عليه.

قلنا: هذا لا يعتقده مسلم ولا يدل لفظ التجوه والاستغاثة عليه فإن التجوه من الجاه والوجاهة ومعناه علو القدر والمنـزلة وقد يتوسل بذي الجاه إلى من هو أعلى جاها منه والاستغاثة طلب الغوث فالمستغيث يطلب من المستغاث به أن يحصل له الغوث من غيره وإن كان أعلى منه فالتوسل والتشفع والتجوه والاستغاثة بالنبي صلى الله عليه وسلم وسائر الأنبياء والصالحين ليس لها معنى في قلوب المسلمين غير ذلك، وذلك ظاهر فإن في فعل الصحابي رضي الله عنه الذي ذهب إلى قبر الرسول صلى الله عليه وءاله وسلم عام الرمادة فقال: يا رسول الله استسق لأمتك فإنهم قد هلكوا، فيصح أن يطلق على فعله التوسل والاستغاثة فإنه ذهب إلى قبر الرسول لقصد أن يطلب من الرسول إنقاذهم من الشدة التي أهلكتهم بطلب السُـقـيا من الله. هذا الحديث رواه الحافظ ابن حجر في الفتح الجزء الثاني قال: وروى ابن أبي شيبة بإسناد صحيح من رواية أبي صالح السمان عن مالك الدار وكان خازن عمر قال: أصاب الناس قحط في زمن عمر فجاء رجل إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله استسق لأمتك فإنهم قد هلكوا، فأُتيَ الرجل في المنام فقيل له: ائت عمر، الحديث.
وقد روى سيف في الفتوح أن الذي رأى المنام المذكور هو بلال بن الحارث المزني أحد الصحابة. اهـ قلت وقد ضعف الالباني المحرف في كتابه في التوسل هذا الاثر بجهالة مالك الدار، وكلامه باطل فمالك الدار ثقة من غير خلاف وقد وثقه الخليفة الملهم عمر بن الخطاب وسيدنا عثمان ذو النورين وعدلاه فولياه بيت المال والقسم ولا يوليان الا من كان معروفا ثقة عدلا كما نص الحافظ ابن حجر في الاصابة في ترجمته، ونقل ذلك عن أحد إئمة الجرح والتعديل علي بن المديني، وكذا وثقه جميع الصحابة الذين كانوا زمن عمر وعثمان وقد نص ابن حجر العسقلاني أن لمالك إدراك وهذا مما يجعله ثقة عدلا بالاتفاق ثم ذكر أنه روى عنه أربعة من العدول وكما نص أنه معروف البخاري في كتابه التاريخ وابن سعد في طبقاته 5-12 وكذلك الخليلي وغيرهم فمن أين لمالك وصفه بالجهالة كما زعم الالباني وهذا الاثر ثابت وفيه الدليل على جواز الاستغاثة برسول الله بعد انتقاله الى الرفيق الاعلى من اخوانه صلى الله عليه وسلم.

قلت ما أجرأهم في التحريف والتلبيس والغش والخداع وهذا شعارهم كلما مروا على حديث لا يعجبهم أو قول حرفوه وطعنوا فيه ولبسوا وزيفوا ليخدعوا العامة والبسطاء.

وقد رواه أيضا ابن كثير في البداية والنهاية في الجزء السابع فقال: وقال سيف بن عمر عن سهل ابن يوسف السُّلَمي عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك قال: كان عام الرمادة في ءاخر سنة سبع عشرة وأول سنة ثماني عشرة أصاب أهل المدينة وما حولها جوع فهلك كثير من الناس حتى جعلت الوحش تأوي إلى الإنس فكان الناس في ذلك وعمر كالمحصور، الذي عليه الحزن، عن أهل الأمصار حتى أقبل بلال بن الحارث المزني فاستأذن على عمر فقال: أنا رسول رسول الله إليك يقول لك رسول الله صلى الله عليه وسلم: لقد عهدتك كيّسا وما زلت على ذلك فما شأنك قال: متى رأيت هذا؟ قال البارحة، فخرج فنادى في الناس: الصلاة جامعة فصلى بهم ركعتين ثم قام فقال: أيها الناس أنشدكم الله هل تعلمون مني أمرا غيره خير منه فقالوا: اللهم لا، فقال: إن بلال بن الحارث يزعم ذيتَ وذَيتَ ـ أي كيتَ وكيتَ ـ قالوا صدق بلال فاستـغث بالله ثم بالمسلمين، فبعث إليهم وكان عمر عن ذلك محصورا، فقال: الله أكبر بلغ البلاء مدَّتـَه فانكشف، ما أذن لقوم في الطلب إلا وقد رفع عنهم الأذى والبلاء، وكتب إلى أمراء الأمصار أن أغيثوا أهل المدينة ومن حولها فإنه قد بلغ جهدهم وأخرج الناس إلى الاستسقاء فخرج وخرج معه العباس بن عبد المطلب ماشيا فخطب وأوجز وصلى ثم جثى لركبتيه وقال: اللهم اغفر لنا وارحمنا وارضَ عنا ثم انصرف فما بلغوا المنازل راجعين حتى خاضوا الغدران. ثم روى سيفٌ عن مبشر بن الفضيل عن جبير بن صخر عن عاصم بن عمر بن الخطاب أن رجلا من مزينة عام الرمادة سأله أهله أن يذبح لهم شاة فقال: ليس فيهن شىء فألحوا عليه فذبح شاة فإذا عظامها حُمْرٌ فقال: يـا محمداه فلما أمسى أُريَ في المنام أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول له: أبشر بالحياة إيت عمر فأقرئه مني السلام وقل له: إن عهدي بك وفيَّ العهدِ شديدَ العقدِ فالكيس الكيس يـا عمر فجاء حتى أتى باب عمر فقال لغلامه: استأذن لرسول رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتى عمرَ فأخبره ففزع ثم صعد عمر المنبر فقال للناس: أنشدكم الله الذي هداكم للإسلام هل رأيتم مني شيئا تكرهونه؟ فقالوا: اللهم لا، وعم ذاك؟ فأخبرهم بقول المزني، وهو بلال بن الحارث. ففطنوا ولم يفطن، فقالوا: إنما استبطأك في الاستسقاء فاستسق بنا، فنادى في الناس فخطب فأوجز ثم صلى ركعتين فأوجز ثم قال: اللهم عَجَزَتْ عنا أنصارُنا وعجزَ عنا حولنا وقوتنا وعجزت عنا أنفسنا ولا حول ولا قوة إلا بك، اللهم اسقنا وأحي العباد والبلاد.

وقال الحافظ أبو بكر بن البيهقي: أخبرنا أبو نصر بن قتادة وأبو بكر الفارسي قالا: حدثنا أبو عمر بن مطر حدثنا إبراهيم بن علي الذهلي حدثنا يحيى بن يحيى حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي صالح عن مالك قال: أصاب الناس قحط في زمن عمر بن الخطاب فجاء رجل إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله استسق لأمتك فإنهم قد هلكوا، فأتاه رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام فقال: إيت عمر فأقرئه مني السلام وأخبره أنهم يسقون وقل له عليك الكيس الكيس فأتى الرجل فأخبر عمر فقال: يا رب ما ءالوا إلا ما عجزت عنه. وهذا إسناده صحيح. اهـ كلام ابن كثير وهذا إقرار من ابن كثير بصحة الحديث.

قال الحافظ تقي الدين السبكي في شفاء السقام ما نصه: ومحل الاستشهاد في هذا الأثر طلبه الاستسقاء من النبي صلى الله عليه وسلم بعد موته في مدة البرزخ ولا مانع من ذلك فإن دعاء النبي صلى الله عليه وسلم لربه في هذه الحالة غير ممتنع وقد وردت الأخبار على ما ذكرنا ونذكر طرفا منه وعلمه صلى الله عليه وسلم بسؤال من يسأله ورد أيضا ومع هذين الأمرين فلا مانع من أن يسأل الله صلى الله عليه وسلم الاستسقاء كما كان يسأل في الدنيا. اهـ

وقال ابن كثير في كتابه البداية والنهاية ج السادس فصل في خبر مالك بن نويرة اليربوعي التميمي، مقتل مسيلمة الكذاب، قال وحمل خالد بن الوليد حتى جاوزهم وسار لجبال مسيلمة وجعل يترقب أن يصل اليه فيقتله ثم رجع ثم وقف بين الصفين ودعا البراز وقال : أنا ابن الوليد العود، أنا ابن عامر وزيد ثم نادى بشعار المسلمين وكان شعارهم يومئذ : يا محمداه، وجعل لا يبرز لهم أحد الا قتله، ولا يدنو منه شيء الا أكله، ودارت رحى المسلمين. هذا كلام الحافظ ابن كثير.

قلت ولاي شيئ نادوا رسول الله، وهل هذا الشعار وهو نداؤهم الا لطلب النصرة من الله به بالنبي في هذه الشدة، وفيه أبين بيان أن الصحابة استغاثوا برسول الله وقت الشدة والحاجة، وهل كان شعارهم يا محمداه الا لطلب النصر وتفريج الكرب من الله في هذه المحنة والمعركة بالحبيب الطيب المطيب الذي له حرمة وحق وجاه عند الله سبحانه ومنزلة عظيمة وهو أفضل الخلق، وهذا كان معروفا من غير نكير لذلك العلماء يتوسلون به صلى الله عليه وسلم فهاذا الخطيب الحافظ تكرر منه قول بحق محمد وهذا حافظ الشام ابن عساكر تكرر منه نداء النبي كما في اريعينياته فقد قال يا محمد اني أتوجه بك الى ربي والحافظ ابن حجر والحافظ ابن الجوزي وهذا أمر لا يخفى، وهذا مما يدل أن أمر التوسل كان معروفا عند الصحابة ومن تبعهم كما بيناه بالادلة.

وفي البداية والنهاية أيضا الجزء الثامن، قال ثم دخلت سنة احدى وستين وهذه صفة مقتلة مأخوذة من كلام أئمة هذا الشأن لا كما يزعمه أهل التشيع من الكذب ما نصه: وندبت زينب أخاها الحسين وأهلها: فقالت وهي تبكي يا محمداه يا محمداه صلى عليك الله ومليك السماء هذا حسين بالعراه مزمل بالدماه مقطع الاعضاء يا محمداه وبناتك سبايا وذريتك مقتلة تسفي عليها الصبا، قال فأبكت والله كل عدو وصديق. انتهى، رضي الله عنهم.

2 Comments

  1. يقول محب أهل الله العراقي:

    كلام جيد وطرح رائع بارك الله فيكم وكنت اتمنى لو أضفت لأدلتك اللتي ذكرتها واستشههدت بها قول الله تعالى
    ( إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *