حديث (الْأَرْوَاحُ جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ فَمَا تَعَارَفَ مِنْهَا ائْتَلَفَ وَمَا تَنَاكَرَ مِنْهَا اخْتَلَفَ)
9 ديسمبر 2022بيان من هو المنافق في العمل والمنافق في الإيمان
12 يناير 2023براءة السيّدة عائشة رضي الله عنها
براءة عائشة رضي الله عنها
كُلُّ زَوجَاتِ الأنبياء عفِيفَاتٌ لا يَزنِينَ حتى مَن كانت مِنهُنَّ كَافِرَة، وأمّا قَولُه تعالى عن امرأةِ نُوحٍ ولُوط (فخَانتَاهُما) فخِيَانَتُهُما كانت أنّهما تُعَاونَانِ الكفّارَ ضِدَّ نُوحٍ وضِدَّ لُوطٍ، وليسَ مَعنى خِيانَتِهما إتْيَانِهما بفَاحِشَةِ الزِّنَى بل هُنَّ لا يَفعَلْنَ ذلكَ، زوجةُ لُوط كانت كافرَة لكن ما كانَت زَانيَة، كانَت عَفِيفَة، في شَرعِه ومَا قَبلَه كانَ يَجُوز للنّبي أن يتَزوَّج كافرَة.
وزوجَاتُ نبيِّنا محمَّدٍ صلى الله عليه وسلم أمّهَاتُ المؤمنِينَ كلُّهُنَّ ولِيّاتٌ صَالحَاتٌ وأفضَلُهُنَّ خَدِيجَةُ ثم عائشَةُ، قال اللهُ تَعالى (إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ) الْعَفَائِفَ (الْغَافِلاتِ) السَّلِيمَاتِ الصُّدُورِ النَّقِيَّاتِ الْقُلُوبِ، اللَّاتِي لَيْسَ فِيهِنَّ دَهَاءٌ وَلَا مَكْرٌ لِأَنَّهُنَّ لَمْ يُجَرِّبْنَ الْأُمُورَ (الْمُؤْمِنَاتِ) بِمَا يَجِبُ الْإِيمَانُ بِهِ، فَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا هُنَّ أَزْوَاجُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وَقِيلَ هُنَّ جَمِيعُ الْمُؤْمِنَاتِ، إِذِ الْعِبْرَةُ بِعُمُومِ اللَّفْظِ لَا بِخُصُوصِ السَّبَبِ، وَقِيلَ أُرِيدَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا وَحْدَهَا، وَإِنَّمَا جُمِعَ لِأَنَّ مَنْ قَذَفَ وَاحِدَةً مِنْ نِسَاءِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فَكَأَنَّهُ قَذَفَهُنَّ (لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) 23 سورة النور، جَعَلَ الْقَذَفَةَ مَلْعُونِينَ فِي الدَّارَيْنِ وَتَوَعَّدَهُمْ بِالْعَذَابِ الْعَظِيمِ فِي الْآخِرَةِ إِنْ لَمْ يَتُوبُوا.
وأما قوله تعالى (الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ) 26 سورة النور.
(الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ) معناهُ الخَبِيثَاتُ يَلِدْنَ للخَبِيثِين معناهُ تَأكيدٌ لتَبرئةِ عَائشةَ ونَزاهَتِها.
(والطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ) معناهُ تَبرئةُ عَائشة، هَذه نزلت في تَبرئة عائشة، معناهُ الرّسُولُ طَيّب وعَائشَةُ طَيّبَة، (والطَّيِّبُونَ للطّيّبَاتِ) هَذه الآيةُ في أَمرِ عَائشةَ، الطَّيِّبُونَ أي الطّاهِرُونَ مِنَ الفَاحِشَةِ لِلطَّيّباتِ أي الطّاهِراتِ العَفِيفَاتِ مِنَ الفَاحِشَةِ، (والطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ) هَذِهِ الآيَةُ فِي أَمْرِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، مَعْنَاهُ عَائِشَةُ طَيِّبَة وَالنّبِيُّ طَيِّبٌ، فَهَذِهِ الطَّيِّبَة لِهَذَا الطَّيِّب، (والخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ) هَذَا فِيهِ تَبْرِئَةُ عَائِشَة.
قال النسفي في تفسيره (الْخَبِيثَاتُ) مِنَ الْقَوْلِ، تُقَالُ (لِلْخَبِيثِينَ) مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ (وَالْخَبِيثُونَ) مِنْهُمْ، يَتَعَرَّضُونَ (لِلْخَبِيثَاتِ) مِنَ الْقَوْلِ، وَكَذَلِكَ (وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ) أَيْ فِيهِمْ، وَ (أُولَئِكَ) إِشَارَةٌ إِلَى الطَّيِّبِينَ وَأَنَّهُمْ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُ الْخَبِيثُونَ مِنْ خَبِيثَاتِ الْكَلِمِ، وَهُوَ كَلَامٌ جَارٍ مَجْرَى الْمَثَلِ لِعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا وَمَا رُمِيَتْ بِهِ مِنْ قَوْلٍ لَا يُطَابِقُ حَالَهَا فِي النَّزَاهَةِ وَالطِّيْبَ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ إِشَارَةً إِلَى أَهْلِ الْبَيْتِ وَأَنَّهُمْ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُ أَهْلُ الْإِفْكِ، وَأَنْ يُرَادَ بِالْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتِ النِّسَاءُ الْخَبَائِثُ يَتَزَوَّجْنَ الْخِبَاثَ وَالْخِبَاثُ تَتَزَوَّجُ الْخَبَائِثَ وَكَذَا أَهْلُ الطِّيْبِ (لَهُمْ مَغْفِرَةٌ) (وَرِزْقٌ كَرِيمٌ) فِي الْجَنَّةِ، وَدَخَلَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَلَى عَائِشةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فِي مَرَضِهَا وَهِيَ خَائِفَةٌ مِنَ الْقُدُومِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى فَقَالَ لَا تَخَافِي لِأَنَّكِ لَا تَقْدَمِيْنَ إِلَّا عَلَى مَغْفِرَةٍ وَرِزْقٍ كَرِيمٍ، وَتَلَا الْآيَةَ، فَغُشِيَ عَلَيْهَا فَرَحًا بِمَا تَلَا، وَقَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا (لَقَدْ أُعْطِيْتُ تِسْعًا مَا أُعْطِيَتْهُنَّ امْرَأَةٌ، نَزَلَ جِبْرِيلُ بِصُورَتِي فِي رَاحَتِهِ (أي حَامِلًا لصُورَتِهَا فِي رَاحَتِهِ) حِينَ أَمَرَ عَلَيْهِ الْصَّلاَةُ وَالْسَّلاَمُ أَنْ يَتَزَوَّجَنِي، وَتَزَوَّجَنِي بِكْرًا وَمَا تَزَوَّجَ بِكْرًا غَيْرِي، وَتُوُفِّي عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَرَأَسُهُ فِي حِجْرِي، وَقُبِرَ فِي بَيْتِي، وَنَزَلَ عَلَيْهِ الْوَحْيُ وَأَنَا فِي لِحَافِهِ وَأَنَا ابْنَةُ خَلِيفَتِهِ وَصَدِيقِهِ، وَنَزَلَ عُذْرِي مِنَ السَّمَاءِ وَخُلِقْتُ طَيِّبَةً عِنْدَ طَيِّبٍ وَوُعِدْتُ مَغْفِرَةً وَرِزْقًا كَرِيمًا) وَقَالَ حَسَّانٌ مُعْتَذِرًا فِي حَقِّهَا:
حَصَانٌ رَزَانٌ مَا تُزَنُّ برِيْبَةٍ *** وتُصبِحُ غَرْثَى مِن لحُوم الغَوافِلِ
حَلِيلَةُ خَيرِ النّاسِ دِيْنًا ومَنصِبًا *** نَبيّ الهُدَى والْمَكرُمَاتِ الفَواضِلِ
عَقِيلَةُ حّيٍّ مِن لُؤيّ بنِ غَالبٍ *** كِرَامِ المسَاعِي مَجْدُهَا غَيرُ زَائِلِ
مُهَذَّبَةٌ قَدْ طَيَّبَ اللهُ خيمَها (وفي نُسخَةٍ خَيرها) *** وطَهّرَها مِن كُلِّ شَيْنٍ وبَاطِلِ.
حَصَانٌ بفَتح الحاء أيْ حَصِينةٌ بمعنَى مُحْصَنةٍ أي عفيفةٍ.
قال السُّهيليُّ (والتَّحصينُ يُرادُ به الامتِناعُ على الرِّجال ومِن نظَرِهم إليها).
رَزانٌ أي ذاتُ ثَباتٍ وقِلّةِ حركةٍ وذاتُ وَقارٍ ورَجاحةِ عَقلٍ.
مَا تُزَنُّ بِرِيبَةٍ أي لا تُتَّهَمُ بتُهَمةٍ.
وَتُصْبِحُ غَرْثَى أي جائِعةً.
مِنْ لُحُومِ الغَوَافِلِ معناهُ أنّها لا تَغتابُ المُسلمِاتِ بِغَيرِ حَقٍّ، فهي كافّةٌ نَفسَها عن أكلِ لُحوم المُسلماتِ بالغِيبةِ.
حَلِيلَةُ خَيْرِ النَّاسِ أي زَوجةُ النَّبِيّ محمَّد صلى الله عليه وسلم.
عَقِيلَةُ حَيٍّ أي كريمةُ قَومٍ ونَفِيسَتُهم، مِنْ لُؤَيِّ بْنِ غَالِبٍ.
كِرَامِ المَسَاعِيْ أي يَسعَون في طَلَبِ مَكارِم الأمورِ والمَجدِ، مَجْدُهُمْ غَيْرُ زَائِل.