ردّ شبهة مانعي التوسل واحتجاجهم بعدم سماع الموتى في القبور وبيان معنى قوله تعالى (إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى) وقوله تعالى (وَمَا أَنتَ بِمُسْمِعٍ مَّن فِي الْقُبُورِ)

قام على استحالة التحيز في المكان والجهة في حق الله تعالى دليل عقلي ونقلي
قام على استحالة التحيز في المكان والجهة في حق الله تعالى دليل عقلي ونقلي
8 يونيو 2018
كيفية ثبوت شهر رمضان
كيفية ثبوت شهر رمضان
11 يونيو 2018
قام على استحالة التحيز في المكان والجهة في حق الله تعالى دليل عقلي ونقلي
قام على استحالة التحيز في المكان والجهة في حق الله تعالى دليل عقلي ونقلي
8 يونيو 2018
كيفية ثبوت شهر رمضان
كيفية ثبوت شهر رمضان
11 يونيو 2018

ردّ شبهة مانعي التوسل واحتجاجهم بعدم سماع الموتى في القبور وبيان معنى قوله تعالى (إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى) وقوله تعالى (وَمَا أَنتَ بِمُسْمِعٍ مَّن فِي الْقُبُورِ)

ردّ شبهة مانعي التوسل واحتجاجهم بعدم سماع الموتى في القبور وبيان معنى قوله تعالى (إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى) وقوله تعالى (وَمَا أَنتَ بِمُسْمِعٍ مَّن فِي الْقُبُورِ)

احتج مانعوا التوسل بالأموات بمزاعم منها قولهم بعدم سماع الموتى متوهمين ذلك من قول الله تعالى {إنك لا تُسمعُ المَوتى} وقوله تعالى {وما أنت بمسمع من في القبور} فقالوا لا معنى للتوسل بهم بأن يقال يـا رسول الله أغثني لأنه لا يسمع.

الـجـواب :

ليس هناك من مانع شرعي ولا عقلي من أن يسمع النبي صلى الله عليه وسلم أو الولي كلام من يتوسل به وهو في القبر، فأين في قول الله تعالى أو في قول الرسول عدم سماع الموتى الذي يدعونه؟ فالله تعالى يقول {فإن تنازعتم في شىء فردوه إلى الله والرسول}، بل الدليل قائم على خلاف دعواهم، فقد ثبت قرءانا وسنة صحيحة أن النبي صلى الله عليه وسلم في قبره حي وأنه يسمع من يتوسل به أما القرءان فقوله تعالى {ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءُوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابـا رحيما} فقد ذكر ابن كثير في تفسيره عند قوله تعالى {ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءُوك} الآية، يُـرشد تعالى العصاة والمذنبين إذا وقع منهم الخطأ والعصيان أن يأتوا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فيستغفروا الله عنده ويسألوه أن يستغفر لهم فإنهم إذا فعلوا ذلك تاب الله عليهم ورحمهم وغفر لهم ولهذا قال {لوجدوا الله توابا رحيما}. اهـ

وقال الإمام أحمد بن زيني دحلان في كتابه الدرر السُّـنية في الرد على الوهابية :

اعلم رحمك الله أن زيارة قبر نبينا صلى الله عليه وسلم مشروعة مطلوبة بالكتاب والسنة وإجماع الأمة أما الكتاب فقوله تعالى {ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما} دلت الآية على حث الأمة على المجيء إليه صلى الله عليه وسلم والاستغفار عنده واستغفاره لهم وهذا لا ينقطع بموته. اهـ

فإن قال قائل: إن هذا خاص بحياته صلى الله عليه وسلم، قلنا: هذا تخصيص ودعوى التخصيص تحتاج إلى دليل، والدليل قائم على خلاف ذلك، والذي يدل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم (حَيَاتِي خَيْرٌ لَكُمْ تُحَدِّثُونَ وَيُحَدَّثُ لَكُمْ ووفاتي خير لكم تعرض علي أعمالكم فما رأيت من خير حمدت الله عليه وما رأيت من شر استغفرت الله لكم) هذا الحديث رواه البزار كما في كشف الاستار عن زوئد البزار  1 _397 ورجاله رجال الصحيح كما قال الحافظ الهيثمي في مجمعه 9 / 24.

وقال الحافظ السيوطي في الخصائص الكبرى سنده صحيح وكذلك قال عنه الحافظ زين الدين العراقي إسناده جيد كما في طرح التثرييب وكذلك ابنه ولي الدين العراقي وروى الحديث ابن سعد باسناد حسن مرسل كما في فيض القدير 3 |401 وصنف في هذا الحديث شيخنا سيدي عبد الله بن الصديق الغماري جزءا حديثيا خاصا سماه نهاية الامال في صحة وشرح حديث عرض الاعمال وقد صحح الحديث الحافظ النووي وابن التين والقرطبي والقاضي عياض وابن حجر العسقلاني كما في الفتح 11 /385 والحافظ شيخ زمانه في الحديث زين الدين العراقي وولده الحافظ ولي الدين العراقي ابو زرعة والحافظ السيوطي والحافظ الهيثمي قبله والمحدث المناوي كما في فيض القدير والحافظ أحمد بن الصديق وكذا مولانا المحدث سيدي عبد الله بن الصديق , وما تضعيف الالباني لهذا الحديث الا لانه يخالف مشربه ومذهبه وابن أبي رواد الذي في سند الحديث هو من رجال مسلم والاربعة ووثقه الامام أحمد وابن معين والنسائي وروى عنه ائمة كبار وعظام كسيدنا الشافعي والحميدي وغيرهما وقد رد الذهبي كلام من طعن في هذا الرجل كما في سير اعلام النبلاء وهذا الحديث ليس فيه معارضة لحديث الحوض فقد حمع بينهما الحافظ ابن حجر العسقلاني كما في الفتح ص 11/ 385 ناقلا وموافقا كلام النووي وابن التين والقرطبي والقاضي عياض وهو خامسهم وهؤلاء من أعلام المسلمين وحفاظ الحديث.

قال الحافظ السيوطي في كتابه الحاوي للفتاوى الجزء الثاني ما نصه: حياة النبي صلى الله عليه وسلم في قبره هو وسائر الأنبياء معلومة عندنا علما قطعيا لما قام عندنا من الأدلة في ذلك وتواترت به الأخبار. اهـ

ومما يؤيد صحة حياة الأنبياء في قبورهم ما رواه البيهقي وصححه في كتابه حياة الأنبياء بعد وفاتهم قال: أخبرنـا الثقة من أهل العلم قال: أبنا أبو يعلى الموصلي ثنا أبو الجهم الأزرق بن علي ثنا يحيى بن أبي بكير ثنا المستلم بن سعيد الثقفي عن الحجاج الأسود عن ثابت البناني عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الأنبياء أحياء في قبورهم يصلون.اهـ وأورده الحافظ ابن حجر على أنه ثابت في الفتح وذلك لما التزمه أن ما يذكره من الأحاديث شرحا أو تتمة لحديث في متن البخاري فهو صحيح أو حسن ذكر ذلك في مقدمة الفتح.

ولحياة الأنبياء بعد موتهم عليهم الصلاة والسلام شواهد من الأحاديث الصحيحة منها ما رواه الإمام مسلم في صحيحه كتاب الفضائل، باب من فضائل موسى عليه السلام قال: حدثنا هدّابُ بنُ خالد وشيبانُ بنُ فَرّوخٍ قالا: حدّثنا حماد بنُ سَلَمةَ عن ثابتٍ البُناني وسُليمان التميمي عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أتيتُ وفي رواية هدّابٍ: مررتُ على موسى ليلةَ أسري بي عند الكثيب الأحمر وهو قائم يُصلي في قبره. اهـ

ومن الشواهد أيضا على صحة حياة الأنبياء بعد وفاتهم ما رواه مسلم في صحيحه كتاب الإيمان باب صلاة النبي صلى الله عليه وسلم بالأنبياء عليهم السلام قال: حدثني زُهيرُ بن حرب حدثنا حُجينُ بن المثنى حدثنا عبد العزيز عن عبد الله بن الفضل عن أبي سَلَمةَ بن عبد الرحمن عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لقد رأيتُني في الحِجرِ وقريشٌ تسألني عن مسرايَ فسألتني عن أشياء من بيت المقدس لم أثبتْها فكُربتُ كُربةً ما كُربتُ مِثلَهُ قط فرفعه الله لي أنظرُ إليه ما يسألوني عن شىء إلا أنبأتُهم به، وقد رأيتُني في جماعة من الأنبياء فإذا موسى قائم يُصلي فإذا رجلٌ ضَرْبٌ جَعدٌ كأنه من رِجالِ شَنوءةَ وإذا عيسى ابن مريمَ عليه السلام قائم يُصلي أقربُ الناس به شَبَها عُروَةَ بنُ مسعودٍ الثقفي وإذا إبراهيم عليه السلام قائم يصلي، أشبَهُ الناسِ به صاحبُكم فحانت الصلاة فأممتهم. اهـ قال البيهقي عقب إخراجه الحديث في كتابه حياة الأنبياء وفي حديث سعيد بن المسيب وغيره أنه لقيهم في مسجد بيت المقدس وفي حديث أبي ذر ومالك بن صعصعة في قصة المعراج أنه لقيهم في جماعة من الأنبياء في السموات وكلّمهم وكلّموه وكل ذلك صحيح لا يخالف بعضه بعضا فقد يرى موسى عليه السلام قائما يُصلي في قبره ثم يُسرى بموسى وغيره إلى بيت المقدس كما أسري بنبينا صلى الله عليه وسلم فيراهم فيه ثم يُعرج بهم إلى السموات كما عرج بنبينا صلى الله عليه وسلم فيراهم فيها كما أخبر، وحلولهم في أوقات بمواضع مختلفات جائز في العقل كما ورد في خبر الصادق، وفي كل ذلك دلالة على حياتهم. اهـ

ومن شواهد الحديث أيضا ما رواه الإمام أحمد في مسنده والبيهقي في كتابه حياة الأنبياء وأبو داود في سننه كتاب المناسك باب زيارة القبور واللفظ لأبي داود قال:حدثنا أحمد بن صالح قرأت على عبد الله بن نافع أخبرني ابن أبي ذئيب عن سعيد المقبري عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تجعلوا بيوتكم قبورا ولا تجعلوا قبري عيدا وصلوا عليّ فإن صلاتكم تبلُغني حيث كنتم. وذكره السخاوي في كتابه القول البديع في الصلاة على الحبيب الشفيع وقال عقبه: وصححه النووي في الأذكار، وأخرجه أبو الشيخ في كتاب الثواب بلفظ من طريق أبي معاوية عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من صلى علي عند قبري سمعته ومن صلى علي من بعيد أعلمته. قال الحافظ في الفتح وسنده جيد. اهـ

ورواه البيهقي في حياة الأنبياء بلفظ من طريق الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من صلى عليَّ عند قبري سمعته ومن صلى علي نائيا منه أُبلغته.

ومما يشهد أيضا لصحة حياة الأنبياء بعد وفاتهم ما أخرجه البيهقي في كتاب حياة الأنبياء وأبو داود في سننه كتاب الصلاة في تفريع أبواب الجمعة والنسائي في المجتبى كتاب الجمعة باب إكثار الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة وابن ماجه في سننه كتاب الجنائز باب ذكر وفاته ودفنه صلى الله عليه وسلم والحاكم في المستدر وقال صحيح على شرط البخاري ووافقه الذهبي كذلك، و صححه ابن خزيمة على ما ذكره ابن حجر في الفتح، وصححه أيضا النووي في الأذكار كتاب الصلاة على الرسول، واللفظ للبيهقي قال: أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا أبو جعفر أحمد بن عبد الحميد الحارثي ثنا الحسين بن علي الجعفي ثنا عبد الرحمن ابن يزيد بن جابر عن أبي الأشعث الصنعاني عن أوس بن أوس الثقفي قال:

قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: أفضل أيامكم يوم الجمعة فيه خُلقَ ءادم وفيه قُبضَ وفيه النفخةُ وفيه الصعقةُ فأكثروا عليَّ من الصلاة فيه فإن صلاتكم معروضة علي.

قالوا: وكيف تُعرضُ صلاتنا عليك وقد أرمتَ؟

فقال: إن الله حرّمَ على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء.

ولهذا الحديث شواهد منها ما رواه الحاكم في المستدرك كتاب التفسير: عن سعيد المقبري عن أبي مسعود الأنصاري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: أكثروا عليّ الصلاة في يوم الجمعة فإنه ليس أحدٌ يصلي عليَّ يوم الجمعة إلا عُرضت عليَّ صلاته. هذا حديث صحيح الإسناد فإن أبا رافع هذا هو إسماعيل بن رافع ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي على تصحيحه.

وأخرجه القاضي عياض في الشفا عن أبي هريرة : أكثروا من السلام على نبيكم كلَّ جمعةٍ فإنه يُؤتى به منكم في كل جمعة وفي رواية: فإن أحدا لا يُصلي عليّ إلا عُرضت صَلاتَه عليّ حينَ يفرَغُ منها وعن الحسن عنه صلى الله عليه وسلم: حيثما كنتم فصلوا علي فإن صلاتكم تَبلُغني وعن ابن عباس: ليس أحد من أمة محمد صلى الله عليه وسلم يُسلم عليه ويصلي عليه إلا بلغه.

وكذلك مما يشهد على صحة حياة الأنبياء في قبورهم ما رواه أبو داود في سننه بإسناد صحيح كما قال الحافظ السبكي، والبيهقي في حياة الأنبياء واللفظ للبيهقي قال: أخبرنا أبو محمد عبد الله بن يحيى بن عبد الجبار السكري ببغداد ثنا إسمعيل ابن محمد الصفار ثنا عباس بن عبد الله الترقفي ثنا أبو عبد الرحمن المقرىء ثنا حيوة بن شريح عن أبي صخر عن يزيد بن عبد الله بن قسيط عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما من أحد يسلمُ عليَّ إلا رد الله عليّ روحي حتى أرد عليه السلام. قال البيهقي: وإنما أراد والله أعلم إلا وقد رد الله إليَّ روحي حتى أرد عليه السلام. اهـ

قال السبكي في شفاء السقام: إن المعنى يعني أن النبي صلى الله عليه وسلم بعدما مات ودفن رُدّ عليه روحه لأجل سلام من يسلم عليه واستمرت في جسده صلى الله عليه وسلم. اهـ

قال الحافظ ابن حجر في الفتح الجزء السادس ما نصه: ومما يُشكل على ما تقدم ما أخرجه أبو داود من وجه ءاخر عن أبي هريرة رفعه: ما من أحد يسلمُ عليَّ إلا رد الله عليّ روحي حتى أرد عليه السلام. ورواته ثقات. ووجه الإشكال فيه أن ظاهره أن عود الروح إلى الجسد يقتضي انفصالها عنه وهو الموت وقد أجاب العلماء عن ذلك بأجوبة :

أحدها: أن المراد بقوله رد الله علي روحي إن رد روحه كانت سابقة عقب دفنه لا أنها تعاد ثم تنـزع ثم تعاد.

الثاني: سلمنا، لكن ليس هو نزع موت بل لا مشقة فيه.

الثالث: أن المراد بالروح الملَك الموكل بذلك.

الرابع: المراد بالروح النطق فتجوز فيه من جهة خطابنا بما نفهمه.

الخامس: أنه يستغرق في أمور الملأ الأعلى فإذا سلّم عليه رجع إليه فهمه ليجيب مَن سلّمَ عليه. وقد استشكل ذلك من جهة أخرى وهو أنه يستلزم استغراق الزمان كله في ذلك لاتصال الصلاة والسلام عليه في أقطار الأرض ممن لا يحصى كثرة وأجيب بأن أمور الآخرة لا تدرك بالعقل وأحوال البرزخ أشبه بأحوال الآخرة والله أعلم. اهـ

قال الحافظ السيوطي في الحاوي للفتاوى الجزء الثاني ما نصه: ولا شك أن ظاهر هذا الحديث مفارقة الروح لبدنه الشريف في بعض الأوقات وهو مخالف للأحاديث السابقة وقد تأملته ففتح الله علي في الجواب عنه بأوجه :

الأول: وهو ضعيف أن يُدّعى أن الراويَ وهمَ في لفظة من الحديث حصل بسببها الإشكال. وقد ادعى ذلك العلماء في أحاديث كثيرة لكن الأصل خلاف ذلك فلا يعول على هذه الدعوى.

الثاني: وهو أقواها ولا يُدركه إلا ذو باع في العربية أن قوله رد الله جملة حالية، وقاعدة العربية أن جملة الحال إذا وقعت فعلا ماضيا قُدرت فيها قد كقوله تعالى {أو جاءوكم حصرت صدورهم} أي قد حصرت، وكذا تقدر هنا. والجملة ماضية سابقة على السلام الواقع من كل أحد. وحتى ليست للتعليل بل لمجرد حرف عطف بمعنى الواو فصار تقدير الحديث: ما من أحد يسلّم علي إلا قد رد الله علي قبل ذلك فأرد عليه.

وإنما جاء الإشكال مَن ظنّ أن جملة رد الله علي بمعنى الحال أو الاستقبال، وظنّ أن حتى تعليلية وليس كذلك. وبهذا الذي قررناه ارتفع الإشكال من أصله وأيده من حيث المعنى أن الرد لو أخذ بمعنى الحال والاستقبال لزم تكرره عند تكرر المُسَلّمينَ، وتكرر الرد يستلزم تكرار المفارقة، وتكرار المفارقة يلزم عليه محذوران :

أحدهما:  تأليم الجسد الشريف بتكرار خروج الروح منه، أو نوع ما من مخالفة التكريم إن لم يكن تأليم.

والآخر: مخالفة سائر الناس الشهداء وغيرهم فإنه لم يثبت لأحد منهم أن يتكرر له مفارقة الروح وعودها في البرزخ والنبي صلى الله عليه وسلم أولى بالاستمرار الذي هو أعلى رتبة.

ومحذور ثالث: وهو مخالفة القرءان فإنه دلَّ على أنه ليس إلا موتتان وحياتان وهذا التكرار يستلزم موتات كثيرة وهو باطل.

ومحذور رابع: وهو مخالفة الأحاديث المتواترة السابقة وما خالف القرءان والمتواتر من السنة وجب تأويله وإن لم يقبل التأويل كان باطلا فلهذا وجب حمل الحديث على ما ذكرناه.

الوجه الثالث أن يقال إن لفظ الرد قد لا يدل على المفارقة بل كنّى به على مطلق الصيرورة كما قيل في قوله تعالى حكاية عن شعيب عليه السلام {قد افترينا على الله كذبا إن عدنا في ملتكم} إن لفظ العّود أُريد به مطلق الصيرورة لا العَود بعد انتقال لأن شعيبا عليه السلام لم يكن في ملّتهم قط وحُسْنُ استعمال هذا اللفظ في هذا الحديث مراعاة لمناسبة اللفظية بينه وبين قوله: حتى أرد عليه السلام فجاء لفظ الردّ في صدر الحديث لمناسبة ذكره في ءاخر الحديث.

الوجه الرابع وهو قوي جدا أنه ليس المراد بردّ الروح عَودها بعد المفارقة للبدن وإنما النبي صلى الله عليه وسلم في البرزخ مشغول بأحوال الملكوت مستغرق في مشاهدة ربه كما كان في الدنيا في حالة الوحي وفي أوقات أُخر فعبّر عن إفاقته من تلك المشاهدة وذلك الاستغراق برد الروح ونظير هذا قول العلماء في اللفظة التي وقعت في بعض أحاديث الإسراء وهي قوله: فاستيقظت وأنا بالمسجد الحرام ليس المراد الاستيقاظ من نوم فإن الإسراء لم يكن مناما وإنما المراد مما خامره من عجائب الملكوت وهذا الجواب عندي أقوى ما يُجاب به عن لفظة الرد وقد كنت رجّحت الثاني ثم قوي عندي هذا.

الوجه الخامس أن يقال إن الرد يستلزم الاستمرار لأن الزمان لا يخلو من مصلٍّ عليه في أقطار الأرض فلا يخلو من كون الروح في بدنه.

الوجه السادس: قد يقال إنه أوحي إليه بهذا الأمر أولا قبل أن يوحى إليه بأنه لا يزال حيا في قبره فأخبر به ثم أوحي إليه بعد ذلك فلا منافاة لتأخير الخبر الثاني عن الخبر الأول. هذا ما فتح الله به من الأجوبة ولم أر شيئا منها منقولا لأحد. اهـ

ومما يؤيد أيضا صحة حياة الأنبياء في قبورهم ما أخرجه النسائي في المجتبى كتاب السهو، وابن حبان في صحيحه كتاب الرقائق باب الأدعية، والإمام أحمد في مسنده مسند المكثرين والترمذي في الدعوات والدارمي في الرقاق والبيهقي في كتاب حياة الأنبياء واللفظ له قال: أخبرنا أبو القاسم علي بن الحسين بن علي الطهماني ثنا أبو الحسين ثنا أبو الحسن محمد بن محمد الكارزي ثنا علي بن عبد العزيز ثنا أبو نعيم ثنا سفيان عن عبد الله بن السائب عن زاذان عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن لله عز وجل ملائكة سياحين في الأرض يُبلغوني عن أمتي السلام. وأخرجه الحاكم في المستدرك كتاب التفسير وقال صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي على ذلك ورواه البزار في مسنده والقاضي عياض في الشفا.

قال الحافظ تقي الدين السبكي في شفاء السقام بعد أن ساق أحاديث حياة الأنبياء ما نصه: وهذه نبذة من الأحاديث الصحيحة الدالة على حياة الأنبياء والكتاب العزيز يدل على ذلك أيضا قال تعالى {ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون} وإذا ثبت ذلك في الشهيد ثبت في حق النبي صلى الله عليه وسلم بوجوه منها: أن هذه رتبة شريفة أعطيت للشهيد كرامة لـه ولا رتبة أعلى من رتبة الأنبياء ولا شك أن حال الأنبياء أعلى وأكمل من حال جميع الشهداء فيستحيل أن يحصل كمال للشهداء ولا يحصل للأنبياء لا سيما هذا الكمال الذي يوجب زيادة القرب والزلفى والنعيم.

ثم قال السبكي: إن النبي صلى الله عليه وسلم شهيد فإنه صلى الله عليه وسلم لما سُم بخيبر وأكل من الشاة المسمومة وكان ذلك سما قاتلا من ساعته مات منه بُشر بن البراء رضي الله عنه وبقي النبي صلى الله عليه وسلم وذلك معجزة في حقه وصار ألم السم يتعاهده إلى أن مات به صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي مات فيه. قال: ما زالت أكلَة خيبر تعاودني حتى كان الآن أوان قطعت أبهرى. قال العلماء: فجمع الله له بذلك بين النبوة والشهادة. اهـ

وأما الأمر الثاني الذي تمسك به الوهابية لتحريمهم التوسل بالأموات دعوى عدم سماع الموتى متوهمين ذلك من قوله تعالى {وما أنت بمسمع من في القبور} وقوله تعالى {إنك لا تُسمعُ المَوتى} فليس في ذلك أدنى دلالة على أن الأموات لا يسمعون لأن الآيات مؤولة لا تحمل على ظاهرها والمراد بهذه الآيات تشبيه الكفار بمن في القبور في عدم إنتفاعهم بكلامه صلى الله عليه وسلم وهم أحياء كما ذكر ذلك أهل التفسير. قال الرازي في تفسيره الكبير ما نصه عند قوله تعالى {إنك لا تسمع الموتى ولا تُسمع الصُّمَّ الدعاءَ إذا ولَّوا مدبرين} فالله سبحانه وتعالى قطع محمدا صلى الله عليه وسلم عنهم بأن بين لـه أنهم كالموتى وكالصم وكالعمي فلا يفهمون ولا يسمعون ولا يُبصرون ولا يلتفتون إلى شىء من الدلائل.

وقال أبو حيان الأندلسي في تفسيره البحر المحيط ما نصه {وما أنت بمسمع من في القبور} أي هؤلاء من عدم إصغائهم إلى سمع الحق بمنـزلة من هم قد ماتوا فأقاموا في قبورهم فكما أن من مات لا يمكن أن يقبل منك قول الحق فكذلك هؤلاء لأنهم أموات القلوب. اهـ

قال القرطبي في جامعه ما نصه {وما أنت بمسمع من في القبور} أي الكفار الذين أمات الكفر قلوبهم أي كما لا تُسمع من مات كذلك لا تُسمع من مات قلبه. اهـ

قال الحافظ ابن حجر في الفتح ما نصه: هو مجاز والمراد بالموتى وبمن في القبور الكفار شُبهوا بالموتى وهم أحياء والمعنى من هم في حال الموتى أو في حال من سكن القبر. اهـ

وقد أجاب شيخهم ابن تيمية (مرجع الوهابية) على إشكال من يقول: إن الله نفى السماع عن الميت في قوله {إنك لا تسمع الموتى} وكيف تزعمون أن الموتى يسمعون؟ فقال في مجموع الفتاوى الجزء الخامس ما نصه: وهذا السمع سمع إدراك ليس يترتب عليه جزاء ولا هو السمع المنفي بقوله {إنك لا تسمع الموتى} فإن الله جعل الكافر كالميت الذي لا يستجيب لمن دعاه وكالبهائم التي تسمع الصوت ولا تفقه المعنى فالميت وإن سمع الكلام وفقه المعنى فإنه لا يمكنه إجابة الداعي ولا امتثال ما أمر به ونهى عنه فلا ينتفع بالأمر والنهي كما قال تعالى {ولو علم الله فيهم خيرا لأَسمَعَهم} وقد جاءت النصوص دالة أيضا على أن الميت مع سماعه يتكلم فإن منكرا ونكيرا يسألونه فالمؤمن يوفق للجواب الحق والكافر والمنافق يضل عن الجواب. اهـ

ومن الدلائل أيضا على صحة سماع الموتى ما رواه مسلم في صحيحه كتاب الجنائز باب ما يقول عند دخول القبور والدعاء لأهلها ما نصه: عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كلّما كان ليلَتُها من رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرجُ من ءاخر الليل إلى البقيع فيقول: السلام عليكم دار قوم مؤمنين وعند الترمذي بلفظ: السلام عليكم يا أهل القبور يغفر الله لنا ولكم وأنتم سلفنا ونحن بالأثر فلولا صحة سماع الميت لم يكن لهذا الخطاب معنى.

وفيما رواه الحافظ الخطيب البغدادي في تاريخه الجزء السادس دلالة واضحة على صحة سماع الموتى قال ما نصه: وفي حديث الكرماني عن عبد الرحمن بن زيد عن أبيه عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما من عبد يمر بقبر رجل كان يعرفه في الدنيا فيسلم عليه إلا عرفه ورد السلام عليه. اهـ صححه الحافظ عبد الحق الإشبيلي كما في إتحاف السادة المتقين. وكذلك حديث البخاري ومسلم واللفظ لمسلم قال: حدثنا عبدُ بنُ حُميدٍ حدثنا يونسُ بنُ محمد حدثنا شَيبانُ بنُ عبدِ الرحمن عن قَتادةَ حدثنا أنسُ بنُ مالك قال: قال نبيُّ الله صلى الله عليه وسلم: إن العبدَ إذا وُضعَ في قبره وتولّى عنه أصحابه إنه لَيَسْمَعُ قرعَ نعالهم.

ومما يؤيد صحة سماع الموتى تلقين الميت قال الحافظ ابن حجر في التلخيص الحبير بهامش المجموع الجزء الخامس ما نصه: قوله ويستحب أن يُلقن الميت بعد الدفن فيقال:

يـا عبد الله يا ابن أمة الله اذكر ما خرجت عليه من الدنيا شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وأن الجنة حق وأن النار حق وأن البعث حق وأن الساعة ءاتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور وأنك رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد نبيا وبالقرءان إماما وبالكعبة قبلة وبالمؤمنين إخوانا، ورد به الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم الطبراني عن أبي أمامة: إذا أنا مت فاصنعوا بي كما أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نصنع بموتانا أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إذا مات أحد من إخوانكم فسويتم التراب على قبره فليقم أحدكم على رأس قبره ثم ليقل: يا فلان ابن فلانة فإنه يسمعه ولا يجيب ثم يقول يا فلان ابن فلانة فإنه يستوي قاعدا ثم يقول يا فلان بن فلانة فإنه يقول أرشدنا يرحمك الله ولكن لا تشعرون فليقل اذكر ما خرجت عليه من الدنيا شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله وأنك رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد نبيا وبالقرءان إماما فإن منكرا ونكيرا يأخذ كل واحد منهما بيد صاحبه ويقول انطلق بنا ما يقعدنا عند من قد لقن حجته قال: فقال رجل: يا رسول الله فإن لم يعرف أمه؟ قال: ينسبه إلى أمه حواء يا فلان ابن حواء وإسناده صالح وقد قواه الضياء في أحكامه له وأخرجه عبد العزيز في الشافي والراوي عن أبي أمامة سعيد الأزدي بيّض له ابن أبي حاتم، ولكن له شواهد منها ما رواه سعيد بن منصور من طريق راشد بن سعد وضمرة بن حبيب وغيرهما قالوا: إذا سوى على الميت قبره وانصرف الناس عنه كانوا يستحبون أن يقال للميت عند قبره: يا فلان قل لا إله إلا الله قل أشهد أن لا إله إلا الله ثلاث مرات قل ربي الله وديني الإسلام ونبي محمد ثم ينصرف. اهـ

ومما يؤيد أيضا صحة سماع الموتى ما رواه البخاري في صحيحه كتاب المغازي باب قتل أبي جهل قال ما نصه: حدثني عبدُ الله بنُ محمد سَمعَ رَوحَ بن عبادة حدثنا سعيدُ بنُ أبي عَروبةَ عن قتادةَ قال: ذكرَ لنا أنسُ بنُ مالك عن أبي طلحةَ أن نبي الله صلى الله عليه وسلم أمرَ يومَ بدرٍ بأربعةٍ وعشرين رجلا من صناديد قريش فقذفوا في طِوى من أطواءِ بدرٍ مُخْبثٍ وكان إذا ظهر على قوم أقامَ بالعرصةِ ثلاثَ ليالٍ فلما كان ببدر اليومَ الثالثَ أمر براحلته فشُدَّ عليها رحلُها ثم مشى واتبعه أصحابه وقالوا: ما نرى ينطلق إلا لبعض حاجته، حتى قام على شَفةِ الرَّكى فجعلَ يُناديهم بأسمائهم وأسماء ءابائهم: يا فلان ابن فلان ويا فلان ابن فلان أيَسرُّكم أنكم أطعتُم الله ورسوله؟ فإنا قد وجدنا ما وعَدنا ربُّنا حقا، فهل وجدتم ما وعدكم ربكم حقا قال: فقال عمر: يا رسول الله ما تُكلمُ من أجسادٍ لا أرواحَ لها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: والذي نفس محمد بيده ما أنتم بأسمع لما أقول منهم قال قتادة: أحياهم الله حتى أسمعهم قولَه توبيخا وتصغيرا ونَقيمةً وحسرةً وندما. وفي حديث ءاخر قال: حدثنا عثمان حدثنا عَبدةُ عن هشام عن أبيه عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: وقف النبي صلى الله عليه وسلم على قليب بدر فقال: هل وجدتم ما وعدَ ربُّكم حقا؟ ثم قال: إنهم الآن يسمعون ما أقول. فذُكرَ لعائشة فقالت: إنما قال النبي صلى الله عليه وسلم: إنهم الآن لَيعلمون أن الذي كنت أقول لهم هو الحق، ثم قرأت {إنك لا تُسمعُ الموتى} حتى قرأت الآية.

قال الإمام الحافظ أبو العباس أحمد بن عمر القرطبي في المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم ما نصه: وأما إنكار عائشة على ابن عمر سماعَ أهل القليب فمن قبيل ما تقدم وذلك أنها أنكرت ما رواه الثقة الحافظ لأجل أنها ظنت أن ذلك معارض بقوله تعالى {وما أنت بمسمع من في القبور} و {إنك لا تسمع الموتى} ولا تعارض بينهما لوجهين: أحدهما: أن الموتى في الآية إنما يُراد بهم الكفار فكأنهم موتى في قبورهم والسّماع يراد به الفهم والإجابة هنا كما قال تعالى {ولو علمَ الله فيهم خيرا لأسمـعَهم ولو أسمَعَهم لتولَّوا وهم معرضون} وهذا كما سماهم بصم وبكم وعمي مع سلامة هذه الحواس منهم وثانيهما: أنا لو سلَّمنا أن الموتى في الآية على حقيقتهم فلا تعارضَ بينها وبين أن بعض الموتى يسمعون في وقت ما أو في حال ما فإن تخصيص العموم ممكن وصحيح إذا وجد المخصص وقد وُجدَ هنا بدليل هذا الحديث وحديث أبي طلحة الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم في أهل بدر: والذي نفسي بيده ما أنتم بأسمع لما أقول منهم وهو متفق عليه وبما في معناه مثل قوله صلى الله عليه وسلم في الميت: إنه ليسمعُ قرعَ النعال بالمعلوم من سؤال الملكين للميت في قبره وجوابه لهما إلى غير ذلك ما لا يُنكر فحديث ابن عمر صحيح النقل وما تضمنه يقبله العقل فلا طريق لتخطئته. اهـ كلام القرطبي في المفهم

قال الحافظ ابن حجر في الفتح في بيان قول عائشة: (إنهم ليعلمون)، ما نصه:

قال البيهقي العلم لا يمنع من السماع، والجواب عن الآية:

أنه لا يُسمعهم وهم موتى ولكن الله أحياهم حتى سمعوا كما قال قتادة ولم ينفرد عمر ولا ابنه بحكاية ذلك بل وافقهما أبو طلحة كما تقدم، وللطبراني من حديث ابن مسعود مثله بإسناد صحيح. ومن حديث عبد الله بن سيدان نحوه وفيه: قالوا يا رسول الله وهل يسمعون؟

قال: يسمعون كما تسمعون ولكن لا يجيبون وفي حديث ابن مسعود: ولكنهم اليوم لا يجيبون ومن الغريب أن في المغازي لابن إسحاق رواية يونس بن بكير بإسناد جيد عن عائشة مثل حديث أبي طلحة وفيه: ما أنتم بأسمعَ لما أقول منهم وأخرجه أحمد بإسناد حسن فإن كان محفوظا فكأنها رجعت عن الإنكار لما ثبت عندها من رواية هؤلاء الصحابة لكونها لم تشهد القصة، قال الإسماعيلي: كان عند عائشة من الفهم والذكاء وكثرة الرواية والغوص على غوامض العلم ما لا مزيد عليه لكن لا سبيل إلى رد رواية الثقة إلا بنص مثله يدل على نسخه أو تخصيصه أو استحالته فكيف والجمع بين الذي أنكرته عائشة وأثبته غيرها ممكن لأن قوله تعالى {إنك لا تسمع الموتى} لا يُنافي قوله صلى الله عليه وسلم: إنهم الآن يسمعون لأن الإسماع هو إبلاغ الصوت من المسمع في أذن السامع فالله تعالى هو الذي أسمعهم بأن أبلغهم صوت نبيه صلى الله عليه وسلم بذلك.

وأما جوابها بأنه إنما قال: إنهم ليعلمون فإن كانت سمعت ذلك فلا ينافي رواية يسمعون بل يؤيدها، وقال السهيلي ما محصله: إن في نفس الخبر ما يدل على خرق العادة بذلك للنبي صلى الله عليه وسلم لقول الصحابة له: أتخاطب أقواما قد جيفوا؟ فأجابهم، قال: وإذا جاز أن يكونوا في تلك الحالة عالمين جاز أن يكونوا سامعين. اهـ كلام ابن حجر في الفتح قال ابن القيم (مرجع الوهابية) في روضة المحبين وقال يحيى بن أيوب كان بالمدينة فتى بعجب عمر بن الخطاب رضي الله عنه شأنه فانصرف ليلة من صلاة العشاء فتمثلت له امرأة بين يديه فعرضت له بنفسها ففتن بها ومضت فأتبعها حتى وقف على بابها فأبصر وجلا عن قلبه وحضرته هذه الآية (إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون) فخر مغشيا عليه فنظرت إليه المرأة فإذا هو كالميت فلم تزل هي وجارية لها يتعاونان عليه حتى ألقياه على باب داره فخرج أبوه فرآه ملقى على باب الدار لما به فحمله وأدخله فأفاق فسأله ما أصابك يا بني فلم يخبره فلم يزل به حتى أخبره فلما تلا الآية شهق شهقة فخرجت نفسه فبلغ عمر رضي الله عنه قصته فقال ألا آذنتموني بموته فذهب حتى وقف على قبره فنادى يا فلان (ولمن خاف مقام ربه جنتان)  فسمع صوتا من داخل القبر قد أعطاني ربي يا عمر وذكر الحسن هذه القصة عن عمر رضي الله عنه على وجه آخر قال كان شاب على عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه ملازما للمسجد والعبادة فهويته جارية فحدث نفسه بها ثم إنه تذكر وأبصر فشهق شهقة فغشي عليه منها فجاء عم له فحمله إلى بيته فلما أفاق قال يا عم انطلق إلى عمر فأقرئه مني السلام وقل له ما جزاء من خاف مقام ربه فأخبر عمر فأتاه وقد مات فقال لك جنتان وفي جامع الترمذي من حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال قال رسول الله كان ذو الكفل لا يتورع من ذنب عمله فأتته امرأة فأعطاها ستين دينارا على أن يطأها فلما قعد منها مقعد الرجل من امرأته أرعدت وبكت فقال ما يبكيك أكرهتك قالت لا ولكن هذا عمل لم أعمله وإنما حملتني عليه الحاجة قال فتفعلين هذا وأنت لم تفعليه قط ثم قال اذهبي والدنانير لك ثم قال والله لا يعصي الله ذوالكفل أبدا فمات من ليلته فأصبح مكتوبا على بابه قد غفر الله لذي الكفل قال الترمذي هذا حديث حسن وقال أبو هريرة وابن عباس رضي الله عنهم خطب رسول الله قبل وفاته فقال في خطبته ومن قدر على امرأة أو جارية حراما فتركها مخافة من الله أمنه الله يوم الفزع الأكبر وحرمه على النار وأدخله الجنة وقال مالك بن دينار جنات النعيم بين الفردوس وبين جنات عدن فيها جوار خلقن من ورد الجنة يسكنها الذين هموا بالمعاصي فلما ذكروا الله عز وجل راقبوه فانثنت رقابهم من خشية الله عز وجل قال ميمون بن مهران الذكر ذكران فذكر الله عز وجل باللسان حسن وأفضل منه أن تذكر الله عز وجل عندما تشرف على معاصيه وقال قتادة رضي الله عنه ذكر لنا أن نبي الله كان يقول لا يقدر رجل على حرام ثم يدعه ليس به إلا مخافة الله عز وجل إلا أبدله في عاجل الدنيا قبل الآخرة ما هو خير له من ذلك وقال عبيد بن عمير صدق الإيمان وبره أن يخلو الرجل بالمرأة الحسناء فيدعها لا يدعها إلا لله عز وجلّ.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *