التَّوسُّل والاستغاثة لفضيلة الأستاذ الكبير حجة الإسلام الشيخ يوسف الدجوي (3)
22 نوفمبر 2022حَدِيثُ (كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ)
27 نوفمبر 2022الْفَرْقُ بَيْنَ الأَنْبِيَاءِ وَالرُّسُلِ
الْفَرْقُ بَيْنَ الأَنْبِيَاءِ وَالرُّسُلِ
اعْلَمْ أَنَّ النَّبِيَّ وَالرَّسُولَ يَشْتَرِكَانِ فِي الْوَحْيِ، فَكُلٌّ قَدْ أَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ بِشَرْعٍ يَعْمَلُ بِهِ لِتَبْلِيغِهِ لِلنَّاسِ، غَيْرَ أَنَّ الرَّسُولَ يَأْتِي بِنَسْخِ بَعْضِ شَرْعِ مَنْ قَبْلَهُ أَوْ بِشَرْعٍ جَدِيدٍ.
فَالرَّسُولُ يَنْزِلُ عَلَيْهِ الْوَحْيُ بِشَرْعٍ يَعْمَلُ بِهِ وَيُوحَى إِلَيْهِ بِنَسْخِ بَعْضِ شَرْعِ مَنْ قَبْلَهُ، أَيْ بِنَسْخِ بَعْضِ الأَحْكَامِ الَّتِي كَانَتْ فِي زَمَنِ الرَّسُولِ الَّذِي قَبْلَهُ أَوْ يَنْزِلُ عَلَيْهِ حُكْمٌ جَدِيدٌ لَمْ يَنْزِلْ عَلَى مَنْ قَبْلَهُ مِنَ الأَنْبِيَاءِ، هَذَا يُقَالُ لَهُ رَسُولٌ، أَمَّا الَّذِي لَمْ يَنْزِلْ عَلَيْهِ شَىْءٌ جَدِيدٌ إِلَّا أَنْ يَعْمَلَ بِشَرِيعَةِ الرَّسُولِ الَّذِي قَبْلَهُ كَأَنْ أُمِرَ فَقِيلَ لَهُ بَلِّغْ شَرِيعَةَ مُوسَى مَثَلًا، فَهَذَا يُقَالُ لَهُ نَبِيٌّ وَلا يُقَالُ لَهُ رَسُولٌ.
وَقَدْ وَرَدَ أَنَّ عَدَدَ الأَنْبِيَاءِ مِائَةٌ وَأَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ أَلْفَ نَبِيٍّ فِيهِمْ ثَلاثُمِائَةٍ وَثَلاثَةَ عَشَرَ رَسُولًا أَخْرَجَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَصَحَّحَهُ، أَوَّلُهُمْ سَيِّدُنَا ءَادَمُ وَءَاخِرُهُمْ سَيِّدُنَا مُحَمَّدٌ وَخِيَارُهُمْ مُحَمَّدٌ ثُمَّ إِبْرَاهِيمُ ثُمَّ مُوسَى ثُمَّ عِيسَى ثُمَّ نُوحٌ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلامُهُ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ، وَأَمَّا حَدِيثُ (لا تُخَيِّرُوا بَيْنَ الأَنْبِيَاءِ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ، فَمَعْنَاهُ لا تَدْخُلُوا فِي التَّفْضِيلِ بِآرَائِكُمْ لِأَنَّ التَّفْضِيلَ بَيْنَ الأَنْبِيَاءِ بِالرَّأْيِ لا يَجُوزُ إِنَّمَا التَّفْضِيلُ بِالْوَحْيِ فَمَنْ أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُمْ أَفْضَلُ مِنْ غَيْرِهِمْ مِنَ الأَنْبِيَاءِ فَهُمُ الأَفْضَلُونَ أَمَّا نَحْنُ بِآرَائِنَا لا نُفَضِّلُ.
وَالنَّبِيُّ غَيْرُ الرَّسُولِ يُوحَى إِلَيْهِ لِيَتَّبِعَ شَرْعَ رَسُولٍ قَبْلَهُ لِيُبَلِّغَهُ، هَذَا الْفَرْقُ بَيْنَ النَّبِيِّ وَالرَّسُولِ هُوَ الصَّحِيحُ وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ فِي مُؤَلَّفَاتِهِمْ مِنْ أَنَّ النَّبِيَّ مَنْ أُوحِيَ إِلَيْهِ بِشَرْعٍ وَلَمْ يُؤْمَرْ بِتَبْلِيغِهِ فَهُوَ فَاسِدٌ بَعِيدٌ مِنْ مَعْنَى النُّبُوَّةِ فَلْيُحْذَرْ، وَهَذَا التَّفْسِيرُ الصَّحِيحُ ذَكَرَهُ كَثِيرٌ كَالإِمَامِ الْجَلِيلِ شَيْخِ الشَّافِعِيَّةِ وَالأَشَاعِرَةِ أَبِي مَنْصُورٍ الْبَغْدَادِيِّ وَالْقَوْنَوِيِّ شَارِحِ الطَّحَاوِيَّةِ وَالْمُنَاوِيِّ.
فَلِذَلِكَ قَالَ الْعُلَمَاءُ كُلُّ رَسُولٍ نَبِيٌّ وَلَيْسَ كُلُّ نَبِيٍّ رَسُولًا، ثُمَّ أَيْضًا يَفْتَرِقَانِ فِي أَنَّ الرِّسَالَةَ يُوصَفُ بِهَا الْمَلَكُ وَالْبَشَرُ وَالنُّبُوَّةَ لا تَكُونُ إِلَّا فِي الْبَشَرِ، فالرُّسُلُ أَفْضَلُ مِنَ الأَنْبِيَاءِ غَيْرِ الرُّسُلِ فَكُلُّ مَنْ كَانَ رَسُولًا نَبِيٌّ وَلَيْسَ كُلُّ مَنْ كَانَ نَبِيًّا رَسُولًا، ثُمَّ الرِّسَالَةُ يُوصَفُ بِهَا الْمَلَكُ وَالْبَشَرُ أَمَّا النُّبُوَّةُ فَلا تَكُونُ إِلَّا فِي الْبَشَرِ، الْمَلائِكَةُ فِيهِمْ رُسُلٌ مِنْهُمْ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلامُ فَهُوَ رَسُولٌ مِنَ الْمَلائِكَةِ كَذَلِكَ يُوجَدُ غَيْرُهُ يُرْسِلُهُ اللَّهُ إِلَى الْمَلائِكَةِ لِيُبَلِّغَ الْوَحْيَ، اللَّهُ تَعَالَى يَأْمُرُهُمْ بِأَنْ يُبَلِّغُوا طَائِفَةً مِنَ الْمَلائِكَةِ بِأَمْرٍ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ﴾ سُورَةَ الْحَجّ 75، اللَّهُ يَخْتَارُ مِنْ بَيْنِ الْمَلائِكَةِ رُسُلًا وَمِنْ بَيْنِ الْبَشَرِ رُسُلًا فَجِبْرِيلُ سَفِيرٌ بَيْنَ اللَّهِ وَبَيْنَ الأَنْبِيَاءِ وَالرُّسُلِ مِنَ الْبَشَرِ وَبَيْنَ اللَّهِ وَبَيْنَ الْمَلائِكَةِ أَيْضًا.