حديث (لا تفضلوني على يونس بن متى) قال الإمام مالك (إنما خص يونس للتنبيه على التنـزيه)
3 نوفمبر 2016ليس الله في مكان فقد كان قبل أن يَخْلُق المكان
3 نوفمبر 2016الإمام مالك ينفي الكيف عن الله تعالى أي الهيئة وكل ما كان من صفات الخلق كالجلوس والاستقرار والحركة والسكون وما شابه ذلك
في الجامع لمسائل المدونة للإمام الكبير أبي بكر محمد بن عبد الله بن يونس التميمي الصقلي المالكي وهو من أصحاب الوجوه (المتوفى 451 هـ) كتاب المحاربين والمرتدين، الباب الخامس، جامع القول في أهل الأهواء ومجانبتهم وترك جدالهم والقول في القدر والاستواء على العرش والأسماء والصفات (قال سحنون أخبرني بعض أصحاب مالك أنه كان عند مالك جالساً فأتاه رجل فقال يا أبا عبد الله مسألة، فسكت عنه، ثم قال مسألة، فسكت عنه، ثم أعاد عليه، فرفع فيه رأسه كالمجيب له، فقال له السائل (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) كيف كان استواؤه؟ قال فطأطأ مالك رأسه ساعة ثم رفعه فقال سألت عن غير مجهول، وتكلمت في غير معقول، ولا أراك إلا امرئ سوء، أخرجوه).
وفي الباب السابع، باب في التوحيد والأسماء والصفات وسائر الاعتقادات، فصل في الاستواء (قال القاضي رضي الله عنه وأنه سبحانه مستو على عرشه كما قال عز وجل (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) بغير مماسة ولا كيفية ولا مجاورة).
وكذلك ثبت عن الإمام مالك رضي الله عنه ما رواه الحافظ البيهقي في كتابه الأسماء والصفات بإسناد جيد كما قال الحافظ ابن حجر العسقلاني في الفتح من طريق عبد الله بن وهب قال (كنا عند مالك بن أنس فدخل رجل فقال يا أبا عبد الله (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) كيف استواؤه؟ قال فأطرق مالك وأخذته الرحضاء ثم رفع رأسه فقال (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) كما وصف نفسه ولا يقال كيفَ وكَيْفَ عنه مرفوعٌ وأنت رجل سوء صاحب بدعة أخرجوه، قال فأخرج الرجل).
فقول الإمام مالك (وكيف عنه مرفوع) أي ليس استواؤه على العرش كيفا أي هيئة كاستواء المخلوقين من جلوس ونحوه، وقوله (أنت رجل سوء صاحب بدعة أخرجوه) وذلك لأن الرجل سأله بقوله كيف استواؤه، ولو كان الذي حصل مجرد سؤال عن معنى هذه الآية مع اعتقاد أنها لا تؤخذ على ظاهرها ما كان اعترض عليه.
قال المحدث الشيخ سلامة القضاعي العزامي (ت 1376 هـ) من علماء الأزهر عن قول مالك لذاك الرجل صاحب بدعة (لأن سؤاله عن كيفية الاستواء يدل على أنه فهم الاستواء على معناه الظاهر الحسي الذي هو من قبيل تمكن جسم على جسم واستقراره عليه، وإنما شك في كيفية هذا الاستقرار فسأل عنها، وهذا هو التشبيه بعينه الذي أشار إليه الإمام بالبدعة).
وروى الحافظ البيهقي من طريق يحيى بن يحيى قال (كنا عند مالك بن أنس فجاء رجل فقال يا أبا عبد الله (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) فكيف استوى؟ قال فأطرق مالك رأسه حتى علاه الرحضاء، ثم قال الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة، وما أراك إلا مبتدعا، فأمر به أن يخرج).
قوله (الاستواء غير مجهول) أي أنه معلوم وروده في القرءان، ولا يعني أنه بمعنى الجلوس ولكن كيفية الجلوس مجهولة، كما زعم بعض المجسمة، وقوله (والكيف غير معقول) معناه أن الاستواء بمعنى الكيف أي الهيئة كالجلوس لا يعقل أي لا يقبله العقل لكونه من صفات الخلق لأن الجلوس لا يصح إلا من ذي أعضاء أي كأليةٍ وركبةٍ، وتعالى الله عن ذلك، فلا معنى لقول المشبهة الاستواء معلوم والكيفية مجهولة، يقصدون بذلك أن الاستواء الجلوس لكن كيفية جلوسه غير معلومة، لأن الجلوس كيفما كان لا يكون إلا بأعضاء، وهؤلاء يوهمون الناس أن هذا مراد مالك رضي الله عنه، فلا يُغترّ بتمويهاتهم.
وقال الحافظ اللغوي محمد مرتضى الزبيدي في شرح الإحياء ما نصه (وقال ابن اللبان في تفسير قول مالك، قوله (كيف غير معقول) أي كيف من صفات الحوادث، وكل ما كان من صفات الحوادث فإثباته في صفات الله تعالى ينافي ما يقتضيه العقل، فيجزم بنفيه عن الله تعالى، قوله (والاستواء غير مجهول) أي أنه معلوم المعنى عند أهل اللغة، (والإيمان به) على الوجه اللائق به تعالى (واجب) لأنه من الإيمان بالله وبكتبه).
فنفي الكيف عن الله تعالى أي الهيئة وكل ما كان من صفات الخلق، كالجلوس والاستقرار والحركة والسكون وما شابه ذلك، محل اتفاق بين علماء أهل السنة والجماعة سلفا وخلفا.
وقال الإمام التـرمذي (ت 279 هـ) في سننه (والمذهب في هذا عند أهل العلم من الأئمة مثل سفيان الثوري ومالك بن أنس وابن المبارك وابن عيينة ووكيع وغيرهم أنهم رووا هذه الأشياء ثم قالوا تروى هذه الأحاديث ونؤمن بـها ولا يقال كيف).
وروى الحافظ البيهقي في كتابه الاعتقاد عن الوليد بن مسلم، قال سئل الأوزاعي ومالك وسفيان الثوري والليث بن سعد عن هذه الأحاديث فقالوا أمروها كما جاءت بلا كيفية ثم قال البيهقي وتكييفه يقتضي تشبيها له بخلقه في أوصاف الحدث.
ونقل الحافظ البيهقي في الأسماء والصفات عن الأئمة الأربعة والسفيانين والحمادين والأوزاعي والليث وشعبة وشريك وأبي عوانة وغيرهم، أنهم نَفَوْا عن الله تعالى الكيف أي ليس كما تدعي المجسمة أن السلف يثبتون لله كيفية أي هيئة لكن غير معلومة لنا، تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا.
وسبحان الله والحمد لله رب العالمين.