الأذان والإقامة
24 أبريل 2022الِاجْتِهَادُ وَالتَّقْلِيدُ (1)
7 مايو 2022مِن معَاصي اليَدِ مَنعُ الزّكَاةِ أو بَعضِها بَعدَ الوجُوبِ والتَّمَكُّنِ وإخرَاجُ ما لا يُجزِئُ أو إعطَاؤُها مَنْ لا يَستَحِقُّها
مِن معَاصي اليَدِ مَنعُ الزّكَاةِ أو بَعضِها بَعدَ الوجُوبِ والتَّمَكُّنِ وإخرَاجُ ما لا يُجزِئُ أو إعطَاؤُها مَنْ لا يَستَحِقُّها
في التبصرة للإمام الكبير أبي الحسن علي بن محمد الربعي المعروف باللخمي المالكي دفين صفاقس (المتوفى 478 هـ) باب في وجوب الزكاة وقتال مانعها وفيما تجب فيه الزكاة من الأموال وذكر النصاب والحول، قال رحمه الله (أوجبَ اللهُ سبحانَه الزكاةَ في غيرِ موضع منْ كتابِه وقتال منْ منَعَها فقال تعالى (فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ) التوبة 5، فلم يرفع القتل والقتال وإن تابوا وأقاموا الصلاة إلا أن يؤدوا الزكاة، وأخبر أنه ممن ينفذ فيه الوعيد يوم القيامة فقال (يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ) (التوبة 35) وقال (سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) (آل عمران 180) وثبتت الأخبارُ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم بمثل هذه الآيات الثلاث وجوب الزكاة وقتال مانعها وعقوبته في الآخرة بمثل ذلك فقال صلى الله عليه وسلم (بُنِيَ الإِسْلاَمُ عَلَى خَمْسٍ شَهَادَةِ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، وَإِقَامِ الصَّلاَةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَالحَجِّ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ) وبعثَ صلى الله عليه وسلم معاذًا إلى اليمن فقال له (ادْعُهُمْ إِلَى شَهَادَةِ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللهِ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذَلِكَ فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذَلِكَ فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً فِي أَمْوَالهِمْ تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ وَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ) وقال (أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَيُقِيمُوا الصَّلاَةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالهُمْ إِلاَّ بِحَقِّهَا وَحِسَابُهُمْ عَلَى الله) فلم يجعل لهم عصمة دمهم وإن آمنوا وصلوا وأقروا بالصلاة وبالزكاة إلا بأدائها، وهذا في الجماعة التي تقدر على الامتناع فيحتاج معها إلى القتال وأما الواحد وما أشبه ذلك والنفر اليسير فتؤخذ منه بالقهر وتجزئه ولا يقتل.
وقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم (مَنْ آتَاهُ اللهُ مَالًا فَلَمْ يُؤَدِّ زَكَاتَهُ مُثِّلَ لَهُ يَوْمَ القِيَامَةِ شُجَاعًا أَقْرَعَ لَهُ زَبِيبَتَانِ يُطَوَّقُهُ يَوْمَ القِيَامَة ثُمَّ يَأْخُذُ بِلِهْزِمَتَيْهِ يَعْنِي شِدْقَيْهِ ثُمَّ يَقُولُ أَنَا كَنْزُكَ أَنَا مَالُكَ، ثُمَّ تَلاَ (وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ) الآية (آل عمران 180) وقد اجتمع على هذه الأحاديث البخاري ومسلم) انتهى كلام اللخمي رحمه الله.
فتبين من هذا أنّ مِن معَاصي اليَدِ التي هيَ مِن الكبَائرِ مَنعَ الزكاةِ أي تَركَ دَفْعِها أو إعطَاءَ بَعضِها وتَركَ بعضٍ، وتأخيرَ إخراجِها بعدَ وقتِ الوجوبِ والتَّمكُّنِ مِنْ إخراجِها بلا عُذرٍ شَرعيّ، ولا يجوزُ لِمَنْ وجَبتْ عليهِ قبلَ رمضانَ كشَهرِ رجَب أو شَعبانَ مثَلًا أن يؤخّرَ إلى رمضانَ، وليسَ رمضانُ مَوسِمًا لإخراجِ الزكاةِ بل مَوسِمُها في الحوليِّ وقتُ حَولانِ الحَول، وكثيرٌ من الناسِ يؤخِّرُونَ زكَواتِهم إلى رمضانَ وهَذا حرامٌ منَ الكبائر، الزكاةُ كالصّلاة لا يجوزُ تأخيرُها عن وَقتِها، وكذلكَ دَفعُ ما لا يُجزئ إخراجُهُ ولو كانَ أكثرَ قيمَةً منَ الْمُجزِئ، ويجوزُ إخراجُ القيمةِ عندَ الإمام أبي حنيفة وعليهِ عملُ النّاسِ اليوم، وكذلكَ يحرُم إعطاؤها مَنْ لا يستَحِقُّها كإعطائها للجمعياتِ التي تَصرفُ الزكاةَ في غيرِ مصَارِفِها، وأمّا إنْ وكَّلَ الْمُزكّي جمعيةً يثقُ بأنّها تصرِفُ الزكاةَ في مصارِفها كانَ ذلكَ جائزًا، وتضيِيعُ الزكاةِ منَ الكبائرِ وقد صَحّ في الحديثِ أنّ لاويَ الصَّدقَةِ أي مانِعَها مَلعونٌ على لسانِ الرسول صلى الله عليه وسلم أخرجَهُ ابنُ حبّان (1).
فقد رَوى البخاري (2) في الصّحِيح عن أبي هريرةَ رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (مَن ءاتَاهُ اللهُ مَالًا فلَم يؤدّ زكاتَهُ مُثِّلَ لهُ يومَ القيَامةِ شُجَاعًا أقْرَع لهُ زَبِيبَتان يُطوَّقُه يومَ القيامةِ ثم يَأخُذ بِلِهْزِمَتيه (3) (يعني شِدقَيه) ثم يقول أنا مالُكَ، أنا كنزُك، ثم تلا (ولا يَحْسَبَنَّ الذينَ يَبْخَلونَ) الآيةَ (سورة ءال عمران 180).
قال الحَافظُ ابنُ حجَر العَسقلاني في فتح الباري (3 / 270) في شَرح هذا الحديث والمرادُ بالشُّجَاع وهو بضَمّ المعجَمة ثم جِيمٌ الحَيّةُ الذّكَر، وقيلَ الذي يقومُ على ذنَبِه ويُوَاثِبُ الفَارِس، والأقرَع الذي تقَرَّع رأسُه أي تَمعَّط لكَثرة سُمِّه، وفي تَهذيبِ الأزهري سمّي أقرَع لأنّه يَقرِي السُّمَّ ويَجمَعُه في رأسِه حتى تتَمعَّطَ فَروَةُ رَأسِه، وقال القُرطبي الأقرَع مِنَ الحيّاتِ الذي ابيَضَّ رأسُه مِنَ السُّمّ، ومِن النّاسِ الذي لا شعَر برأسه، قولُه لهُ (زَبِيبَتان) تَثنيَة زَبِيبَة بفَتح الزاي وموحَّدتَين وهما الزُّبدَتان اللّتَان في الشِّدقَين، يُقال تكَلَّم حتى زَبَد شِدقاه أي خَرجَ الزّبَدُ منهما، وقيل همَا النُّكتَتانِ السَّوداوان فَوق عَينَيه، وقيلَ نُقطَتان يَكتَنِفان فاهُ، وقيل هما في حَلقِه بمنزلة زنَمتَي العَنْز (4) وقيل لَحمَتان على رأسه مِثلُ القَرنَين، وقيلَ نابَان يَخرُجان مِن فِيْه، قَولُه (يُطَوَّقُه) بضَمّ أوّلِه وفَتْح الواوِ الثّقِيلة أي يَصِير لهُ ذلكَ الثُّعبَانُ طَوْقًا، قولُه (ثم يأخُذ بِلِهْزِمتَيْه) فاعل يأخذ هو الشُّجَاع والمأخوذُ يَدُ صاحبِ المال، كما وقَع مبَيَّنًا في روايةِ هُمامٍ عن أبي هريرةَ الآتيةِ في تَركِ الحِيَلِ بلَفظِ لا يزَالُ يَطلبُه حتى يَبسُطَ يدَه فيُلقِمَها فاهُ، قولُه (بلِهْزِمتيه) بكَسر اللّام وسكُون الهاء بعدَها زايٌ مَكسورَةٌ وقَد فُسِّر في الحديث بالشِّدقَين، وفي الصَّحَاح هما العَظمان النّاتئان في اللّحيَين تحتَ الأُذُنَين، وفي الجامع هما لحمُ الخَدَّين الذي يتَحَرك إذا أكلَ الإنسانُ، قوله (ثم يَقُولُ أنا مَالُكَ أنا كَنزُك) وفائدةُ هذا القَولِ الحَسرَةُ والزّيادةُ في التَّعذيب حيث لا ينفَعُه النَّدَم وفيه نَوعٌ مِنَ التَّهَكُّم.
(1) أخرجه ابن حبان في صحيحه انظر الإحسان (5 / 104) لابن بلبان.
(2) أخرجه البخاري في صحيحه كتاب الزكاة باب إثم مانع الزكاة.
(3) يعني شِدقَيه.
(4) وهيَ شَيءٌ يَكُون للمَعْزِ في أذُنِها كالقُرْط.