الشيخ عبد الله بن محمد بن الصديق الغماري مُحَدِّث الديار المغربية والبلاد الأفريقيّة
1 نوفمبر 2018قول الله تعالى (ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ) من تفسير القرآن العظيم لابن كثير الدمشقي
2 نوفمبر 2018الأنبياء والرسل
الحمد لله باعث الرسل والنبيين رحمة للناس بالنور المبين والصلاة والسلام على سيدنا محمد أشرف المرسلين وعلى ءاله الطاهرين وصحابته الخيرة المنتجين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له أرحم الراحمين الأحد المنزه عن شبه المخلوقين وأشهد أن سيدنا محمداً رسول رب العالمين وسيد ولد ءادم أجمعين.
أما بعد عباد الله فإني أوصيكم ونفسي بتقوى الله العلي القدير فقد قال ربنا تبارك وتعالى (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا ۗ إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) فإن الله تبارك وتعالى أكرم الإنسان وتفضَّل عليه بنعم لا يحصيها في أحسن تقويم خلقه فسواه فعدله، في أحسن صورة ما شاء ركبه، وزاد في كرامته فوهبه العقل وميَّزه، ليعرِف خالقه بصفاته وفعله، فيعتقد أنَّ بارئه وبارئ كل شيء واحد لا شريك له قديم لا ابتداء له دائم لا انتهاء له حيٌّ قدير مختار سميع بصير متكلم لا شبيه له، وليتلقَّى التَّكْليف عن ربه فيعبده ويعرف نعمه، فيقدرها قدرها ويشكرها ويُثني على الله حقَّ قدره، وأوجده في الدنيا حيث شهواتها غزَّارة ونوائبها كرَّراة، وابتلاه بشيطان يقعُدُ له صراط الله المستقيم وغايته أن يضله ويغويه، وبجماع كيده يجلب عليه بخَيْلِهِ ورَجِلِهِ، فيقذف على قلبه بالشبهات والشهوات ويواليها حتى يصيب قلبه بالأمراض الفتاكة والعلل القتالة ليُعْرِض عن ربه فاطِرِهِ وبارئه ويشتغل عنه تعالى بتلك العلل والأمراض وزخْرُفِ الدنيا وما فيها من الشهوات.
إخوة الإيمان، إن وقاية القلوب من تلك الأمراض وطِبَّها من تلك العلل إنما يكون بإرشاد خالِقِها العالِمِ بها ولا سبيل إلى حصول السلامة والعافية إلا من طريق الرسل صلوات الله وسلامه عليهم ومن جهتهم فإن صلاح القلوب هو بأن تكون عارفة بربها بأسمائه وصفاته وأفعاله وأحكامه وأن تكون مؤثرة لمرضاته تعالى ولمحابته، مجتنبة لمناهيه ومساخطه، ولا سبيل إلى تلقي هذا ومعرفة ما يرضي الله وما يسخطه وما ينجي في الآخرة مما يهلك إلا من جهة الرسل المبلغين عن الله إذ ليس في العقل ما يستغني به عنهم فإنَّ العقل لا يدرك ذلك استقلالا فكانت حاجة الخلق إلى الأنبياء والرسل حاجة ضرورية فأتم الله نعمته على الخلق بأن تفضل عليهم بإرسال الرسل والأنبياء مبينين السبيل لما فيه عافيتهم وسلامتهم وسعادتهم وفلاحهم في الدنيا والآخرة.
فالأنبياء عليهم الصلاة والسلام هم صفوة الخلق اختارهم الله عز وجل على علم وفضَّلهم على العالمين، فهم عليهم الصلاة والسلام أعلم الناس وأتقى الناس وأبُّر الناس وأحلم الناس وأصبر الناس وأرحم الناس وأحسن الناس، اختصهم الله بالنبوة فضلا منه ورحمةً لا كسبا منهم واستحقاقاً فإن ربنا تبارك وتعالى يختص برحمته من يشاء ولا يجب عليه شيء سبحانه، بل الله تعالى حفظهم عما لا يليق بمنصب من يتلقى مثل هذه الأمانة فهداهم للخيرات وعصمهم من المُنَقِّصات فهم الأئمة والقدوة، قال الله تعالى (وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ ۖ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ).
والنبي إخوة الإيمان هو رجل أوحى الله إليه باتباع شرع أي جملة أحكام وأمر بتبليغه قومه، وأما النبي الرسول فهو نبي أوحى الله إليه بشرع جديد وأُمِرَ بتبليغ قومه ذلك، فكل رسول نبي وليس كل نبي رسول، فكل من الأنبياء الرسل والأنبياء غير الرسل أُمِرِ بتبليغ قومه ما أوحي إليه فقد قال الله تبارك وتعالى (كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ) فكل الأنبياء بعثوا إلى أقوامهم ليعلموهم أمور دينهم وبشروا من ءامن بالله ورسوله وعمل صالحا بالجنة وأنذروا مكذِّبَهُم بالنار.
وأما ما يقوله بعض الناس من أن النبي غير الرسول لم يؤمر بالتبليغ فغير صحيح فإن من أخصِّ صفات النبي التبليغ وإن أوذوا وحوربوا كما قال أئمة أهل العلم.
واعلموا إخوة الإيمان أن كل الأنبياء من ءادم أولهم حتى ءاخرهم محمد كانوا مسلمين ودعوْا أقوامهم إلى الإسلام بدليل قوله تعالى (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) أي كل من دان بغير الإسلام أي اتخذ غير الإسلام دينا له فلن يقبل منه وهو خاسر يوم القيامة، فنوح عليه السلام كان مسلما ودعا الإسلام وإبراهيم عليه السلام كان مسلما ودعا إلى الإسلام ويعقوب عليه السلام كان مسلما ودعا بنيه وقومه إلى الإسلام وموسى عليه السلام كان مسلما ودعا قومه إلى الإسلام وعيسى عليه السلام كان مسلما ودعا قومه إلى الإسلام، أما ما جاء في القرءان في شأن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم (قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴿162﴾ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) أي في وقت بعثته فإنه لم يكن على الأرض مختلطاً بالناس في ذلك الوقت مسلم غيره صلى الله عليه وسلم وقد قال صلى الله عليه وسلم في ما رواه الحاكم في المستدرك (الأنبياءُ إخوةٌ لِعلّات أُمَّهاتُهم شتَّى ودينُهم واحد) أي وهو الإسلام.