الرَّدُّ العِلمي عَلَى ضَلَالَاتِ محمد راتب النابلسي-6
6 سبتمبر 2018صلةُ الأرحامِ سببٌ كبيرٌ لتنَزُّلِ الرَّحمةِ مِنَ اللهِ سبحانَهُ علَى العبادِ وسببٌ فِي سعة المال وفي طول العمر بمشيئة الله تعالى
6 سبتمبر 2018الإِقْبالُ عَلى الخَيْراتِ والطّاعاتِ
إِنَّ الحَمْدَ للهِ نَحْمَدُهُ ونَسْتَعِينُهُ ونَسْتَهْدِيهِ ونَشْكُرُهُ، ونَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنا وسَيِّئاتِ أَعْمالِنَا، مَن يَهْدِ اللهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ ومَن يُضْلِلْ فَلا هادِيَ لَهُ، والصَّلاةُ والسَّلامُ على سَيِّدِنا محمَّدٍ الصّادِقِ الوَعْدِ الأَمِينِ وعَلى إِخْوانِهِ النَّبِيِّينَ والْمُرْسَلِينَ وءالِ كُلٍّ وصَحْبِ كُلٍّ الطَّيِّبِينَ الطّاهِرِينَ.
وأَشْهَدُ أَنْ لا إلهَ إلاّ اللهُ الْمُنَزَّهُ عَنِ الشَّبِيهِ والْمَثِيلِ والنِّدِّ والنَّظِيرِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْءٌ وهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ، وأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنا وحَبِيبَنا وعَظِيمَنا وقائِدَنا وقُرَّةَ أَعْيُنِنا محمَّدًا صَلّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ رَسُولُ اللهِ وخاتَمُ النَّبِيِّينَ وحَبِيبُ رَبِّ العالَمِين.
أَمّا بَعْدُ عِبادَ اللهِ، فَإِنِّي أُوصِيكُمْ ونَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ العَلِيِّ القَدِيرِ القائِلِ في مُحْكَمِ كِتابِهِ ﴿وَمَا تُقَدِّمُواْ لِأَنفُسِكُمْ مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا وَﭐسْتَغْفِرُواْ اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ٢٠﴾(سُورَةُ المزّمّل).
ويَقُولُ رَسُولُ اللهُ صَلّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ (ما مِنْ رَجُلٍ يَعُودُ مَرِيضًا مُمْسِيًا إِلاّ خَرَجَ مَعَهُ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ يَسْتَغْفِرُونَ لَهُ حَتَّى يُصْبِحَ وَكانَ لَهُ خَرِيفٌ فِى الجَنَّةِ ومَنْ خَرَجَ مُصْبِحًا خَرَجَ مَعَهُ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ يَسْتَغْفِرُونَ لَهُ حَتّى يُمْسِيَ وَكانَ لَهُ خَرِيفٌ فِى الجَنَّةِ). اهـ رَواهُ الحاكِمُ في الـمُسْتَدْرَك، والخَرِيفُ النَّخْل.
إِخْوَةَ الإِسْلامِ، إِنَّ الإِسْلامَ دِينٌ عَظِيمٌ شَرَعَ اللهُ تَعالى لَنا فِيهِ ما فِيهِ صَلاحُنا في الدُّنْيا وفَلاحُنا في الآخِرَةِ ورَضِيَ لَنا هَذا الدِّينَ الحَنِيفَ الَّذِى مَهْما حاوَلَ أَعْداؤُهُ أَنْ يَنالُوا مِنْهُ ويَكِيدُوا لَهُ ولِأَهْلِهِ ويُشِيعُوا الأَباطِيلَ والاِفْتِراءاتِ فَإِنَّهُمْ ولا شَكَّ عاجِزُونَ عَنْ أَنْ يَجِدُوا فِيهِ نَقْصًا أَوْ عَيْبًا، فَدِينُ الإِسْلامِ كامِلٌ لا نَقْصَ ولا عَيْبَ فِيهِ. والرَّسُولُ الأَعْظَمُ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ أَعْطَى اهْتِمامًا كَبِيرًا لِتَنْظِيمِ العَلاقاتِ الاِجْتِماعِيَّةِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، فَقَدْ حَضَّ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ عَلى بِرِّ الوالِدَيْنِ وطاعَتِهِما وعلى صِلَةِ الرَّحِمِ وعِيادَةِ الْمَرِيضِ في حِينِ نَجِدُ في الْمُجْتَمَعاتِ البَعِيدَةِ عَنِ الإِسْلامِ وعَنِ العَمَلِ بِتَعالِيمِهِ التَّفَكُّكَ الحاصِلَ بَيْنَ أَفْرادِ العائِلَةِ الواحِدَةِ فَإِنْ بَلَغَتِ الفَتاةُ سِنًّا مُعَيَّنًا خَرَجَتْ عَنْ طاعَةِ والِدَيْها وعاشَرَتْ مَنْ تَشاءُ وفَعَلَتْ ما يَحْلُو لَها وكَذَلِكَ يَفْعَلُ الشّابُّ.
ونَجِدُ الأَخَ لا يَعْرِفُ أَخاهُ والوَلَدَ لا يَعْرِفُ عَمَّهُ والزَّوْجَةَ تَتَّخِذُ لِنَفْسِها العُشّاقَ والزَّوْجَ يَتَّخِذُ لِنَفْسِهِ العَشِيقاتِ مِمَّا أَدَّى إِلى تَمَزُّقِ الأُسْرَةِ وسَيُؤَدِّى بِحَسَبِ العادَةِ إِلى تَمَزُّقِ الْمُجْتَمَعِ وتَفَكُّكِ الدُّوَلِ فَضْلاً عَنْ عَذابِ الآخِرَةِ لِمَنْ لَمْ يَتُبْ، وكُلُّ هَذا بِسَبَبِ البُعْدِ عَنْ تَعالِيمِ نَبِيِّ الْهُدَى سَيِّدِنا محمَّدٍ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ.
أَخِي الْمُسْلِمَ، إِنَّ في حَدِيثِ رَسُولِ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلَّمَ الَّذِى ذَكَرْناهُ في أَوَّلِ خُطْبَتِنا دَعْوَةً لِلتَّضامُنِ والتَّآلُفِ والتَّوادِّ، فَالْمُسْلِمُ الَّذِى يَعُودُ مَرِيضًا مُسْلِمًا مُمْسِيًا أي في الْمَساءِ وهُوَ ما بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ خَرَجَ مَعَهُ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ يَسْتَغْفِرُونَ لَهُ حَتَّى يُصْبِحَ ويَكُونُ لَهُ بُسْتانٌ في الجَنَّةِ ومَنْ خَرَجَ لِزِيارَةِ الْمَرِيضِ صَباحًا أَيْ بَعْدَ الفَجْرِ خَرَجَ مَعَهُ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ يَسْتَغْفِرُونَ لَهُ حَتَّى يُمْسِىَ ويَكُونُ لَهُ بُسْتانٌ في الجَنَّةِ.
فَمَنْ بَكَّرَ في عِيادَةِ الْمَرِيضِ الْمُسْلِمِ فَعادَهُ قَبْلَ الظُّهْرِ كانَ ذَلِكَ أَكْثَرَ فائِدَةً ونَفْعًا لَهُ مِمّا لَوْ زارَهُ بَعْدَ الظُّهْرِ، لِأَنَّ الْمَلائِكَةَ يَخْرُجُونَ مَعَهُ مِنْ وَقْتِ خُرُوجِهِ لِعِيادَةِ هَذا الْمَرِيضِ الْمُسْلِمِ ويَسْتَغْفِرُونَ لَهُ إِلى ءاخِرِ النَّهارِ، وكَذَلِكَ مَنْ بَكَّرَ في اللَّيْلِ فَعادَهُ بَعْدَ الْمَغْرِبِ كانَ أَكْثَرَفائِدَةً لَهُ ونَفْعًا مِمّا لَوْ عادَهُ بَعْدَ ثَلاثِ أَوْ أَرْبَعِ ساعاتٍ مِنْ غُرُوبِ الشَّمْسِ. ومِمّا يَكْسِبُهُ الْمُسْلِمُ بِعِيادَةِ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ الْمَرِيضِ أَنَّ اللهَ تَبارَكَ وتَعالى يَجْعَلُ لَهُ بُسْتانًا في الجَنَّةِ والبُسْتانُ في الجَنَّةِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيا وما فِيها فَما مِنْ شَجَرَةٍ في الجَنَّةِ إِلاّ وساقُها مِنْ ذَهَبٍ وثِمارُها غَيْرُ مَقْطُوعَةٍ ولا مَمْنُوعَةٍ إِلى أَبَدِ الآبِدِينَ كُلَّما قَطَعَ الرَّجُلُ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ ثَمَرَةً عادَ مَكانَها مِثْلُ الَّتي قَطَفَها، وطَعْمُ ثِمارِ الجَنَّةِ لا يُقاسُ بِطَعْمِ ثِمارِ الدُّنْيا وكَذَلِكَ الرّائِحَةُ لا نِسْبَةَ بَيْنَهُما وكَذَلِكَ مِنْ حَيْثُ حُسْنُ الْمَنْظَرِ لا نِسْبَةَ في ذَلِكَ بَيْنَ ثَمَرِ الجَنَّةِ وثَمَرِ الدُّنْيا إِلاّ أَنَّ الاِسْمَ واحِدٌ، هُنا في الدُّنْيا يُوجَدُ نَخْلٌ وتَمْرٌ ورُطَبٌ وتُفّاحٌ وتِينٌ وهُناكَ في الجَنَّةِ نَخْلٌ وتَمْرٌ ورُطَبٌ وتُفّاحٌ وتِينٌ وغَيْرُ ذَلِكَ، فَثِمارُ الجَنَّةِ تَتَّفِقُ مَعَ ثِمارِ الدُّنْيا في الاِسْمِ أَمّا مِنْ حَيْثُ الطَّعْمُ والْمَنْظَرُ والرّائِحَةُ فَلا نِسْبَةَ بَيْنَهُما.
فَبِهَذِهِ الحَسَنَةِ يا أَخِي الْمُسْلِمَ أَيْ عِيادَةِ الْمَرِيضِ الْمُسْلِمِ يُعْطِى اللهُ سُبْحانَهُ الْمُسْلِمَ الَّذِى عادَ أَخاهُ الْمَرِيضَ هَذا الثَّوابَ العَظِيمَ لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ تَكُونَ عِيادَتُهُ خالِصَةً لِوَجْهِ اللهِ تَعالى أَيْ أَنْ يَنْوِىَ عِنْدَما يَعُودُ أَخاهُ الْمَرِيضَ الْمُسْلِمَ أَنَّهُ يَعُودُهُ للهِ تَعالى أي ابْتِغاءَ مَرْضاةِ اللهِ.
وأَمّا مَنْ كانَ يَعُودُ الْمَرِيضَ ويَقُولُ في نَفْسِهِ أَنا أَزُورُهُ الآنَ حَتّى يُكافِئَنِى فِيما بَعْدُ إِذا تَعافَى فَلا تَكُونُ عِيادَتُهُ هَذِهِ للهِ تَعالى، وكَذا الَّذِى يَعُودُ الْمَرِيضَ لِيُقالَ عَنْهُ فُلانٌ يَحْفَظُ الوُدَّ والعَهْدَ فَإِنَّهُ لا ثَوابَ لَهُ في هَذا بَلْ عَلَيْهِ إِثْمُ الرِّياءِ وهُوَ إِثْمٌ كَبِيرٌ.
أَخِي الْمُسْلِمَ إِنَّ الرَّسُولَ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ حَضَّ أُمَّتَهُ عَلى الْمُبادَرَةِ إِلى الخَيْراتِ والْمُسارَعَةِ إِلى الطّاعاتِ وعَلى قَضاءِ حَوائِجِ النّاسِ قَبْلَ انْشِغالِهِمْ بِالفِتَنِ وقَبْلَ قِيامِ السّاعَةِ كَما رَواهُ مُسْلِمٌ، وقالَ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ (مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيا نَفَّسَ اللهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ القِيامَةِ ومَنْ يَسَّرَ عَلى مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللهُ عَلَيْهِ في الدُّنْيا والآخِرَةِ ومَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللهُ في الدُّنْيا والآخِرَةِ واللهُ في عَوْنِ العَبْدِ ما كانَ العَبْدُ في عَوْنِ أَخِيهِ). اهـ رَواهُ مُسْلِمٌ
إِخْوَةَ الإِيمانِ، أَلَيْسَ الحَرِيُّ بِنا أَنْ نَلْتَزِمَ بِكَلامِ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فَنَـزُورَ الْمَرْضَى ونُنَفِّسَ كُرُباتِ الْمَكْرُوبِينَ وأَنْ نُيَسِّرَ عَلى الْمَعْسُورِينَ وأَنْ نَقْضِىَ حَوائِجَ الْمُحْتاجِينَ ونَمُدَّ يَدَ الْمَعُونَةِ والنَّجْدَةِ لِلْمَنْكُوبِينَ مِنْ إِخْوانِنا الْمُسْلِمِينَ، أَلَيْسَ فِينا الْمَحْرُومُ والْمِسْكِينُ والْمُعْدَمُ واليَتِيمُ، أَوَلَيْسَ فِينا الغَنِىُّ والْمُوسِرُ ومَنْ يَقْدِرُ عَلى سَدِّ ضَرُوراتِ الْمُحْتاجِينَ؟ أَخِي الكَرِيـمَ زِيارَتُكَ لِأَخِيكَ الْمَرِيضِ تُخَفِّفُ مِنْ ءالامِهِ وتُساعِدُهُ عَلى الصَّبْرِ، وزِيارَةُ أَخِيكَ الْمَهْمُومِ تُزِيلُ عَنْهُ شَيْئًا مِنْ هُمُومِهِ وأَحْزانِهِ، وإِغاثَتُكَ أَخاكَ الْمَلْهُوفَ أَوِ الْمُحْتاجَ تُدْخِلُ الفَرْحَةَ إِلى قَلْبِهِ وتُساعِدُهُ على طاعَةِ اللهِ. بَلْ قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلّمَ (لاَ تَحْقِرَنَّ مِنَ الْمَعْرُوفِ شَيْئًا ولَوْ أَنْ تَلْقَى أَخاكَ بِوَجْهٍ طَلِقٍ). اهـ رَواهُ مُسْلِمٌ
وهَذا يا أَخِي الْمُسْلِمَ مِنْ أَسْهَلِ الحَسَناتِ، أيْ أَنْ تَلْقَى أَخاكَ الْمُسْلِمَ بِوَجْهٍ طَلِقٍ بَشُوشٍ فَيَدْخُلَ السُّرُورُ إِلى قَلْبِهِ.
أَخِي الْمُسْلِمَ اشْكُرِ اللهَ عَلى نِعْمَةِ الإِسْلامِ وعَلى بِعْثَةِ محمَّدٍ خَيْرِ الأَنامِ وَأسْأَلْهُ سُبْحانَهُ وتَعالى أَنْ يَجْعَلَكَ مِنَ الْمُقْبِلِينَ عَلى الخَيْراتِ الْمُبادِرِينَ إِلى الطّاعاتِ والْمَبَرَّاتِ إِنَّهُ سَمِيعٌ مُجِيبٌ.
اَللَّهُمَّ حَسِّنْ أَحْوالَنا وَاخْتِمْ بِالصّالِحاتِ أَعْمالَنا وَاجْعَلْنا مِنَ الفائِزِينَ الغانِمِينَ في الآخِرَةِ يارَبَّ العالَمِين.
هَذا وأَسْتَغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ لي ولَكُم.