ثبوت رمضان برؤية الهلال عيانيا لا بولادته حسابيا
2 أكتوبر 2018للأشاعرة قولان مشهوران في إثبات الصفات
4 أكتوبر 2018الاستقامة على الطاعة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونشكره ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا مثيل له ولا ضد ولا ند له، ولا زوجة ولا ولد له، رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إَذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَابُ، رَبَّنَا لجأنا إليك فثبتنا على دين محمّد، وثبتنا على شرع محمّد، وثبتنا على نهج محمّد، وأمدنا بأمداد محمّد عليه الصلاة والسلام، وأشهد أن سيدنا محمّدًا عبده ورسوله وصفيه وحبيبه وخليله، بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة فجزاه الله عنا خير ما جزى نبيًا من أنبيائه، اللهُم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمّد وعلى ءاله وأصحابه الطيبين الطاهرين.
أما بعدُ عبادَ الله فإني أوصيكُمْ ونَفْسِي بتقوى اللهِ العليِ القديرِ القائلِ (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ) وقال الله تعالى (فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ).
وعَنْ سُفْيَانَ بْنِ عَبْدِ الله الثَّقَفِيِّ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، قُلْ لِي فِي الإِسْلاَمِ قَوْلاً لاَ أَسْأَلُ عَنْهُ أَحدًا غَيْرَكَ. قَالَ (قُلْ آمَنْتُ بِاللَّه ثم اسْتَقِمْ). رواه أحمد ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه.
وهذا من جوامع كلمه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم وهو مطابق لقوله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا) أي وحَّدوا الله وآمنوا به ثمَّ استقاموا، فلم يحيدوا عن التَّوحيد والتزموا طاعته سبحانه إلى أن ماتوا على ذلك.
والاستقامة درجة بها كمال الأمور وتمامها، وبوجودها حصول الخيرات ونظامها، ومن لم يكن مستقيمًا في حالته ضاع سعيه وخاب جهده، وقيل الاستقامة لا يطيقها إلاَّ الأكابر لأنَّها الخروج عن المعهودات، ومفارقة الرُّسوم والعادات، وهي الخصلة الَّتي بها كملت المحاسن.
إخوة الإيمان والإسلام، ها قد مضى شهر رمضان المبارك وانقضى، فطوبى لمن قبل الله تعالى منه، وطوبى لمن ثبت على الطاعة بعد رمضان، فالله الله في الثبات على الأعمال الصالحة، واعلموا عباد الله أنه وإن انقضى شهر رمضان فإن عمل المؤمن لا ينقضي إلا بالموت، ورب الشهور واحد وهو الله رب العالمين، فاتقوه واثبتوا على طاعته، قال الله عزَّ وجلَّ (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ) وإياكم أن تكونوا كأولئك الذين أقبلوا على الطاعة في رمضان، وما أن فارقنا رمضان حتى هم فارقوا الطاعات، وأصابهم الفتور بعد الجد في العبادة، والكسل بعد النشاط في الطاعة.
نعم انتهى شهر رمضان وربح فيه من ربح وخسر فيه من خسر وقُبل فيه من قُبل، ولكن لا يزال لديكم من الأعمال الصالحة ما يعد من المواسم المستمرة، هذه الصلوات الخمس المفروضة، وهذا تعلم العلم الشرعي وتعليمه، وهذا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهذه نوافل العبادات من صلاة وصيام وصدقة، وهكذا سائر الأعمال الصالحة.
ولئِن انقَضَى قيامُ شهرِ رمضانَ فإنَّ قيام الليل لا يزالُ مشروعًا ولله الحمدُ في كلِّ ليلةٍ من ليالِي السَّنَةِ، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم يقوم من الليل حتى تتفطر قدماه، [دون أن يصل الأمر إلى حد الإضرار بالنفس] فقلت له: لم تصنع هذا يا رَسُول اللَّهِ وقد غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال (أفلا أكون عبدًا شكورًا) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.
وعن عبدِ الله بن سَلاَم رضي الله عنه أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلّم قال (أيُّها الناسُ أفْشُوا السَّلامَ وأطِعموا الطعامَ وصِلُوا الأرحامَ وصَلُّوا بالليل والناسُ نيامٌ تَدْخلوا الجنةَ بسَلامِ)، رواه الترمذيُّ وقال حسن صحيح.
ولقد قالت أم سليمان بن داود عليهما السلام لابنها سليمان عليه السلام (يا بني! لا تكثر النوم بالليل فإن كثرة النوم بالليل تترك الرجل فقيرًا يوم القيامة) رواه ابن ماجه.
فكم هي عظيمةٌ فرحةُ العبدِ المؤمنِ الصالح بما قامَ بهِ منَ الخيرات في رمضان، وكم هو عظيمٌ ثباتُه عليها بعدَ رمضان من الإمساكِ عن الكلام الذي لا يُرضِي الله، من الابتعاد عمّا حرّم الله، وكذلك من الثبات على طاعةِ الله، كالإقبال بهمّةٍ عاليةٍ إلى مجالسِ علمِ الدِّين، لا تشبع يا عبد الله من تحصيل علمِ الدين، فقد قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم (لا يشبعُ مؤمنٌ مِن خيرٍ يسمَعُه حتى يكونَ مُنتهاهُ الجنّة) لأجلِ هذا قالَ بعضُ العلماءِ علمُ الدّين من المهد إلى اللحد، فالمؤمنُ على حسبِ رغبتِه في علمِ الدّين تعلو درجتُه عندَ الله وذلك لأنَّ العلمَ حياةُ الإسلام، وأشرفُ العلمِ العلمُ بالله ورسولِه محمّد صلى الله عليه وسلم.
وأذكركم عباد الله بصيامِ سِتٍّ من شوال، ففي صحيح مسلمٍ من حديثِ أَبِي أَيُّوبَ الأَنْصَارِيّ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (مَنْ صَامَ رَمَضَانَ وَأَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ، كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْر).
قال العلماء: والأفضل أن تصام الستة متوالية عقب يوم الفطر، فإن فرقها أو أخرها عن أوائل شوال إلى أواخره حصلت فضيلة المتابعة لأنه يصدق أنه أتبعه ستًا من شوال.
قال العلماء: وإنما كان ذلك كصيام الدهر لأن الحسنة بعشر أمثالها، فرمضان بعشرة أشهر والستة بشهرين. اهـ
وبصيامِ ثلاثةِ أيام من كلِّ شهرٍ قال فيها النبيُّ صلى الله عليه وسلّم (ثَلاَثٌ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، وَرَمَضَانُ إِلَىَ رَمَضَانَ، فَهَذَا صِيَامُ الدَّهْرِ كُلِّهِ) رواه أحمد ومسلم.
وقال أبو هريرة رضي الله عنه (أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم بصيام ثلاثة أيامٍ من كل شهرٍ) رواه البخاري ومسلم.
وعن جرير بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (صيام ثلاثة أيامٍ من كل شهرٍ صيام الدهر أيام البيض ثلاث عشرة وأربع عشرة وخمس عشرة) رواه النسائي بإسنادٍ حسنٍ.
اللهمّ إنّا نسألُك حُبَّكَ، وحبَّ مَن يحبُّكَ، والعملَ الذي يُبلّغُنَا حُبَّك، اللهمّ اجعلْ حبَّكَ أحبَّ إلينا مِن أنفُسِنا، ومِن أهلِنَا ومِن الماءِ البارد.
هذا وأستغفر الله لي ولكم.