الْعَشْرُ الأوَاخِرُ
2 سبتمبر 2018البسمَلَة هِيَ مِنَ القُرءَانِ إجمَاعًا فهِي بَعضُ ءَايةٍ مِنْ سُورةِ النملِ إجمَاعًا
3 سبتمبر 2018الاستقامة على الطاعة
الحمد لله نحمده سبحانه وتعالى ونستهديه ونشكره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا مثيل له ولا ضد ولا ند ولا أعضاء ولا هيئة ولا صورة ولا شكل ولا مكان له، وأشهد أنّ سيدنا وحبيبنا وعظيمنا وقائدنا وقرة أعيننا محمدًا عبده ورسوله وصفيه وحبيبه بلّغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة فجزاه الله عنا خير ما جزى نبيًا من أنبيائه اللهم صل على محمد صلاة تقضي بها حاجاتنا وتفرج بها كرباتنا وتكفينا بها شر اعدائنا وسلم عليه وعلى ءاله سلامًا كثيرًا.
أما بعد، فيا أيها الناس اتقوا الله تعالى حق تقاته، عباد الله، قال الله تعالى (وَمَا خَلَقْتُ ٱلْجِنَّ وَٱلإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ) [الذاريات 56].
فالعبد خُلق لعبادة الله، فلا تصلح حياة العبد ولا تستقيم إلا بعبادة ربه، والله عز وجل قد أمر نبيه صلى الله عليه وسلم بالاستمرار على العبادة، والدوام عليها إلى أن يأتيه أجله، قال الله تعالى (وَٱعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّىٰ يَأْتِيَكَ ٱلْيَقِينُ) [الحجر 99]، اعبد ربك، الزم عبادته، واستقم عليها إلى أن يوافيك الأجل، فتلقى الله وأنت عابدٌ له، ولهذا كان نبينا صلى الله عليه وسلم أعظم الناس طاعةً لله، وملازمةً للعبادة، لا يفتر عنها، ويقول لما قيل له وقد تورمت قدماه من قيام الليل (أَفَلاَ أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا؟!) رواه البخاري ومسلم وغيرهما.
أيها المسلم، إن الاستقامة على العبادة دليلٌ على الرغبة في الخير، وعنوان قوة الإيمان، الاستقامة لزومُ الطريق المستقيم، الاستقامة لزوم الطاعة والثبات عليها في كل ءان وحين، وإن كان المسلم في مواسم الخير يضاعف جهوده، لكنه لا ينقطع عن العبادة بعد ذلك، فإن استقامته على الطاعة يدل على قوة الإيمان وقوة اليقين.
فالاستقامة وسط بين الانحراف وبين الغلو في دين الله، الاستقامة لزوم الطريق المستقيم الذي شرعه الله، قال تعالى (وَٱسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ) [الشورى 15]، وهذا ما عليه الصالحون، قال الله تعالى (إِنَّ ٱلَّذِينَ قَالُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُ ثُمَّ ٱسْتَقَـٰمُواْ) [فصلت 30]، استقاموا على الطريق الواضح والمنهج القويم.
أيها المسلم، إن كان رمضان مضى بخيره وبركته، نسأل الله أن يتقبله منَّا ومنكم، فليس معنى ذلك أن عبادة المسلم قد انقضت وتوقفت، لا، بل العبادة باقية، والمسلم سائر عليها، مستقيم عليها، قد أخذ من رمضان عظة وعبرة، فرمضان هذّبه، ورمضان أقام اعوجاجه، ورمضان هداه للخير، ورمضان روَّض تلك النفس، وأعدها الإعداد الصحيح لتكون سائرة على وفق منهج الصالحين.
أيها المسلم، ولئن كان موسم الخير تُضاعف فيه الأعمال، لكن لا يلزم من ذلك أن تنقطع عن العمل بعد رمضان، فكن محافظا على طاعة الله من صلاة وإحسان وتلاوة قرءان وتقرب إلى الله بنوافل الطاعة، يقول الله تعالى في الحديث القدسي (وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ) رواه البخاري.
إذًا أيها المسلم، فتقرب إلى الله بالنوافل بعد الفرائض، واحرص على ذلك عسى أن تكون موفقًا لقبول عملك، وإنَّ من علامة قبول العمل الصالح أن يُتبَع بأعمال صالحة، (إِنَّ ٱلْحَسَنَـٰتِ يُذْهِبْنَ ٱلسَّـيّئَـٰتِ ذٰلِكَ ذِكْرَىٰ لِلذكِرِينَ) [هود 114]، فأعقب العمل الصالح بالعمل الصالح، واحذر أن تعقبه بعمل سيئ، وفي الحديث في وصية النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ رضي الله عنه (اتَّقِ اللهَ حيثُ ما كُنتَ وأتبعِ السَّيِّئةَ الحسَنَةَ تمحُها وخالِقِ النَّاسَ بخلُقٍ حسنٍ) رواه الترمذي.
أيها المسلم، يا من وفقك الله فصُمت رمضان كاملاً، وتلوت ما يسر الله لك من تلاوة القرءان، وقيام ما يسر الله لك من قيام ليله، فاحمد الله على هذه النعمة، وقل الحمد لله رب العالمين.
أيها المسلم، ذُقت لذة الصيام، وطيبَ الصيام، ونتائجَ الصيام، وسمعت الأخبار عن المصطفى صلى الله عليه وسلم في فرض الصيام، إذْ سمعت هذا فاعلم رحمك الله أن نبيك صلى الله عليه وسلم شرع لك صيامًا في أيام متعددة، فشرع لك أن تصوم ستة أيام من شوال تتبع بها رمضان، يقول نبيك صلى الله عليه وسلم (مَنْ صَامَ رَمَضَانَ وَأَتْبَعَهُ سِتَّــًا مِنْ شَوَّالٍ، كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ) رواه مسلم وغيره، والأفضل أن تصام الستة متوالية عقب يوم الفطر، فإن فرقها أو أخرها عن أوائل شوال إلى أواخره حصلت فضيلة المتابعة لأنه يصدق أنه أتبعه ستًا من شوال.
قال العلماء: وإنما كان ذلك كصيام الدهر لأن الحسنة بعشر أمثالها، فرمضان بعشرة أشهر والستة بشهرين، وقد جاء هذا في حديث مرفوع في كتاب النسائي.
أخي المسلم، وشرع لك نبيك صيام ثلاثة أيام من كل شهر، قال أبو هريرة رضي الله عنه (أَوْصَانِي خَلِيلِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِثَلاثٍ صِيَامِ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ وَرَكْعَتَيْ الضُّحَى وَأَنْ أُوتِرَ قَبْلَ أَنْ أَنَامَ). رواه البخاري وغيره.
وقد سن لك صيام يوم عرفة ويوم عاشوراء، فقال (صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ أَحْتَسِبُ عَلَىَ اللهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ، وَصِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ أَحْتَسِبُ عَلَىَ اللهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ) رواه مسلم.
والكمال أن يصوم الإنسان يومًا ويفطر يومًا.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إِنَّ أَحَبَّ الصِّيَامِ إِلَىَ اللهِ صِيَامُ دَاوُدَ، كَانَ يَصُومُ يَوْمًا وَيُفْطِرُ يَوْمًا) رواه مسلم وغيره.
وشرع صيام يوم الاثنين، ولما َسُئِلَ عَنْ ذلك؟ قَالَ (ذَاكَ يَوْمٌ وُلِدْتُ فِيهِ، وَيَوْمٌ أُنْزِلَ عَلَيَّ فِيهِ) رواه مسلم.
وشرع صيام الخميس مع الاثنين، وقال عليه الصلاة والسلام (تُعرَضُ الأَعمالُ يومَ الاثنَينِ والخَمِيسِ فأحِبُّ أَنْ يُعرَضَ عملي وأَنا صائمٌ) رواه الترمذي.
أيها المسلم، هذه من أنواع الصيام، فلا تبخل عن نفسك بصيام أحد هذه النوافل لتنال الخير من ربك سبحانه وتعالى.
كما أن قيام الليل ما انقضى بعد رمضان، فنبيك كان يقوم الليل، كان يحافظ على قيام الليل، فحافظ عليه قدر استطاعتك، وتقرب إلى الله بتلاوة كتابه العزيز، وفعل الخير، وكن على الخير مستقيمًا دائمًا.
أسأل الله أن يقبل منا أعمالنا وأن يعيننا على شكره وذكره وحسن عبادته، إنه على كل شيء قدير.
هذا وأستغفر الله لي ولكم