الأَشَاعِرَة وَالْمَاتُرِيدِيَّة
15 ديسمبر 2018إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ
16 ديسمبر 2018التَّحْذِيرُ مِنْ شُرْبِ الخَمْرِ والمُخَدِّراتِ والوَشْمِ
التَّحْذِيرُ مِنْ شُرْبِ الخَمْرِ والمُخَدِّراتِ والوَشْمِ
إِنَّ الحَمْدَ للهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَهْدِيهِ وَنَشْكُرُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَتُوبُ إِلَيْهِ وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَه، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَه. وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ ولا مَثِيلَ لهُ ولا ضِدَّ لَهُ ولا نِدَّ لَهُ ولا شَكْلَ لَهُ ولا صُورَةَ لهُ ولا أَعْضاءَ لَهُ ولا جَوارِحَ لَهُ ولا جِهَةَ لَهُ ولا مَكانَ لَهُ. وأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنا وحَبِيبَنا وعَظِيمَنا وقائِدَنا وقُرَّةَ أَعْيُنِنا مُحمّدًا عَبْدُهُ ورَسُولُهُ وصَفِيُّهُ وحَبِيبُهُ، صَلَّى اللهُ عَلى سَيِّدِنا محمَّدٍ صَلاةً يَقْضِي بِها حاجاتِنا ويُفَرِّجُ بِها كُرُباتِنا وسَلَّمَ عَلَيْهِ وعَلى ألِهِ وإِخْوانِهِ النَّبِيِّينَ والمُرْسَلِينَ سَلامًا كَثِيرًا.
وبَعْدُ عِبادَ اللهِ فَأُوصِي نَفْسِيَ وَإِيّاكُمْ بِتَقْوَى اللهِ العَظِيمِ وأُذَكِّرُكُمْ بِقَوْلِهِ عَزَّ وجَلَّ ﴿وَٱتَّقُواْ يَوۡمٗا تُرۡجَعُونَ فِيهِ إِلَى ٱللَّهِۖ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفۡسٖ مَّا كَسَبَتۡ وَهُمۡ لَا يُظۡلَمُونَ ٢٨١﴾ (سورة البقرة/281).
يَقُولُ اللهُ تَعالى في القُرْأنِ الكَرِيمِ ﴿وَتِلۡكَ حُدُودُ ٱللَّهِۚ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ ٱللَّهِ فَقَدۡ ظَلَمَ نَفۡسَهُ﴾ (سورة الطلاق/1).
وعَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ الخُشَنِيِّ جُرْثُومِ بْنِ ناشِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليْهِ وسَلَّمَ قالَ (إِنَّ اللهَ تَعالى فَرَضَ فَرائِضَ فَلَا تُضَيِّعُوهَا وَحَدَّ حُدُودًا فَلَا تَعْتَدُوهَا وَحَرَّمَ أَشْيَاءَ فَلَا تَنْتَهِكُوهَا) رواه الدارقطني.
اعْلَمُوا أَيُّها الأَحِبَّةُ أَنَّ مَنْ أَرادَ السَّلامَةَ ونَيْلَ الدَّرَجاتِ العُلْيَا في الآخِرَةِ فَعَلَيْهِ بِتَقْوَى اللهِ تَعالى فَإِنَّ التَّقْوَى سَبِيلُ الفَلاحِ والسَّعادَةِ والكَيِّسُ مَنْ دانَ نَفْسَهُ وأَلْزَمَها التَّقْوَى لا سِيَّما في هَذا الزَّمَنِ الَّذِي نَعِيشُ فِيهِ حَيْثُ فَشَتِ المُنْكَراتُ، وزادَتْ في الناسِ السَّيِّئاتُ وأَغْوَى الشَّيْطانُ كَثِيرًا مِنْ عِبادِ اللهِ فَصَرَفَهُمْ عَنْ طَرِيقِ التَّقْوَى فَمِنْهُمْ مَنْ وَصَلَ إِلى حَدِّ الكُفْرِ والعِياذُ بِاللهِ تَعالى ومِنْهُمْ مَنْ وَصَلَ إِلى حَدِّ اقْتِرافِ الكَبائِرِ والمُوبِقاتِ وغَفَلَ عَنْ ذِكْرِ المَوْتِ والآخِرَةِ فَتَراهُ يَتَخَبَّطُ في المَعاصِي والآثامِ فَلا يَتَّعِظُ بِالأَمْواتِ الَّذِينَ سَبَقُوهُ ولا يَزْجُرُهُ الشَّيْبُ الَّذِي نَزَلَ بِرَأْسِهِ فَإِلَى مَتَى الغَفْلَةُ وإِلَى مَتَى التَّمادِي فِيما حَرَّمَ اللهُ فَطُوبَى لِمَنِ اغْتَنَمَ أَنْفاسَهُ بِما يَكُونُ لَهُ ذُخْرًا في أُخْراهُ وأَرْضَى خالِقَهُ قَبْلَ أَنْ يَلْقاهُ.
أَيُّها الأَحِبَّةُ، إِنَّنا نُذَكِّرُكُمُ الاِسْتِعْدادَ لِلْآخِرَةِ فَإِنَّ الدُّنْيا إِلى زَوالٍ، والآخِرَةَ دارُ القَرارِ ونَحُثُّكُمْ عَلى تَقْوَى اللهِ حَثًّا بالِغًا والتَّقْوَى هِيَ أَداءُ الواجِباتِ واجْتِنابُ المُحَرَّماتِ فَلا يَكُونُ العَبْدُ مِنَ المُتَّقِينَ ما دامَ يَتْرُكُ شَيْئًا مِمَّا افْتَرَضَهُ اللهُ عَلَيْهِ لا يَكُونُ العَبْدُ مِنَ المُتَّقِينَ ما دامَ يَقْتَرِفُ شَيْئًامِمّا حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ وما أَكْثَرَ الناسَ الَّذِينَ ابْتَعَدُوا عَنِ التَّقْوَى اليَوْمَ وراحُوا يَنْغَمِسُونَ فيالمُحَرَّماتِ ولَوْ أَرَدْنا أَنْ نَسْتَعْرِضَ حالَ كَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ اليَوْمَ وما يَتَعاطَوْنَهُ مِنَ الحَرامِ لَضاقَ بِنا المَقامُ لَكِنَّنِي أَحْبَبْتُ في خُطْبَتِي هَذِهِ أَنْ أُنَبِّهَ وأُحَذِّرَ مِنْ ثَلاثَةِ أُمُورٍ تَفَشَّتْ في المُجْتَمَعِ والعِياذُ بِاللهِ تَعالى وهِيَ شُرْبُ الخَمْرِ وتَعاطِي المُخَدِّراتِ والوَشْمُ وكُلُّها مِنَ المَعاصِي الَّتِي نَهَى اللهُ عَنْها وحَذَّرَ رَسُولَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ مِنْها.
وغَنِيٌّ عَنِ البَيانِ ما لِلْخَمْرِ مِنْ أَضْرارٍ عَلى الصَّعِيدِ الصِّحِّيِّ والاِجْتِماعِيِّ فَهِيَ مَعَ التَّأْثِيرِ عَلى العَقْلِ تُسَبِّبُ أَضْرارًا أُخْرَى كَثِيرَةً والعِياذُ بِاللهِ ولَقَدْ صَدَقَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ حَيْثُ قالَ (لاَ تَشْرَبِ الخَمْرَ فَإِنَّها مِفْتاحُ كُلِّ شَرٍّ) رَواهُ ابْنُ ماجَه.
فَكَمْ وكَمْ مِنَ النّاسِ اقْتَتَلُوا وسَفَكَ بَعْضُهُمْ دِماءَ بَعْضٍ بِسَبَبِ السُّكْرِ الشَّدِيدِ وكَمْ مِنَ الناسِ خَسِرُوا ثَرَواتِهِمْ وجَنَى أَعْمارِهِمْ في القِمارِ والمُراهَناتِ وهُمْ تَحْتَ تَأْثِيرِ الخَمْرِ وكَمْ مِنَ الناسِ اغْتَصَبُوا أَقْرَبَ الناسِ إِلَيْهِمْ وهُمْ تَحْتَ وَطْأَةِ تَأْثِيرِ الخَمْرِ ومِنَ المُؤْسِفِ أَنَّ كَثِيرًا مِنَ الشُّبّانِ يَظُنُّونَ أَنَّ تَناوُلَ الخَمْرِ سِمَةٌ مِنْ سِماتِ التَّقَدُّمِ في حِينِ أَنَّ اللُّجُوءَ إِلى المَشْرُوباتِ الكُحُولِيَّةِ فَضْلاً عَنْ ضَرَرِهِ العُضْوِيِّ والنَّفْسِيِّ والاِجْتِماعِيِّ والاِقْتِصادِيِّ هُوَ سِمَةُ ضِعافِ النُّفُوسِ والعِياذُ بِاللهِ تَعالى.
وتَرَى مِنَ الناسِ مَنْ يَذْهَبُ أَبْعَدَ مِنْ ذَلِكَ فَمَعَ تَعاطِيهِ الخَمْرَ يُضِيفُ إِلى ذَلِكَ خَصْلَةً أُخْرَى مِنْ خِصالِ الشَّرِّ وقَبِيحَةً أُخْرَى مِنَ القَبائِحِ الَّتِي نَهَى عَنْها رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فَتَراهُ يَجْمَعُ مَعَ شُرْبِ الخَمْرِ تَعاطِيَ المُخَدِّراتِ ولا يَخْفَى ما تُؤَدِّي إِلَيْهِ المُخَدِّراتُ مِنَ الضَّعْفِ والمَرَضِ والعَجْزِ مَعَ ما يَلْحَقُ صاحِبَها مِنَ الإِثْمِ ولِهَؤُلاءِ نَقُولُ: قالَ اللهُ تَعالى ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ ٱلشَّيۡطَٰنُ أَن يُوقِعَ بَيۡنَكُمُ ٱلۡعَدَٰوَةَ وَٱلۡبَغۡضَآءَ فِي ٱلۡخَمۡرِ وَٱلۡمَيۡسِرِ وَيَصُدَّكُمۡ عَن ذِكۡرِ ٱللَّهِ وَعَنِ ٱلصَّلَوٰةِۖ فَهَلۡ أَنتُم مُّنتَهُونَ٩١﴾ (سورة المائدة/91).
فَقَوْلُهُ تَعالى ﴿فَهَلۡ أَنتُم مُّنتَهُونَ﴾ مِنْ أَبْلَغِ ما يُنْهَى بِهِ كَأَنَّهُ قِيلَ قَدْ تُلِيَ عَلَيْكُمْ ما فِيهِما (أَيِ الخَمْرِ والمَيْسِرِ) مِنْ أَنْواعِ الصَّوارِفِ والزَّواجِرِ فَهَلْ أَنْتُمْ مَعَ هَذِهِ الصَّوارِفِ مُنْتَهُونَ أَمْ أَنْتُمْ عَلى ما كُنْتُمْ عَلَيْهِ كَأَنْ لَمْ تُوعَظُوا ولَمْ تُزْجَرُوا، والمَيْسِرُ القِمارُ ورَوَى الإِمامُ أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما قالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ (أَتانِي جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلامُ فَقالَ يا مُحَمَّدُ إِنَّ اللهَ لَعَنَ الخَمْرَ وعاصِرَها ومُعْتَصِرَها وبائِعَها ومُبْتاعَها وشارِبَها وأكِلَ ثَمَنِها وحامِلَها والمَحْمُولَةَ إِلَيْهِ وساقِيها ومُسْتَقِيها).
ورَوَى أَبُو داوُدَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ (نَهَى عَنْ كُلِّ مُسْكِرٍ ومُفَتِّرٍ)، والمُفَتِّرُ هُوَ ما يُحْدِثُ في الجِسْمِ والعَيْنِ أَثَرًا ضارًّا، وفي الحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلى تَحْرِيمِ تَعاطِي المُخَدِّراتِ مِثْلِ الحَشِيشَةِ والأَفْيُونِ بَلْ إِنَّ كُلَّ ما يُؤَدِّي بِالإِنْسانِ إِلى الهَلاكِ فَهُوَ حَرامٌ أَنْ يَتَعاطاهُ كَما دَلَّ عَلى ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعالى ﴿وَلَا تَقۡتُلُوٓاْ أَنفُسَكُمۡۚ﴾ (سورة النساء/29) (سورة المائدة/91).
ثُمَّ لِيُعْلَمْ أَيْضًا أَنَّ مِنَ الناسِ مَنْ يَزِيدُ إِثْمُهُ ويَتَفاقَمُ شَرُّهُ فَإِذا بِهِ مَعَ شُرْبِ الخَمْرِ وتَعاطِي المُخَدِّراتِ يَضُمُ إِلَيْهِما مَعْصِيَةً أُخْرَى دَرَجَ عَلَيْها كَثِيرٌ مِنَ الناسِ اليَوْمَ وهِيَ الوَشْمُ وهِيَ مِنَ الكَبائِرِ والعِياذُ بِاللهِ والوَشْمُ غَرْزُ الجِلْدِ بِالإِبْرَةِ حَتَّى يَخْرُجَ الدَّمُ ثُمَّ يُذَرُّ نَحْوُ نِيلَةٍ لِيَزْرَقَّ أَوْ يَسْوَدَّ وهُوَ مِنَ الكَبائِرِ المُهْلِكَةِ وما أَكْثَرَ مَنْ يَفْعَلُ في هَذِهِ الأَيّامِ وتَرَى مِنَ الناسِ مَنْ يَتَفَنَّنُ في رَسْمِ الوَشْمِ ولَوْنِهِ في أَنْحاءِ الجِسْمِ ومِنْهُمْ مَنْ يُرَوِّجُ لِهَذا ومِنْهُمْ مَنْ يَتَّخِذُهُ مِهْنَةً يَجْنِي مِنْها المالَ ولا يَسْتَحِي مِنَ اللهِ رَبِّ العالَمِينَ أَلَمْ يَسْمَعْ هَؤُلاءِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ لَعَنَ الواشِمَةَ والمُسْتَوْشِمَةَ؟ فَلْيَنْظُرْ هَؤُلاءِ ماذا يُعِدُّونَ وماذا يُقَدِّمُونَ لِقُبُورِهِمْ فَإِنَّ كُلَّ مَعْصِيَةٍ مِنَ المَعاصِي الثَّلاثِ الَّتِي ذَكَرْتُ وهِيَ شُرْبُ الخَمْرِ وتَعاطِي المُخَدِّراتِ والوَشْمُ يَسْتَحِقُّ فاعِلُها عَذابَ اللهِ الشَّدِيدَ في القَبْرِ وفي الآخِرَةِ فَكَيْفَ إِذا اجْتَمَعَتِ الثَّلاثَةُ فَإِنَّ الخَطَرَ يَكُونُ عِنْدَئِذٍ أَكْبَرَ وأَكْبَر.
أَيُّها الأَحِبَّةُ فَلْيَحْذَرْ كُلٌّ مِنّا خُطُواتِ الشَّيْطانِ ولْيَتَّخِذْهُ عَدُوًّا ولْيَحْذَرِ الوُقُوعَ فِيما يُوَسْوِسُ لَهُ مِنِ ارْتِكابِ الإِثْمِ والفُجُورِ فَقَدْ قالَ اللهُ تَعالى ﴿وَلَا تَتَّبِعُواْ خُطُوَٰتِ ٱلشَّيۡطَٰنِۚ إِنَّهُۥ لَكُمۡ عَدُوّٞ مُّبِينٌ ١٦٨﴾ 6 وقالَ أَيْضًا ﴿وَمَن يَتَّخِذِ ٱلشَّيۡطَٰنَ وَلِيّٗا مِّن دُونِ ٱللَّهِ فَقَدۡ خَسِرَ خُسۡرَانٗا مُّبِينٗا ١١٩﴾7.
هَذا وأَسْتَغْفِرُ اللهَ لي ولَكُم.