الوُقُوفُ بِعَرَفَة
3 يوليو 2018الجَنَّةُ والنَّار
3 يوليو 2018الحَثُّ عَلى التَّوْبَةِ وتَرْكِ الأَمْنِ مِنْ مَكْرِ اللهِ والقُنُوطِ مِنْ رَحْمَةِ الله
إِنَّ الحَمْدَ للهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعينُهُ وَنَسْتَهْدِيهِ وَنَشْكُرُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَتُوبُ إِلَيْهِ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وَلاَ شَبِيهَ وَلاَ مِثْلَ وَلاَ نِدَّ لَهُ، وَلاَ حَدَّ وَلاَ جُثَّةَ وَلاَ أَعْضَاءَ لَهُ، غافرُ الذَّنْبِ وقابِلُ التَّوْبِ شَدِيدُ العِقابِ ذُو الطَّوْلِ لا إِلَهَ إِلاّ هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِير، وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَحَبِيبَنَا وَعَظِيمَنَا وَقَائِدَنَا وَقُرَّةَ أَعْيُنِنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وصَفِيُّهُ وحَبِيبُهُ، مَنْ بَعَثَهُ اللهُ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ هَادِياً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً. اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ خَيْرِ الأَنامِ وعَلى ءالِهِ الأَبْرارِ وصَفْوَةِ الأَصْحاب.
أَمّا بَعْدُ عِبادَ اللهِ فَإِنّي أُوصِيكُمْ وَنَفْسِيَ بِتَقْوَى اللهِ العَلِيِّ العَظِيم.
اعْلَمُوا إِخْوَةَ الإِيمانِ أَنَّ لِلذَّنْبِ أَثَرًا يَتْرُكُهُ في قَلْبِ الْمَرْءِ فَهُوَ كَما رَوَى أَصْحابُ السُّنَنِ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ إِنَّ الْمُؤْمِنَ إِذا أَذْنَبَ كانَتْ نُكْتَةٌ سَوْداءُ في قَلْبِهِ فَإِذا تابَ ونَزَعَ وَاسْتَعْتَبَ صُقِلَ قَلْبُهُ وإِنْ زادَ زادَتْ حَتَّى يُغْلَقَ قَلْبُهُ فَذَلِكَ الرّانُ الَّذِي قالَ اللهُ تَعالى ﴿كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ ١٤﴾ اهـ فَالذُّنُوبُ إِذا تَتابَعَتْ عَلى القُلُوبِ فَأَغْلَقَتْها أَتاها حِينَئِذٍ الخَتْمُ مِنَ اللهِ والطَّبْعُ فَلاَ يَكُونُ لِلإِيمانِ إِلَيْهَا مَسْلَكٌ وَلاَ لِلْكُفْرِ مِنْهَا مَخْلَصٌ كَما قالَ محمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ رَحِمَهُ اللهُ تَعالى، فَلا يَنْبَغِي لِلْواحِدِ مِنّا أَنْ يُهْمِلَ التَّوْبَةَ وإِنْ كانَ يُعاوِدُ الذَّنْبَ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى فَإِنَّ في التَّوْبَةِ مِنَ الذَّنْبِ صَقْلاً لِلْقَلْبِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَعْلُوَهُ الرّانُ فَيُخْتَمَ عَلَى قَلْبِهِ.
ولا يَقُولَنَّ الواحِدُ مِنّا كَيْفَ أَتُوبُ وقَدْ تُبْتُ مِنْ ذُنُوبٍ مِنْ قَبْلُ ثُمَّ عاوَدْتُها بَعْدَ النَّدَمِ فَقَدْ رَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عليه وسلَّم كُلُّ بَنِي ءادَمَ خَطَّاءٌ وخَيْرُ الخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ اهـ (رواه الحاكم في المستدرك). مَعْناهُ غالِبُ بَنِي ءادَمَ يَقَعُونَ في الذَّنْبِ وخَيْرُهُمُ الَّذِي يَتُوبُ بَعْدَ الحَوْبَةِ فَكُلَّمَا عَصَى تابَ.
وَالتَّوْبَةُ إِخْوَةَ الإِيمانِ واجِبَةٌ عَلى الفَوْرِ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ كَبِيرًا أَوْ صَغِيرًا.. فَلاَ تَسْتَصْغِرَنَّ مَعْصِيَةً فَتَتْرُكْها مِنْ غَيْرِ تَوْبَةٍ فَإِنَّكَ تَعْصِي الإِلَهَ فَلاَ تَنْظُرَنَّ أَخِي الْمُسْلِمَ إِلى صِغَرِ الْمَعْصِيَةِ ولَكِنِ انْظُرْ مَنْ تَعْصِي .. وبادِرْ إِلى التَّوْبَةِ مِنَ الْمَعاصِي كَبِيرِها وصَغِيرِها.. بادِرْ إِلى التَّوْبَةِ مِنَ الْمَعْصِيَةِ بِالإِقْلاعِ عَنْها مَعَ النَّدَمِ عَلَى عَدَمِ رِعايَتِكَ حَقَّ اللهِ الَّذِي خَلَقَكَ وأَنْعَمَ عَلَيْكَ بِنِعَمٍ لا تُحْصِيها ثُمَّ أَنْتَ تَسْتَعْمِلُ نِعَمَهُ في مَعْصِيَتِهِ.. سُبْحانَكَ رَبَّنا ما أَحْلَمَكَ.
تُوبُوا إِخْوَةَ الإِيمانِ إِلى اللهِ وَاعْزِمُوا في قُلُوبِكُمْ أَنَّكُمْ لا تَرْجِعُونَ إِلى مَعْصِيَتِهِ مِنْ قَبْلِ الفَواتِ فَإِنَّ الْمَوْتَ يَأْتِي بَغْتَةً ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ تُوبُواْ إِلى اللهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ٨﴾ (سورة التحريـم). فَإِنْ كانَتْ مَعْصِيَتُكَ أَخِي الْمُسْلِمَ بِتَرْكِ فَرْضٍ فَاقْضِهِ فَإِنَّ قَبُولَ تَوْبَتِكَ مُتَوَقِّفٌ عَلَى ذَلِكَ. وَإِنْ كانَتْ مَعْصِيَتُكَ في حَقٍّ مِنْ حُقُوقِ عِبادِ اللهِ فَقَبُولُ تَوْبَتِكَ مُتَوَقِّفٌ عَلَى إِيصَالِ الحَقِّ لِمُسْتَحِقِّهِ وَالخَلاصِ مِنْ تَبِعاتِ العِبادِ فَقَدْ قالَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ مَنْ كانَ عِنْدَهُ مَظْلِمَةٌ لِأَخِيهِ فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْها فَإِنَّهُ لَيْسَ ثَمَّ أَيْ في الآخِرَةِ دِينارٌ ولا دِرْهَمٌ اهـ(رواه البخاري).
فَمَنْ كانَ لِأَخِيهِ الْمُسْلِمِ عِنْدَهُ مَظْلَمَةٌ في عِرضٍ كَأَنْ سَبَّهُ أو في مالٍ كَأَنْ أَكَلَ مالَ أَخِيهِ بِغَيْرِ حَقٍّ فَلْيُبرِئْ ذِمَّتَهُ اليَوْمَ فَإِنَّ الأَمْرَ يَوْمَ القِيامَةِ شَدِيدٌ.. يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ وأُمِّهِ وأَبِيهِ وصاحِبَتِهِ وبَنِيه. إِنْ كانَ عَلَى الشَّخْصِ حُقُوقٌ لِلنّاسِ ماتَ مِنْ قَبْلِ تَأْدِيَتِها مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ أو تَبِعاتٌ ماتَ قَبْلَ الخَلاصِ مِنْها مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ فَإِنَّ أَصْحابَ الحُقُوقِ الْمَظْلُومِينَ يَأْخُذُونَ مِنْ حَسَناتِ الظّالِمِ يَوْمَ القِيامَةِ فَإِنْ لَمْ تَكْفِ حَسَناتُهُ لِذَلِكَ أُخِذَ مِنْ سَيِّئاتِ الْمَظْلُومِ فَحُمِلَتْ عَلَى الظّالِمِ ثُمَّ يُلْقَى في جَهَنَّمَ .. فَتُوبُوا إِلى اللهِ جَمِيعًا أَيُّها الْمُؤْمِنُونَ قَبْلَ أَنْ تَمُوتُوا.. تُبْ يا أَخِي قَبْلَ مَوْتِكَ فَإِنَّ الْمَوْتَ يَكْشِفُ أَسْرارَكَ والقِيامَةَ تَتْلُو أَخْبارَكَ والعَذابَ يَهْتِكُ أَسْتارَكَ.
إِخْوَةَ الإِيمانِ اسْتَعِدُّوا لِيَوْمِ القِيامَةِ .. لِيَوْمِ التَّغابُنِ .. لِيَوْمِ الحآقَّةِ .. لِيَوْمِ الطّآمَّة.. لِيَوْمِ الصَّيْحَةِ.. لِيَوْمِ الزَّلْزَلَة.. لِيَوْمِ القارِعَة.. لِيَوْمٍ تُنْسَفُ فِيهِ الجِبالُ وتُسَجَّرُ فِيهِ البِحارُ.. اُذْكُرْ ذَلِكَ اليَوْمَ ﴿يَوْمَ لاَ تَمْلِكُ نَفْسٌ لِّنَفْسٍ شَيْئًا وَالأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِّلَّهِ ١٩﴾(سورة الانفطار). لَكِنْ لاَ تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ عِبادَ الله .. لا تَقْنَطْ مِنْ رَحْمَةِ اللهِ يا أَخِي الْمُؤْمِنَ مَهْما كَثُرَتْ مَعَاصِيكَ فَقَدْ قالَ اللهُ تَبارَكَ وتَعالى ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُواْ عَلَى أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُواْ مِن رَّحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ٥٣﴾(سورة الزمر)… لا تَقُلْ أَنا لَنْ يَغْفِرَ اللهُ لي وسَيُعَذِّبُنِي لا مَحالَةَ لِكَثْرَةِ ذُنُوبي.. حَرامٌ عَلَيْكَ أَنْ تَظُنَّ هَذا بِاللهِ، وما يُدْرِيكَ ما يَفْعَلُهُ بِكَ رَبُّكَ وكَيْفَ تَجْزِمُ أَنَّ اللهَ سَيُعَذِّبُكَ .. اللهُ شَدِيدُ العِقابِ ولَكِنَّهُ أَيْضًا غَفُورٌ رَحِيم.
إِيّاكَ أَنْ تَسْتَرْسِلَ في الْمَعاصِي اتِّكَالاً عَلَى رَحْمَةِ اللهِ مِنْ غَيْرِ تَوْبَةٍ فَتَقُولَ اللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ فَلَنْ يُعَذِّبَنِي فَهَذَا حَرَامٌ وَإِيّاكَ أَنْ تَقْنَطَ إِنْ لَمْ تَتُبْ فَتَقُولَ سَيُعَذِّبُنِي اللهُ جَزْمًا ولَنْ يَغْفِرَ لي فَهَذَا حَرَامٌ، عَلَيْكَ يا أَخِي الْمُؤْمِنَ أَنْ تَكُونَ بَيْنَ الخَوْفِ والرَّجاءِ تَخافُ عِقابَ اللهِ وتَرْجُو عَفْوَهُ وثَوابهُ هَكَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ حالُكَ .. كُنْ بَيْنَ الخَوْفِ والرَّجاءِ.
اسمَعْ مَعِي يا أَخِي الْمُسْلِمَ هَذا الحَدِيثَ الَّذِي رَواهُ ابْنُ ماجَه في سُنَنِهِ عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ قالَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عليه وسلَّم إِنَّ اللهَ يُمْلِي لِلظّالِمِ حَتَّى إِذا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ. اهـ فَلاَ يَغْتَرَّنَّ الواحِدُ بِمَعْصِيَتِهِ وظُلْمِهِ مَعَ تَأَخُّرِ العُقُوبَةِ عَنْهُ فَإِنَّ اللهَ إِذا عاقَبَ الظّالِمَ هَلَكَ.
واسْمَعْ مَعِي يا أَخِي هَذا الحَدِيثَ القُدْسِيَّ الَّذِي رَواهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَنَسٍ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عليه وسلمَ قالَ اللهُ تَعالى يَا ابْنَ ءادَمَ إِنَّكَ ما دَعَوْتَنِي ورَجَوْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ عَلَى ما كانَ مِنكَ وَلاَ أُبَالِي يَا ابْنَ ءادَمَ لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنانَ السَّماءِ ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ يا ابْنَ ءادَمَ إِنَّكَ لَوْ أَتَيْتَنِي بِقُرابِ الأَرْضِ خَطايا ثُمَّ لَقِيتَنِي لا تُشْرِكُ بي شَيْئًا لأَتَيْتُكَ بِقُرابِها مَغْفِرَةً. اهـ
اللهَ اللهَ عِبادَ الله.. اللهَ اللهَ عِبادَ الله.. تُوبُوا إِلى الله.. اِرْجِعُوا إِلى الله.. وفِرُّوا إِلى اللهِ يَا اللهُ ارْحَمْنا يا رَحِيمُ تُبْ عَلَيْنا وَاسْتُرْ عُيُوبَنا وسامِحْنا يا اللهُ عَفْوَكَ يا الله.
هَذا وأَسْتَغْفِرُ الله.
هَذا وأَسْتَغْفِرُ الله.