السيدة فاطمة تتبرك بتراب قبر أبيها رسول الله صلى الله عليه وسلم (من الوفا بأحوال المصطفى للحافظ المفسِّر عالم العراق أبي الفرج عبد الرحمن بن الجوزي توفي 597 هـ)
8 فبراير 2019جواز التوسل والاستغاثة والتشفع بالنبي صلى الله عليه وسلم (من شفاء السقام في زيارة خير الأنام أو شن الغارة على من أنكر سفر الزيارة للإمام الحافظ تقي الدين السبكي المتوفى سنة 756 هـ)
9 فبراير 2019الدَّلِيلُ العَقْلِيُّ عَلى وُجُودِ الله
الدَّلِيلُ العَقْلِيُّ عَلى وُجُودِ الله
إِنَّ الحَمْدَ للهِ نَحْمَدُهُ ونَسْتَعِينُهُ ونَسْتَهْدِيهِ ونَشْكُرُهُ ونَسْتَغْفِرُهُ ونَتُوبُ إِلَيْهِ، ونَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنا ومِنْ سَيِّئاتِ أَعْمالِنا، مَن يَهْدِ اللهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ ومَن يُضْلِلْ فَلا هادِيَ لَه، الحَمْدُ للهِ الَّذِي خَلَقَ العُقُولَ فَنَوَّرَ بَصائِرَ قَوْمٍ وهَداهُمْ إِلى الحَقِّ بِفَضْلِهِ وأَعْمَى قُلُوبَ أخَرِينَ فَأَضَلَّهُمْ بِعَدْلِه، وأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ ولا شَبِيهَ ولا مِثْلَ ولا نِدَّ لَه، ولا جُثَّةَ ولا أَعْضاءَ لَه، أَحَدٌ صَمَدٌ لَمْ يَلِدْ ولَمْ يُولَدْ ولَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَد، وأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنا وحَبِيبَنا وعَظِيمَنا وقائِدَنا وقُرَّةَ أَعْيُنِنا محمَّدًا عَبْدُهُ ورَسُولُهُ وصَفِيُّهُ وحَبِيبُهُ، مَنْ بَعَثَهُ اللهُ رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ هادِيًا ومُبَشِّرًا ونَذِيرًا.
اللَّهُمَّ صَلِّ وسَلِّمْ عَلى سَيِّدِنا محمَّدٍ وعَلى ألِهِ وصَحْبِهِ الطَّيِّبِينَ الطاهِرِين.
أَمّا بَعْدُ عِبادَ اللهِ فَإِنِّي أُوصِيكُمْ ونَفْسِيَ بِتَقْوَى اللهِ العَلِيِّ العَظِيمِ القائِلِ في كِتابِهِ الكَرِيم ﴿إِنَّ فِي خَلۡقِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَٱخۡتِلَٰفِ ٱلَّيۡلِ وَٱلنَّهَارِ لَأٓيَٰتٖ لِّأُوْلِي ٱلۡأَلۡبَٰبِ ١٩٠ ٱلَّذِينَ يَذۡكُرُونَ ٱللَّهَ قِيَٰمٗا وَقُعُودٗا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمۡ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلۡقِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ رَبَّنَا مَا خَلَقۡتَ هَٰذَا بَٰطِلٗا سُبۡحَٰنَكَ فَقِنَا عَذَابَ ٱلنَّارِ ١٩١﴾ (سورة آل عمران).
إِخْوَةَ الإيمانِ إِنَّ مَنْ نَظَرَ فِي مَخْلُوقاتِ اللهِ نَظَرَ تَدَبُّرٍ وتَفَكُّرٍأَدْرَكَ بِعَقْلِهِ وُجُودَ اللهِ تَبارَكَ وتَعالى ووَحْدانِيَّتَهُ وثُبُوتَ قُدْرَتِهِ وإِرادَتِه. ونَحْنُ إِخْوَةَ الإِيمانِ مَأْمُورُونَ بِهَذا التَّفَكُّر.
فَقَدْ وَرَدَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ أَنَّهُ قالَ في هَذِهِ الآيَةِ (وَيْلٌ لِمَنْ قَرَأَهَا وَلَمْ يَتَفَكَّرْ فِيها) رواه ابن حبان في صحيحه، فَإِنَّ النَّظَرَ في مَخْلُوقاتِ اللهِ يَدُلُّ عَلى وُجُودِ الخالِقِ ووَحْدانِيَّتِه.
وقَدْ قالَ عُلَماءُ أَهْلِ السُّنَّةِ إِنَّهُ يَجِبُ عَلى كُلِّ مُكَلَّفٍ أَنْ يَكُونَ في قَلْبِهِ الدَّلِيلُ الإِجْمالِيُّ عَلى وُجُودِ الله، فَالواحِدُ مِنّا إِخْوَةَ الإِيمانِ يَعْرِفُ مِنْ نَفْسِهِ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَوْجُودًا في وَقْتٍ مِنَ الأَوْقاتِ ثُمَّ وُجِدَ وخُلِقَ ومَنْ كانَ كَذَلِكَ لا بُدَّ مُحْتاجٌ إِلى مَنْ أَوْجَدَهُ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ لِأَنَّ العَقْلَ السَّلِيمَ يَحْكُمُ بِأَنَّ وُجُودَ الشَّىْءِ بَعْدَ عَدَمِهِ مُحْتاجٌ إِلى مُوجِدٍ لَهُ وهَذا الْمُوجِدُ هُوَ اللهُ تَبارَكَ وتَعالى.
هَذا العالَمُ مُتَغَيِّرٌ مِنْ حالٍ إِلى حالٍ فَالهَواءُ يَهُبُّ تارَةً ويَسْكُنُ تارَةً، ويَسْخُنُ وَقْتًا ويَبْرُدُ في وَقْتٍ أخَرَ، وتَنْبُتُ نَبْتَةٌ وتَذْبُلُ أُخْرَى، وتُشْرِقُ الشَّمْسُ مِنَ الْمَشْرِقِ وتَغْرُبُ في الْمَغْرِبِ، وتَكُونُ الشَّمْسُ في وَسَطِ النَّهارِ بَيْضاءَ وفيآخِرِهِ صَفْراءَ فَكُلُّ هَذِهِ التَّغَيُّراتِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الأَشْياءَ حادِثَةٌ مَخْلُوقَةٌ لَها مُغَيِّرٌ غَيَّرَها ومُطَوِّرٌ طَوَّرَها، وهَذِهِ الأَشْياءُ أَجْزاءٌ مِنْ هَذا العالَمِ فَهَذا العالَمُ مَخْلُوقٌ حادِثٌ مُحْتاجٌ إِلى مَنْ خَلَقَهُ وهُوَ اللهُ تَعالى.
فَلَوْ قالَ مُلْحِدٌ لاَ يُؤْمِنُ بِوُجُودِ اللهِ نَحْنُ لا نَرَى اللهَ فَكَيْفَ تُؤْمِنُونَ بِوُجُودِهِ؟ يُقالُ لَهُ ـ وَانْتَبِهُوا إِلى الجَوابِ إِخْوَةَ الإِيمانِ ـ يُقالُ لَهُ إِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّ أثارَ فِعْلِهِ كَثِيرَةٌ فَوُجُودُ هَذا العالَمِ وما فِيهِ مِنَ الْمَخْلُوقاتِ دَلِيلٌ عَلى وُجُودِ اللهِ فَالكِتابُ لا بُدَّ لَهُ مِنْ كاتِبٍ والبِناءُ لا بُدَّ لَهُ مِنْ بَنَّاءٍ وكَذَلِكَ هَذا العالَمُ لا بُدَّ لَهُ مِنْ خالِقٍ خَلَقَهُ وأَوْجَدَه، وأَمّا كَوْنُكَ لا تَراهُ فَلَيْسَ دَلِيلاً عَلى عَدَمِ وُجُودِهِ فَكَمْ مِنَ الأَشْياءِ الَّتِي تُؤْمِنُ بِوُجُودِها وأَنْتَ لا تَراها ومِنْ ذَلِكَ عَقْلُكَ ورُوحُكَ وأَلَمُكَ وفَرَحُكَ.
يُرْوَى أَنَّ بَعْضَ الدَّهْرِيَّةِ الْمَلاحِدَةِ دَخَلُوا عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وأَرادُوا الفَتْكَ بِهِ لِأَنَّهُ كانَ لا يَفْتَأُ يَرُدُّ ضَلالاتِهِمْ ويَفْضَحُ زَيْغَهُمْ فَقالَ لَهُمْ أَجِيبُوني عَلى مَسْأَلَةٍ ثُمَّ افْعَلُوا ما شِئْتُمْ فَقالُوا لَهُ هاتِ فَقالَ ما تَقُولُونَ في رَجُلٍ يَقُولُ لَكُمْ إِنِّي رَأَيْتُ سَفِينَةً مَشْحُونَةً بِالأَحْمالِ مَمْلُوءَةً بِالأَثْقالِ قَدِ احْتَوَشَتْها في لُجَّةِ البَحْرِ أَمْواجٌ مُتَلاطِمَةٌ ورِياحٌ مُخْتَلِفَةٌ وهِيَ مِنْ بَيْنِها تَجْرِي مُسْتَوِيَةً لَيْسَ لَها مَلَّاحٌ يُجْرِيها ولا مُدَبِّرٌ يُدَبِّرُ أَمْرَها هَلْ يَجُوزُ ذَلِكَ في العَقْلِ قالُوا لا هَذا شَىْءٌ لا يَقْبَلُهُ العَقْلُ فَقالَ أَبُو حَنِيفَةَ يا سُبْحانَ اللهِ إِذا لَمْ يُجَوِّزِ العَقْلُ سَفِينَةً تَجْرِي مِنْ غَيْرِ مَلَّاحٍ يُدِيرُها في جَرَيانِها فَكَيْفَ يُجَوِّزُ قِيامَ هَذِهِ الدُّنْيا عَلى اخْتِلافِ أَحْوالِها وتَغَيُّرِ أَعْمالِها وَسَعَةِ أَطْرافِها مِنْ غَيْرِ صانِعٍ وحافِظٍ فَبَكَوْا جَمِيعًا وقالُوا صَدَقْتَ وأَغْمَدُوا سُيُوفَهُمْ وتَابُوا بِالإِسْلام.
قالَ اللهُ تَعالى في سُورَةِ الرَّعْدِ ﴿وَهُوَ ٱلَّذِي مَدَّ ٱلۡأَرۡضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَٰسِيَ وَأَنۡهَٰرٗاۖ وَمِن كُلِّ ٱلثَّمَرَٰتِ جَعَلَ فِيهَا زَوۡجَيۡنِ ٱثۡنَيۡنِۖ يُغۡشِي ٱلَّيۡلَ ٱلنَّهَارَۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٖ لِّقَوۡمٖ يَتَفَكَّرُونَ ٣ وَفِي ٱلۡأَرۡضِ قِطَعٞ مُّتَجَٰوِرَٰتٞ وَجَنَّٰتٞ مِّنۡ أَعۡنَٰبٖ وَزَرۡعٞ وَنَخِيلٞ صِنۡوَانٞ وَغَيۡرُ صِنۡوَانٖ يُسۡقَىٰ بِمَآءٖ وَٰحِدٖ وَنُفَضِّلُ بَعۡضَهَا عَلَىٰ بَعۡضٖ فِي ٱلۡأُكُلِۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٖ لِّقَوۡمٖ يَعۡقِلُونَ ٤﴾، تَأَمَّلْ أَخِي الْمُسْلِمَ تُرْبَةً تُسْقَى بِماءٍ واحِدٍ وتَأْثِيرُ الشَّمْسِ فِيها مُتَساوٍ والثِّمارُ الَّتِي تَجِيءُ مِنْها مُخْتَلِفَةٌ في الطَّعْمِ واللَّوْنِ والطَّبِيعَةِ والشَّكْلِ والرّائِحَةِ والْمَنافِعِ والخاصِّيَّةِ مَعَ العِلْمِ أَنَّ الأَرْضَ واحِدَةٌ وَالماءَ واحِدٌ فَلَوْ كانَ حُدُوثُ الأَشْياءِ بِفِعْلِ الطَّبِيعَةِ كَما يَقُولُ الْمُلْحِدُونَ لَجاءَتْ مُتَشابِهَةً فَإِنَّ الطَّبِيعَةَ الواحِدَةَ تَفْعَلُ في الجِسْمِ الواحِدِ فِعْلاً مُتَماثِلاً فَدَلَّ ذَلِكَ عَلى أَنَّ حُدُوثَ الحَوادِثِ هُوَ بِفِعْلِ قادِرٍ مُخْتارٍ عالِمٍ. وبِمِثْلِ هَذا اسْتَدَلَّ الإِمامُ الشّافِعِيُّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فِيما يُرْوَى عَنْهُ أَنَّهُ قالَ (وَرَقَةُ التُّوتِ رِيحُها وطَعْمُها ولَوْنُها واحِدٌ تَأْكُلُ مِنْها الغَزالَةُ فَيَخْرُجُ مِنْها الْمِسْكُ، وتَأْكُلُ مِنْها دُودَةُ القَزِّ فَيَخْرُجُ مِنْها الحَرِير، ويَأْكُلُ مِنْها الجَمَلُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ البَعْر، ويَأْكُلُ مِنْها الْماعِزُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ اللَّبَنُ أَيِ الحَلِيبُ)، وسُئِلَ أَعْرَابِيٌّ عَنْ ذَلِكَ فَقالَ البَعْرَةُ تَدُلُّ عَلى البَعِيرِ وأثارُ الأَقْدامِ تَدُلُّ عَلى الْمَسِيرِ أَفَلاَ يَدُلُّ هَذا العالَمُ عَلى وُجُودِ اللَّطِيفِ الخَبِير اهـ بَلَى تَبارَكَ اللهُ الخَلاَّقُ العَظِيم.
ثُمَّ إِنَّ العَقْلَ إِخْوَةَ الإِيمانِ يُدْرِكُ بِالنَّظَرِ السَّلِيمِ في مَخْلُوقاتِ اللهِ تَعالى أَنَّ خالِقَها لا يُشْبِهُها بِوَجْهٍ لِأَنَّهُ لَوْ كانَ خالِقُ العالَمِ يُشْبِهُهُ بِأَيِّ وَجْهٍ مِنَ الوُجُوهِ لَجازَ عَلَيْهِ ما يَجُوزُ عَلى هَذا العالَمِ مِنَ الحُدُوثِ والحاجَةِ والاِفْتِقارِ والتَّغَيُّرِ لِأَنَّ الْمُتَشابِهاتِ يَجُوزُ عَلَيْها ما يَجُوزُ عَلى بَعْضِها وَلَاحْتاجَ إِلى مُوجِدٍ أَوْجَدَهُ ومُحْدِثٍ أَحْدَثَهُ فَإِنَّ الحادِثَ مُحْتاجٌ إِلى مَنْ أَوْجَدَهُ وخَصَّصَهُ بِما هُوَ عَلَيْهِ مِنَ الهَيْئَةِ والصُّورَةِ والصِّفاتِ، والْمُتَغَيِّرُ مِنْ حالٍ إِلى حالٍ مُحْتاجٌ إِلى مَنْ يُغَيِّرُهُ مِنْ حالٍ إِلى حالٍ، والْمُتَحَيِّزُ في الْمَكانِ والجِهَةِ لا بُدَّ أَنْ يَكُونَ جِسْمًا وَافْتِقارُ الجِسْمِ إِلى مَنْ حَدَّهُ بِهَذا الْمِقْدارِ مِنْ طُولٍ وعَرْضٍ وسَمْكٍ واضِحٌ لا لَبْسَ فِيهِ لِصاحِبِ عَقْلٍ سَلِيمٍ وَاللهُ تَبارَكَ وتَعالى مُنَزَّهٌ عَنْ ذَلِكَ كُلِّهِ لِأَنَّهُ لَوْ كانَ مُحْتاجًا لِشَىْءٍ مِنَ الأَشْياءِ لَكانَ مَخْلُوقًا حادِثًا ولَمْ يَكُنْ إِلهـًا أَزَلِيًّا.
وَفَّقَنِي اللهُ وَإِيّاكُمْ إِلى الحَقِّ والثَّباتِ عَلَيْهِ، هَذا وأَسْتَغْفِرُ الله.