مُعْجِزَةُ الإِسْرَاءِ وَالْمِعْرَاجِ
1 سبتمبر 2018الاستقامة على الطاعة
3 سبتمبر 2018الْعَشْرُ الأوَاخِرُ
إِنَّ الْحَمْدَ للهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا. مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ. وَأَشْهَدُ أَنْ لاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى ءالِهِ وَصَحِبْهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.
أَمَّا بَعْدُ فَأُوصِيكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَتَقْوَى اللهِ أَكْرَمُ مَا أَسْرَرْتُمْ، وَأَجْمَلُ مَا أَظْهَرْتُمْ، وَأَفْضَلُ مَا ادَّخَرْتُمْ، يَقُــولُ اللهُ تَعَالَى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب 70-71].
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ، هَذِهِ أَيَّامُ شَهْرِكُمْ تَتَقَلَّصُ، وَلَيَالِيهِ الشَّرِيفَةُ تَنْقَضِي، وَهِيَ شَاهِدَةٌ بِمَا عَمِلْتُمْ، وَحَافِظَةٌ لِمَا أَوْدَعْتُمْ، قَالَ اللهُ تَعَالَى (يَوْمَ تَجِدُ كُــلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُــوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَــذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ) [آل عمران 30]، وَفِي الْحَدِيثِ الْقُدُسِيِّ يَقُولُ رَبُّكُمْ عَزَّ وَجَلَّ (يَا عِبَادِي إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ، ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا، فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ، وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلاَ يَلُومَنَّ إِلاَّ نَفْسَهُ) أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه.
هَذَا هـُوَ شَهْرُكُمْ، وَهَذِهِ هِيَ نِهَايَتُــهُ، كَمْ مِنْ مُسْتَقْبِلٍ لَهُ لَمْ يَسْتَكْمِلْهُ!، وَكَمْ مِنْ مُؤَمِّلٍ بِعَوْدٍ إِلَيْهِ لَمْ يُدْرِكْهُ!، هَلاَّ تَأَمَّلْتُمُ الأَجَلَ وَمَسِيرَهُ.
أَيُّهَا الإِخْوَةُ فِي اللهِ، إِنْ كَانَ فِي النُّفُوسِ زَاجِرٌ، وَإِنْ كَانَ فِي الْقُلُوبِ وَاعِظٌ، فَقَدْ بَقِيَتْ مِنْ أَيَّامِهِ بَقِيَّةٌ، بَقِيَّةٌ وَأَيُّ بَقِيَّةٍ إِنَّهَا عَشْرُهُ الأَخِيرَةُ، بَقِيَّةٌ كَانَ يَحْتَفِي بِهَا نَبِيُّكُمْ مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم أَيَّمَا احْتِفَاءٍ، فَعَنْ عَائِشَةَ _ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ (كَانَ رَسُــولُ اللَّهِ [صلى الله عليه وسلم] إِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ، أَحْيَا اللَّيْلَ، وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ، وَجَدَّ، وَشَدَّ الْمِئْزَرَ) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَاللَّفْظُ لِمُسْلِمٍ.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ، اعْرِفُــوا شَرَفَ زَمَانِكُمْ، وَاقْدُرُوا أَفْضَلَ أَوْقَاتِكُمْ، وَقَدِّمُوا لأَنْفُـسِكُمْ، لاَ تُــضِيعُوا فُرْصَةً فِي غَيْرِ قُرْبَةٍ، وَلْتَعْلَمُــوا أَنَّ إِحْسَانَ الظَّنِّ لَيْسَ بِالتَّمَنِّي، وَلَكِنْ بِحُـسْنِ الْعَمَلِ، وَالْخَوْفَ لَيْسَ بِالْبُكَاءِ وَمَسْحِ الدُّمُوعِ فَحَسْبُ، وَلَكِنَّ الْخَوْفَ خَوْفُ الْقُلُوبِ بِمُرَاقَبَةِ عَلاَّمِ الْغُيُوبِ.
أَيُّهَا الأَحِبَّةُ، قَدِّمُوا لأَنْفُسِكُمْ، وَجِدُّوا وَتَضَرَّعُوا، تَقُولُ عَائِشَةُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ إِنْ عَلِمْتُ أَيَّ لَيْلَةٍ لَيْلَةَ الْقَدْرِ مَا أَقُولُ فِيهَا؟
قَالَ (قُــولِي اللَّهُمَّ إِنَّكَ عُفُوٌّ كَرِيمٌ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي) أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ.
نَعَمْ أَيُّهَا الإِخْوَةُ، الدُّعَاءَ الدُّعَاءَ، أَلِظُّوا فِي عَشْرِكُمْ هَذِهِ بِالدُّعَاءِ، فَقَدْ قَالَ رَبُّكُمْ عَزَّ شَأْنُهُ (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) [البقرة 186]، وَإِنَّ لِلدُّعَاءِ أَيُّهَا الإِخْوَةُ شَأْنًا عَجِيبًا فِي حُـسْنِ الْعَاقِبَةِ، وَصَلاَحِ الْحَالِ وَالْمَآلِ، وَالتَّوْفِيقِ فِي الأَعْمَالِ، وَالْبَرَكَةِ فِي الأَرْزَاقِ.
أَرَأَيْتُمْ هَذَا الْمُوَفَّقَ الذِي أَدْرَكَ حَظَّهُ مِنَ الدُّعَاءِ وَنَالَ نَصِيبَهُ مِنَ التَّضَرُّعِ وَالالْتِجَاءِ يَلْجَأُ إِلَى اللهِ فِي كُــلِّ حَالاتِهِ، وَيَفْزَعُ إِلَيْهِ فِي جَمِيعِ حَاجَاتِهِ، وَيَدْعُو وَيُدْعَى لَهُ، نَالَ حَظَّهُ مِنَ الدُّعَاءِ بِنَفْسِهِ وَبِغَيْرِهِ، وَالِدَاهُ الشَّغُوفَانِ، وَأَبْنَاؤُهُ الْبَرَرَةُ وَالنَّاسُ مِنْ حَوْلِهِ كُلُّهُمْ يُحِيطُونَهُ بِدَعَوَاتِهِمْ مع تقواه وصلاحه، أَحَبَّهُ مَوْلاَهُ فَوَضَعَ لَهُ الْقَبُــولَ، فَحَسُنَ مِنْهُ الْخُلُــقُ وَزَانَ مِنْهُ الْعَمَلُ، فَامْتَدَّتْ لَهُ الأَيْدِي، وَارْتَفَعَتْ لَهُ الأَلْسُنُ تَدْعُو لَهُ وَتَحُوطُهُ، مَلْحُوظٌ مِنَ اللهِ بِالْعِنَايَةِ وَالتَّسْدِيدِ، وَبِإِصْلاَحِ الشَّأْنِ مَعَ التَّوْفِيقِ.
مَعَاشِرَ الْمُسْلِمِينَ، إِنَّ نَزْعَ حَلاَوَةِ الْمُنَاجَاةِ مِنَ الْقَلْبِ من أَشَدِّ أَلْوَانِ الْحِرْمَانِ، أَلَمْ يَسْتَعِذِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِنْ عِلْمٍ لاَ يَنْفَعُ، وَمْنِ قَلْبٍ لاَ يَخْشَعُ، وَمِنْ نَفْسٍ لاَ تَشْبَعُ، وَمِنْ دُعَاءٍ لاَ يُسْمَعُ؟!.
أَيُّهَا الْمُسلمون، تَجْتَمِعُ فِي هَذِهِ الأَيَّامِ أَوْقَاتٌ فَاضِلَةٌ، وَأَحْوَالٌ شَرِيفَةٌ: الْعَشْرُ الأَخِيرَةُ، وَجَوْفُ اللَّيْلِ مِنْ رَمَضَانَ، وَالأَسْحَارُ مِنْ رَمَضَانَ، وَدُبْرُ الأَذَانِ، وَالصَّلَوَاتُ الْمَكْتُوبَاتُ، وَأَحْوَالُ السُّجُودِ، وَتِلاَوَةُ الْقُــرْءانِ، مَجَامِعُ الْمُسْلِمِينَ فِي مَجَالِسِ الْخَيْرِ وَالذِّكْرِ، كُلُّهَا تَجْتَمِعُ فِي أَيَّامِكُمْ هَذِهِ، فَأَيْنَ الْمُتَنَافِسُونَ؟!!.
أَلِظُّوا بِالدُّعَاءِ رَحِمَكـُمُ اللهُ سَلُوا وَلاَ تَعْجِزُوا وَلاَ تَسْتَبْطِئُوا الإِجَابَةَ، وَقَدْ قَالَ نَبِيُّكم صلى الله عليه وسلم (وَيُـسْتَجَابُ لِأَحَدِكُمْ مَا لَمْ يَعْجَلْ، يَقـُولُ دَعَوْتُ فَلَمْ يُـسْتَجَبْ لِي) أَخْرَجَهُ البُخَارِيُّ وَمُـسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه.
أَيُّهَا الإِخْوَةُ، وَيَجْمُلُ الدُّعَاءُ وَتَتَوَافَرُ أَسْبَابُ الْخَيْرِ وَيَعْظُمُ الرَّجَاءُ حِينَ يَقْتَرِنُ بِالاِعْتِكَافِ، فَقَدِ اعْتَكَفَ رَسُولُ اللهُ صلى الله عليه وسلم هَذِهِ الأَيَّامَ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللهُ، عَجِيبٌ هَذَا الاِعْتِكَافُ فِي أَسْرَارِهِ وَدُرُوسِهِ!!.
الْمُعْتَكِفُ ذِكْرُ اللهِ أَنِيسُهُ، وَالْقُرْءانُ جَلِيسُهُ، وَالصَّلاَةُ رَاحَتُهُ، وَالدُّعَاءُ وَالتَّضَرُّعُ لَذَّتُــهُ؛ إِذَا أَوَى النَّاسُ إِلَى بُيُوتِهِمْ وَأَهْلِيهِمْ، وَرَجَعُــوا إِلَى أَمْوَالِهِمْ وَأَوْلاَدِهِمْ، لَزِمَ هَذَا الْمُعْتَكِفُ بَيْتَ رَبِّهِ، وَحَبَسَ مِنْ أَجْلِهِ نَفْسَهُ، يَرْجُو رَحْمَتَهُ وَيَخْشَى عَذَابَهُ، لاَ يُطْلِقُ لِسَانَهُ فِي لَغْوٍ، وَلاَ يَفْتَحُ عَيْنَهُ لِفُحْشٍ، وَلاَ تَتَنَصَّتُ أُذُنُــهُ لِبَذَاءٍ، سَلِمَ مِنَ الْغِيبَةِ وَالنَّمِيمَةِ، جَانَبَ التَّنَابُزَ بِالأَلْقَابِ، وَالْقَدْحَ فِي الأَعْرَاضِ، عَلِمَ وَاسْتَيْقَنَ أَنَّ رِضَا النَّاسِ غَايَةٌ لاَ تُدْرَكُ.
فِي دُرُوسِ الاِعْتَكَافِ انْصَرَفَ الْمُتَعَبِّدُ إِلَى التَّفْكِيرِ فِي زَادِ الرَّحِيلِ وَأَسْبَابِ السَّلاَمَةِ، السَّلاَمَةِ مِنْ فُضُولِ الْكَلاَمِ، وَفُضُولِ النَّظَرِ، وَفُضُولِ الْمُخَالَطَةِ، وَفُضُولِ الطَّعَامِ.
فِي مَدْرَسَةِ الاِعْتِكَافِ يَتَبَيَّنُ لِلْعَابِدِ أَنَّ الْوَقْتَ أَغْلَى مِنَ الذَّهَبِ فَلاَ يَبْذُلُهُ فِي غَيْرِ حَقٍّ، لاَ يَشْتَرِي بِهِ مَا لَيْسَ يُحْمَدُ، يَحْفَظُهُ عَنْ مَجَامِعَ سَيِّئَةٍ، بِضَاعَتُهَا أَقْوالٌ لاَ خَيْرَ فِي سَمَاعِهَا وَيَتَبَاعَدُ بِهِ عَنْ لِقَاءِ وُجُوهٍ لاَ يَسُرُّ لِقَاؤُهَا.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ، أَوْقَاتُكُمْ فَاضِلَةٌ تُشْغَلُ بِالدُّعَاءِ وَالاِعْتِكَافِ، وَتُسْتَغَلُّ فِيهَا فُرَصُ الْخَيْرِ، وَإِنَّ مِنْ أَعْظَمِ مَا يُرْجَى فِيهَا وَيُتَحَرَّى لَيْلَةَ الْقَدْرِ (وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ) [القدر 2]، يَقُولُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم (مَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ، أَخْفَى اللهُ سُــبْحَانَهُ تَعْيِينَهَا اخْتِبَارًا وَابْتِلاَءً؛ لِيَتَبَيَّنَ الْعَامِلُونَ، وَيَنْكَشِفَ الْمُقَصِّرُونَ؛ فَمَنْ حَرِصَ عَلَى شَيْءٍ جَدَّ فِي طَلَبِهِ، وَهَانَ عَلَيْهِ مَا يَلْقَى مِنْ عَظِيمِ تَعَبِهِ. إِنَّهَا لْيَلَةٌ قَالَ تَعَالَى عنها (فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ) [الدخان 4].
هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ الْعَظِيمَ لِي وَلَكُمْ.
الخطبة الثانية:
الْحَمْدُ للهِ عَزَّ شَأْنُهُ وَدَامَ سُلْطَانُهُ، أَحْمَدُهُ سُبْحَانَهُ وَأَشْكُرُهُ عَمَّ امْتِنَانُهُ وَجَزُلَ إِحْسَانُهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ سُبْحَانَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّناً مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُــولُهُ بِهِ عَلاَ مَنَارُ الإِسْلاَمِ وَارْتَفَعَ بُنْيَانُهُ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ، وَعَلَى ءالِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ، فَيَا أَيُّهَا النَّاسُ أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، يَقُولُ اللهُ تَعَالَى (إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُــمْ مُحْسِنُونَ) [النحل 128].
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ، أَياَّمُكُمْ هَذِهِ من أَعْظَمِ الأَيَّامِ فَضْلاً، وَأَكْثَرِهَا أَجْرًا، يَصْفُو فِيهَا لَذِيذُ الْمُنَاجَاةِ، وَتُــسْكبُ فِيهَا الْعَبَرَاتُ، كَمْ للهِ فِيهَا مِنَ عَتِيقٍ مِنَ النَّارِ!! وَكَمْ فِيهَا مِنْ مُنْقَطِعٍ قَدْ وَصَلَتْهُ تَوْبَتُهُ!!.
الْمَغْبُونُ مَنِ انْصَرَفَ عَنْ طَاعَةِ اللهِ، وَالْمُحْرُومُ مَنْ حُــرِمَ مغفرة اللهِ، وَالْمَأْسُــوفُ عَلَيْهِ مَنْ فَاتَتْهُ فُرَصُ الشَّهْرِ، وَفَرَّطَ فِي فَضْلِ الْعَشْرِ، وَخَابَ رَجَاؤُهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ، مَغْبُونٌ مَنْ لَمْ يَرْفَعْ يَدَيْهِ بِدَعْوَةٍ، وَلَمْ تَذْرِفْ عَيْنُهُ دَمْعَةً، وَلَمْ يَخْشَعْ قَلْبُهُ للهِ لَحْظَةً.
وَيْحَهُ ثُمَّ وَيْحَهُ أَدْرَكَ الشَّهْرَ وَلَمْ يَحْظَ بِمَغْفِرَةٍ!! يَا بُؤْسَهُ لَمْ تُقَلْ لَهُ عَثْرَةٌ! وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ، قَطَعَ شَهْرَهُ فِي الْبِطَالَةِ وَكَأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ لِلصَّلاَحِ عِنْدَهُ مَوْضِعٌ، وَلاَ لِحُبِّ الْخَيْرِ فِي قَلْبِهِ مَنْـزِعٌ.
أَلاَ فَاتَّقُوا اللهَ رَحِمَكُمُ اللهُ وَقُوا أَنَفْسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا، فَإِنَّ الشَّقِيَّ مَنْ حُرِمَ رَحْمَةَ اللهِ.
اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالأَمْوَاتِ، إِنَّكَ سَمِيعٌ قَرِيبٌ مُجِيبُ الدَّعَوَاتِ.