تفسير قول الله تعالى (ءَأَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاءِ) من تفسير الجلالين للإمامين جلال الدين المحلي (المتوفى 864هـ) وجلال الدين السيوطي (المتوفى 911هـ)
27 ديسمبر 2018أشهر تأويلات السّلف
27 ديسمبر 2018صفات الله الثلاث عشرة
صفات الله الثلاث عشرة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونشكره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادى له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله وصفيه وحبيبه صلى الله تعالى على محمد وعلى ءاله وصحبه وسلم أما بعد عباد الله فإني أوصيكم ونفسي بتقوى الله العلي العظيم القائل في محكم كتابه (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ) (سورة محمد ءاية 19).
يا عباد الله، عبادةُ ربكم تكون بمعرفة الله، واعتقادِ حقيّة المعرفة واقترانِ ذلك بتعظيمه على ما يليق بالله، والانقياد لأمره بطاعته واجتناب ما نهى عنه، عبدُ الله يعرف الله، وهذه المعرفة لا تكون معرفةَ إحاطة بذات ربكم بل بمعرفة ما وَصف به ذاتَهُ من الصفات، عبدُ الله مخلوق وإدراكاتُهُ مخلوقة وعقله مهما اتسعت مداركه له حد يقف عنده، فاعرفوا ربكم واعبدوه والله العظيم يقول (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ) العلم بالله مقدم على العمل، فاعلم ثم استغفر، هكذا معنى ما جاء في القرءان، والله العظيم يقول (هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى * إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى * اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى * فَقُلْ هَل لَّكَ إِلَى أَن تَزَكَّى * وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى) (سورة النازعات ءايات 15-19).
فدلنا هذا إلى أن الهداية هي سبيل الخشية، من عرف الله ينبغي أن يؤديه ذلك إلى الخشية منه، فاعرفوا الله يا عباد الله واخشوه واتقوه حَقَّ تقاته، عِزُّ العباد بعبادة ربهم والعبادة لا بد أن تكون بعد المعرفة، الجاهل بربه لا يعرف تعظيمه، الجاهل بربه لا يعرف كيف يطيعه، إنما يخشى اللهَ من عباده العلماءُ، معرفة ربكم تحصل بمعرفة ثلاث عشرة صفة ذكرت في القرءان كثيرًا وفي السنة كثيرًا ورددها المسلمون حيث كانوا كثيرًا ولا بد من معرفة أنها صفات رب العالمين ولا بد من علم أنها لا تشبه صفات المخلوقين.
ربنا موجودٌ لا شك في وجوده لم يسبق وجودَه عدمٌ، هو الخالق وكل ما سواه خَلْقُهُ وتدبيرُهُ بمشيئته وعلمه، وربنا هو الأول الذي لا بداية لوجوده قبل الزمان والمكان قال الله تعالى (هُوَ الأَوَّلُ) والله رب العالمين هو الآخر الذي لا يفنى ولا يبيد قال الله تعالى (هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ) (سورة الحديد ءاية 3).
وقال تعالى (وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ) (سورة الرحمن ءاية27) أي يبقى ذات الله.
والله هو السميع البصير، فسمع الله صفةُ الله بلا كيف، وبصر الله صفةُ الله بلا كيف، يسمع بلا حاجة إلى الآلات من أذن وصِماخ، ويَرى بلا حاجة إلى حدقة واتصال شعاع، المخلوق يحتاج للآلة في سمعه وبصره وسائر أمره والله ليس كمثله شىء وهو السميع البصير.
وربُّنا له كلام، سمعه سيدنا موسى وسمعه سيدنا محمد صلوات ربي وسلامه عليهما، لا يشبه كلام الخلق، كلامُكُمْ حرفٌ وصوتٌ ولغةٌ، وكلامُ الله وَصْفُ ربكم لا يكون كقولكم لا هو لغة ولا حرف ولا صوت، بل هو صفة رب العالمين المنزَّه عن مشابهة المخلوقين.
وربنا له الإرادة يعني المشيئة وهي صفة يخصص الله بها من شاء من الخلق بما يشاء فهذا شقي وهذا سعيد وذاك قبيح وذاك حسن، وهو القادر على كل شىء ولا يُعجزه شىء، وهو العالم لا يغيب عن علمه شىء من المعلومات مما كان ويكون وسيكون.
والله هو الحي القيوم، حياةُ الله صفةُ الله ليست بروح وجسد ولا تشبه شيئًا من معاني المخلوقين فحياة رب الأحياء لا تشبه حياتَهم قال الله تعالى (هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ) (سورة البقرة ءاية 255)، والله له الوَحدانية فالله واحد بمعنى أنه لا شريك له في ذاته ووصفه وفعله، قال الله تعالى (وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ) (سورة البقرة ءاية 163).
والله سبحانه الذي يحتاجه كل خلقه، لا يحتاج إلى شىء من خلقه فَلِلَّهِ صفةُ القيام بالنفس لا يحتاج إلى ما سواه وهو الغني عن العالمين، وهو الخالق الذي وصف نفسه فقال (أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لاَّ يَخْلُقُ) (سورة النحل ءاية 17) فهو سبحانه مخالف للحوادث أي لا يشبه شيئًا من خلقه ولا يشبهه شىء من خلقه قال تعالى (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىءٌ) (سورة الشورى ءاية 11).
هكذا يعرف العبد ربه ومن قال بخلاف ذلك أو اعتقد خلاف ذلك فما عرف الله فمن لم يقر بوجود الله كأنه قال هذا العالمُ غير مخلوق.
ومن قال الله ليس هو الأول كأنه قال الله مخلوق.
ومن قال الله ليس باقيًا كأنه قال يجوز على الله العدم.
ومن قال الله لا يوصف بالسمع والبصر كأنه قال الله أعمى وأصم.
وهكذا الأمر في بقية ما ذُكِرَ من الصفات، فاعلموها وعَلِّموها واحفظوها وحَفِّظوها واعبدوا ربكم كما أمركم فإن العقيدة الحقة بالله عزَّ وجلّ مفتاحُ كنوزِ الخيراتِ وبابُ الوصولِ إلى نَيْلِ المبَرَّات.
هذا وأستغفر الله لي ولكم.