الرَّدُّ العِلمي عَلَى ضَلَالَاتِ محمد راتب النابلسي-4
5 سبتمبر 2018التَّحْذِيرُ مِنْ عِقابِ اللهِ والحَثُّ عَلى إِنْكارِ المُنْكَرِ وخُصُوصًا الكُفْر
5 سبتمبر 2018عاشوراء
إِنَّ الحَمْدَ للهِ نَحْمَدُهُ ونَسْتَعِينُهُ ونَسْتَهْدِيهِ ونَشْكُرُهُ ونَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرورِ أَنْفُسِنا ومِنْ سَيِّئاتِ أَعْمالِنَا، مَن يَهْدِ اللهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ ومَن يُضْلِلْ فَلا هادِيَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لا شَريكَ لَهُ ولا مَثيلَ لَه، ولا ضِدَّ ولا نِدَّ لَه، وأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنا وحَبِيبَنا وعَظِيمَنا وقائِدَنا وقُرَّةَ أَعْيُنِنا محمَّدًا عَبْدُهُ ورَسُولُهُ وصَفِيُّهُ وحَبِيبُهُ، بَلَّغَ الرِّسالَةَ وأَدَّى الأَمانَةَ ونَصَحَ الأُمّةَ فَجَزاهُ اللهُ عَنَّا خَيْرَ ما جَزَى نَبِيًّا مِنْ أَنْبِيَائِهِ. اَللَّهُمَّ صَلِّ عَلى سَيِّدِنا محمَّدٍ خَيْرِ الكائِناتِ وعَلى سائِرِ إِخْوانِهِ مِنَ النَّبِيِّينَ الْمُؤَيَّدِينَ بِالْمُعْجِزاتِ الباهِراتِ وسَلِّمْ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.
أَمّا بَعْدُ عِبادَ اللهِ، فَإِنِّي أُوصِيكُمْ ونَفْسِيَ بِتَقْوَى اللهِ العَلِيِّ العَظِيمِ والاِقْتِداءِ بِالأَنْبِيَاءِ والْمُرْسَلِينَ والسَّعْيِ إِلى نَيْلِ رِضا اللهِ رَبِّ العالَمِين. يَقُولُ اللهُ العَلِيُّ العَظِيمُ في مُحْكَمِ كِتابِهِ الكَرِيمِ ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلاَّ خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ ١٤ فَأَنجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ وَجَعَلْنَاهَا ءَايَةً لِّلْعَالَمِينَ ١٥﴾ [سورَةُ العَنْكَبُوت] وقالَ تَعالى ﴿فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ ٱضْرِب بِّعَصَاكَ البَحْرَ فَٱنفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ العَظِيمِ ٦٣ وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الأَخَرِينَ ٦٤ وَأَنجَيْنَا مُوسَى وَمَن مَّعَهُ أَجْمَعِينَ ٦٥ ثُـمَّ أَغْرَقْنَا الأَخَرِينَ ٦٦ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ ٦٧ وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ العَزِيزُ الرَّحِيمُ ٦٨﴾ [سورَةُ الشُّعَراء].
أَيُّها الأَحِبَّةُ، نَعِيشُ بعد أَيامٍ ذِكْرَى عاشُوراءَ العاشِرِ مِنْ شَهْرِ الْمُحَرَّم، ذِكْرَى اليَوْمِ الَّذِي نَجَّى اللهُ فِيهِ سَيِّدَنَا نُوحًا ومَنْ مَعَهُ مِنَ الطُّوفانِ وأَنْزَلَهُمْ مِنَ السَّفِينَةِ سالِمِينَ وذِكْرَى اليَوْمِ الَّذِي نَجَّى اللهُ فِيهِ سَيِّدَنا مُوسَى وأَتْباعَهُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ فِرْعَوْنَ الظّالِمِ الكافِرِالأَثِيمِ فَقَدْ رَوَى الإِمامُ أَحْمَدُ في مُسْنَدِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّهُ قالَ مَرَّ النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ بِأُناسٍ مِنَ اليَهُودِ قَدْ صَامُوا يَوْمَ عاشُوراءَ فَقالَ ما هَذا مِنَ الصَّوْم قالُوا هَذا اليَوْمُ الَّذِي نَجَّى اللهُ مُوسَى وبَنِي إِسْرائِيلَ مِنَ الغَرَقِ وغَرِقَ فِيهِ فِرْعَوْنُ وهَذا اليَوْمُ اسْتَوَتْ فِيهِ السَّفِينَةُ أَيْ سَفِينَةُ نُوحٍ عَلى الْجُودِي فَصامَهُ نُوحٌ ومُوسَى شُكْرًا للهِ تَعالى فَقَالَ النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ أَنا أَحَقُّ بِمُوسَى وأَحَقُّ بِصَوْمِ هَذا اليَوْمِ فَأَمَرَ أَصْحابَهُ بِالصَّوْمِ. اهـ
إِخْوَةَ الإِيمانِ سَيِّدُنا نُوحٌ عَلَيْهِ السَّلامُ أَرْسَلَهُ اللهُ إِلى قَوْمٍ كُفّارٍ فَصارَ يَدْعُوهُمْ لَيْلاً ونَهارًا سِرًّا وجِهارًا بِالتَّرْغِيبِ تارَةً والتَّرْهِيبِ تارَةً أُخْرَى وظَلَّ هَكَذا أَلْفًا إِلاّ خَمْسِينَ سَنَةً لَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَمْ يُؤْمِنْ بَلِ اسْتَمَرُّوا عَلى الضَّلالِ والطُّغْيانِ ونَصَبُوا لَهُ العَداوَةَ وءَاذَوْهُ بِالاِسْتِهْزاءِ والضَّرْبِ بَلْ كانُوا لا يَتْرُكُونَهُ حَتَّى يُغْشَى عَلَيْهِ مِنْ شِدَّةِ الضَّرْبِ فَيَظُنُّونَ أَنَّهُ ماتَ ثُمَّ يُعافِيهِ اللهُ ولا يُثْنِيهِ ذَلِكَ.
أَيُّها الأَحِبَّةُ عَنِ الدَّعْوَةِ إِلى اللهِ بَلْ كانَ يَعُودُ إِلَيْهِمْ لِيَدْعُوَهُمْ إِلى الإِيمانِ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى مِنْ غَيْرِ كَلَلٍ ومِنْ غَيْرِ مَلَلٍ إِلى أَنْ أَوْحَى اللهُ إِلَيْهِ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ بِهِ مِنْ قَوْمِهِ إِلاَّ مَنْ قَدْ ءامَنَ فَدَعا سَيِّدُنا نُوحٌ على القَوْمِ الكافِرِينَ فَقالَ ﴿رَبِّ لاَ تَذَرْ عَلَى الأَرْضِ مِنَ الكَافِرِينَ دَيَّارًا ٢٦﴾ [سُورَةُ نُوح] أَيْ لا تَتْرُكْ يا رَبُّ أَحَدًا مِنَ الكُفّارِ حَيًّا عَلى وَجْهِ الأَرْضِ فَسَلَّطَ اللهُ عَلَيْهِمْ عِقابَهُ، سَلَّطَ اللهُ عَلَيْهِمُ الطُّوفانَ فَلَمْ يُبْقِ مِنَ الكافِرِينَ أَحَدًا وَنَجَّى اللهُ نَبِيَّهُ وَمَنْ ءامَنَ بِهِ مِنْ قَوْمِهِ بِالسَّفِينَةِ الَّتِي صَنَعَها سَيِّدُنا نُوحٌ بِأَمْرِ اللهِ وحَفِظَها اللهُ بِحِفْظِهِ وعِنايَتِهِ. وسَيِّدُنا مُوسَى إِخْوَةَ الإِيمانِ كانَ في زَمَنِ الظّالِمِ الطّاغِيَةِ فِرْعَوْنَ الَّذِي كانَ يَدَّعِي الأُلُوهِيَّةَ والعِياذُ بِاللهِ تَعالى، فَأَمَرَ اللهُ سَيِّدَنا مُوسَى عَلَيْهِ السَّلامُ أَنْ يَذْهَبَ إِلى فِرْعَوْنَ لِيَدْعُوَهُ إِلى الإِسْلامِ إِلى تَوْحِيدِ اللهِ وتَنْزِيهِهِ عَنِ الشَّرِيكِ والشَّبِيهِ، فَذَهَبَ إِلَيْهِ وأَراهُ الْمُعْجِزاتِ الباهِراتِ القاطِعاتِ بِأَنَّهُ مُرْسَلٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ ومَعَ ذَلِكَ كَفَرَ بِهِ فِرْعَوْنُ وأَبَى واسْتَكْبَرَ وءاذَى قَوْمَهُ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَخَرَجَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلامُ ومَنِ اتَّبَعَهُ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ مِنْ مِصْرَ وكانُوا سِتَّمِائَةَ أَلْفٍ، ولَحِقَهُ فِرْعَوْنُ وخَرَجَ مَعَهُ أَلْفُ أَلْفٍ وسِتُّمِائَةِ أَلْفٍ مِنَ الْمُقاتِلِينَ يُرِيدُ إِبادَةَ مُوسَى ومَنْ مَعَهُ لَكِنَّ اللهَ نَصَرَ رَسُولَهُ، قالَ تَعالى ﴿فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ ٱضْرِب بِّعَصَاكَ البَحْرَ فَٱنفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ العَظِيمِ ٦٣﴾ [سورة الشُّعَراء] اِنْفَلَقَ البَحْرُ أَيُّها الأَحِبَّةُ اثْنَيْ عَشَرَ فِرْقًا كُلُّ فِرْقٍ مِنْها كَالجَبَلِ العَظِيمِ وبَيْنَ كُلِّ فِرْقَيْنِ طَرِيقٌ يابِسٌ فَدَخَلَ مُوسَى ومَنْ مَعَهُ البَحْرَ ولَحِقَ بِهِمْ فِرْعَوْنُ وجُنُودُهُ فَأَغْرَقَهُمُ اللهُ أَجْمَعِينَ ونَجَّى مُوسَى ومَنْ مَعَهُ قالَ اللهُ تَعالى ﴿وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ البَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الغَرَقُ قَالَ ءَامَنتُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ الَّذِي ءَامَنَتْ بِهِ بَنُواْ إِسْرَائِيلَ وَأَنَاْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ٩٠ ءَالْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ ٩١﴾ [سورة يُونُس] أَيْ عِنْدَما أَدْرَكَ فِرْعَوْنَ الهَلاكُ والغَرَقُ أَعْلَنَ التَّوْبَةَ لَكِنَّ التَّوْبَةَ لا تَنْفَعُ في تِلْكَ الحالَةِ لِأَنَّ مِنْ شُرُوطِ التَّوْبَةِ أَنْ تَكُونَ قَبْلَ حالَةِ اليَأْسِ مِنَ الحَياةِ كَإِدْراكِ الغَرَقِ لا مَحالَةَ وهُوَ ما حَصَلَ مَعَ عَدُوِّ اللهِ فِرْعَوْنَ قالَ اللهُ تَعالى ﴿وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلاَ الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا ١٨﴾ [سورة النِّساء].
أَيُّها الأَحِبَّةُ الكِرامُ ضَرَبَ لَنا أَنْبِيَاءُ اللهِ الْمَثَلَ في الدَّعْوَةِ إِلى اللهِ والصَّبْرِ عَلى ذَلِكَ وعَلى مَنْهَجِهِمْ سارَ الصَّحابَةُ الكِرامُ وأَهْلُ البَيْتِ العِظامُ فَبَذَلُوا الأَنْفُسَ والْمُهَجَ دِفاعًا عَنْ دِينِ اللهِ تَعالى، وما مِثالُ الحُسَيْنِ الشَّهِيدِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ بِبَعِيدٍ عَنّا فَإِنَّهُ لَمّا رَأَى مَنْ لا يَصْلُحُ لإِدارَةِ شُؤُونِ الْمُسْلِمِينَ قَدْ أَرادَ أَنْ يَتَسَلَّمَ الخِلافَةَ ويَتَسَلَّطَ عَلى الرِّقابِ مِنْ غَيْرِ رِضًى مِنْ أَهْلِ الفَضْلِ ولا بَيْعَةٍ مِنْ أَهْلِ الحَلِّ والعَقْدِ جَهَرَ بِرَفْضِ ذَلِكَ وَامْتَنَعَ مِنَ الْمُسَايَرَةِ على حِسابِ الْمَصْلَحَةِ الدِّينِيَّةِ وتَمَسَّكَ بِالحَقِّ ثابِتًا عَلَيْهِ ءامِرًا بِالْمَعْرُوفِ ناهِيًا عَنِ الْمُنْكَرِ حَتّى قُتِلَ وهُوَ ابْنُ بِنْتِ رَسُولِ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلَّمَ شَهِيدًا مَظْلُومًا بِيَدِ جُنُودِ الفاسِقِ الْمُتَهَتِّكِ وفازَ بِذَلِكَ عِنْدَ اللهِ الفَوْزَ العَظِيمَ. فَنَسْأَلُ اللهَ تَعالى أَنْ يُوَفِّقَنا لِلاِعْتِبارِ بِسِيَرِ هَؤُلاءِ الأَكابِرِ والْمُضِيِّ عَلى مِنْهاجِهِمْ وما ذاكَ عَلى اللهِ بِعَسِيرٍ.
هَذا وأَسْتَغْفِرُ اللهَ لي ولَكُم.