التبرك بقبور الأنبياء (من لباب التأويل في معاني التنزيل للمُفَسِّر علاء الدين علي بن محمد بن إبراهيم المعروف بالخازن ت 741 هـ)
6 فبراير 2019شعار الصحابة رضي الله عنهم في حروب الردة [يا محمداه] (من البداية والنهاية لابن كثير الدمشقي المتوفى 774 هـ)
7 فبراير 2019عَلِيُّ بْنُ أَبِي طالِبٍ رابِعُ الخُلَفاءِ الراشِدِين
عَلِيُّ بْنُ أَبِي طالِبٍ رابِعُ الخُلَفاءِ الراشِدِين
إِنَّ الحَمْدَ للهِ نَحْمَدُهُ ونَسْتَعِينُهُ ونَسْتَهْدِيهِ ونَشْكُرُهُ ونَسْتَغْفِرُهُ ونَتُوبُ إِلَيْهِ ونَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرورِ أَنْفُسِنا وسَيِّئاتِ أَعْمالِنَا مَن يَهْدِ اللهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ ومَن يُضْلِلْ فَلا هادِيَ لَهُ وأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لا شَريكَ لَهُ الواحِدُ الأَحَدُ الَّذِي لَمْ يَلِدْ ولَمْ يُولَدْ ولَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ وأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنا محمَّدًا عَبْدُهُ ورَسُولُهُ وصَفِيُّهُ وحَبِيبُهُ مَنْ بَعَثَهُ اللهُ رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ هادِيًا ومُبَشِّرًا ونَذِيرًا.
اَللَّهُمَّ صَلِّ وسلّم عَلى سَيِّدِنا محمَّدٍ وعلى ءالِهِ الطَّيِّبِينَ وأَصْحابِهِ المَيامِينِ حُماةِ الحَقِّ والدِّين.
أَمّا بَعْدُ عِبادَ اللهِ فَإِنِّي أُوصِيكُمْ وَنَفْسِيَ بِتَقْوَى اللهِ العَلِيِّ العَظِيمِ القائلِ في مُحْكَمِ التَّنْزِيلِ ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَكُونُواْ مَعَ ٱلصَّٰدِقِينَ ١١٩﴾ (سُورَةُ التوبة/ءاية ١١۹).
وقالَ تَعالى أَيْضًا ﴿مِّنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ رِجَالٞ صَدَقُواْ مَا عَٰهَدُواْ ٱللَّهَ عَلَيۡهِۖ فَمِنۡهُم مَّن قَضَىٰ نَحۡبَهُۥ وَمِنۡهُم مَّن يَنتَظِرُۖ وَمَا بَدَّلُواْ تَبۡدِيلٗا ٢٣﴾ (سُورَةُ الأحزاب/ءاية ٢٣) وَقالَ رَسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ (فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الخُلَفاءِ المَهْدِيِّينَ الراشِدِينَ تَمَسَّكُوا بِها وعَضُّوا عَلَيْها بِالنَّواجِذِ) رواه أبو داود في سننه وغيره، وقالَ رَسولُ الله صلى اللهُ عليه وسلَّم (الخِلافَةُ بَعْدِي ثَلاثُونَ سَنَةً) رواه ابن حبّان في صحيحه، ثُمَّ يَكُونُ مُلْكًا عَضُوضًا أَيْ ظالِمًا وكانَتْ هَذِهِ السِّنُونَ الثَّلاثُونَ هِيَ مُدَّةَ خِلافَةِ أَبِي بَكْرٍ وعُمَرَ وعُثْمانَ وعَلِيٍّ والحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وكانُوا جَمِيعًا مِنْ أَهْلِ العِلْمِ الَّذِينَ هُمْ وَرَثَةُ الأَنْبِياء. وحَدِيثُنا اليَوْمَ عَنْ أَميرِ المُؤْمِنينَ سَيِّدِنا عليٍّ رَضِيَ اللهُ تعالى عَنْه.
هُوَ أَبُو الحَسَنِ عليُّ بْنُ أَبِي طالِبِ بْنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ بنِ هَاشِمِ بنِ عَبدِ مَنَافٍ ابنُ عَمِّ رَسولِ اللهِ صَلّى اللهُ عليه وسلَّمَ أُمُّهُ فاطِمَةُ بِنْتُ أَسَدِ بْنِ هاشِمِ بنِ عبدِ مَنافٍ وُلِدَ قَبْلَ البِعْثَةِ بِعَشْرِ سِنِينَ وتَرَبَّى في حِجْرِ النّبيِّ صلّى اللهُ عليه وسلَّمَ وفي بَيْتِهِ وهُوَ أَوَّلُ مَنْ أَسْلَمَ مِنَ الصِّبْيانِ كانَ يُلَقَّبُ حَيْدَرَةَ وكَنَاهُ النّبيُّ صلّى اللهُ عليه وسلَّمَ أَبا تُراب. ولَمَّا هاجَرَ النَّبِيُّ صلّى اللهُ عليه وسلَّمَ مِنْ مَكَّةَ إِلى المَدِينَةِ أَمَرَهُ أَنْ يَبِيتَ في فِراشِهِ وأَجَّلَهُ ثَلاثَةَ أَيّامٍ لِيُؤَدِّيَ الأَماناتِ الَّتِي كانَتْ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صلّى اللهُ عليه وسلَّمَ إِلى أَصحابِها ثُمَّ يَلْحَقَ بِهِ إِلى المَدِينَةِ فَهاجَرَ مِنْ مَكَّةَ إِلى المَدِينَةِ المُنَوَّرَةِ ماشِيًا. شَهِدَ المَشاهِدَ كُلَّها مَعَ النّبيِّ صلّى اللهُ عليه وسلَّمَ إِلاّ غَزْوَةَ تَبُوك واصْطَفاهُ النّبيُّ صلّى اللهُ عليه وسلَّمَ صِهْرًا لَهُ وزَوَّجَهُ بِنْتَهُ فاطِمَةَ الزَّهراءَ وأَعْطاهُ الرايَةَ يَوْمَ خَيْبَرَ. كانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وكَرَّمَ وَجْهَهُ ءادَمَ اللَّونِ ثَقِيلَ العَيْنَيْنِ عَظِيمَهُما حَسَنَ الوَجْهِ رَبْعَةَ القَدِّ إِلى القِصَرِ أَقْرَبَ كَثِيرَ شَعَرِ الصَّدْرِ عَظِيمَ اللِّحْيَةِ أَصْلَعَ الرَّأْسِ كَثِيرَ التَّبَسُّمِ من أَشْجعِ الصَّحَابَةِ وأَعْلَمَهُمْ في القَضاءِ وأَزْهَدَهُمْ في الدُّنْيا لَمْ يَسْجُدْ لِصَنَمٍ قَطُّ رَضِيَ اللهُ عَنْه.
كانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وأَرْضاهُ غَزِيرَ العِلْمِ زاهِدًا وَرِعًا شُجاعًا، ويَكْفِيهِ خُصُوصِيَّةً أَنَّهُ مِنَ المَغْفُورِ لَهُمْ حَيْثُ جاءَ في الحَدِيثِ عَنْهُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ قالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ (أَلاَ أُعَلِّمُكَ كَلِماتٍ إِذا قُلْتَهُنَّ غَفَرَ اللهُ لَكَ وإِنْ كُنْتَ مَغْفُورًا لَكَ قالَ قُلْ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ العَلِيُّ العَظِيمُ لا إِلهَ إِلاّ اللهُ الحَلِيمُ الكَرِيمُ لا إِلهَ إِلاّ اللهُ سُبْحانَ اللهِ رَبِّ العَرْشِ العَظِيمِ ) رواه الترمذيّ في سننه.
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قالَ قالَ رَسُولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ يَوْمَ خَيْبَرَ (لَأُعْطِيَنَّ هَذِهِ الرّايَةَ رَجُلاً يُحِبُّ اللهَ ورَسُولَهُ يَفَتْحُ اللهُ عَلى يَدَيْهِ قالَ عُمَرُ بْنُ الخَطّابِ ما أَحْبَبْتُ الإِمارَةَ إِلاّ يَوْمَئِذٍ قالَ فَتَساوَرْتُ لَها رَجاءَ أَنْ أُدْعَى لَها قالَ فَدَعا رَسُولُ اللهِ عَلَيَّ بْنَ أَبِي طالِبٍ فَأَعْطاهُ إِيّاها وقالَ امْشِ ولا تَلْتَفِتْ حَتَّى يَفْتَحَ اللهُ عَلَيْك) رواه مسلم في صحيحه.
وأَخَذَ رَسُولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بِيَدِهِ عِنْدَ غَدِيرِ خُم فقال (اللهم والِ مَنْ والاهُ وعادِ مَنْ عاداهُ وانْصُرْ مَنْ نَصَرَهُ واخْذُلْ مَنْ خَذَلَهُ) رواه أحمد في مسنده، وكانَ كَرَّمَ اللهُ وَجْهَهُ لا يَجِدُ حَرًّا ولا بَرْدًا بَعْدَ أَنْ دَعا لَهُ رَسولُ اللهِ صلّى اللهُ علَيْهِ وسلَّمَ في خَيْبَرَ قائِلاً (اللهم اكْفِهِ أَذَى الحَرِّ والبَرْدِ) رواه النسائيّ في السنن الكبرى، فَكانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يَخْرُجُ في البَرْدِ في الملاءتينِ ويَخْرُجُ في الحَرِّ في الحَشْوِ والثَّوْبِ الغَلِيظ.
وكانَ ذا قُوَّةٍ مُتَمَيِّزَةٍ فَعَنْ أَبِي رافِعٍ مَوْلَى رَسُولِ اللهِ صلّى اللهُ علَيْهِ وسلَّمَ قالَ (خَرَجْنا مَعَ عَلِيٍّ حِينَ بَعَثَهُ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عليه وسلَّمَ بِرايَتِهِ فَلَمّا دَنا مِنَ الحِصْنِ خَرَجَ إِلَيْهِ أَهْلُهُ فَقاتَلَهُمْ فَضَرَبَهُ رَجُلٌ يَهُودِيٌّ فَطَرَحَ تُرسَهُ مِنْ يَدِهِ فَتَناوَلَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ بابًا كانَ عِنْدَ الحِصْنِ فَتَتَرَّسَ بِهِ عَنْ نَفْسِهِ فَلَمْ يَزَلْ في يَدِهِ وهُوَ يُقاتِلُ حَتَّى فَتَحَ اللهُ علَيْهِ ثُمَّ أَلْقاهُ مِنْ يَدِهِ حِينَ فَرَغَ فَلَقَدْ رَأَيْتُنِي في نَفَرٍ مَعِي سَبْعَةٌ أَنا ثامِنُهُمْ نَجْهَدُ عَلى أَنْنَقْلِبَ ذَلِكَ البابَ فَما نَقْلِبُه) انظر الكامل في التاريخ لابن الأثير.
ولَقَدْ كانَ لِسَيِّدِنا عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عنه وكَرَّمَ اللهُ وَجْهَهُ أَقْوالٌ وَمَوَاعِظُ كَثِيرَةٌ مِنْها أَنَّهُ قالَ (إِنَّ أَخْوَفَ ما أَخافُ عَلَيْكُمُ اتِّباعُ الهَوَى وطُولُ الأَمَلِ فَأَمّا اتِّباعُ الهَوَى فَيُصُدُّ عَنِ الحَقِّ وأَمّا طُولُ الأَمَلِ فَيُنْسِي الآخِرَة) ذكره البيهقيّ في الزهد الكبير، وقالَ أَيْضا ارْتَحَلَتِ الدُّنْيا مُدْبِرَةً وارْتَحَلَتِ
وقالَ أَيْضا (ارْتَحَلَتِ الدُّنْيا مُدْبِرَةً وارْتَحَلَتِءِ الآخِرَةِ ولا تَكُونُوا مِنْ أَبْناءِ الدُّنْيا فَإِنَّ اليَوْمَ عَمَلٌ ولا حِسابٌ وغَدًا حِسابٌ ولا عَمَلَ) رواه البخاريّ في صحيحه).
وبُويِعَ لِسَيِّدِنا عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ بِالخِلافَةِ في ذِي الحِجَّةِ مِنْ سَنَةِ خَمْسٍ وثَلاثِينَ واسْتَمَرَّتْ مُدَّةُ خِلافَتِهِ أَرْبَعَ سِنِينَ وتِسْعَةَ أَشْهُرٍ ابْتُلِيَ فِيها بِكَثْرَةِ الأَعْداءِ فَكانَتِ الوَقائِعُ الثَّلاثُ وَقْعَةُ الجَمَلِ مَعَ مَنْ نَكَثُوا بَيْعَتَهُ ووقعةُ صِفِّينَ مَعَ مُعاوِيَة ووقعةُ النَّهْرَوانِ مع الخَوارِجِ وكانَ يَسْتَعِدُّ لِلزَّحْفِ إِلى الشّامِ لِاسْتِعادَتِها تَحْتَ سُلْطَةِ الخِلافَةِ حِينَ كَمَنَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بْنُ مُلْجِمٍ لِسَيِّدِنا علَيٍّ وهُوَ خارِجٌ لِصَلاةِ الصُّبْحِ فَوَثَبَ عَلَيْهِ وضَرَبَهُ بِسَيْفٍ مَسْمُومٍ في جَبْهَتِهِ فَكانَتْ وَفاةُ أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طالِبٍ رضيَ اللهُ عَنْهُ وكَرَّمَ اللهُ وجهَهُ في شَهْرِ رَمَضانَ سَنَةَ أَرْبَعِينَ عَنْ ثَلاثٍ وسِتِّينَ سَنَة.
أَخِي المُسْلِمَ كُنْ مُحِبًّا لِمَنْ أَحَبَّهُمُ اللهُ ورَسُولُهُ مُعَظِّمًا لِمَنْ رَفَعَ اللهُ مِنْ شَأْنِهِمْ وأَعْلَى قَدْرَهُمْ ولْيَبْقَ حُبُّ الصَّحابَةِ مُتَمَكّنًا في قَلْبِكَ لا سِيَّما الخُلَفاءِ الراشِدِينَ العامِلِينَ الوَرِعِينَ أَبِي بَكْرٍ وعُمَرَ وعُثْمانَ وعَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وأَرْضاهُمْ.
اللهم امْلَأْ قُلُوبَنا بِحُبِّكَ وحُبِّ أَحْبابِكَ واجْعَلْ وُلاَةَ أُمُورِنا مِنَ الصّالِحِينَ الوَرِعِين.