مُقَارَنَةٌ عِلْمِيَّةٌ فيهَا بَيَانُ أَنَّ أَدعياء السَّلَفِيَّةِ نُفَاةَ التَّوَسُّلِ انْتِسَابُهُمْ لِمَذْهَبِ أَحْمَدَ زُورٌ وَبُهْتَان-4
8 أكتوبر 2018الدليل العقلي على وجود الله-2
9 أكتوبر 2018الأيام المعلومات وفضل يوم عرفة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا مثيل له ولا ضد ولا ند له. وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله وصفيه وحبيبه، صلى الله على محمد وعلى كل رسول أرسله.
يقول الله تعالى [وَالفَجْرِ وَلَيَالٍ عَشْرٍ وَالشَّفْعِ وَالوَتْرِ] (الفجر 1-2-3) وأخرج الامام أحمد والترمذي وأبو داود وابن ماجه عن ابنِ عَبّاسٍ قال قال رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم (مَا مِنْ أيّامٍ الْعَمَلُ الصّالِحُ فيهَا أحَبُّ إلَى الله مِنْ هَذِهِ الأيّامِ يَعْني أيّامَ الْعَشْرِ قالُوا: يَا رَسُولَ الله وَلاَ الْجِهَادُ في سَبِيلِ الله؟ قالَ وَلاَ الْجِهَادُ في سَبِيلِ الله إلاّ رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ).
إخوة الإيمان والإسلام، أقسم الله تعالى بالفجر وليالٍ عشر، والله تعالى يقسم بما يشاء، والليالي التي أقسم الله عز وجل بها هي ليالِ أيامِ العشرِ الأُوَلِ من ذي الحجة، والشفعُ هو يوم النحر، الذي هو يوم الحج الأكبر، والوترُ هو يوم عرفة.
وقد دلت الأحاديث على أن العمل الصالح في أيام العشر الأول من ذي الحجة أحبُّ إلى الله من العمل في أيامِ غيرِه من السنة، فعمل البر والإحسان فيها يزيد على ما سواه، والأعمال الصالحة تزكو عند الله أكثر مما إذا عملت في غيرها لاجتماع أمّهات العبادة فيه، الصلاة والصيام والحج والصدقة، ولا يتأتى ذلك في غيرها.
وقد روي في خصوص صيام أيامه وقيام لياليه وكثرة الذكر فيه أحاديث وآثار، ففي مسند الإمام أحمد عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (ما من أَيَّامٍ أعظمُ عِنْدَ اللهِ تَعَالَى وَلاَ أَحَبُّ إلَيْهِ من الْعَمَلِ فِيهِنَّ من هذه الأَيَّامِ الْعَشْرِ فَأَكْثِرُوا فِيهِنَّ من التَّهْلِيلِ وَالتَّكْبِيرِ والتَّحْمِيدِ).
وقال الإمام البخاري وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ [وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ] (الحج 27) أَيَّامُ الْعَشْرِ، وَالْأَيَّامُ الْمَعْدُودَاتُ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ، (يشير إلى معنى [وَاذْكُرُوا اللهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ] (البقرة:203))، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ وَأَبُو هُرَيْرَةَ يَخْرُجَانِ إِلَى السُّوقِ فِي أَيَّامِ الْعَشْرِ يُكَبِّرَانِ وَيُكَبِّرُ النَّاسُ بِتَكْبِيرِهِمَا. اهـ
وأفضل أيام العشر بل أفضل أيام العام هو يوم عرفة، يوم التاسع من ذي الحجة، فقد روى ابن حبان في صحيحه من حديث جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (أفضل الأيام يوم عرفة).
وهو يوم عيد للمسلمين، فقد روى البخاري ومسلم {واللفظ للبخاري] عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أَنَّ رَجُلًا مِنْ الْيَهُودِ قَالَ لَهُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، آيَةٌ فِي كِتَابِكُمْ تَقْرَؤونَهَا لَوْ عَلَيْنَا مَعْشَرَ الْيَهُودِ نَزَلَتْ لَاتَّخَذْنَا ذَلِكَ الْيَوْمَ عِيدًا، قَالَ: أَيُّ آيَةٍ؟
قال [اليَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلَامَ دِينًا] (المائدة 3)،
قَالَ عُمَرُ: قَدْ عَرَفْنَا ذَلِكَ الْيَوْمَ وَالْمَكَانَ الَّذِي نَزَلَتْ فِيهِ عَلَى النَّبِيِّ [صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] وَهُوَ قَائِمٌ بِعَرَفَةَ يَوْمَ جُمُعَةٍ.
وفي بعض الروايات، قال عمر (نزلت يوم جمعة يوم عرفة وكلاهما بحمد الله لنا عيد).
وقال ابنُ عَبّاسٍ (فَإِنّهَا نَزَلَتْ في يَوْمِ عِيدَيْنِ: في يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَيَوْمِ عَرَفَةَ) رواه الترمذي وغيره.
وجاء في فضل يوم عرفة أحاديث كثيرة منها ما رواه مسلم في الصحيح، عن السيدة عائشة رضي الله عنها قَالَتْ: إِنَّ رَسُولُ اللهِ [صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ] قَالَ (مَا مِنْ يَوْمٍ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ يُعْتِقَ اللهُ فِيهِ عَبْدًا مِنَ النَّارِ، مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ).
وأخرج مالك في الموطأ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (ما رؤيَ الشيطانُ يوما هو فيه أصْغَرُ، ولا أدْحَرُ ولا أحْقَرُ، ولا أغْيَظُ منه في يوم عرفة، وما ذاك إلا لما يرى من تَنَزُّل الرحمة، وتجاوزِ الله عن الذُّنوبِ العِظامِ، إلا ما أُرِيَ يومَ بَدْر،
قيل: وما رأى يوم بدر يا رسول الله؟
قال: أما إنَّه قَدْ رأى جبريل يَزَعُ الملائكة (أي يُرَتِّبَهم ويُسَوِّيِهم ويَصُفُّهم للحرْب).
وفي موطأ مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (أَفْضَلُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَأَفْضَلُ مَا قُلْتُ أَنَا والنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِى لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ).
ويستحب صيام يوم عرفة لغير الحاج، فقد روى مسلم عَنْ أَبِي قَتَادَةَ الأَنْصَارِيِّ [رضي الله عنه] قَالَ: وَسُئِلَ [أي رسول الله] عَنْ صَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ؟
فَقَالَ (يُكَفِّرُ السَّنَةَ الْمَاضِيَةَ وَالْبَاقِيَةَ).
وأما بالنسبة للحاج فلا يصوم، فقد ثبت في الصحيح أن رسول الله وقف مفطرا، والعمل على هذا عند أكثرِ أَهلِ العلمِ يَستَحِبُّونَ الإفطَارَ بعَرَفَةَ ليتَقَوَّى بِهِ الرَّجلُ عَلَى الدَّعاءِ.
إخوة الإيمان، إنّ الأمةَ المحمّديةَ اليوم تنتظرُ بشوقٍ لتشهدَ أبْهَى مظاهرِ الوحدة، حيثُ يجتمعُ المسلمونَ بأشكالهم المختلفةِ وألسنتِهم المتعدّدة تحتَ رايةِ التوحيد التي جمعتهم فوقَ أرضٍ واحدةٍ يدعونَ ربًّا واحدًا.
إنَّ موقفَ المسلمينَ على أرضِ عرفة قائلين (لبّيك اللهمّ لبّيك، لبّيك لا شريك لك لبّيك، إنّ الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك) موقفٌ تنشدُّ له الأبصار، موقفٌ تحنُّ لهُ القلوب، موقفٌ تذرفُ له العيونُ بالدموعِ شوقًا لتلك البِقاع، شوقًا لأمِّ القرى لمكّةَ ومنى وعرفة.
اللهمّ أصلِحْ ذاتَ بينِنا وألّفْ بينَ قلوبِنا ووحّدْ صفوفَنا واجمعْ شملَنا وارفعْ رايتَنا إنكَ على كلِّ شىءٍ قدير.
هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم.