حديث (قُولُوا اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ، وَإِلَيْكَ الْمُشْتَكَى، وَأَنْتَ الْمُسْتَعَانُ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ الْعَظِيمِ)
حديث (قُولُوا اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ، وَإِلَيْكَ الْمُشْتَكَى، وَأَنْتَ الْمُسْتَعَانُ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ الْعَظِيمِ)
2 أغسطس 2023
اللهُ خَالِقُ الأَسْبَابِ وَالْمُسَبَّبَاتِ
اللهُ خَالِقُ الأَسْبَابِ وَالْمُسَبَّبَاتِ
5 أغسطس 2023
حديث (قُولُوا اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ، وَإِلَيْكَ الْمُشْتَكَى، وَأَنْتَ الْمُسْتَعَانُ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ الْعَظِيمِ)
حديث (قُولُوا اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ، وَإِلَيْكَ الْمُشْتَكَى، وَأَنْتَ الْمُسْتَعَانُ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ الْعَظِيمِ)
2 أغسطس 2023
اللهُ خَالِقُ الأَسْبَابِ وَالْمُسَبَّبَاتِ
اللهُ خَالِقُ الأَسْبَابِ وَالْمُسَبَّبَاتِ
5 أغسطس 2023

مقولة الإمام مالك في البدعة

مقولة الإمام مالك في البدعة

البدعة المحمودة
مقولة الإمام مالك في البدعة

والجواب باختصار:
أولا: مقولة الإمام مالك التي يحتج بها المخالف هنا، ذكرها الإمام الشاطبي بلا إسناد فقال (قَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ سَمِعْتُ مَالِكًا يَقُولُ مَنِ ابْتَدَعَ فِي الْإِسْلَامِ بِدْعَةً يَرَاهَا حَسَنَةً، فَقَدْ زَعَمَ أَنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ [وَآلِهِ] وَسَلَّمَ خَانَ الرِّسَالَةَ، لِأَنَّ اللَّهَ يَقُولُ (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) [المائدة 3]، فَمَا لَمْ يَكُنْ يَوْمَئِذٍ دِينًا، فَلَا يَكُونُ الْيَوْمَ دِينًا) [الاعتصام (1 /64-65)، فالمخالف يحتج بفهمه لقول الإمام مالك (يَرَاهَا حَسَنَةً) على ذم البدعة الحسنة، وبالتالي إلحاق إحياء ليلة المولد النبوي الشريف بالبدعة الضلالة؟!..

ولكن الرواية المسندة إلى الإمام مالك بن أنس كما ذكرها ابن حزم الظاهري (ت 456 هـ) بسنده إلى ابن الماجشون أنه قال قال مالك بن أنس من أحدث في هذه الأمة اليوم شيئا لم يكن عليه سلفها، فقد زعم أن رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم خان الرسالة لأن الله تعالى يقول (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) [المائدة 3] الآية فما لم يكن يومئذ دينا لا يكون اليوم دينا) الإحكام في أصول الأحكام لابن حزم الظاهري (58/6).

فأنت ترى الرواية المسندة إلى الإمام مالك ليس فيها ما ذكره الإمام الشاطبي (يَرَاهَا حَسَنَةً) مع أن (استحسان المبتدع أو استقباحه لا يُغيِّر مِن الأمر شيئا، إلا أن هذه اللَّفظة تُوهِم بادي الرأي أن كلام الإمام مُوَجَّه لمَن يقول بالبدعة الحسنة فاقتضى التَّنبيه) البدعة الحسنة بين إقرار السلف وإنكار الخلف للأستاذ عبد الوَهَّاب مْهِيَّة الحزائري (ص:119)؟!فتأمل.

ثانيا: على فرض صحة ثبوت عبارة (يَرَاهَا حَسَنَةً) على الوجه الذي ذكره الإمام الشاطبي فلو كان مراد الإمام مالك ذم كل المحدثات حتى التي يشهد الشرع باعتبارها لما كان لعبارة (يَرَاهَا حَسَنَةً) معنى في كلامه!، وهذا لأن استحسان المبتدع أو استقباحه لا يُغيِّر مِن الأمر شيئا!، فعبارة (يَرَاهَا حَسَنَةً) تعني يراها حسنة بمجرد رأيه والهوى لا بالشرع والأصول والدليل هو أن الإمام قد استحسن بعض الأمور لم ترد في دليل خاص، وبالمثال يتضح المقال:
ثالثا: قال القاضي أبو الوليد الباجي المالكي (ت 474هـ) (رَوَى أَبُو زَيْدٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ سُئِلَ مَالِكٌ عَمَّنْ عَطَسَ أَوْ رَأَى شَيْئًا يُعْجِبُهُ فَحَمِدَ اللَّهَ، أَيُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ [وَآلِهِ] وَسَلَّمَ؟ قَالَ لَا أَنْهَاهُ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ [وَآلِهِ] وَسَلَّمَ إذَنْ أَقُولُ لَهُ لَا تَذْكُرْ اللَّهَ تَعَالَى!) [المنتقى (286/7).

قال القاضي أبو الوليد ابن شد الجد المالكي (ت 520 هـ) في شرح قول الإمام مالك (وَأَمَّا الصَّلَاةُ عَلَيْهِ [صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ] مَعَ حَمْدِ اللَّهِ عِنْدَ الْعُطَاسِ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْفَاعِلُ بِذَلِكَ لَمْ يُرِدْ بِهِ الْقُرْبَةَ وَلَا احْتَسًبَ فِيهِ الثَّوَاب وَلَا قَصَدَ بِهِ تَعْظِيم حَقّ النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ [وَآلِهِ] وَسَلَّمَ فَيَكُون ذَلِكَ مِنْ فِعْلِهِ مَكْرْوهًا، وَيُحْتَمَلُ أًَنْ يَكُونَ لَمَّا عَطَسَ فَحَمِدَ اللّه تَذَكَّرَ سُنَّة النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ [وَآلِهِ] وَسَلَّمَ فِي أَمْرِ العَاطِس بِحَمْدِ اللَّهِ عِنْدَ عُطَاسِهِ وَصَلَّى عَلَيْهِ دَاعِيًا لَهُ عَلَى مَا سَنَّهُ مِنْ ذَلِكَ لِأُمَّتِهِ، فَيَكُون ذَلِكَ مِن فِعْلِهِ حَسَنًا مُسْتَحْسَنًا. وَلَمَّا احْتَمَلَ صَلَاته عَلَى النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ [وَآلِهِ] وَسَلَّمَ فِي هَذِهِ الحَال وَجْهًا صَحِيحًا تَوَقَّفَ فِي الرِّوَايَةِ أنْ يَقُولَ إِنَّهُ يَكْرَهُ ذَلِكَ، وَقَالَ إِنْ قُلْتُ ذَلِكَ كْنْتُ قَدْ أَمَرْتُهُ أَنْ لَا يُصَلِّيَ عَلَى النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ [وَآلِهِ] وَسَلَّمَ، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق)) البيان والتحصيل للقاضي ابن رشد الجد (578/18).

فها هو الإمام مالك يستحسن الصلاة والسلام على خير الأنام بعد العطاس على الوجه الذي ذكره أيمة المذهب، وهذا الاستحسان لم يرد بتوقيف منه صلى الله عليه وآله وسلم في دليل خاص كما يظهر من استقراء أحاديث السنة في كيفية تشميت العاطس.
إذن فمراد الإمام مالك من مقولته تلك ذم البدعة التي لا تستند إلى دليل ولا يشهد لها أصل من أصول الدين، وهي البدعة المذمومة وهذا ما يؤيد تخريج مقولة الإمام على الوجه المذكور أعلاه، ويدحض احتجاج المخالف بظاهرها للحكم ببدعية عمل المولد.
رابعا: بعض محدثات الإمام مالك بن أنس:
(1) قَالَ الْقَاضِي ابْنُ الْعَرَبِي (ت 543 هـ) عِنْدَ الكَلاَمِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى ﴿إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى﴾[طه 12] فِي أَحْكَامِهِ، مَا نَصُّهُ (إِنْ قُلْنَا إِنَّ خَلْعَ الْنَّعْلَيْنِ كَانَ لِيَنَالَ بَرَكَةَ الْتَّقْدِيسِ فَمَا أَجْدَرَهُ بِالْصِّحَّةِ، فَقَدْ اسْتَحَقَّ الْتَّنْزِيهَ عَنْ الْنَّعْلِ، وَاسْتَحَقَّ الْوَاطِئُ الْتَّبَرُّكَ بِالْمُبَاشَرَةِ، كَمَا لَا تُدْخَلُ الْكَعْبَةَ بِنَعْلَيْنِ، وَكَمَا كَانَ مَالِكُ لَا يَرْكَبُ دَابَّةً بِالْمَدِينَةِ، بَرًّا بِتُرْبَتِهَا الْمُحْتَوِيَةِ عَلَى الْأَعْظُمِ الْشَّرِيفَةِ وَالْجُثَّةِ الْكَرِيمَةِ) أَحْكَامُ الْقُرْآنِ لِلْقَاضِي اِبن الْعَرَبِي الْإِشْبِيلِي (254/3).
فأَحْدَثَ إِمَام دَار الْهِجْرَة سَيِّدنَا مَالِك بْن أَنَس طَرِيقَةً مُخْتَرَعَةً لَـمْ تُعْهَد قَبْلُ فِي تَعْظِيمِ حَضْرَةِ سَيِّدنَا الْمُصْطَفَى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّم وَهُوَ فِي قَبْرِهِ الْشَّرِيفِ.

(2) قَالَ الْقَاضِي عِيَاض (ت 544هـ) (كَانَ مَالِكُ إِذَا دَخَلَ بَيْتَهُ قَالَ مَا شَاءَ اللهُ وَلاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إلاَّ بِاللهِ”، فَسُئِلَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ قَالَ اللهُ تَعَالَى ﴿وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ﴾ [الكهف 39] الآيَة، وَجَنَّتهُ بَيْتهُ. وَقِيلَ إِنَّ ذَلِكَ كَانَ عَلىَ بَابِ مَالِك مَكْتُوبًا، يُرِيدُ لِيَتَذَكَّرَ بِرُؤْيَتِهِ قَوْل ذَلِكَ مَتَى دَخَلَ) تَرْتِيبُ الْـمَدَارِك (130/1).
اِستَنْبَطَ الْإِمَام مَالِك ذِكْراً مُحْدَثًا انْطِلاَقًا مِنْ الآيَةِ الْكَرِيمَةِ، وَقَيَّدَهُ بِكَيْفِيَّةٍ مُحْدَثَةٍ لَـمْ تُعْهَد مِنْ قَبْلُ.

(3) قَالَ الْقَاضِي عِيَاض (ت 544هـ) (قَالَ الْزُّبَير بن حَبِيبٍ كُنْتُ أَرَى مَالِكًا إِذَا دَخَلَ الْشَّهْر أَحْيَا أَوَّلَ لَيْلةٍ مِنْهُ، وَكُنْتُ أَظُنُّهُ يَفْعَلُ ذَلِكَ لِيَفْتَتِحَ بِهِ الْشَّهْر، وَقَالَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ مَالِكٍ كَانَ مَالِكُ يُصَلِّي كُلَّ لَيْلَةٍ حِزْبَهُ، فَإِذَا كَانَتْ لَيْلَة الْـجُمُعَة أَحْيَاهَا كُلَّهَا) تَرْتِيبُ الْـمَدَارِك (50/2).

اِلْتَزَمَ إِمَام دَار الْهِجْرَة مَالِك بْن أَنَس إِحْيَاء أول ليلة من الشهر بِالْعِبَادَةِ، ولَا دَلِيل عَلَى هَذَا الْتَّخْصِيص بِهَذِهِ الْكَيْفِيَّةِ مِنْ غَيْر عُمُومَاتِ الْنُّصُوص.

(4) قَالَ الْقَاضِي عِيَاض (ت 544هـ) (كَانَ مَالِكُ إِذَا جَلَسَ لِلْحَدِيثِ تَوَضَّأَ، وَجَلَسَ عَلَى صَدْرِ فِرَاشِهِ، وَسَرَّحَ لِـحْيَتَهُ، وَتَـمَكَّنَ فِي جُلُوسِهِ بِوَقَارٍ وَهَيْبَةٍ، ثُمَّ حَدَّثَ، فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ أُحِبُّ أَنْ أُعَظِّمَ حَدِيثَ رَسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ [وَآلِهِ] وَسَلَّمَ وَلَا أُحَدِّث بِهِ إِلَّا عَلَى طَهَارَةٍ) تَرْتِيبُ الـمَدَارك (15/2).
أَحْدَثَ إِمَام دَار الهِجْرَة سَيِّدنَا الْإِمَام مَالِك بْن أَنَس كَيْفِيَّةً جَدِيدَةً لَـمْ تَرِد فِي تَعْظِيم حَدِيث رَسُول اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّم!، والْتَزمَ الْتَّوْقِيتَ لِعِبَادَةِ الْوُضُوءِ بِصُورَةٍ مُحْدَثَةٍ..
..الخ
فهذه الأفعال كلها (بِدْعَة ضَلَالَة) وفق توجيه المخالف لمقولة الإمام!؟، وهذا يدلك على براءة الإمام مالك من هذا الفهم السقيم لمقولته.
والله الموفق.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *