حكم الصوم لمن شرك بين نية القضاء وصيام الست من شوال
6 نوفمبر 2016حكم إفراد الجمعة بصيام
6 نوفمبر 2016الاجتهاد في العشر الأواخر من شهر رمضان
الاجتهاد في العشر الأواخر من شهر رمضان
عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ أَحْيَا اللَّيْلَ وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ وَجَدَّ وَشَدَّ الْمِئْزَر) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، والمراد العشر الأواخر من شهر رمضان، والمئزر بكسر الميم هو الإزار.
قَالَتْ عَائِشَة رضي الله عنها (كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَجْتَهِدُ فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ مَا لاَ يَجْتَهِدُ فِي غَيْرِهِ) رواه مسلم.
في شَرْح صَحِيح مُسْلِمِ لِلقَاضِى عِيَاض المُسَمَّى إِكمَالُ المُعْلِمِ بفَوَائِدِ مُسْلِم (باب الاجتهاد فى العشر الأواخر من شهر رمضان) حدّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِىُّ وَابْنُ أَبِى عُمَرَ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ. قَالَ إِسْحَاقُ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ أَبِى يَعْفُورٍ، عَنْ مُسْلِمِ بْنِ صُبَيْحٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِىَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ، أَحْيَا اللَّيْلَ، وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ، وَجَدَّ وَشَدَّ الْمِئْزَرَ.
حدَّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَأَبُو كَامِلٍ الْجَحْدَرِىُّ، كِلاهُمَا عَنْ عَبْدِ الْوَاحِدِ ابْنِ زِيَادٍ. قَالَ قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا عبدُ الْوَاحِدِ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ، قَالَ سَمِعْتُ إِبْرَاهِيمَ يَقُولُ سَمِعْتُ الأَسْوَدَ بْنَ يَزِيدَ يَقُولُ قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِىَ اللهُ عَنْهَا كَاَنَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَجْتَهِدُ فِى الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ، مَا لا يَجْتَهِدُ فِى غَيْرِهِ، وقوله (كان عليه السلام إذا دخل العشر أحيا الليل، وأيقظ أهله، وشد المئزر، قيل هو كناية عن الجد والتشمير فى العبادة، وقيل كناية عن ترك النساء والاشتغال بهن، فإن كان إشارة إلى عشر الاعتكاف فلا خلاف فى تحريم الجماع فيه لقوله تعالى (وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِد) وأجمعوا على أنه مفسد لاعتكافه كان فى ليل أو نهار، وكافتهم على أنه لا كفارة عليه، وذهب الحسن والزهرى إلى أن عليه ما على الواقع أهله فى رمضان وروى عن مجاهد يتصدق بدينارين وأجرى مالك والشافعى مرّة الجماع دون الفرج وجميع التلذذ من القبلة والمباشرة مجرى الجماع لعموم قوله (وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ) وذهب أبو حنيفة إلى فساده بالإنزال كيف كان وقاله صاحباه، ومذهبهم فى الجماع ناسياً على أصولهم، فمن أفسد به الصوم أفسد به الاعتكاف ومن لم يفسد عنده الصوم لم يفسد به الاعتكاف، وخالف الشافعى فى أحد قوليه فقصر النهى على الجماع فى الفرج فقط، وهو قول عطاء وقد تقدم فى كتاب الحيض من هذا فى حديث عائشة مما يمنع منه المعتكف وما يجوز له) انتهى كلام القاضي رحمه الله.
وقال النووي في شرح صحيح مسلم (اختلف العلماء في معنى (شَدَّ الْمِئْزَر) فقيل هو الاجتهاد في العبادات زيادة على عادته صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في غيره، ومعناه التشمير في العبادات، يقال شددت لهذا الأمر مئزري أي تشمرت له وتفرغت، وقيل هو كناية عن اعتزال النساء للاشتغال بالعبادات، وقولها (أَحْيَا اللَّيْلَ) أي استغرقه بالسهر في الصلاة وغيرها، وقولها (وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ) أي أيقظهم للصلاة في الليل وجدوا في العبادة زيادة على العادة، ففي هذا الحديث أنه يستحب أن يزاد من العبادات في العشر الأواخر من رمضان واستحباب إحياء لياليه بالعبادات). اهـ
قال الخطابي (شد المئزر يتأول على وجهين أحدهما هجران النساء وترك غشيانهن وقيل الجد والتشمير في العمل). اهـ
وعن عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنها أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم (كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه اللَّه عز وجل ثم اعتكف أزواجه من بعده) مُتَّفّقٌ عَلَيهِ.
وعن ابن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنهُما قال (كان رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم يعتكف العشر الأواخر من رمضان) مُتَّفّقٌ عَلَيهِ.
وفي شَرْح صَحِيح مُسْلِمِ لِلقَاضِى عِيَاض المُسَمَّى إِكمَالُ المُعْلِمِ بفَوَائِدِ مُسْلِم (باب اعتكاف العشر الأواخر من رمضان) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ مِهْرَانَ الرَّازِىُّ، حَدَّثَنَا حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِىَ اللهُ عَنْهُما أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَعْتَكِفُ فِى العَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ.
كتاب الاعتكاف ومعناه اللزوم والإقامة ولما كان المعتكف ملازماً للعمل بالطاعة مدة اعتكافه لزمه هذا الاسم، وهو فى عرف الشرع اللزوم على طاعةٍ مخصوصة ويسمى أيضاً جواراً.
ذكر مسلم أحاديث اعتكاف النبى عليه السلام ففيها أنها عبادة مرغبٌ فيها اقتداء بفعل النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ليست بواجبةٍ وقد أجمع المسلمون على ذلك فيها، وأنه يصح أن تكون بصوم، وإن لم يكن مشترطاً لها ومختصاً بها لاعتكافه فى رمضان فالصوم مختص به، ولا خلاف فى هذا الاعتكاف لتطوع به.
واختلف فى الواجب لنذرٍ، هل يجزى إيقاعه فى رمضان، وفى المذهب عندنا فيه وجهان، وكذلك دليل أحاديثه أنه لا يكون إلا بصوم؛ إذ لم يأت أنه اعتكف إلا وهو صائم، ولأن الله تعالى إنما ذكر الاعتكاف للصُّوام لقوله (ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ) ولأنه عمل أهل المدينة كما ذكر مالك فى موطئه وهو مذهب جمهور العلماء، وذهب الشافعى وأصحابه إلى أن الصوم ليس من شرطه واحتجاجه بإيقاعه فى رمضان، وفيها أن الاعتكاف لا يكون إلا فى مسجد للرجال والنساء خلافاً للكوفيين فى النساء لا يعتكفن إلا فى بيوتهن، ولابن لبابة من المتأخرين من أصحابنا فى تجويزه للجميع فى غير مسجد ولا صوم).
قال الإمام (1) الاعتكاف جائز عندنا على الجملة فى سائر المساجد، وذكر عن حذيفة أنه لا يراه إلا فى ثلاثة مساجد المسجد الحرام ومسجد إيلياء (بالشام) ومسجد النبى عليه السلام. وقال الزهرى لا يكون إلا فى الجامع، والحجة عندنا قوله (وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِد) فعمَّ، ومن شرطه عندنا الصوم وأجازه الشافعى من غير صوم) انتهى كلام القاضي رحمه الله.
وقال الحافظ الفقيه أبو الحسن علي بن خلف بن بطال البكري القرطبي في شرح صحيح البخارى (باب الاعْتِكَافِ فِى الْعَشْرِ الأوْسَطِ مِنْ رَمَضَانَ) (فيه أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ كَانَ عليه السَّلام، يَعْتَكِفُ فِى كُلِّ شهر رَمَضَانٍ عَشْرَةَ أَيَّامٍ، فَلَمَّا كَانَ الْعَامُ الَّذِى قُبِضَ فِيهِ اعْتَكَفَ عِشْرِينَ) وقوله (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتكف فى كل رمضان) فهذا يدل على أن الاعتكاف من السنن المؤكدة؛ لأنه مما واظب عليه النبى عليه السلام فينبغى للمؤمنين الاقتداء فى ذلك بنبيهم، وذكر ابن المنذر عن ابن شهاب أنه كان يقول: عجبًا للمسلمين تركوا الاعتكاف، وإن النبى عليه السلام لم يتركه منذ دخل المدينة كل عام فى العشر الأواخر حتى قبضه الله). اهـ
والاعتكاف في اللغة الحبس والمكث واللزوم، وفي الشرع المكث في المسجد من شخص مخصوص بصفة مخصوصة، ويسمى الاعتكاف جوارًا، ومنه الأحاديث الصحيحة منها حديث عائشة في أوائل الاعتكاف من صحيح البخاري قالت (كان النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصغي إلي رأسه وهو مجاور في المسجد فأرجله وأنا حائض).
وقال النووي في شرح صحيح مسلم (وذكر مسلم الأحاديث في اعتكاف النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ العشر الأواخر من رمضان، والعشر الأول من شوال، ففيها استحباب الاعتكاف وتأكد استحبابه في العشر الأواخر من رمضان، وقد أجمع المسلمون على استحبابه وأنه ليس بواجب وعلى أنه متأكد في العشر الأواخر من رمضان، ومذهب الشافعي وأصحابه وموافقيهم أن الصوم ليس بشرط لصحة الاعتكاف، بل يصح اعتكاف الفطر ويصح اعتكاف ساعة واحدة ولحظة واحدة، وضابطه عند أصحابنا مكث يزيد على طمأنينة الركوع أدنى زيادة هذا هو الصحيح، وفيه خلاف شاذ في المذهب ولنا وجه أنه يصح اعتكاف المار في المسجد من غير لبث والمشهور الأول، فينبغي لكل جالس في المسجد لانتظار صلاة أو لشغل آخر من آخرة أو دنيا أن ينوي الاعتكاف فيحسب له ويثاب عليه ما لم يخرج من المسجد، فإذا خرج ثم دخل جدد نية أخرى، وليس للاعتكاف ذكر مخصوص، ولا فعل آخر سوى اللبث في المسجد بنية الاعتكاف، ولو تكلم بكلام دنيا أو عمل صنعة من خياطة أو غيرها لم يبطل اعتكافه). اهـ
ثم قال (وفي هذه الأحاديث أن الاعتكاف لا يصح إلا في المسجد، لأن النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأزواجه وأصحابه إنما اعتكفوا في المسجد مع المشقة في ملازمته، فلو جاز في البيت لفعلوه ولو مرة لا سيما النساء لأن حاجتهن إليه في البيوت أكثر، وهذا الذي ذكرناه من اختصاصه بالمسجد وأنه لا يصح في غيره هو مذهب مالك والشافعي وأحمد وداود والجمهور سواء الرجل والمرأة). اهـ
(1) أبو عبد الله محمد بن علي بن عمر بن محمد التَّميمي المازَري، إمام المالكية في عصره ومن المحدّثين المشهورين، بلغ درجة الاجتهاد المطلق حتى سُمِّي بالإمام، قال عنه القاضي عياض (هو آخر المتكلمين من شيوخ إفريقية بتحقيق الفقه ورتبة الاجتهاد ودقّة النظر، لم يكن في عصره للمالكية في أقطار الأرض أفقه منه ولا أقوم بمذهبهم).