حديث (فأَعِدَّ للفَقْر تَجْفَافًا)
22 أكتوبر 2022مِنَ الْمُعْجِزَاتِ الَّتِي حَصَلَتْ لِمَنْ قَبْلَ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
23 أكتوبر 2022الْمُعْجِزَةُ
الْمُعْجِزَةُ
اعْلَمْ أَنَّ السَّبِيلَ إِلَى مَعْرِفَةِ النَّبِيِّ الْمُعْجِزَةُ، بِالْمُعْجِزَةِ يُعْرَفُ النَّبِيُّ فَمَا مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا وَكَانَتْ لَهُ مُعْجِزَةٌ، وَمَعْنَى الْمُعْجِزَةِ الْعَلامَةُ الشَّاهِدَةُ الَّتِي تَشْهَدُ أَنَّ هَذَا الإِنْسَانَ الَّذِي يَقُولُ عَنْ نَفْسِهِ إِنَّهُ نَبِيُّ اللَّهِ أَنَّهُ نَبِيٌّ وَأَنَّهُ صَادِقٌ، وَقَدْ أُعْطِيَ نَبِيُّنَا مُحَمَّدٌ مِنَ الْمُعْجِزَاتِ أَكْثَرَ مِنْ غَيْرِهِ حَتَّى قِيلَ إِنَّ الْمُعْجِزَاتِ الَّتِي حَصَلَتْ فِي حَالِ حَيَاتِهِ بَيْنَ الأَلْفِ وَالثَّلاثَةِ ءَالافٍ عَدَدًا، وَأَعْظَمُ الْمُعْجِزَاتِ مُعْجِزَةُ الْقُرْءَانِ الْكَرِيمِ، وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (مَا أَعْطَى اللَّهُ نَبِيًّا مُعْجِزَةً إِلَّا وَأَعْطَى مُحَمَّدًا مِثْلَهَا أَوْ أَعْظَمَ مِنْهَا) فَمَنْ لَمْ يَتَعَلَّمْ شَيْئًا مِنْ مُعْجِزَاتِ الرَّسُولِ يَكُونُ مُقَصِّرًا تَقْصِيرًا كَبِيرًا.
وَهِيَ أَمْرٌ خَارِقٌ لِلْعَادَةِ أَيْ هِيَ أَمْرٌ مُخَالِفٌ وَمُنَاقِضٌ لِلْعَادَةِ يَأْتِي عَلَى وَفْقِ دَعْوَى مَنِ ادَّعَوِا النُّبُوَّةَ أَيْ هَذَا الأَمْرُ الْخَارِقُ يُوَافِقُ دَعْوَى ذَلِكَ النَّبِيِّ، فَمَا لَمْ يَكُنْ مُوَافِقًا لِلدَّعْوَى لا يُسَمَّى مُعْجِزَةً كَالَّذِي حَصَلَ لِمُسَيْلِمَةَ الْكَذَّابِ الَّذِي ادَّعَى النُّبُوَّةَ مِنْ أَنَّهُ مَسَحَ عَلَى وَجْهِ رَجُلٍ أَعْوَرَ فَعَمِيَتِ الْعَيْنُ الأُخْرَى، فَإِنَّ هَذَا الَّذِي حَصَلَ مُنَاقِضٌ لِدَعْوَاهُ وَلَيْسَ مُوَافِقًا، سَالِمٌ مِنَ الْمُعَارَضَةِ بِالْمِثْلِ أَيْ لا يَسْتَطِيعُ الْمُكَذِّبُونَ أَنْ يَفْعَلُوا مِثْلَهُ، فَإِذَا ادَّعَى رَجُلٌ أَنَّهُ نَبِيٌّ وَقَارَنَ دَعْوَاهُ خَارِقٌ ثُمَّ ادَّعَى ءَاخَرُ أَنَّ الْمُدَّعِيَ لَيْسَ بِنَبِيٍّ وَأَظْهَرَ خَارِقًا مِثْلَهُ دَلَّ عَلَى أَنَّ الأَوَّلَ لَيْسَ بِنَبِيٍّ.
فَمَا كَانَ مِنَ الأُمُورِ عَجِيبًا وَلَمْ يَكُنْ خَارِقًا لِلْعَادَةِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزَةٍ، وَكَذَلِكَ مَا كَانَ خَارِقًا لَكِنَّهُ لَمْ يَقْتَرِنْ بِدَعْوَى النُّبُوَّةِ كَالْخَوَارِقِ الَّتِي تَظْهَرُ عَلَى أَيْدِي الأَوْلِيَاءِ أَتْبَاعِ الأَنْبِيَاءِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِمُعْجِزَةٍ بَلْ يُسَمَّى كَرَامَةً. الَّذِي يَتَّبِعُ النَّبِيَّ بِصِدْقٍ اتِّبَاعًا تَامًّا يُؤَدِّي الْوَاجِبَاتِ وَيَجْتَنِبُ الْمُحَرَّمَاتِ وَيُكْثِرُ مِنَ النَّوَافِلِ، الأَمْرُ الْخَارِقُ الَّذِي يَظْهَرُ عَلَى يَدِهِ يُقَالُ لَهُ كَرَامَةٌ وَلا يُقَالُ لَهُ مُعْجِزَةٌ لِأَنَّ الْوَلِيَّ لا يَدَّعِي أَنَّهُ نَبِيٌّ وَإِلَّا لَمَا حَصَلَتْ لَهُ هَذِهِ الْخَوَارِقُ، وَكُلُّ كَرَامَةٍ تَحْصُلُ لِهَذَا الْوَلِيِّ فَهِيَ مُعْجِزَةٌ لِلنَّبِيِّ الَّذِي يَتَّبِعُهُ.
وَكَذَلِكَ لَيْسَ مِنَ الْمُعْجِزَةِ مَا يُسْتَطَاعُ مُعَارَضَتُهُ بِالْمِثْلِ كَالسِّحْرِ فَإِنَّهُ يُعَارَضُ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ، فالسِّحْرُ لا يُسَمَّى مُعْجِزَةً لِأَنَّ السِّحْرَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَعْمَلَ سَاحِرٌ ءَاخَرُ مِثْلَهُ، أَمَّا الْمُعْجِزَةُ لا يَسْتَطِيعُ الْمُعَارِضُونَ أَنْ يَفْعَلُوا مِثْلَهَا، أَمَّا غَيْرُ الْمُعَارِضِينَ مِنْ أَتْبَاعِ الأَنْبِيَاءِ كَالأَوْلِيَاءِ هَؤُلاءِ يَسْتَطِيعُونَ أَنْ يُظْهِرُوا أَمْرًا يُشْبِهُ الْمُعْجِزَةَ، لِأَنَّ هَؤُلاءِ لا يُعَارِضُونَ النَّبِيَّ بَلْ يُصَدِّقُونَهُ وَيَتَّبِعُونَهُ.
وَالْمُعْجِزَةُ قِسْمَانِ قِسْمٌ يَقَعُ بَعْدَ اقْتِرَاحٍ مِنَ النَّاسِ عَلَى الَّذِي ادَّعَى النُّبُوَّةَ، وَقِسْمٌ يَقَعُ مِنْ غَيْرِ اقْتِرَاحٍ. بَعْضُ الأَنْبِيَاءِ مُعْجِزَاتُهُمْ تَظْهَرُ لَمَّا يَطْلُبُ مِنْهُمُ النَّاسُ الَّذِينَ أُرْسِلُوا إِلَيْهِمْ، وَبَعْضٌ مِنْ دُونِ اقْتِرَاحٍ يَظْهَرُ عَلَى أَيْدِيهِمْ مِنْ دُونِ أَنْ يَطْلُبَ مِنْهُمْ أَحَدٌ.
فَالأَوَّلُ نَحْوُ نَاقَةِ صَالِحٍ الَّتِي خَرَجَتْ مِنَ الصَّخْرَةِ، اقْتَرَحَ قَوْمُهُ عَلَيْهِ ذَلِكَ بِقَوْلِهِمْ إِنْ كُنْتَ نَبِيًّا مَبْعُوثًا إِلَيْنَا لِنُؤْمِنَ بِكَ فَأَخْرِجْ لَنَا مِنْ هَذِهِ الصَّخْرَةِ نَاقَةً وَفَصِيلَهَا فَأَخْرَجَ لَهُمْ نَاقَةً مَعَهَا فَصِيلُهَا (أَيْ وَلَدُهَا) فَانْدَهَشُوا فَآمَنُوا بِهِ، فإِنَّ مِمَّا جَاءَ فِي قِصَّةِ قَوْمِ صَالِحٍ أَنَّهُمْ طَلَبُوا مِنْ نَبِيِّ اللَّهِ صَالِحٍ أَنْ يُظْهِرَ لَهُمْ مُعْجِزَةً وَهِيَ أَنْ يُخْرِجَ لَهُمْ نَاقَةً مَعَهَا وَلَدُهَا مِنَ الصَّخْرَةِ فَأَخْرَجَ لَهُمْ ثُمَّ حَذَّرَهُمْ أَنْ يَتَعَرَّضُوا لَهَا، وَكَانَ مِمَّا امْتُحِنَ بِهِ قَوْمُ صَالِحٍ أَنْ جَعَلَ الْيَوْمَ الَّذِي تَرِدُ فِيهِ نَاقَةُ صَالِحٍ الْمَاءَ لا تَرِدُ مَوَاشِيهِمُ الْمَاءَ، وَكَانَتْ هَذِهِ النَّاقَةُ تَكْفِيهِمْ بِحَلِيبِهَا فِي هَذَا الْيَوْمِ، فَتَآمَرَ تِسْعَةُ أَشْخَاصٍ مِنْهُمْ عَلَى أَنْ يَقْتُلُوهَا فَقَتَلُوهَا وَبَعْدَ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ نَزَلَ بِهِمُ الْعَذَابُ فَمَحَاهُمْ، قَالَ تَعَالَى ﴿فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾ سُورَةَ فُصِّلَتْ، لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَاذِبًا فِي قَوْلِهِ إِنَّ اللَّهَ أَرْسَلَهُ لَمْ يَأْتِ بِهَذَا الأَمْرِ الْعَجِيبِ الْخَارِقِ لِلْعَادَةِ الَّذِي لَمْ يَسْتَطِعْ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ أَنْ يُعَارِضَهُ بِمِثْلِ مَا أَتَى بِهِ، فَثَبَتَتِ الْحُجَّةُ عَلَيْهِمْ، وَلا يَسَعُهُمْ إِلَّا الإِذْعَانُ وَالتَّصْدِيقُ لِأَنَّ الْعَقْلَ يُوجِبُ تَصْدِيقَ مَنْ أَتَى بِمْثِلِ هَذَا الأَمْرِ الَّذِي لا يُسْتَطَاعُ مُعَارَضَتُهُ بِالْمِثْلِ مِنْ قِبَلِ الْمُعَارِضِينَ، فَمَنْ لَمْ يُذْعِنْ وَعَانَدَ يُعَدُّ مُهْدِرًا لِقِيمَةِ الْبُرْهَانِ الْعَقْلِيِّ.
تَنْبِيهٌ مُهِمٌّ: الْمُعْجِزَةُ لَيْسَ مِنْ شَرْطِهَا أَنْ تَكُونَ مَقْرُونَةً بِالتَّحَدِّي وَإِنَّمَا مِنْ شَرْطِهَا أَنْ تَكُونَ صَالِحَةً لِلتَّحَدِّي.