حسن خلق رسول الله والحكمة في تصرفاته المحفوفة بالعناية الربانية
7 ديسمبر 2016الدليل على جواز الاحتفال بمولد رسول الله ﷺ
7 ديسمبر 2016الْمَوْلِدُ سُنَّةٌ حَسَنَةٌ
الحمدُ لله ربِّ العالمين والصلاةُ والسلامُ على سيّدنا محمّدٍ الصادقِ الوعدِ الأمينِ وعلى إخوانِهِ النبيّينَ والمرسلينَ ورضيَ اللهُ عن أمهاتِ المؤمنينَ و آلِ البيتِ الطاهرينَ وعنِ الخلفاءِ الراشدينَ أبي بكرٍ وعمرَ وعثمانَ وعليٍّ وعن الأئمةِ المهتدينَ أبي حنيفةَ ومالكٍ والشافعيِّ وأحمدَ وعن الأولياءِ والصالحينَ.
الْمَوْلِدُ سُنَّةٌ حَسَنَةٌ وَلَيْسَ دَاخِلاً تَحْتَ نَهْيٍ مِنْهُ صلى الله عليه وسلم بِقَوْلِهِ (مَنْ أَحْدَثَ في أَمْرِنَا هَذَا ما لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌ) لأنَّهُ صلى الله عليه وسلم أَفْهَمَ بِقَوْلِهِ (ما لَيْسَ مِنْهُ) أَنَّ الْمُحْدَثَ إِنَّما يَكُونُ ردًّا أيْ مَرْدُودًا إِذا كانَ على خِلافِ الشَّريعَةِ، وأَنَّ الْمُحْدَثَ الْمُوافِقَ لِلشَّريعَةِ لَيْسَ مَرْدُودًا.
فالرَّسُولُ لَمْ يَقُلْ مَنْ أَحْدَثَ في أمْرِنا هَذا فَهُوَ رَدٌّ بَلْ قَيَّدَهَا بِقَولِهِ (ما لَيْسَ مِنْهُ) لِيُبَيِّنَ لَنَا أنَّ الْمُحْدَثَ إِنْ كانَ مِنْهُ (أي مُوافِقًا لِلشَّرْعِ) فَهُوَ مَشْرُوعٌ وإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْهُ (أي لَمْ يَكُنْ موافِقًا لِلشَّرْعِ) فَهُوَ مَمْنوعٌ.
الْمَوْلِدُ سُنَّةٌ حَسَنَةٌ وَمَنِ اشْتَرَطَ لِجَوازِهِ أَنْ يَكُونَ الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم عَمِلَهُ فَشَرْطُهُ باطِلٌ كَمَا أنَّ نَقْطَ الْمُصْحَفِ سُنَّةٌ حَسَنَةٌ ولم يفعله رسول الله، لأنَّ هَذَا الشَّرْطَ لا أصْلَ لَهُ في دِينِ اللهِ تعالى، والرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم يقُولُ (كُلُّ شَرْطٍ لَيْسَ في كِتابِ اللهِ تعالى فَهُوَ باطِلٌ وإِنْ كانَ مِائَةَ شَرْطٍ).
الْمَوْلِدُ سُنَّةٌ حَسَنَةٌ وَلَيْسَ فيهِ قَدْحٌ لِصَحابَتِهِ صلى الله عليه وسلم بِزَعْمِ أنَّ فيهِ إِشارَةً إلى أنَّنا نُحِبُّهُ أَكْثَرَ مِنْهُم، فالرَّسولُ صلى الله عليه وسلم ما جَمَعَ القُرءانَ في كِتابٍ واحِدٍ بل أبو بَكْرٍ الصِّديقُ هُوَ الَّذي جَمَعَهُ وَسَمَّاهُ الْمُصْحَفَ، وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ أحَدٌ مِنَ الصَّحابَةِ بِحُجَّةِ أنَّ فِعْلَهُ هَذَا يُشيرُ إلى أنَّهُ يُحِبُّ القُرءانَ أَكْثَرَ مِنَ رَسُولِ اللهِ.
ثُمَّ أليْسَ الْعُلَمَاءُ قالُوا (الْمَزِيَّةُ لا تَقْتَضِي التَّفْضِيلَ)، فإنْ كانَ أبو بكْرٍ الصِّديقُ جَمَعَ القُرءانَ والرَّسولُ لَمْ يَجْمَعْهُ في كِتابٍ واحِدٍ على هَيْئَتِهِ اليوْمَ فهَذا لا يَعني أنَّهُ أفْضَلُ مِنْ رَسولِ الله، وإنْ كانَ عُمَرُ بنُ الْخَطَّابِ جَمَعَ النَّاسَ في صلاةِ التَّراويحِ على إمامٍ واحِدٍ وأبو بكْرٍ لَمْ يَفْعَلْهُ فهَذا لا يَعني أنَّهُ أفْضَلُ مِنْ أبي بَكْرٍ، وإنْ كانَ عُثْمانُ بنُ عَفَّانَ أمَرَ بالأذانِ الأوَّلِ لِصَلاةِ الْجُمُعَةِ وَعُمَرُ لَمْ يَفْعَلْهُ فَهذا لا يَعني أنَّهُ أَفْضَلُ مِنْ عُمَرَ.
الْمَوْلِدُ سُنَّةٌ حَسَنَةٌ ولا يُقالُ عَنْهُ لوْ كانَ خَيْرًا لَدَلَّ الرَّسُولُ أُمَّتَهُ عليهِ، فَجَمْعُ الْمُصْحَفِ وَنَقْطُهُ وتَشْكيلُهُ عَمَلُ خَيرٍ مَعَ أنَّهُ صلى الله عليه وسلم ما نَصَّ عليهِ ولا عَمِلَهُ. فَهُؤلاءِ الَّذينَ يَمْنَعُونَ عَمَلَ الْمَوْلِدِ بِدَعوى أنَّهُ لَوْ كانَ خَيْرًا لَدَلَّنا الرَّسولُ عليهِ وَهُم أَنْفُسُهُم يَشْتَغِلُونَ في تَشْكيلِ الْمُصْحَفِ وَتَنْقيطِهِ يَقَعونَ في أَحَدِ أمْرَيْنِ فَإِمَّا أنْ يَقولُوا إِنَّ نَقْطَ الْمُصْحَفِ وتَشْكيلَهُ لَيْسَ عَمَلَ خَيْرٍ لأنَّ الرَّسولَ ما فَعَلَهُ وَلَمْ يَدُلَّ الأُمَّةَ عليهِ وَمَعَ ذَلِكَ نَحْنُ نَعْمَلُهُ، وإِمَّا أنْ يَقولُوا إنَّ نَقْطَ الْمُصْحَفِ وتَشْكيلَهُ عَمَلُ خَيرٍ لَو لَمْ يَفْعَلْهُ الرَّسولُ وَلَمْ يَدُلََّ الأُمَّةَ عَليهِ لِذَلِكَ نَحْنُ نَعْمَلُهُ.
الْمَوْلدُ هُوَ شُكْرٌ للهِ تعالى:
الْموْلدُ هُوَ شُكْرٌ للهِ تعالى عَلَى أنَّهُ أَظْهَرَ مُحَمَّدًا في مِثْلِ هَذا الشَّهر، لَيْسَ عِبَادَةً لِمُحَمَّد، نَحْنُ لا نَعْبُدُ مُحَمَّدًا وَلا نَعْبُدُ شَيْئًا سِوى اللهِ، لَكِنْ نُعَظِّمُ تَعْظيمًا فَقَط، نُعَظِّمُ مُحَمَّدًا أَكْثَرَ مِنْ غَيْرِهِ مِنَ الأَنبياءِ والْمَلائِكَةِ، ثُمَّ نُعَظِّمُ كُلَّ الأَنْبياءِ ولا نَعْبُدُ واحِدًا مِنْهُم، لا نَعْبُدُ مُحَمَّدًا ولا أَيَّ مَلَكٍ وَلا أَيَّ نَجْمٍ ولا الشَّمْسَ ولا القَمَرَ، نِهَايَةُ التَّذَلُّلِ عِنْدَنا لله، نَضَعُ جِباهَنا بِالأرْضِ وَنُقَدِّسُهُ، نِهايةُ التَّذَلُّلِ هِيَ العِبادَةُ، هَذِهِ نَحْنُ لا نَفْعَلُها لِسَيِّدِنا مُحَمَّدٍ، إِنَّما نَحْنُ عِبادَتُنا للهِ، نَحْنُ لا نَعْبُدُ مُحمَّدًا بَلْ نَعْتَبِرُ مُحَمَّدًا دَاعِيًا إلى اللهِ، هَدَى النَّاسَ وَيَسْتَحِقُّ التَّعْظيمَ، أَقَلَّ مِنَ العِبادَةِ، أَقَلَّ مِنْ أَنْ يُعْبَدَ، واللهُ تعالى امْتَدَحَ الَّذينَ ءامنُوا بِهِ صلى الله عليه وسلم وَعَزَّرُوهُ أي عظََّمُوهُ فَقالَ عَزَّ وَجَلَّ ﴿فَالَّذِينَ ءامَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُون﴾[سورة الأعراف 157].
قالَ بَعْضُ العُلَمَاءِ مِمَّنْ أَلَّفَ فِي قِصّةِ المَوْلِدِ الشَّرِيفِ:
حَمَلَتْ ءامنةُ بِنْتُ وَهْبٍ بِرَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم عَشِيَّةَ الجُمُعَةِ أَوَّلَ لَيْلَةٍ مِنْ رَجَبٍ، وَإن ءامنةَ لَمَّا حَمَلَتْ بِرَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم كانتْ تَرَى الطُّيورَ عَاكِفَةً عَلَيْهَا إِجْلالا للذي فِي بَطْنِهَا، وكانَتْ إِذَا جَاءَتْ تَسْتَقي مِن بِئرٍ يَصْعَدُ المَاءُ إليْهَا إلى رَأْسِ البِئْرِ إِجْلالا وَإعْظَامًا لرسولِ الله صلى الله عليه وسلم فَأخْبَرَتْ بِذَلك زَوْجَهَا عَبْدَ الله فَقَالَ هَذِهِ كَرَامَةٌ للِمَوْلودِ الذي في بَطْنِكِ، قَالَتْ: وَكُنْتُ أسْمَعُ تَسْبِيحَ المَلائِكَةِ حَوْلِي وَسَمِعْتُ قَائِلًا يَقُولُ: هَذا نُورُ السيّدِ الرَّسولِ، ثُمَّ رَأَيْتُ فِي المَنَامِ شجرة وَعَلَيْهَا نُجُومٌ زَاهِرَةٌ بَيْنَهُنَّ نَجْمَةٌ فَاخِرَةٌ أَضَاءَ نُورُهَا عَلَى الكُلّ، وَبَيْنَمَا أَنَا نَاظِرةٌ إِلى نُورِهَا وَاشْتِعَالِهَا إذ سَقَطَتْ في حِجْرِي وَسَمِعْتُ هَاتفًا يقولُ هَذا النَّبيُّ السَّيدُ الرَّسُولُ.
أهلُ السّنة يحتفلونَ بمولِد مَن أرسله الله رحمةً للعالمين:
فإنّ الاحتفالَ بذِكرى مولِد سيدِنا محمد صلى الله عليه وسلم الذي أرسلَه الله رحمةً للعالمين بقراءةِ شَىءٍ مِنَ القُرءان وذِكْر شَىءٍ مِن الشّمائلِ النّبوية الشّريفةِ أَمر فيهِ برَكَةٌ وخَيرٌ عظِيم إذا خَلا هذا الاحتِفالُ عن أصنافِ البِدَع القَبِيحةِ التي لا يَستَحسِنُها الشّرع الشريف، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (مَن سَنَّ في الإسلام سُنةً حسَنَةً فلَهُ أَجْرُها وأجْرُ مَن عَمِلَ بها بعدَهُ مِن غَيرِ أنْ يَنقُصَ مِن أُجورِهم شَىء) رواه الإمام مسلم في صحيحه، وقال سيدنا عمر بنُ الخطّاب رضي الله عنه بعدَما جمَع النّاس على إمامٍ واحِد في صَلاةِ التّراويح (نِعْمَ البِدعَةُ هذِه) رواه الإمام البخاري في صحيحِه.
ومِن هنا قال الإمام الشافعيّ رضي الله عنه (المـُحدَثَـات مِنَ الأمُور ضَربَان أحَدُهما) ما أُحدِثَ مما يُخالِفُ كتابـًا أو سُنةً أو أثرًا أو إجماعًا، فهذِه البِدعَةُ الضَّـلالةَ والثانيـة ما أُحدِثَ مِن الخير لا خلافَ فيه لواحِدٍ مِن هذا، وهذه مُحدثةٌ غيرُ مذمُومَة. رواه الحافظ البيهقي في كتاب مناقب الشافعي.
البِدعةُ بِدعَتان عندَ المذاهِب الأربعة:
رَوى الحافظُ أبو نُعَيم في كتابه حِلية الأولياء عن محمدِ بنِ إدريس الشافعي رضي الله عنه يقول (البِدعَةُ بِدعَتان، بِدعةٌ محمُودَة، وبِدعَةٌ مَذمُومة، فما وافَق السُّنةَ فهو محمُود، وما خَالَف السّنة فهو مذمُوم) واحتَجّ بقولِ عمرَ بنِ الخطّاب في قيام رمضان (نِعمَتِ البِدعَةُ هي). اهـ
وقال الشيخ أحمد بنُ يحيى الوَنشَرِيسيّ المالكي في كتاب المعيار المعرب (فالحقّ في البدعة إذا عُرضَت أن تُعرَض على قواعِد الشرع فأيّ القواعِد اقتَضَتْها أُلحِقَت بـها وبعد وقُوفِك على هذا التحصيل والتأصِيل لا تَشُكّ أن قولَه صلى الله عليه وسلم (كلّ بِدعَةٍ ضَلالة)، مِنَ العامّ المخصُوص كما صرح بهِ الأئمّةُ رِضوانُ الله عليهم). اهـ
وقالَ بَدرُ الدِّين العَيني الحنَفيّ في شَرحِه لصَحِيح البخاري (والبِدعةُ في الأصلِ إحدَاثُ أَمرٍ لم يكُن في زمَنِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، ثم البِدعَةُ على نوعَين، إن كانت مما تَندَرجُ تحتَ مُستَحسَنٍ في الشّرع فهيَ بِدعَةٌ حسَنة وإنْ كانَت مما يَندَرِجُ تحتَ مُستَقبَح في الشّرع فهي بدعةٌ مُستَقبحَةٌ). انتهى
وقال الشيخ شمس الدين محمد بن أبي الفتح البعلي الحنبلي في كتابه المطلع على أبواب المقنِع من كتاب الطلاق (والبِدعَةُ مما عُمِلَ على غيرِ مِثالٍ سَابق، والبِدعَةُ بِدعَتان بِدعَةُ هُدى وبِدعَةُ ضَلالة، والبِدعَةُ منقَسِمَةٌ بانقِسام أحكامِ التّكليف الخمسَة). اهـ