عِلْمُ الْكَلامِ الَّذِي يَشْتَغِلُونَ بِهِ أَهْلُ السُّنَّةِ مِنَ الأَشَاعِرَةِ وَالْمَاتُرِيدِيَّةِ عُمِلَ بِهِ مِنْ قبلِ الأَشْعَرِيِّ وَالْمَاتُرِيدِيِّ
15 ديسمبر 2020أقسامُ المعذَّبينَ في النارِ
21 ديسمبر 2020الْوِقَايَةُ مِنَ النَّارِ
الْوِقَايَةُ مِنَ النَّارِ
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾ (سُورَةَ التَّحْرِيْم 6) وَجَاءَ فِي تَفْسِيرِ الآيَةِ أَنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَقُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلَهُمُ النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ بِتَعَلُّمِ الأُمُورِ الدِّينِيَّةِ، وَتَعْلِيمِ أَهْلِيهِمْ ذَلِكَ، جَاءَ ذَلِكَ عَنْ سَيِّدِنَا عَلِيِّ بنِ أَبِي طَالِبٍ بِإِسْنَادٍ قَوِيٍّ، أَيْ مَعْرِفَةِ مَا فَرَضَ اللَّهُ فِعْلَهُ أَوْ اجْتِنَابَهُ أَيِ الْوَاجِبَاتِ وَالْمُحَرَّمَاتِ وَذَلِكَ كَيْ لا يَقَعَ فِي التَّشْبِيهِ وَالتَّمْثِيلِ وَالْكُفْرِ وَالضَّلالِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى ﴿قُوا أَنْفُسَكُمْ﴾ مَعْنَاهُ جَنِّبُوا أَنْفُسَكُمُ النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ فَإِنَّ الأَرْضَ بَعْدَ أَنْ يُحَاسَبَ النَّاسُ عَلَيْهَا تُرْمَى فِي جَهَنَّمَ لِتَزِيدَهَا وَقُودًا وَكَذَلِكَ الشَّمْسُ تُرْمَى فِي جَهَنَّمَ بَعْدَ أَنْ يُطْمَسَ نُورُهَا وَكَذَلِكَ الْقَمَرُ، وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى ﴿عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ﴾ فَمَعْنَى غِلاظٌ أَنَّهُمْ لا يَرْحَمُونَ الْكَافِرَ، وَمَعْنَى شِدَادٌ أَيْ أَقْوِيَاءُ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى ﴿لَّا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾ فَذَلِكَ لِأَنَّ الْمَلائِكَةَ مَجْبُولُونَ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ أَيْ لا يَخْتَارُونَ إِلَّا الطَّاعَةَ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ، وَكُلٌّ مِنْهُمْ يَقُومُ بِمَا أُمِرَ بِهِ بِلا تَقْصِيرٍ، فَالْمَلائِكَةُ لَهُمْ وَظَائِفُ مِنْهُمْ مَنْ هُوَ مُوَكَّلٌ بِالْمَطَرِ وَمِنْهُمْ مَنْ هُوَ مُوَكَّلٌ بِالنَّبَاتِ وَمِنْهُمْ مَنْ هُوَ مُوَكَّلٌ بِالرِّيحِ وَمِنْهُمْ مَنْ هُوَ مُوَكَّلٌ بِالْجِبَالِ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْوَظَائِفِ.
ذَلِكَ لِأَنَّهُ مَنْ يُشَبِّهُ اللَّهَ تَعَالَى بِشَىْءٍ مَا لَمْ تَصِحَّ عِبَادَتُهُ، لِأَنَّهُ يَعْبُدُ شَيْئًا تَخَيَّلَهُ وَتَوَهَّمَهُ فِي مُخَيِّلَتِهِ وَأَوْهَامِهِ، قَالَ أَبُو حَامِدٍ الْغَزَالِيُّ (لا تَصِحُّ الْعِبَادَةُ إِلَّا بَعْدَ مَعْرِفَةِ الْمَعْبُودِ) فَالَّذِي يَعْبُدُ شَيْئًا تَخَيَّلَهُ وَتَوَهَّمَهُ فِي مُخَيِّلَتِهِ فِعِبَادَتُهُ بَاطِلَةٌ لِأَنَّ وَهْمَ الإِنْسَانِ يَدُورُ حَوْلَ مَا أَلِفَهُ، فَإِنَّ وَهْمَنَا أَلِفَ الشَّىْءَ الْمَحْسُوسَ الَّذِي لَه حَدٌّ وَشَكْلٌ وَلَوْنٌ وَحَيِّزٌ إِمَّا فَوْق أَوْ تَحْت وَاللَّهُ كَانَ مَوْجُودًا قَبْلَ الْفَوْقِ وَالتَّحْتِ بِلا جِهَةٍ وَلا مَكَانٍ لِأَنَّ الْجِهَاتِ وَالأَمَاكِنَ خُلِقَتْ بَعْدَ أَنْ لَمْ تَكُنْ مَوْجُودَةً حَتَّى هَذَا الْفَرَاغُ الَّذِي فِيهِ الْعَرْشُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ لَمْ يَكُنْ مَوْجُودًا قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَهُ اللَّهُ، فَالْعِبْرَةُ وَالِاعْتِبَارُ بِالْعَقْلِ لا بِالْوَهْمِ.