لا يصح الصوم كله فرضه ونفله مقيّده ومطلقه إلا بنية
2 أبريل 2022معلومٌ من الدِّينِ بالضَّرُورةِ عند الخَاصَّةِ والعَامَّةِ أنّه لا شَىءَ أكبرُ ذَنبًا مِن قَتلِ المسلمِ ظلمًا إلا الكُفر
15 أبريل 2022عَدَّ عُلَمَاءُ الْحَدِيثِ الْمُفْتِينَ فِي الصَّحَابَةِ أَقَلَّ مِنْ عَشَرَةٍ و قِيلَ نَحْوُ سِتَّةٍ وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ نَحْوُ مِائَتَيْنِ مِنْهُمْ بَلَغَ رُتْبَةَ الِاجْتِهَادِ وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الأَصَحُّ
عَدَّ عُلَمَاءُ الْحَدِيثِ الَّذِينَ أَلَّفُوا فِي كُتُبِ مُصْطَلَحِ الْحَدِيثِ الْمُفْتِينَ فِي الصَّحَابَةِ أَقَلَّ مِنْ عَشَرَةٍ كَمَا فِي كُتُبِ الْمُصْطَلَحِ كَتَدْرِيبِ الرَّاوِي لِلسُّيُوطِيِّ، قِيلَ نَحْوُ سِتَّةٍ، وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ نَحْوُ مِائَتَيْنِ مِنْهُمْ بَلَغَ رُتْبَةَ الِاجْتِهَادِ وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الأَصَحُّ.
فَإِذَا كَانَ الأَمْرُ فِي الصَّحَابَةِ هَكَذَا فَمِنْ أَيْنَ يَصِحُّ لِكُلِّ مُسْلِمٍ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَقْرَأَ الْقُرْءَانَ وَيُطَالِعَ فِي بَعْضِ الْكُتُبِ أَنْ يَقُولَ أُولَئِكَ رِجَالٌ وَنَحْنُ رِجَالٌ فَلَيْسَ عَلَيْنَا أَنْ نُقَلِّدَهُمْ، وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ أَكْثَرَ السَّلَفِ كَانُوا غَيْرَ مُجْتَهِدِينَ بَلْ كَانُوا مُقَلِّدِينَ لِلْمُجْتَهِدِينَ فِيهِمْ، فَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ أَنَّ رَجُلًا كَانَ أَجِيرًا لِرَجُلٍ فَزَنَى بِامْرَأَتِهِ فَسَأَلَ أَبُوهُ فَقِيلَ لَهُ إِنَّ عَلَى ابْنِكَ مِائَةَ شَاةٍ وَأَمَةٍ، ثُمَّ سَأَلَ أَهْلَ الْعِلْمِ فَقَالُوا لَهُ إِنَّ عَلَى ابْنِكَ جَلْدَ مِائَةٍ وَتَغْرِيبَ عَامٍ، فَجَاءَ إِلَى الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ زَوْجِ الْمَرْأَةِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ ابْنِي هَذَا كَانَ عَسِيفًا (أَيْ أَجِيرًا) عَلَى هَذَا وَزَنَى بِامْرَأَتِهِ فَقَالَ لِي نَاسٌ عَلَى ابْنِكَ الرَّجْمُ فَفَدَيْتُ ابْنِي مِنْهُ بِمِائَةٍ مِنَ الْغَنَمِ وَوَلِيدَةٍ، ثُمَّ سَأَلْتُ أَهْلَ الْعِلْمِ فَقَالُوا إِنَّمَا عَلَى ابْنِكَ جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَأَقْضِيَنَّ بَيْنَكُمَا بِكِتَابِ اللَّهِ، أَمَّا الْوَلِيدَةُ وَالْغَنَمُ فَرَدٌّ عَلَيْهِ، وَعَلَى ابْنِكَ جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ).
فَهَذَا الرَّجُلُ مَعَ كَوْنِهِ مِنَ الصَّحَابَةِ سَأَلَ أُنَاسًا مِنَ الصَّحَابَةِ فَأَخْطَأُوا الصَّوَابَ ثُمَّ سَأَلَ عُلَمَاءَ مِنْهُمْ ثُمَّ أَفْتَاهُ الرَّسُولُ بِمَا يُوَافِقُ مَا قَالَهُ أُولَئِكَ الْعُلَمَاءُ، فَإِذَا كَانَ الرَّسُولُ أَفْهَمَنَا أَنَّ بَعْضَ مَنْ كَانُوا يَسْمَعُونَ مِنْهُ الْحَدِيثَ لَيْسَ لَهُمْ فِقْهٌ أَيْ مَقْدِرَةٌ عَلَى اسْتِخْرَاجِ الأَحْكَامِ مِنْ حَدِيثِهِ وَإِنَّمَا حَظُّهُمْ أَنْ يَرْوُوا عَنْهُ مَا سَمِعُوهُ مَعَ كَوْنِهِمْ يَفْهَمُونَ اللُّغَةَ الْعَرَبِيَّةَ الْفُصْحَى فَمَا بَالُ هَؤُلاءِ الْغَوْغَاءِ الَّذِينَ يَتَجَرَّءُونَ عَلَى قَوْلِ (أُولَئِكَ رِجَالٌ وَنَحْنُ رِجَالٌ)، أُولَئِكَ رِجَالٌ يَعْنُونَ الْمُجْتَهِدِينَ كَالأَئِمَّةِ الأَرْبَعَةِ.
وَفِي هَذَا الْمَعْنَى مَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ قِصَّةِ الرَّجُلِ الَّذِي كَانَتْ بِرَأْسِهِ شَجَّةٌ فَأَجْنَبَ فِي لَيْلَةٍ بَارِدَةٍ فَاسْتَفْتَى مَنْ مَعَهُ فَقَالُوا لَهُ اغْتَسِلْ، فَاغْتَسَلَ فَمَاتَ فَأُخْبِرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ (قَتَلُوهُ قَتَلَهُمُ اللَّهُ، أَلا سَأَلُوا إِذْ لَمْ يَعْلَمُوا، فَإِنَّمَا شِفَاءُ الْعِيِّ السُّؤَالُ) أَيْ شِفَاءُ الْجَهْلِ السُّؤَالُ أَيْ سُؤَالُ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ (إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيهِ أَنْ يَتَيَمَّمَ وَيَعْصِبَ عَلَى جُرْحِهِ خِرْقَةً ثُمَّ يَمْسَحُ عَلَيْهَا وَيَغْسِلُ سَائِرَ جَسَدِهِ) الْحَدِيثُ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُ، فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ الِاجْتِهَادُ يَصِحُّ مِنْ مُطْلَقِ الْمُسْلِمِينَ لَمَا ذَمَّ رَسُولُ اللَّهِ هَؤُلاءِ الَّذِينَ أَفْتَوْهُ وَلَيْسُوا مِنْ أَهْلِ الْفَتْوَى.
ثُمَّ وَظِيفَةُ الْمُجْتَهِدِ الَّتِي هِيَ خَاصَّةٌ لَهُ الْقِيَاسُ، أَيْ أَنْ يَعْتَبِرَ مَا لَمْ يَرِدْ بِهِ نَصٌّ بِمَا وَرَدَ فِيهِ نَصٌّ لِشَبَهٍ بَيْنَهُمَا، والْقِيَاسُ هُوَ إِلْحَاقُ الْفَرْعِ الَّذِي هُوَ غَيْرُ مَنْصُوصٍ عَلَيْهِ بِالأَصْلِ الَّذِي هُوَ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ، وَمِثَالُ ذَلِكَ وَرَدَ فِي الْقُرْءَانِ تَحْرِيمُ التَّأْفِيفِ بِالأَبَوَيْنِ نَصًّا لَكِنْ لَمْ يَرِدْ لا تَضْرِبْهُمَا لا تَجْرَحْهُمَا بِحَدِيدَةٍ إِلَى ءَاخِرِ مَا هُنَالِكَ مِنْ هَذِهِ التَّفَاصِيلِ، فَهَذِهِ مِنْ طَرِيقِ الْقِيَاسِ تُلْحَقُ بِالأَصْلِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ وَهُوَ تَحْرِيمُ التَّأْفِيفِ لِأَنَّ التَّأْفِيفَ أَذًى خَفِيفٌ بِالنِّسْبَةِ لِلضَّرْبِ وَنَحْوِهِ.
وَيُقَالُ الْقِيَاسُ هُوَ رَدُّ الْفَرْعِ إِلَى الأَصْلِ بِعِلَّةٍ تَجْمَعُهُمَا فِي الْحُكْمِ، وَهُوَ يَنْقَسِمُ إِلَى ثَلاثَةِ أَقْسَامٍ.
فَالْحَذَرَ الْحَذَرَ مِنَ الَّذِينَ يَحُثُّونَ أَتْبَاعَهُمْ عَلَى الِاجْتِهَادِ مَعَ كَوْنِهِمْ وَكَوْنِ مَتْبُوعِيهِمْ بَعِيدِينَ عَنْ هَذِهِ الرُّتْبَةِ فَهَؤُلاءِ يُخَرِّبُونَ وَيَدْعُونَ أَتْبَاعَهُمْ إِلَى التَّخْرِيبِ فِي أُمُورِ الدِّينِ، وَشَبِيهٌ بِهَؤُلاءِ أُنَاسٌ تَعَوَّدُوا فِي مَجَالِسِهِمْ أَنْ يُوَزِّعُوا عَلَى الْحَاضِرِينَ تَفْسِيرَ ءَايَةٍ أَوْ حَدِيثٍ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَسْبِقْ لَهُمْ تَلَقٍّ مُعْتَبَرٌ مِنْ أَفْوَاهِ الْعُلَمَاءِ، فَهَؤُلاءِ الْمُدَّعُونَ شَذُّوا عَنْ عُلَمَاءِ الأُصُولِ لِأَنَّ عُلَمَاءَ الأُصُولِ قَالُوا (الْقِيَاسُ وَظِيفَةُ الْمُجْتَهِدِ) وَخَالَفُوا عُلَمَاءَ الْحَدِيثِ أَيْضًا.
كَمْ مِنْ حُفَّاظٍ يَحْفَظُونَ الآلافَ الْمُؤَلَّفَةَ مِنَ الْمُتُونِ وَالأَسَانِيدِ وَأَحْوَالِ الرُّوَاةِ وَمَوَالِيدِهِمْ وَرِوَايَتِهِمْ مُقَلِّدِينَ لا يَرَوْنَ لِأَنْفُسِهِمْ رُتْبَةَ الِاجْتِهَادِ لِعَدَمِ فِقْهِ النَّفْسِ الَّتِي هِيَ شَرْطٌ فِي الِاجْتِهَادِ، هَذَا الْبَيْهَقِيُّ الَّذِي هُوَ مِنْ أَئِمَّةِ الْمُحَدِّثِينَ الْحُفَّاظِ مُقَلِّدٌ لِلإِمَامِ الشَّافِعِيِّ وَكَذَلِكَ كُلُّ الْمُحَدِّثِينَ إِلَّا النَّادِرُ مِنْهُمْ بَلَغَ رُتْبَةَ الِاجْتِهَادِ كالمازري وابن القطان الفاسي من المالكية وكَمُحَمَّدِ بنِ إِبْرَاهِيمَ بنِ الْمُنْذِرِ كَانَ دَرَسَ فِقْهَ الشَّافِعِيِّ عَلَى تِلْمِيذِ الشَّافِعِيِّ الرَّبِيعِ الْمُرَادِيِّ ثُمَّ تَمَكَّنَ فِي الْحَدِيثِ وَرُزِقَ الْفَهْمَ بِمَعَانِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ فَاجْتَهَدَ فَصَارَ اجْتِهَادُهُ يُوَافِقُ فِي بَعْضِ الأَشْيَاءِ الشَّافِعِيَّ وَفِي بَعْضٍ غَيْرَ مَا قَالَ الشَّافِعِيُّ.