صَفَاءُ المُعَامَلَةِ معَ اللهِ
2 نوفمبر 2016فوائد منثورة عن ليلة القدر والتي عرفت أكثر في تونس بليلة السابع والعشرين من شهر رمضان
2 نوفمبر 2016تحذِيرُ النّاسِ مِن تَضيِيعِ الأوقَاتِ فِيمَا لا يَنفَعُهم في الآخِرة
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى ءاله وصحبه أما بعد،
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجل وهو يَعِظُه (اغتَنِمْ خَمسًا قَبلَ خَمسٍ حَياتَكَ قَبلَ مَوتِكَ وصِحَّتَكَ قَبلَ سَقَمِكَ وفَراغَكَ قَبلَ شُغلِك وشَبابَكَ قَبلَ هَرَمِكَ وغِنَاكَ قَبلَ فَقْرِك). رواه أحمد والحاكم والبيهقي
في هذا الحديثِ تحذِيرُ النّاسِ مِن تَضيِيعِ الأوقَاتِ فِيمَا لا يَنفَعُهم في الآخِرة لأنّ الذي لا يَبذُلُ جُهْدَه في طَاعةِ اللهِ في حَياتِه فقَد فَاتَهُ الخَيرُ ويَبقَى مَعهُ النّدَمُ، والذي لا يَبذُل جُهدَه في أيّامِ شَبابِه يَعْجِز بعدَ ذلكَ عن كثيرٍ منَ الأعمالِ التي تَنفَعُه في الآخِرةِ فيَندَمُ، فَلا يَنبغي الاشتِغالُ باللّهوِ واللَّعِب عمّا يَنفَعُ الإنسانَ في قَبرِه وفي ءاخِرَتِه.
هَذا خَسَارٌ كبِيرٌ أن يُضَيِّعَ الإنسانُ أوقَاتَهُ في التلفزيون ونحوِ ذلكَ، هذَا الوقتُ الذي يَصرِفُه لهذا لو صَرفَه لطَاعةٍ منَ الطّاعاتِ أو صَرفَه بالاستِغفَارِ للَأبَوينِ ولِمَن قَبلَهُمَا مِنَ الأجدَادِ والجَدَّات كانَ عَمِلَ خَيرًا كثِيرًا، أمّا في تَعويدِ الأولادِ على أن يُمْضُوا كثِيرًا مِن أَوقَاتِهم على مِثلِ هذا اللَّهو، فكثِيرًا مَا تَكونُ العَاقِبَةُ أنّ هَذا الولَدَ بعدَ مَوتِ أَبِيهِ وأُمِّهِ يَكونُ مُشْتَغِلاً بهذا بَدَلَ أن يَشتَغِلَ بالاستغفَارِ لوَالِدَيهِ وغَيرِهما مِمَّن سَبَقَهُ إلى البَرْزَخ فيكونُ وَفَىْ بحَقِّ أقَارِبه ووَالِدَيه، هؤلاءِ يَكُونُونَ عَوّدُوا أولادَهُم على تَركِ هَذه الخَيراتِ التي تَلحَقُهم بعدَ مَوتهِم.
بَدَلَ أَن يُعَوِّدُوْهُم على قِراءةِ القُرءانِ ونحوِها مِمّا يَنفَعُهم، كانُوا نَفعُوا أَنفُسَهُم ونَفعُوا أهَالِيَهُم، فهذِه الخَصْلَةُ بِئْسَتِ الخَصْلَةُ، يَنبَغِي التَّحَرُّزُ مِنهَا.
ومِن شَأْنِ الأَبَوينِ وغَيرِهم مِنَ الأهَالي (بَعْدَ مَوْتِهِم) أنَّهم يَنْتَظِرُونَ مَاذا يَأتِيهِم مِن قِبَلَ أَولادِهم وأَهَالِيْهِم مِنَ الهدَايا بالاستِغفَارِ وإهْداءِ ثَوابِ القِراءةِ ونحوِ ذَلك، هُم يَتَشَوّقُونَ لهذا، فإذَا كانَ الولَدُ هَكذا يَصرِفُ وَقْتَهُ على التّلفزيون ونَحوِه يَكونُ حَرَمَ والِدَيهِ مَا يَشتَاقُونَ لهُ، هَذِه غَفلَةٌ شَنِيعَةٌ، فعَلَى الوَالِدَين أن لا يُعَوِّدُوا أولادَهُم على استِغراقِ النَّظَرِ في التّلفِزيون والإنترنت بلا فائِدة، وإلا حَرمُوهُم مِنَ الإهدَاءِ بَعدَ مَوتهِما، الوَلَدُ هَل يُولَدُ للتَّسَلِّي في الدّنيا فقَط، بِئْسَ الآباءُ وبِئْسَ الأولادُ الذينَ هَذِه حَالَتُهم.
الأبُ الذي يَتْرُك أولادَه يَسْتَغرِقُونَ أَوقَاتَ الفَراغِ في هَذا الأمرِ بِئْسَ حَالَةُ الأَبِ وبئسَ الأولادُ الذينَ هَذا حَالُهم، لا يُمَكَّنُ الوَلَدُ إلا مِنَ القَدْرِ الذي إذا مَنعُوهُم مِنهُ يَذهَبُونَ إلى مَحَلٍّ فيهِ شَرٌّ أَكْبَرُ، يُسْمَحُ لَهُم بالقَدْرِ الذي يَمْنَعُهُم مِنَ الذَّهَابِ إلى السِّينَما مَثَلاً. لأنَّ بَعْضَ الشَّرّ أَهْوَنُ مِن بَعْضٍ.
الأبُ والأمُّ بعدَ المَوتِ يَنتَظِرانِ هَدايا تُهْدَى لَهُمَا مِن أولادِهما وغَيرِهم مِن أقارِبهم، لأنّهُ هُناكَ يُعْرَفُ قَدْرُ هَذِه الهدَايا، أَهلُ القُبُورِ يَعْرِفُونَ قَدْرَها.
بِئْسَ الوَلَدُ الذِي يَسْتَغْرِقُ مِن أَوّلِ المَسَاءِ إلى أن ينَامَ في النّظرِ إلى التّلفزيون ولا يَذْكُر أَهَالِيَه الذِين صَارُوا مِن أَهلِ القُبُور بإرسَالِ هَدِيّةٍ لَهُم.
أَكثَرُ النَّاسِ يُرَبُّونَ أَولادَهُم كتَرْبِيةِ البَقَر، البقَرةُ يُرْجَى الانتِفَاعُ مِن حَلِيْبِها، وإن كانَت ذَكَرًا فأَهْلُ الحِراثةِ يَنْتَفِعُونَ بهِ في حِراثَتِهم للزِّراعة، هؤلاءِ الأهلُ ماذَا نَفَعَهُم أولادُهم بَعْدَ أنْ صَارُوا هُم مِن أَهلِ القُبُور؟! كانوا تَعَوَّدُوا على استِغراقِ النَّظَرِ في التّلفِزيون والإنترنت بلا فائِدة فَحَرمُوهُم مِنَ الإهدَاءِ بَعدَ مَوتهِم، هؤلاء الأهلُ كأنَّ الأَوْلادَ لَهُم للتَّسَلِّي، أَفْكَارُهم لآخِرتهِم ضَعِيفَةٌ.
في المَاضِي، النَّاسُ لَمَّا يَنْتَهُونَ مِن أَعمَالهِم يَذْهَبُونَ إلى المَسْجِد، يُصَلُّونَ المَغْرِبَ ثم يَسْتَمِعُونَ إلى دُروسِ عِلمِ الدِّين إلى العِشَاءِ، ثُمَ يُصَلُّونَ العِشَاءَ ثم يَذهَبُونَ إلى بُيوتهِم فيَمْكُثونَ وَقْتًا ثم يَنامُونَ، التُّجَّارُ عِندَما يُغْلِقُونَ حَوانِيْتَهُم هكَذا كانُوا، يَجْمَعُون بينَ الدُّنيا والدِّين، أمّا اليَوم (في الغالِبِ) نَهارُهم أَكْلٌ وشُرْبٌ وسَعْيٌ للدُّنيا ثم مَسَاؤُهُم للنَّوم ولهذَا اللَّهْو، بِئْسَتِ الحَالةُ هَذِه الحَالَةُ.
نَسْألُ الله أن يُثَبِّتَنا علَى دِين الإسلام ويُصْلَحَ شأْنَنا وشأْنَ أولادِنا وأهلِينَا.
والله سُبحانه وتعالَى أعلَم.